تذكر وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أن أكثر من نصف مليون فرّوا من أوكرانيا .. المملكة المتحدة ترفض فتح حدودها بالكامل أمام اللاجئين الأوكرانيين .. الاتحاد الأوروبيّ يفتح ذراعيه لاستقبال اللاجئين من أوكرانيا .. المجر تفتح أبوابها أمام اللاجئين الأوكرانيين .. الأمم المتحدة: 660 ألف لاجيء فروا من أوكرانيا خلال 6 أيام .. وصل أكثر من 377 ألف لاجيء إلى بولندا قادمين من أوكرانيا منذ بداية العملية العسكرية .. طلائع اللاجئين الأوكرانيين في ألمانيا يؤكدون أن “العودة غير ممكنة”.. استنفار أوروبي لاحتواء أزمة اللاجئين من أوكرانيا .. إيطاليا تعلن عن استقبال اللاجئين الأوكرانيين حتى آخر العام.
لا صوت يعلو فوق صوت ملف اللاجئين الأوكرانيين الذي سيحُل كأهم الملفات التي سيعمل عليها المعسكر الأوروبي ومعسكر الأمم المتحدة كنتاج للحرب الروسية الأوكرانية مهما آلت نتائجها، إلا أننا أمام حقيقة هامة وهي أن التركيب الديموجرافي لدولة أوكرانيا سيتأثر بشكل كبير بقدر تأثر اقتصاده وبنيته التحتية وقطاعاته الصناعية والخدمية جراء الحرب، كذلك التركيبة العِرقية والدينية والثقافية للاجئين ستلعب دورًا محوريًا وجليًا في هذا الملف. ومن هُنا فإن ملف اللاجئين والفارين من أوكرانيا يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار كالذي يحدث مع التعامل مع الوضع السياسي والعسكري والدبلوماسي؛ فبين حدود الوطن الأوكراني تدفق الكثير وفرّ البعض وآخرون عالقون على الحدود لا يعلمون مصيرهم وبأي دولة ستحل أقدامهم بحثا عن وطنٍ جديدٍ وآمن بعيدا عن ويلات الحرب وقذائف روسيا.
إلا أنه يبدو أن المعارك والحرب القائمة في أوكرانيا لم تغير شيئا من نهج وتعامل حكومات بعض الدول الأوروبية المناهض للهجرة والمهاجرين، بل على العكس، ويكأن تلك الحرب كانت فرصة أخرى لتكريس رفضهم لاستقبال “المُهاجر المختلف” واستعدادهم لاحتضان من هم “مثلهم”.
حسابات عدة على وسائل التواصل الاجتماعي وثقت عمليات التمييز والتعامل المُزدوج التي تعرض لها عرب وأفارقة على الحدود مع بولندا، حيث لم يسمح لهم بعبور الحدود والحصول على مأوى. مراسلون صحفيون لوسائل إعلامية دولية وقعوا أيضا في فخ التمييز والإثنية، مع وصفهم الأوكرانيين بأنهم “بيض ومتحضرين“، في مقارنة غير مباشرة مع المهاجرين الذين “اعتادت” تلك الدول على استقبالهم.
"هؤلاء لاجئين بيض البشرة وشقر، ينتمون لنفس الحضارة، ربما من أجل ذلك تسهل بولندا دخولهم إلى أراضيها .. معظمهم مسيحيون .. يملكون حسابات على انستجرام ونتفليكس .. إنهم متحضرون ..إلخ"
ما سبق كان بعضا من الجمل التي تفوه بها صحفيون تابعون لمؤسسات إعلامية أوروبية ضخمة، كانوا يتحدثون عن تسهيل بولندا دخول اللاجئين الأوكرانيين إلى أراضيها، في حين تُفرض بعض القيود على بعض الجنسيات الأخري”
She didn’t get the memo. “To put it bluntly, these are not refugees from Syria, these are refugees from Ukraine... They're Christian, they're white, they're very similar." pic.twitter.com/1Ch88mtx5K
— Arwa Ibrahim (@arwaib) February 27, 2022
عبر اللاجئون الأوكرانيون الحدود إلى الدول المجاورة في الغرب، مثل بولندا ورومانيا وسلوفاكيا والمجر ومولدوفا. وقالت الأمم المتحدة يوم الاثنين 28 فبراير إن أكثر من 670 ألف شخص دخلوا هذه البلدان من أوكرانيا جراء الحرب الدائرة. ووفقًا للأمم المتحدة، استقبلت بولندا حتى الآن أكثر من 377 ألف لاجئ. وتقول الحكومة البولندية إن 50000 آخرين يصلون كل يوم. وتعد بولندا أيضًا قطارًا طبيًا لنقل الجرحى الأوكرانيين، وقد وضعت قائمة تضم 1230 مستشفى لإرسالهم إليها. وقد استقر أكثر من مليون أوكراني في بولندا في السنوات الأخيرة، خاصة منذ عام 2014، عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم.
يُقال للاجئين إنهم لا يحتاجون إلى وثائق لدخول البلدان المجاورة، لكن يُفضل أن يكون لديهم جوازات سفر داخلية أو أجنبية وشهادات ميلاد للأطفال المسافرين معهم ووثائق طبية. للحصول على وضع اللاجئ، يجب أن يكون المُهاجِر مواطنًا أوكرانيًا أو ضمن الأفراد الذين يعيشون بشكل قانوني في أوكرانيا، مثل الطلاب الأجانب. ومع ذلك، فقد انتظر الكثير من الناس لمدة تصل إلى 60 ساعة للعبور من النقاط الحدودية إلى بولندا، في طقس متجمد، وفي طوابير يصل طولها إلى 15 كيلومترًا، وأولئك الذين يدخلون رومانيا ينتظرون لمدة تصل إلى 20 ساعة، ولم يتمكن الكثيرون من ركوب القطارات التي تقلهم من المدن الأوكرانية.
وتقدر الأمم المتحدة أن هناك الآن ما لا يقل عن 160 ألف شخص في أوكرانيا فروا من الحرب ونزحوا داخل بلادهم، ويعتقد الاتحاد الأوروبي أن هذا الرقم قد يرتفع إلى سبعة ملايين وأن 18 مليون أوكراني سيتأثرون بالحرب. وهُنا صرّح جانيز ليناركيتش المفوض الأوروبي للمساعدات الإنسانية وإدارة الأزمات، قائلًا: “على الرغم من أن هذه التقديرات تقريبية للغاية، إلا أن الأرقام ضخمة وعلينا الاستعداد لهذا النوع من الطوارئ الذي له أبعاد تاريخية”.
وتقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إنها تحاول مساعدة النازحين داخلياً لكن الحرب تجعل سفر عمال الإغاثة في أنحاء أوكرانيا غير آمن، ولذا تستعد الأمم المتحدة لتقديم المساعدة في غرب أوكرانيا، حيث يكون الوصول أسهل.
آلاف الأوكرانيين وغير الأوكرانيين تدفقوا إلى معبر “ميديكا” الحدودي مع بولندا في محاولة منهم لمغادرة البلاد بسبب التدخل العسكري الروسي والضربات العسكرية التي تطال العديد من المدن الأوكرانية. جاؤوا من مدن عديدة، كالعاصمة كييف وخاركيف ولفيف وروستف، على متن سيارات خاصة أو حافلات وفي ذهنهم هدف واحد: العبور إلى بولندا المجاورة حيث تم تجهيز بعض المراكز لاستقبالهم وإيوائهم. وحسب أحد التقارير التي أعدتها قناة فرانس 24، فهناك ازدحام غير عادي للسيارات الذي يبدأ من نهاية مدينة لفيف تقريبا (وهي آخر مدينة أوكرانية على الحدود مع بولندا، على مسافة 75 كيلومترا) إلى غاية نقطة المعبر والقوافل الإنسانية التي تسير في الظلام لتدرك بأن أزمة إنسانية حقيقية قادمة لا محالة في أوكرانيا.
هل العودة إلى المنزل ممكنة؟
تُصرِح اللاجئة الأوكرانية سفيتلانا لوكالة فرانس برس؛ حاملة طفلها البالغ عامين بين ذراعيها، بينما كانت تنتظر مع رفيقها تسجيلها في مركز استقبال برلين: “كان هذا حدسًا. عندما توقفت الطائرات عن الإقلاع، عرفت أن شيئًا خطيرًا يبدأ”، وتستكمل حديثها: “في غرب البلاد، لم نجد مكانًا لننام فيه”، وتجهش بالبكاء، وتقول: “لا يمكننا العودة إلى المنزل”
منذ سقوط القاذفات الروسية على الأراضي الأوكرانية، توجه الغالبية غربًا إلى بولندا، ومعظمهم من النساء والأطفال. آخرون فروا إلى المجر ومولدوفا ورومانيا
تحكي أولجا الأم التي تبلغ من العمر 36 عامًا وقد فرت من العاصمة كييف، لمراسل مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة: “قد غادرنا المدينة بالسيارة يوم الخميس برفقة ابنتي (8 أعوام) وابني البالغ من العمر عامين، وكذلك جارتي وابنتي. وبعد ثلاثة أيام على الطريق، وصلنا إلى بلدة زوسين الحدودية البولندية. لقد فررنا بمجرد سقوط القنابل الأولى”. وتردف وهي تسرد معاناتها: “لقد استغرقنا 12 ساعة فقط للخروج من كييف. عادة، كانت الرحلة تستغرق سبع ساعات، انتظرنا 36 ساعة منذ وصولنا، في طابور يبلغ طوله 14 كيلومترًا. إلا أنه يمكن للأشخاص الذين يصلون سيرًا على الأقدام تخطي خط المرور الطويل ودخول بولندا بشكل أسرع.” وتذكُر أنهم لم يتمكنوا خلال الرحلة بأكملها من العثور على وجبة ساخنة أو مرحاض. وتمنت أولجا أن تتوقف القنابل. أن يتوقف القتل. وأن تتمكن من العودة إلى المنزل مرة أخرى.
الشابة صوفيا، وهي أم أوكرانية فرت من العاصمة كييف برفقة ابنها الصغير بسبب القصف الروسي المستمر، وقالت: “غادرنا المدينة الأربعاء الماضي على متن حافلة. لكن قبل أن نصل إلى المعبر الحدودي بنحو 20 كيلومترا، نزلنا من الحافلة وواصلنا الرحلة مشيا على الأقدام لأن الازدحام المروري كان خانقا بسبب الكم الهائل من السيارات التي تسير باتجاه الحدود”، وأضافت: “شاهدنا طائرات عسكرية روسية وهي تقصف مستودعا من الأسلحة على بعد حوالي 5 كيلومترات من منزلنا. انتابنا الخوف الشديد، فلم أكن قادرة أن أقول لأولادي يجب علينا أن نغادر المنزل وبسرعة”. وانتظرت صوفيا أمام مبنى المعبر الحدودي عدة أيام لكي تدخل إلى بولندا رفقة ابنها ونساء أخريات.
وفي تقرير أعدته قناة فرانس 24 ذكر أيضًا عمار العمري (24 عاما) وهو شاب جزائري كان يدرس الموسيقى في الجامعة بكييف، أنه قد وصل إلى المعبر الحدودي مع بولندا مساء الجمعة قادما من العاصمة الأوكرانية برفقة العديد من زملائه الطلبة وعلى متن حافلة. وقال لفرانس 24: “كنا نائمين في المدينة الجامعية حتى سمعنا انفجارات مدوية. كانت الساعة تشير آنذاك إلى الرابعة صباحا تقريبا. استيقظنا بسرعة وبهلع لا يمكن وصفه. في البداية لم أفكر في الهجوم الروسي لأنني كنت دائما أعتقد بأن بوتين لن يهاجم أوكرانيا، لكن عندما اتصلت ببعض الزملاء أكدوا لي بأن الطائرات العسكرية الروسية هي التي قصفت بعض المواقع في كييف”.
وتابع عمار: “قررنا بسرعة مغادرة كييف على متن حافلة رفقة طلاب أخرين واتجهنا إلى الحدود البولندية. الرحلة استغرقت حوالي 30 ساعة، وعندما تبقى لنا 25 كيلومترا، اضطررنا لإنهاء السفر مشيا على الأقدام لأن الحافلة لم تكن قادرة على التحرك من مكانها بسبب الازدحام الهائل للسيارات”.
وتقول إحدى الفارات الأوكرينيات مُلخِصة معاناة نزوح وهجرة الأوكراني: نحن نغادر اليوم لأننا نخشى أن يقتلنا الجنود الروس. نخشى بشدة أن يصيب صاروخ منزلنا، في الطابق السفلي الذي نختبئ فيه. نحاول المغادرة فقط للبقاء على قيد الحياة، جئنا إلى هنا مع أطفالنا وحيواناتنا، ونحاول إيجاد مكان أكثر أمانًا لهم”.
اللاجئ هو لاجئ، سواء أوروبي أو أفريقي أو آسيوي
لاجئون من أوكرانيا يمسكون بأطفالهم في أحدى يديهم وممتلكاتهم في اليد الأخرى، ويتم الترحيب بهم بحرارة من قبل قادة دول مثل بولندا والمجر وبلغاريا ومولدوفا ورومانيا.
يُصرح رئيس الوزراء البلغاري كيريل بيتكوف للصحفيين في وقت سابق من هذا الأسبوع عن الأوكرانيين بشكلٍ مثير للجدل ويقول: “هؤلاء ليسوا اللاجئين الذين اعتدنا عليهم … هؤلاء الناس أوروبيون، هؤلاء الناس أذكياء، إنهم أناس متعلمون، هذه ليست موجة اللاجئين التي اعتدنا عليها، أناس لم نكن متأكدين من هويتهم، أناس لديهم ماض غير واضح، والذين يمكن أن يكونوا حتى إرهابيين”، وأضاف: “بعبارة أخرى، لا توجد دولة أوروبية واحدة الآن تخشى الموجة الحالية من اللاجئين”
رئيس وزراء بلغاريا : "سنرحب باللاجئين الأوكرانيين ، فهؤلاء أوروبيون أذكياء ومتعلمون، ولا يملكون ماضياً غامضاً كأن يكونوا إرهابيين". #عنصري pic.twitter.com/oMZUepsN8C
— وسيلة عولمي (@wassilaoulmi) February 27, 2022
يتذكر محمد عُقبة السوري في حديثه لوكالة NPR الإذاعية الأمريكية، مشواره مع اللجوء والفرار من مسقط رأسه في درعا عام 2018. وهو يعيش الآن في إسبانيا، وقد أسس مع لاجئين سوريين آخرين أول مجلة ثنائية اللغة باللغتين العربية والإسبانية. وقال إنه لم يتفاجأ من تصريحات بيتكوف وآخرين.
رجّ محمد ذاكرته رجًّا، وهو يتابع الأحداث في أوكرانيا. وتذكر كيف كن سابقًا مثل آلاف الأوكرانيين؛ إذ كان عليه أيضًا أن يحتمي تحت الأرض لحماية نفسه من القنابل الروسية. كما كافح في ركوب حافلة مزدحمة للفرار من بلدته، كما تم فصله عن أسرته على الحدود. يستطرد محمد عُقبة: “اللاجئ هو لاجئ، سواء أوروبي أو أفريقي أو آسيوي”. وأردف: “عندما يتعلق الأمر بأوكرانيا ، فإن التغيير في لهجة بعض أكثر القادة المناهضين للهجرة تطرفاً في أوروبا كان مذهلاً، من “لن نسمح لأي شخص بالدخول” إلى “إننا نسمح للجميع بالدخول.”
ومن المُلاحظ أن الانتقاد هذا لم يتم توجيهه فقط إلى الساسة والحكوميين حين يصرحون عن اللهجة وخصوصا عن المهاجرين أو اللاجئين الأوكرانيين، فقد تعرض بعض الصحفيين لانتقادات لاذعة بسبب الطريقة التي يكتبون بها عن اللاجئين الأوكرانيين ووصفهم. فمثلا قال مذيع في قناة الجزيرة الإنجليزية: “هؤلاء أناس ميسورو الحال وينتمون إلى الطبقة الوسطى، ومن الواضح أن هؤلاء ليسوا لاجئين يحاولون الهروب من مناطق في الشرق الأوسط، وفي شمال إفريقيا، إنهم يبدون مثل أي عائلة أوروبية تعيش بجوارها.
الذي دفع القناة إلى تقديم اعتذار ووصفت تعليقات المذيع بأنها لا تنُم عن شعورٍ أو مسؤولية. وحدث الأمر ذاته مع شبكة سي بي إس نيوز التي قدمت اعتذارا بعد أن قال أحد مراسليها: “إن الصراع في كييف لم يكن مثل العراق أو أفغانستان اللتين شهدت صراعًا مستمراً لعقود، فهذه مدينة متحضرة نسبيًا وأوروبية بدرجةٍ كبيرة”.
هل العِرق والإثنية يلعب دورًا في اللجوء؟
أبرزت الأزمة الروسية الأوكرانية وملف المهاجرين الأوكرانيين الأجندة ثنائية المعايير للإدارة الأوروبية في التعامل مع ملف المهاجرين، وجراء الموقف الأخير الترحيبي للحكومات الأوروبية خصوصا أمم الغرب الروسي كلاتفيا وأستونيا وبولندا، يرى جيف كريسب، الرئيس السابق للسياسة والتطوير والتقييم في مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، على أن العِرق والدين يؤثران في معاملة اللاجئين. وهو مثل الكثيرين، قد صدمته المعايير المزدوجة التي أبرزتها التصريحات والبيانات الصحفية للدول المستضيفة للاجئين الأوكرانيين.
ويشير كريسب إلى أن البلدان التي كانت مواقفها سلبية سابقًاب شأن قضية اللاجئين، وكانت تُشكِل صعوبة على الاتحاد الأوروبي في تطوير سياسة متماسكة للاجئين على مدار العقد الماضي، تقدمت فجأة برد أكثر إيجابية، مُلوِحًا إلى أن الأمر تغير حينما تعلق بلاجئين من دولة أوروبية كأوكرانيا.
وتُذكرنا هذه الازدواجية بالعام الماضي حينما تُرك مئات الأشخاص، معظمهم من العراق وسوريا وأيضًا من إفريقيا، عالقين في منطقة خالية بين بولندا وبيلاروسيا، حيث اتهم الاتحاد الأوروبي الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو باستدراج آلاف الأجانب إلى حدوده ردًا على العقوبات. في ذلك الوقت، منعت بولندا المهاجرين العالقين من الوصول إلى جماعات الإغاثة والصحفيين، ولقي أكثر من 15 شخصا حتفهم في البرد.
في غضون ذلك، تعرض الاتحاد الأوروبي لانتقادات شديدة بسبب تمويله لليبيا وإيعاذه لها لاعتراض المهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى شواطئها في البحر الأبيض المتوسط، مما ساعد على إعادتهم إلى مراكز الاحتجاز المسيئة، والمميتة في كثير من الأحيان.
وهُنا كتبت لينا كارامانيدو، وهي باحثة مستقلة في مجال الهجرة واللجوء في اليونان، على حسابها في تويتر: “لا توجد طريقة لتجنب الأسئلة حول العنصرية الراسخة في سياسات الهجرة الأوروبية عندما نرى مدى اختلاف ردود أفعال الحكومات الوطنية ونخب الاتحاد الأوروبي تجاه الأشخاص الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا”.
But there is no way to avoid questions around the deeply embedded racism of European migration policies, when we see how different the reactions of national governments and EU elites are to the people trying to reach Europe. This can't just be brushed under the carpet.
— Lena K. (@lk2015r) February 25, 2022
وتشير التقارير العالمية أن عدد اللاجئين القادمين من أوكرانيا سيفوق عدد اللاجئين الذي دخلوا أوروبا في صيف عام 2015. في ذلك الوقت دخل أكثر من مليون لاجئ هاربين من الحرب السورية إلى وسط أوروبا قادمين من تركيا عبر اليونان، واتجه أغلبهم إلى ألمانيا. ولم تتمكن دول الاتحاد الأوروبي من إيجاد آلية توزيع عادلة ومتضامنة فيما بينها، رغم أن القانون يقول إن المسؤول الأول عن دراسة طلب اللجوء هي دولة الدخول.
في حين رفضت الدول التي تقودها حكومات ذات توجهات قومية محافظة قبول طلبات اللجوء، مثل المجر وبولندا والنمسا، حيث كانت قضية التضامن بين الدول في هذا الشأن أكبر نقطة خلاف داخل الاتحاد الأوروبي، إلا أن المواقف قد تغيرت وتبدلت هذه المرة حينما تعلق الأمر بدولة أوروبية (أوكرانيا)، وصرحت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر؛ قائلة: “لأول مرة تندلع حرب كبيرة في أوروبا، الأمر الذي يدفع الدول الأعضاء إلى التفكير بشكل مختلف. وترى فيزر أن هناك “نقلة نوعية” في طريقة التفكير.”
يتجلى ذلك حينما توجه رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان المناهض للهجرة، إلى الحدود وخفف من القواعد الصارمة للجوء في البلاد، وكثيرا ما كان فيكتور أوربان يقدم نفسه على أنه الحصن الأول في أوروبا ضد الهجرة، وقد أقام بعد ذلك سياجًا من الأسلاك الشائكة على الحدود مع صربيا وكرواتيا، لكنه فتح الآن أبواب بلاده على مصراعيها وأظهر اتحاده مع بروكسل التي كثيرًا ما اختلف معها حول قضية الهجرة، بعد أن كان يصف اللاجئين في السابق بأنهم تهديد لبلاده، واتُهمت حكومته بحبسهم وتجويعهم.
وكذلك في أقصى الغرب، قال المستشار النمساوي كارل نهامر: “بالطبع سنستقبل لاجئين إذا لزم الأمر”. وعندما كان يشغل منصب وزير الداخلية في السابق، حاول منع بعض الأفغان الذين يبحثون عن ملاذ بعد أن أطاحت طالبان بالحكومة في كابول من دخول البلاد. ونقل عنه قوله خلال مقابلة في برنامج تلفزيوني وطني: “الوضع مختلف في أوكرانيا عنه في دول مثل أفغانستان”.
ومع تدافع المزيد والمزيد من الناس للفرار من أوكرانيا ، ظهرت عدة تقارير عن مواطنين نيجيريين وهنود ولبنانيين، عالقون على الحدود. على عكس الأوكرانيين، فيحتاج العديد من غير الأوروبيين إلى تأشيرات لدخول البلدان المجاورة في حين كانت السفارات في جميع أنحاء العالم تتدافع لمساعدة مواطنيها في العبور.
وقد تم نشر مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تحت وسم AfricansinUkraine# أظهرت منع الطلاب الأفارقة من ركوب القطارات خارج أوكرانيا لإفساح المجال للأوكرانيين. الذي دفع الاتحاد الأفريقي إلى نشر بيان مفاده أن لكل فرد الحق في عبور الحدود الدولية للفرار من الصراع. وقالت الهيئة القارية الإفريقية إن التقارير التي تفيد باستهداف الأفارقة بمعاملة مختلفة غير مقبولة وتُعد عنصرية بشكل صادم وتنتهك القانون الدولي، وحثت الهيئة جميع الدول على إظهار نفس التعاطف والدعم لجميع الأشخاص الفارين من الحرب بغض النظر عن هويتهم العرقية.
Dear people of Gaza, Yemen, Libya, Somalia… please immediately open a Netflix account and Instagram account to receive humane and sympathetic commentary from western pundits. Then an only then, will you be like us. https://t.co/XELJEkidlB
— Ayman (@AymanM) February 27, 2022
وقام مسؤول في وزارة خارجية جنوب أفريقيا بنشر تغريدة على موقع تويتر يذكر فيها أن طلابا من جنوب أفريقيا تعرضوا لمعاملة سيئة على الحدود الأوكرانية البولندية. ورغم ذلك مازال موظفو سفارات الدول الأفريقية يحاولون تمكين مواطنيهم من عبور المعابر الحدودية مع بولندا، الذي يتناقض مع تصريح يلفا يوهانسون مفوضة الشؤون الداخلية والهجرة في الاتحاد الأوروبي، والتي أوضحت أن الحدود الأوروبية أيضًا مفتوحة لعير الأوكرانيين الذين يعيشون في أوكرانيا ويرغبون بالسفر إلى بلدانهم الأصلية، وأردفت أنه يجب مساعدتهم، كما يمكن لمن يحتاج الحماية تقديم طلب لجوء في الاتحاد الأوروبي.
كما وصلت أنباء عن اضطهاد على حدود أوكرانيا إلى رئيس الاتحاد الأفريقي ورئيس السنغال ماكي سالي، وكذلك إلى رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي محمدي، اللذين قالا إنهما قلقان للغاية بشأن التقارير الواردة من أوكرانيا. وقد أصدروا بيانًا أكدوا فيه أن هذا تمييز غير مقبول، وأن هذه الحالات، إذا كانت صحيحة، كانت مروعة للعنصرية وانتهاكًا للقانون الدولي.
كما استاءت السُلطة في نيجيريا مما يحدث، وطالبت السلطات الأوكرانية بمعاملة جميع اللاجئين على قدم المساواة.وقال جاربا شيهو، مستشار الرئيس النيجيري جاربا: “لقد تلقينا تقارير تفيد بأن الشرطة والجيش الأوكرانيين لن يسمحوا للنيجيريين بركوب حافلات تقل لاجئين إلى بولندا”. كما أشار إلى حالة تم فيها سحب امرأة نيجيرية لديها طفل صغير من حافلة لإفساح المجال للأوكرانيين، وأضاف أن العنصرية استمرت بعد ذلك في بولندا، حيث يُزعم أن السلطات تمنع أيضًا دخول المواطنين النيجيريين.
حساب آخر على تويتر نقل شهادة لشخص أفريقي مقيم في أوكرانيا وكان يسعى للهرب إلى بولندا، قال فيها إنه لا يسمح لأحد بعبور الحاجز (إلى بولندا)، سوى الأوكرانيين. حتى لو كانت امرأة سوداء مع أطفالها، لن يسمح لها بالمرور”، الأمر نفسه يحدث في أوكرانيا ذاتها، حيث يظهر في مقطع فيديو نشر على تويتر، امرأة سوداء تحاول ركوب قطار على رصيف في محطة قطار أوكرانية. رجال يرتدون زيا عسكريا منعوها من دخول القطار وهم يهتفون “لا، لا”. بعد بضع دقائق، سُمح لامرأة بيضاء بالصعود إلى القطار. حسابات أخرى تحدثت عن معاناة المئات من الطلاب والعائلات اليمنيين العالقين على الحدود مع بولندا. هؤلاء رُفض السماح لهم بدخول البلاد على الرغم من محاولة سفارة بلادهم التدخل لتسهيل أمورهم. ومعاناة الطلاب الأفارقة و واليمنيين والمصريين والمغاربة وغيرهم لا تزال مستمرة منذ أيام، من المهاجرين الخاضعين للتمييز حتى أثناء سعيهم للهرب من القنابل والنجاة بحياتهم.
حتى أن بعض صحف روسيا قامت بالإشارة إلى ذلك الملف الخاص بالعنصرية تجاه المهاجرين، فنرى مقالة اليوم 2 مارس في جريدة إزفستيا ذائعة الصيت في روسيا، بعنوان “العرب والأفارقة يواجهون العنصرية عند مغادرة أوكرانيا”، وروى فيها ألكسندر سومتو أوراه الطالب النيجيري -الذي جاء إلى كييف للدراسة في كلية الإدارة والقيادة- معاناته وزملائه حينما قرروا مغادرة أوكرانيا وميدان الحرب.
مع بدء العمليات العسكرية الروسية في العاصمة الأوكرانية، قرر سومتو وزملاؤه، ومعظمهم من غرب إفريقيا، مغادرة المدينة والتوجه إلى الحدود مع بولندا. كان الآلاف من الناس في محطة السكك الحديدية في كييف، وأراد الجميع الحصول على الوقت لركوب السيارات. لم يسمح لهم الحراس والمرشدون بالدخول. وقالوا إن الأماكن مخصصة للنساء وكبار السن والأطفال فقط. ويضيف ألسكندر: “لكنني رأيت نساء من الهند وأفريقيا هناك، ولم يُسمح لهن أيضًا. لذلك، أخبرنا أحد الرجال في المحطة: لا توجد أماكن للسود”
وذكرت الصحيفة أن الكثير من طُلاب من جنوب إفريقيا والكونغو والدول العربية والهند قد واجهوا مشكلة مماثلة. كما قالت لورين بلاو، عضوة لجنة الإخلاء من الأزمة الأوكرانية : “قرر الأوكرانيون إنشاء منطقة دولية في الوسط يفصلون فيها بين الهنود والأفارقة”.
ورأينا مقالة في موقع تليفزيون 360 الروسي يبرز مانشيتها العبارة الآتية: “يرحب الاتحاد الأوروبي بالأوكرانيين ، وليس العرب والأفارقة. السياسيون ينفثون الخطب العنصرية الصريحة”.
ووفقًا لصحيفة “الصباح” الكرواتية، فإن مواطني الدول الأفريقية الذين يحاولون الهروب من الجحيم العسكري في أوكرانيا يواجهون العنصرية، ويتم منعهم بكل طريقة ممكنة من استخدام وسائل النقل العام من قبل مسلحين. وهُنا قالت طالبة الطب في زيمبابوي المولد، كورين سكاي البالغة من العمر 26 عامًا، إن الوضع في أوكرانيا يذكرنا بأفلام نهاية العالم التي يتجول فيها مدنيون مسلحون في أنحاء المدينة. أكدت كورين، والدة طفل يبلغ من العمر تسعة أشهر، للصحافيين البريطانيين أنها تعرضت للتهديد بسبب لون بشرتها عند نقاط التفتيش؛ حيث سافرت هربًا من الصراع الروسي الأوكراني المتصاعد. وقد وصلت كورين إلى الحدود مع رومانيا وما زالت هناك تنتظر دخول هذا البلد. وقالت أيضًا إن الأوكرانيين يتعاملون معها بقسوة ويعتقدون أن لديهم ميزة في الإخلاء.
وذكرت جريدة روصربيا (صحيفة صربية ناطقة بالروسية) أنه تم الإبلاغ عن مشكلة مماثلة من قبل المواطن النيجيري أوسارومين، وهو أب لثلاثة أطفال، الذي قال إن المسؤولين الأوكرانيين طلبوا منه ومن أسرته التخلي عن مقاعد في حافلة اللاجئين الأوكرانية، وقال السائق والجنود المسلحين له: “الزنوج غير مسموح لهم بالسفر”. يستطرد أوسارومين: “إنني لم أر أبدا أي شيء مثل ذلك. عندما أنظر إلى الأشخاص الذين يمنعوننا من الخلاص، أرى العنصرية في أعينهم. هذا يحدث ليس فقط مع الأفارقة، ولكن أيضًا مع الهنود والعرب والسوريين. وأردف: “هذا غير مقبول”.
إلا أنه خلال البحث الموسع بالصحف والمنابر الإعلامية الاوكرانية، لم نجد أي حديث عن عنصرية يلقاها اللاجئون خصوصا الأفارقة والهنود والشرق أوسطيين. وفي العموم إن كانت معاناة الأوكرانيين ضِعف، فهي أضعاف بالنسبة للاجئين العرب والأفارقة والأسيويين في أوكرانيا، ونتمنى أن تكون المقالة هذه بادرة في النظر في ملف الهجرة الأوكراني خصوصا، وملف الهجرة عموما، ووضع معاييرها وأسسها التي أبرزت ازدواجية وعنصرية والكيل بمكيالين تحت المُلاحظة، وإن كان من الصعوبة بمكان شرعنة وتقنين فِعل “الهِجرة” و “اللجوء”، فعلى الأقل لابد أن تقوم المنابر الصحفية والجهات البحثية بدورها لفضح وكشف مثل السياسات التي يروح ضحيتها اللاجيء الذي فرّ من بلده بسبب معاناته والتي يجدها تتضاعف حين النزوح لبلد مضيف ينظر إلى لونه وعرقه ودينه قبل أن ينظر إليه كـ “إنسان”.