مع وصول الأمير الشاب محمد بن سلمان لولاية العهد في العام 2016، قاد حملة إصلاحات داخلية هدفها تحجيم دور السلطة الدينية في البلاد، بالإضافة إلى الاتجاه لتحسين وضع المرأة السعودية القانوني والاجتماعي. وعلى الرغم من ذلك، تزامنت هذه الإصلاحات الأكثر جرأة في تاريخ المملكة مع تعرض ناشطاتٍ حقوقيات للقمع والاعتقال حسب تقارير حقوقية بتعرضهن للتعذيب.
قبل وصول محمد بن سلمان ولعقود كثيرة عانت المرأة السعودية من القمع والحد من مشاركتها في الحياة العامة؛ فمثلا كانت فتوى هيئة كبار العلماء -وهي هيئة رسمية تضم رجال دين للفتوى الدينية- قد أفتت بتحريم قيادة المرأة للسيارة باعتبارها مخالفة للشريعة الإسلامية، وفيها من المفاسد أكثر من المنافع، وهي الفتوى التي لاقت الكثير من الحملات النسوية السعودية المطالبة بالسماح للمرأة بقيادة السيارة من تسعينيات القرن الماضي وحتى العام 2018، قوبلت فيه بالقمع.
بين ماضي المملكة المظلم في حق النساء السعوديات والمستقبل الواعد الذي يلوح به محمد بن سلمان في الأفق، حال وصوله لعرش المملكة تحاول مواطن استكشاف التغيرات الاجتماعية التي تعيشها النساء السعوديات.
بين الصحوة الإسلامية وصحوة الحداثة
حصة القبيسي، ناشطة حقوقية نسوية سعودية، تصف تلك الفترة القمعية للمرأة بأنها سجن عزلت المجتمع السعودي عن العالم من حوله، فعلى الرغم من القفزة الاقتصادية التي حققتها المملكة سبعينيات القرن الماضي، كان العام 1979 بدايةً لما سميت بالصحوة الإسلامية، وهي فترة استطاعت السلطة الدينية فيها فرض رؤية متطرفة للشريعة الإسلامية على نمط حياة الناس.
تقول حصة: “الصحوة من بدايتها في عام 1979 حتى نهايتها في عام 2016، لقد كانت هذه الفترة حرفيًا بمثابة سجن للشعب السعودي؛؛ حيث تم عزله تمامًا عن كل ما يحدث في العالم، وكنا لا نسمع أو نرى أو نقرأ إلا ما يرغب بتوصيله الصحويون لنا؛ فقد استعبدونا استعبادًا كاملاً من خلال التعليم والإعلام، وهما أكبر وأقوى نافذتين للنور”. وتضيف في حديثها عن معاناة المرأة السعودية في هذه الفترة بقولها: “في تلك الفترة، كنا نصرخ داخل أجسادنا، لأن التذمر والألم يعتبر كفرًا. وكان هذا الخناق ضيقًا جدًا، خصوصًا على النساء؛؛ حيث كن لا يملكن حتى أوراقًا تثبت هويتهن؛ فلا يحق لأي امرأة أن تدرس، تعمل، تتزوج، تسافر، تشتكي للشرطة، تفتح حسابًا بنكيًا، تستخرج هاتفًا باسمها الشخصي، تطلب الطلاق، تخرج من السجن، إلا بموافقة خطية من ولي أمرها، وولي أمرها هو أبوها أو زوجها، وفي حالة عدم توفرهم تتحول الولاية عليها إلى أخيها أو ابنها. وفي حال عدم توفر قريب يكون هو المتحكم فيها، يتم إحالتها إلى عمدة الحي”.
تستطرد حصة: ” منذ عام 2006 إلى 2013 بدأت الأمور تتغير بشكل بطيء جدًا؛ حيث صدرت أوامر ملكية بالسماح للنساء باستخراج بطاقةٍ وطنيةٍ مستقلة، وإلغاء موافقة ولي الأمر للدراسة والعمل، بالإضافة للسماح للمرأة باستئجار بيت خاص بها، ورفع الدعم المادي للمطلقات والأرامل والمعلقات والمهجورات بنسبة 100%”.
تجدر الإشارة إلى أنه في العام 2018، وبعد قرار الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بالسماح باستخراج النساء السعوديات لرخص القيادة في نوفمبر 2017، استخرجت أول امرأة سعودية رخصة قيادة، وعلى خلفية القرار الملكي، بدأت السلطات السعودية بتنفيذه في يونيو 2018. على الجانب الآخر، كانت الناشطة الحقوقية لجين الهذلول تقبع في السجن دون محاكمة على خلفية نشاطها المطالب بالسماح للمرأة السعودية بالقيادة. وفي تقارير حقوقية، تمت الإشارة إلى تعرض الهذلول ومعتقلات نسويات للتعذيب في السجون؛ ففي فبراير العام 2021، أطلقت السلطات سراح لجين الهذلول وناشطاتٍ أخريات مع قيود مؤقتة على منع السفر.
رؤية 2030
في العام 2016، أعلن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن رؤية السعودية 2030. هذه الرؤية تهدف لتحويل السعودية من واحدة من أغرب دول العالم إلى مكان يمكن وصفه بأنه طبيعي على حد تعبير مجلة أتلانتك الأميركية في مقابلة لها مع ولي العهد مطلع مارس 2022. أحد أهم محاور هذه الرؤية هو تمكين المرأة السعودية، والتي تتضمن خططًا لتحقيق مساواةٍ للنساء مع الرجال وتمكينها من الدخول في مجالات عمل كانت محظورة سابقًا أو صعبة على المرأة السعودية المشاركة فيها.
ويعلق طالب عبد المحسن، وهو سعودي يعمل طبيبًا نفسيًا في ألمانيا، على الإصلاحات التي قادها ولي العهد السعودي في رؤية 2030. يقول: ” فتحت المزيد من مجالات العمل أمام المرأة، لكني لا أعلم ما هي بالتحديد، وكذلك تم تخفيف قيود الزي المفروض على المرأة، سواءً في الأماكن العامة أو في أماكن العمل”. ويضيف: “يمكنك اليوم أن تشاهد امرأة سعودية تعزف البيانو أو تغني كهاوية في مقهى. إلا أن كل تلك الإصلاحات تشبه السماح للطيور بالطيران”.
تضمنت رؤية 2030 خططًا تسعى بها المملكة لتمكين المرأة في عديد من الجوانب، بدءً بقانون الأحوال الشخصية وانتهاءً بتمكينها الاقتصادي. وتسعى في أول محاور الرؤية التي تضمنت عنوان المساواة بين الرجل والمرأة إلى تحقيق مبدأ المساواة بينهما، وتتحقق هذه المساواة عن طريق دعم حقوق المرأة السعودية، ودعم الأنظمة والبرامج لأجل إصلاح وضعها؛ حيث تتمثل في توفير بيئة عمل آمنة لها على كل الأصعدة، وإجراء تعديلات قانونية وتشريعية حقيقية تمس واقعها وتقوي موقفها في استعادة حقوقها، كما تهدف إلى تمكين المرأة السعودية من الوصول للفرص والحقوق كما هو الحال عليه مع الرجال؛ مثل فرص التعلم والتدريب والرعاية الصحية والعمل والاندماج في بيئة العمل وحقها في إصلاح وضعها الاجتماعي والشخصي.
هذا وقد قامت السلطات السعودية على مدى الخمس سنين الماضية بسن قوانين شرعت في تكريس الإصلاحات في الرؤية، وتهدف في ذلك لتطوير وتحقيق اندماج المرأة السعودية الكامل في بيئة العمل وتحقيق نجاحات لها في المجال المالي، بالإضافة لمنع التمييز ضد النساء في الأجور وساعات العمل وإتاحة فرص القبول في العمل.
إصلاحات قانونية لتمكين المرأة
أما بشأن قوانين الأحوال الشخصية، فقد قامت السلطات بتعديلات واسعة عما كانت عليه؛ ومنها أن يمنع سجن المرأة الحامل أو من لديها طفل دون السنتين، وأن تعتمد محكمة الأحوال الشخصية زواج النساء اللاتي ليس لديهن أقارب من الرجال، أو اللاتي يرفض أقاربهن تزويجهن. ويمنع القانون إكراه النساء على الزواج ممن لا يردن، بالإضافة إلى سنّ عقوباتٍ على من يكره إحدى قريباته على الزواج بالسجن ودفع غرامة مالية، وسن قانون النفقة للمرأة المطلقة، وفي حال رفض الرجل دفعها يتم إلزامه بقوة القانون. وسن قانون الحضانة لصالحها وإلغاء قانون بيت الطاعة، كما أصبح للمرأة الحق في رفع دعوى قضائية في حال ماطل زوجها السابق في أداء واجباته، وإلغاء اشتراط المحرم إذا أرادت استخراج سجلٍ تجاريٍ باسمها.
على الرغم من هذه الإصلاحات، يؤكد طالب عبد المحسن لــ “مواطن” على أن الكثير من الانتهاكات والعوائق تقف في طريق المرأة السعودية للاستفادة من هذه الإصلاحات، يقول عبد المحسن عن الانتهاكات: ” أستطيع أن أزودك بمعلومات مؤكدة من خلال تواصلي المباشر مع الفتيات؛ فولي أمر المرأة يحق له أن يحرمها من الخروج من المنزل للدراسة أو العمل، والكثير من السعوديات يخسرن جامعاتهن أو وظائفهن عندما يحبسن في المنزل. كما أنه لا يجدي الاستنجاد بالشرطة نفعًا، فالشرطة لا تتدخل في هذه الحالات، ووحدة الحماية من العنف المنزلي دأبت بشكل روتيني على التآمر مع أولياء الأمور ضد الفتيات المبلغات عن الانتهاكات التي يتعرضن لها”.
ولي العهد السعودي وفي مقابلة له مع مجلة آتلانتك الأميركية انتقد التجاهل العالمي وعدم الاعتراف بنجاح خطته؛ حيث تقول المجلة بأن محمد بن سلمان كان غاضبًا من عدم الاعتراف العالمي بمدى نجاح رؤية السعودية 2030. مضيفا في حديثه عن الرؤية: “يمكنك أن ترى موقفنا قبل خمس سنوات..”.
الموقف الاجتماعي
وقد انتقد يحيى العسيري، الأمين العام السابق لحزب التجمع الوطني السعودي المعارض في الخارج، طريقة الإصلاحات؛ ففي حوارٍ سابقٍ له مع مواطن، أشار العسيري إلى أن الإصلاحات استبعدت الدور المجتمعي فيها، وقال بأنها تغييرات قادمة من السلطة لا دور للمجتمع فيها، والسلطة هي من قمعت المرأة وهي من أعطتها الآن هذه المساحة من الإصلاحات.
في الوقت الذي تظهر الإصلاحات القانونية وتستمر المرأة السعودية في الظهور في الحياة العامة، لا زالت تواجه الكثير من العوائق؛ فالنظرة المجتمعية المحافظة والتقليدية التي استمرت السلطة الدينية والسياسية في تكريسها تعد أهم هذه العوائق؛ حيث تظهر الكثير من الانتقادات لخروج المرأة والإصلاحات القانونية لوضعها باعتبارها مخالفة للشريعة.
تقول حصة القبيسي معلقة على ذلك: “إن المستفيد الوحيد من تلك الإصلاحات والتغييرات هم الأسر التي كانت أساسًا ترغب وتسعى لهذه التغيرات، أما الأسر المنغلقة وهم النسبة الكبرى من المجتمع، لم يتغير شيء في واقعهم، فهم ما زالوا يعيشون في زمن الصحوة”.
في واقع الأمر، وكما يقول سعوديون معارضون، لا يمكن غض البصر عن الإصلاحات السعودية في تمكين المرأة، بغض النظر عن دوافعها في السلطة. ومن جهةٍ أخرى فالمجتمع السعودي هو صاحب الدور الأهم في هذه العملية كشريكٍ مهم مستبعد من آرائه في إصلاحات السلطة. وهو ما يجعل من الإصلاحات القانونية لوضع المرأة مجرد حبرٍ على ورق، أو كما يصفه البعض بأنه تسليم لأداة القمع للمرأة من يد السلطة للمجتمع. وفي الوقت نفسه، تتأمل النساء السعوديات استمرار عجلة الإصلاحات في المملكة وإتاحة فرصٍ أفضل أمامهن للمشاركة.
اقرأ أيضا : الإصلاحات الاجتماعية في السعودية.. دوافع وأسباب