نشرت وسائل إعلامٍ عالمية تقارير حول تسريبات كمية ضخمة من البيانات التي تكشف معلوماتٍ عن ثرواتٍ مخفية ومنهوبة في بنك كريدي السويسري، من بينها حسابات لزعماء وقادة دول حاليين وسابقين ومسؤولين تنضوي أموالهم على شبهات بالكسب غير المشروع والفساد، بالإضافة إلى ضمها مجموعةً واسعة من التجار والأشخاص الخاضعين للعقوبات الدولية والمتهمين بارتكاب جرائم مخالفة للقانون.
بنك كريدي سويس، هو أحد البنوك السويسرية الكبرى، والذي يقع مقره الرئيسي في العاصمة السويسرية زيورخ، تأسس في العام 1856، ويقدم خدماتٍ مالية متنوعة؛ من هذه الخدمات خدمة الحسابات البنكية والودائع العالية الخصوصية للعديد من العملاء حول العالم.
صحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” الألمانية، كانت قد تلقت بياناتٍ مسربة لأكثر من 18000 حسابٍ مصرفي تتجاوز قيمتها المائة مليار دولار في بنك كريدي السويسري. من بين هذه الحسابات برزت أسماء زعماء وقادة ومسؤولين عرب سابقين وحاليين، فيما تؤمن لهم قوانين الخصوصية المالية غطاءً على الأموال المهربة والمنهوبة من ثروات شعوبهم.
مسؤولو عمان وسلطانها السابق كانوا ضمن التسريبات الصحفية التي كشفت في أكثر من مناسبة، كان أحدها تسريبات العام 2015 التي كشفت عن امتلاك 276 عمانيًا، معظمهم مسؤولون حكوميون، لحسابات سرية في بنك “HBSC” السويسري، فيما يستفيدون من قوانين حماية الخصوصية المالية لإخفاء مصادر الأموال التي يمتلكونها وحجمها.
قابوس بن سعيد
السلطان العماني الراحل قابوس بن سعيد كان أحد الأسماء من الزعماء السابقين التي برزت في التسريبات، وقد كشفت التسريبات عن امتلاكه في حساب يحمل اسمه على بنك كريدي السويسري ما يقارب مائتي مليون دولار، ولا يعرف حاليًا مصير الأموال المودعة في حسابه على بنك كريدي سويس ومن المستفيد منها بعد رحيل السلطان نهاية العام 2020 ولم يخلف أبناءً وراءه.
الصحفي البريطاني فيل ميلر، وهو صحفي استقصائيٌ بريطاني مضطلع بالشأن الخليجي والعماني، في حديثٍ له مع “مواطن”، أشار إلى أن هذا الحساب في البنوك السويسرية ليس الوحيد الذي يمتلكه السلطان الراحل قابوس بن سعيد بل هو واحد من العديد من الحسابات في بنوك مختلفة في سويسرا، هذا عدا بقية المسؤولين العمانيين. يقول فيل ميلر: “هذه ليست المرة الأولى التي تكشف فيها ملفات مسربة عن امتلاك السلطان قابوس حسابات بنكية سرية في سويسرا”.
يضيف فيل ميلر: ” في العام 2015، تبين أن السلطان قابوس يمتلك الملايين المخبأة في بنك “HBSC”، فيما يظهر التسريب الجديد لبنك كريدي سويس بأن الأموال التي يحتفظ بها السلطان في الخارج كان أكثر بكثير مما كان معروفًا سابقًا”. وكانت بعض التسريبات قد كشفت عن امتلاك مسؤولين عمانيين من بينهم السلطان قابوس في 507 حسابات بنكية مبلغًا وقدره 300 مليون دولار.
بيان لكريدي سويس
بنك كريدي سويس وعلى خلفية فضيحة التسريبات لأكثر من 18000 حسابٍ بينهم أشخاص متهمون بجرائم اتجار بالبشر وأخرون خاضعون لعقوباتٍ أممية، أصدر بياناً للرد على التسريبات التي تداولتها وسائل الإعلام على المستوى الدولي. حيث امتدت تداعياتها لاتهاماتٍ للبنك بالتستر على ثروات مشبوهة المصادر وتهربها من دفع الاستحقاقات الضريبية.
البنك في بيانه الأحد 20 فبراير،نفى ارتكابه أية مخالفات تتعلق بغسيل أموا لهذه الثروات التي ضمت في ضمنها حساباً للسلطان العماني قابوسبن سعيد يحتوي على مائتي مليون دولار. وأفاد البنك بأن بعض هذه الحسابات يعود لأربعينيات القرن الماضي، في حين شملت بيانات التسريبات حساباتٍ فتحت العام 2000، وكان رد البنك في بيانه بأن معظم هذه الحسابات قد أغلقت العام 2015 أو هي قيد التوقيف. هذا ولم يحدد البنك حساباتٍ بعينها، في حين يبقى مصير ثروة السلطان قابوس في حساب البنك مجهول المصير.
الملاذات الآمنة في أوروبا
كما كشفت التسريبات الأخيرة التي شاركت فيها عشرات الوسائل الإعلامية العالمية من بينها صحيفتا الغارديان البريطانية ونيويورك تايمز الأميركية، كشفت كثير من التحقيقات الاستقصائية والتسريبات عن تحول دول الاتحاد الأوروبي لملاذات آمنة ينقل فيها المسؤولون العمانيون أموالاً غير معروف مصادر كسبها، ولا يعرف حاليًا مصيرها، وتقوم بإخفائها في حساباتٍ بنكية سويسرية وتحويلها لممتلكات عقارية باهظة في المملكة المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي.
الجنرال العماني، سلطان بن محمد النعماني، والذي يشغل منصب وزير المكتب السلطاني، والمتورط في قيادة عمليات القمع والانتهاكات بحق المواطنين المشاركين في احتجاجات الربيع واحتجاجات العام 2021 قد كشف في تحقيقٍ استقصائي نشرته مواطن في وقتٍ سابق عن شرائه قصرًا في العاصمة البريطانية لندن من لاعب المنتخب الإنجليزي، جون تيري، بمبلغ 16 مليون جنيهٍ استرليني، هذا عدا التكلفة الباهظة التي ينفقها على القصر شهريًا. ويضم القصر الفخم لرئيس المخابرات العمانية تسع غرفٍ ويمتلك بجواره بحيرة خاصة.
يقول الصحفي فيل ميلر في حديثه مع “مواطن” بأن ظهور أموال بهذا الحجم يمتلكها السلطان قابوس في تسريبات الكشف عن حسابات خارجية تعني بأن هنالك أموالاً أكبر غير مكشوفٍ عنها، وتدفع للتساؤل أيضًا بجدية: “هذا الأمر يثير تساؤلاتٍ جدية حول كيفية جمعه لهذا القدر من الثروة الشخصية وماذا حدث لها الآن”.
وفي تعليقه على ممتلكات وعقارات المسؤولين العمانيين في الخارج يقول ميلر: ” نحن نعلم بالفعل أن رئيس مخابرات السلطان وجاسوسه – يقصد الجنرال النعماني- يمتلك قصرًا في لندن”. ويضيف متسائلاً: “كم عدد الكماليات التي اشترتها النخب العمانية بثروات بلادهم؟”.