قبل ليلة عيد الميلاد تجولت في أحد الأحياء الشعبية في القاهرة لشراء بعض المستلزمات النسائية وكلما دخلت أحد المحال التجارية قابلني البائع بابتسامة وهنأني بقدوم العيد، لم أفهم لماذا أستقبل كل هذه التهاني حتى سألني أحدهم قائلاً: “انتي مبتجيش الكنيسة ليه؟” ففهمت أن كل من هنأني يعتقد أني مسيحية الديانة، فقط لأنني لا أرتدي حجاب!
حين أثرت الأمر مع صديقاتي وجدت أن من لا ترتدي حجابا من بينهن تقابل مواقف شبيهة في مكان العمل وفي الأسواق. تساءلتُ لماذا يُظن في أي امرأة لا ترتدي غطاء للرأس أنها مسيحية ؟
نعم أنا امرأة مسلمة لا أرتدي الحجاب، واكتشفت أن معاملة من حولي لي على أنني امرأة مسيحية خير لي من أن يُنظر لي على أنني مسلمة تاركة “لفريضة” الحجاب، فالتفريط في تلك “الفريضة” المفترضة يجعل البعض يتصور إباحة قتلي وضربي وتشويههي لأنني في نظرهم “كافرة” أو “داعرة”.
في مصر: حجاب المرأة ملك المجتمع !
لا أبالغ ولا أطرح افتراضات، فكل ما وصفته أعلاه حدث بالضبط مع رانيا رشوان، الفتاة المسلمة التي خلعت الحجاب فتعرضت للضرب من قبل أهالي قريتها بمحافظة الفيوم غرب مصر بعد أن اتهموها فى شرفها وأخلاقها وطالبوا بتهجيرها عن قريتهم، بل وصل الأمر حد اختطافها والاعتداء عليها جسدياً. ظهرت رانيا في فيديو تستغيث فيه وتطلب نجدتها وحمايتها من أولئك المعتدين.
صنع العرب لاسيما المصريين، من أنفسهم حماة للدين الإسلامي فأصبح الكثير منهم يتصورون أنفسهم حراسا للفضيلة والأخلاق ، وواقعة فتاة الفستان، هي أبلغ تعبير عن تلك الحالة، فحينما ذهبت “حبيبة طارق” إلى جامعة طنطا، لكي تؤدي امتحاناتها نصف السنوية، سألها المراقب عن دينها، ثم سمعت إحدى المراقبات تقول لأخرى: “دي مسلمة قلعت الحجاب وبقيت مش محترمة!” وكأن الحجاب هو الدليل القاطع على العفة والحياء.
هل تنتهي القضية عند رانيا، أو حبيبة ؟! قد يكون ما حدث للصيدلانية إيزيس مصطفى، من قبل زميلاتها في العمل بعد أن تعدين عليها بالضرب، كما ذكرت في المحضر الرسمي الذي حررته في قسم شرطة بالزقازيق، هو وثيقة تأكيد أن ثقافة المجتمعات العربية الدينية تحتاج إلى عقود طويلة من العمل لكي تتغير مثلما أخذت عقودا أطول حتى تصبح بالصورة العنيفة التي عليها الآن.
في الخرطوم: ديانة الطيبية مهمة للمريض!
تقول الطبيبة فجر فايز، من الخرطوم، في حديثها ل”مواطن” دائماً ما يسألها المرضى عند زيارتها في العيادة لإجراء كشف طبي عن ديانتها، فقط لأنها امرأة بدون حجاب، وبعض زائري العيادة من النساء المرتديات للنقاب يرفضن أن تمارس الطبيبة فحصها الطبي عليهن إلا بعد التأكد من أنها مسلمة، وتقول: ” يحدث معي الأمر في العيادة باستمرار، يسألنني أو يسألن موظفة الاستقبال عن ديانتي” تتساءل فجر ” ما الفائدة التي ستعود على المريض إن كان الطبيب على دينه أو أي دين آخر ؟!
في الأردن: الشعر القصير للرجال فقط
كانت واقعة الاعتداء على الفتاة الأردنية آية الولويل، التي تعرضت للاعتداء اللفظي والجسدي بسبب قِصر شعرها قد آثار ضجة عبر مواقع التواصل الاجتماعي خاصة بعدما نشرت فيديو لها تروي تفاصيل ما حدث عندما قام سائق سيارة أجرة في شركة “أوبر” بإيقاف الرحلة وطلب سيارة أخرى تقلها إلى مكان عملها، وكان يخاطبها بصيغة الذكر، الأمر الذي تعجبت منه الفتاة، ولما حاولت تصوير لوحة السيارة هجم عليها وسحبها من يدها بعنف بعيدا عن سيارته.
حبيسات الحجاب
أطلق نساء ورجال في الجزائر مطلع العام 2019 حملة “حبيسات الحجاب في الجزائر” بهدف التوعية بالآثار النفسية السلبية التي تتعرض لها الفتيات الصغيرات عند إجبارهن على ارتداء الحجاب، لم تكن الحملة الهجومية على الحجاب نفسه إنما كانت تهاجم “الإجبار على الفضيلة” ، ولا شك أن إجبار الصغار على تطبيق الفرائض الدينية بدون رغبتهم سوف يخلق منهم أجيالا معنفة و متعبة نفسياً كارهة للدين ولتلك التعاليم التي فرضت عليهم.
حال الصغار هو نفس حال الفتيات اللاتي يقررن ترك الحجاب فتجبرهن الأسرة على ارتدائه من جديد خوفا واتقاء لنظرة المجتمع السلبية لها أو للأسرة، تلك الفتاة ستكبت نقمتها على المجتمع، ستكره الأعراف والتقاليد والتعاليم الدينية التي جعلتها تنصاع لأمر لا تقبله وسلوك ترفضه فُرض عليها.
إلى متى ستظل المرأة داخل المجتمعات العربية والإسلامية محرومة من حريتها؟ إلى متى يتم تعنيف النساء والفتيات بحجة فريضة الحجاب والأعراف والتقاليد؟ لماذا لا تأخذ المرأة حقوق المواطنة الكاملة داخل وطنها مثل الرجل؟ تساؤلات لا تنتهي لكني على أمل كبير أن تتغير النظرة الدونية للمرأة في بلادنا العربية وأن تعيش بحرية كما تريد ولا يتم تعنيفها أو ترهيبها من المجتمع ومن أسرتها. آمل أن يقف القانون في صفّ المرأة يحميها من عنف المجتمع ويجبره على احترام المرأة وتقديرها وإعطائها جميع حقوقها.