في جلسته ليوم 27 فبراير، وافق مجلس الأمن بإجماع الدول الدائمة العضوية على تمديد عمل لجنة العقوبات في اليمن وحظر استيراد وتهريب السلاح جماعةالحوثي بشكلٍ كامل، بعد أن كان الحضر مقتصراً على شخصيات وشركات محددة في قائمة العقوبات. لكن الهدف الحقيقي الذي دفعت به دول التحالف في مشروع القرار الذي اقترحته الإمارات هو تضمين توصيف الحوثيين في القرار بالجماعة الإرهابية. قرار سيكون ما بعده على اليمن كبلد وشعب ليس كما قبله.
رسائل إماراتية
القرار يأتي هنا كرسالة إماراتية لدور التسهيلات العمانية التي تقدمها السلطنة على المستوى السياسي والعسكري بين إيران والحوثيين، وهو رسالةٌ أخرى لطهران التي أصبحت تترك الحذر في كشف طبيعة علاقتها مع الحوثيين ونوع وحجم الدعم الذي تقدمه لهم في المعركة وتأثيرها على بنك الأهداف الحوثية وعملياته العسكرية، ورسالة آخرى للحوثيين بأن أبو ظبي قادرة على الانتقام. لكن توصيف الحوثيين كجماعة إرهابية في نص القرار يبقى هو التفصيل الأكثر تأثيراً في واقع اليمنيين.
في نصوص مجلس الأمن، من النادر أن يتم توصيف جماعة بالإرهابية، ووفقاً لناشطين يمنيين في المجلس، فإن الحوثي هي تقريباً رابع جماعة في العالم يصفها المجلس بالإرهابية، بعد داعش والشباب الصومالي ومنظمة إيتا الباسكية في إسبانيا.
في تاريخها السياسي، الوصول لهذه المرحلة أثبت بأن اليمن لم تشهد من هو أكثر حماقة من جماعة الحوثي. جماعة ترتزق حتى في آلامنا وتعتاش فقط على الفوضى والدم، ولن يقنعوا إلا بعزلنا وجعلنا متخلفين أكثر. تخلفنا وعزلتنا عن العالم هي قيمتهم السامية التي يسعون دوماً لإحرازها، فهي بمثابة صمام أمان لبقاء الجماعة على رأس السلطة. لكن وصفها في قرار مجلس الأمن بجماعة إرهابية ليس الحل لإيقافها عن أعمالها التي لا تقل عن وصف العمل الإرهابي في الداخل، نحن كشعب كمواطنين وحدنا من سيتضرر منها.
الشاهد على هذه الحماقة أيضاً، أن الممارسات الحوثية التي صدر على ضوئها القرار الأخير لمجلس الأمن، مثل استهداف مناطق في العاصمة الإماراتية والسعودية، هي ممارسات لا تخدم الحوثي في الساحة العسكرية داخلياً وإنما لها بعدٌ إقليمي خالص، شيءٌ لا علاقة له او لليمن به البتة. وهذا هو ما يزيد التأكيد على حقيقة ارتزاق وتهور الجماعة.
تداعيات الوصف
وصف جماعة الحوثي في قرار مجلس الأمن بالجماعة الإرهابية هو فاتحة جهنم على اليمنيين، الحوثيون ليسوا كائنات مختلفة او محدودة جغرافياً، وهم الطرف المسيطر على الوضع في اليمن حتى اللحظة، وأي عقوباتٍ وقيود اقتصادية مستقبلية ستستهدف البلد بشكلٍ عام وليس الحوثيين. توصيفهم بالجماعة الإرهابية لن يقف عند حدود الاستثناءات التي نص عليها القرار والتي قال بأنها لن تشمل التحويلات المالية والمساعدات، بل بالتأكيد ستتجاوزه لأبعد من ذلك للحد الذي تعزل فيه اليمن وشعبها داخلياً وخارجياً.
القيود الأميركية والأممية السابقة فرضت حصاراً على الشعب اليمني وليس الحوثيين. التحويلات الخارجية لليمن بأكمله مقيدة ومحددة ومحجمة، والحركة التجارية صعبة ومكلفة، ووحده المزارع والمنتج اليمني المعتمد على تصدير بضائعه للجوار هو المتضرر، والمستهلك اليمني وحده من يدفع ضريبة ارتفاع تكاليف الاستيراد جراء الحصار.
بالطبع هذه القيود بعد هذا القرار والتوصيف للجماعة ومع توقع استمرارها في مغامراتها المتهورة، ستشمل مجالات أوسع وتضيق الخناق أكثر على اليمنيين حتى على مستوى الحوالات الشخصية التي يعتمد عليها استقرار سوق العملة الداخلية في الرافد الإقتصادي الكبير لأموال المغتربين.
تعيش إيران، وهي بقوتها وثرواتها الضخمة، وضعاً اقتصادياً سيئاً ومزرياً بسبب العقوبات الخارجية على النظام، سحق الطبقة المتوسطة والفقيرة في البلاد. حيث سجلت العام الماضي ثاني أكبر معدل تضخم في العالم بعد فنزويلا، فيما تجاوز سعر صرف الدولار الواحد فيها الثلاثمائة ألف ريال إيراني العام الماضي. هي عقوبات لا تقف عند رموز السلطات، بل الشعب هو المتضرر الحقيقي والوحيد منها.
استبعاد أي بلدٍ من نظام التحويلات المالية الدولية بشبكاتها المختلفة يعني انتهاء القيمة الفعلية لثروات هذا البلد وأمواله. الثروة هنا لن تغير في واقعك شيئاً، وسيتحول التعامل التجاري في أحسن السيناريوهات بالمقايضة المجحفة الخاضعة لرقابة الأمم المتحدة كما في تجربة الحصار العراقي. وهذا بالطبع في قراءة لدول تمتلك مخزوناً نفطياً ضخماً كالعراق وإيران ولا يصنفها العالم كمنظمات إرهابية، لذا يمكننا توقع كم سيكون الوضع مأساوياً بالنسبة لبلد فقير لا يشكل إنتاجه النفطي رقماً مؤثراً في الأسواق العالمية وتمسك بزمام سلطته السياسية منظمة إرهابية.
سيتحول اليمنيون لشعب مشبوه في مرافئ الدنيا، سيتركون للتضور جوعاً في الداخل بعقوبات تليها عقوبات مع كل تصريحٍ عنجهي ومغامرة لا غائية للجماعة كالعادة، وسيستمر الحوثي في امتصاص دمائه وحصاد أطفاله في حلقات مفرغة من الصراع ومحاربة طواحين الهواء، ليحتفظ بحقه الإلهي في حكم العالم من صنعاء.
فرص السلام
توصيف الحوثيين بالجماعة الإرهابية سيحول طبيعة الحرب في مستواها الداخلي مع كل إجراءٍ تصعيدي خارجي تجاه الجماعة. هو سيناريو آخر لحربٍ منسية يعتاد عليها العالم وتستمر كحربٍ أهلية تمتد لعقود، وتزيد الحوثيين عزلة. كما أن أي انخراط في عملية سلام سيجعل من مخرجاته حكومة صراع مهددة مرتهنة للمصالح الخارجية. حيث سيكون الحوثيون، المنظمة الإرهابية، جزءاً من هذه الدولة وخطابها العام.
الموقف الوطني
المرارة هنا في عدم الاكتراث لتداعيات هذا القرار، هي النخب التي تقيس هذه القرارات وفق المصلحة الشخصية وحدها، هي منظمات وأحزاب وقوى الداخل البائسة التي تحولت لدكاكين للارتزاق فقط ولا يعنيها قرار كهذا سوى كم سيدر عليهم لحساباتهم الشخصية مقابل تأييدهم لها أو صمتهم تجاهها.
يمكن الوقوف معهم في الدفع نحو هذا القرار في توصيف الجماعة الحوثية بالإرهابية في حين وجود قدرة حقيقية لديهم في إقصائه وإلغاء وجوده كجماعة منظمة. وهذا بالتأكيد ما أثبتت سبع سنوات من الحرب استحالة تحققه أو قدرة أطراف النزاع عليه. أما في حالة استحالة تحقيق واقعٍ كهذا فسيبقى التساؤل هو في ما حقيقة مصلحتها في قرار قد يجعل جزءاً من أي حكومةٍ مستقبلية مصنفاً على الإرهاب إذا ما افترضنا إمكانية فرض السلام، أو قد يضيق الخناق أكثر على المستوى المعيشي للمواطنين.
من جهة أخرى، قد تظهر القوى الوطنية غير ملامة إلى حد ما. قام الحوثي بقمع كل آخر وإزالته للحد الذي لم يترك لهم مجالاً ليقولوا “لا” للخارج. جعل الخارج وحده هو طوق النجاة المتاح لمواجهة صلف آلة العنف والإرهاب الحوثية، لتصبح كل تبعية للخارج هو سببها ومصدرها والدافع إليها. واليوم، وعلى خلفية قرار مجلس الأمن، فأقصى ما يقدر عليه الحوثي من رد هو وقوفه أمام هيكلٍ خاوٍ من الأحزاب والعناوين لقوى وطنية وهمية يجمعهم محمد علي الحوثي لتخزين القات في صنعاء وإصدار بيان رفض يكتبه مع سلسلة تهديدات لا تختلف في طبيعتها عن خطاب الاستهلاك الشعبي أو الموقف الدبلوماسي كعادة الجماعة.
وفي عالمٍ موازٍ لا يكاد المجتمع الدولي يراه، كنتيجة لحرمان الحوثيين له من المشاركة السياسية، يوجد الشعب الصامت الراقص على إيقاعات القوة والسلطة. شعب مغيب، أوصله قمع الحوثيين للحظة التي لم يعد فيها قادراً حتى على استيعاب مثل هكذا تحول في مسار تاريخه وبلاده وإلى أين سينتهي به، أو أن المجتمع الدولي لا يزال يضع صوته محط الاعتبار.
أما نخب الشرعية المحتفية بالقرار العاجزة عن استثماره أو التعامل معه، فهي إما أنها لا زالت بذات العقلية العندية التي أوصلت البلد لهذه المرحلة، أو أنها قد قررت أن تهدم المعبد فوق ساكنيه وتفر هي وأموالها لملاذات الخارج الآمنة.
وعلى الرغم من أن التوصيف في ديباجة قرار مجلس الأمن الدولي لجماعة الحوثيين بالإرهابية لا يعد تصنيفاً باعتبار التصنيف مسؤولية الدول الأعضاء، يضع التوصيف الجماعة تحت طائل الاستخدام الانتقائي للتوصيف في التعاملات معها، ويفرض واقعاً مستقبلياً مختلفاً يفسح المجال أمام دول الجوار المؤثرة أو الولايات المتحدة لفرض عقوبات قاسية على اليمن بغرض استهداف الحوثيين الذين يصفهم القرار بالإرهابيين.