في هذا التحقيق، يكشف الصحفي البريطاني، فيل ميلر، عن الدور الذي مارسه ضابط القوات الجوية البريطانية السير إريك بينيت في عمان. الضابط البريطاني المقرب من الملكة وصديق ملك الأردن وسلطان عمان لاحقاً. مواطن ترجمت هذا التحقيق المنشور على موقع “Declassified” والذي يتتبع حياة الضابط البريطاني ودوره في ما عرف في تحقيقات سابقه بمجلس شورى السلطان العماني الراحل قابوس بن سعيد، والذي يضم مجموعة من الضباط والمسؤولين البريطانيين الذين يجتمعون بالسلطان بشكل سنوي.
ترجمة: شيماء محمد
نص التحقيق
بعد حياة طويلة في الظلال، تظهر المزيد من التفاصيل حول ضابط سري في القوات الجوية البريطانية، الذي قدم المشورة للديكتاتور الأطول خدمة في الشرق الأوسط. كتبت صحيفتا التايمز والتليجراف مقطوعة نعي، لكن من كان حقًا هذا الضابط السري؟
توفي أحد أكثر ضباط الجيش البريطاني نفوذًا في الشرق الأوسط. كان السيد إريك بينيت الذي وافته المنية الشهر الماضي وهو في التسعينيات من عمره الأب الروحي لملك الأردن.
أما تأثيره الحقيقي فقد كان في عمان، حيث أمضى ثلاثة عقود في تقديم المشورة سرًا لسلطانها قابوس بن سعيد؛ حيث قام بتأسيس المجلس الملكي الخاص بالسلطان، وهو مجلس يتألف من مجموعة من السياسيين والجنرالات ورؤساء المخابرات البريطانية. كان المجلس يعقد اجتماعات سنوية في أوقات متأخرة من الليل في أحد القصور في مسقط.
دفن بينيت في لاوا، إيرلندا. وتحدث وزير الخارجية البريطاني السابق السير آلان دنكان في مأتم جنازته التي حضرها أعضاء من السفارة العمانية بلندن وملحق عسكري بريطاني.
ولد إريك بيتر بينيت في ايرلندا في عشرينيات القرن الماضي لعائلة بروتستانتية أنجلو إيرلندية، والتحق بالقوة الجوية الملكية البريطانية (RAF) في أربعينات القرن الماضي وعمل كطيار في مصر والعراق.
في عام 1958، ذهب بينيت معارًا إلى القوات الجوية الأردنية المشكلة حديثًا. وهناك أصبح مستشارًا جويًا ومقربًا من الملك حسين ملك الأردن. أعطى الملك حسين بينيت سيارة فيراري صفراء وساعة بريتلينغ نادرة. كما جعله الأب الروحي لابنه عبد الله، الحاكم الحالي للبلاد.
في عام 1974، انتقل بينيت إلى عمان بناءً على توصية من وزير الخارجية المحافظ جوليان آميري. كان السلطان قابوس قد نصب حاكمًا بواسطة انقلاب بريطاني قبل عدة سنوات. البلد الذي بقي فعليًا مستعمرة بريطانية بشكلٍ مؤثر، وقد اعتمد قابوس على الطيارين الغربيين لقمع ثورة ماركسية في منطقة ظفار جنوب عمان.
تولى بينيت مسؤولية القوة الجوية الوليدة للسلطان، والتي استخدمت طائرات Strikemaster لإطلاق الصواريخ على المتمردين، قام على الفور بتنظيم عملية تطوير ونقل 16 طائرة هنتر من الأردن يمكنها إسقاط القنابل من ارتفاع منخفض.
على الرغم من استمرار المناوشات المعزولة في الثمانينيات، هُزمت الانتفاضة إلى حد كبير بحلول عام 1976، وحصل بينيت على جائزة من الملكة عام 1984 وتقلد لقب فارس عام 1990، تقاعد من سلاح الجو الملكي البريطاني في عام 1991 كنائب مشير جوي، بعد أن ظل معارًا في عمان حتى نهاية حياته العسكرية، حيث تأكد من شراء قابوس لطائرات بريطانية الصنع.
الديكتاتورية
على الرغم من نهاية الحرب الباردة والهزيمة الكاملة للمتمردين الماركسيين في ظفار، لم تشهد التسعينيات أي خطوات نحو الديمقراطية في عمان، وظلت الأحزاب السياسية محظورة، ولا يمكن للمرشحين المستقلين الذين تم اختيارهم بعناية إلا أن يترشحوا لمجلس استشاري لا حول له ولا قوة.
وسط هذه الإصلاحات الزائفة، كانت هناك حملة قمع شديدة على نشطاء الإخوان المسلمين المفترضين، كما ترددت شائعات عن إعدام جنود متورطين في مؤامرة انقلابية دون محاكمة. ومن المؤكد أن بعض الضباط العمانيين كانوا غاضبين من استمرار وجود بريطانيين في مناصب عليا.
وكان أبرز هؤلاء الضباط الأجانب تيم لاندون والذي دُعي بـ “السلطان الأبيض”، وهو ضابط مخابرات الجيش البريطاني السابق الذي كان بمثابة الذراع اليمنى لقابوس منذ الانقلاب. في عام 1992، جعل قابوسُ بينيت السلطان الأبيض الثاني بشكلٍ فعلي، وعينه مستشارًا رئيسيًا له وسط سرية تامة.
لم يكن قابوس وبينيت مجرد صديقين، وإنما كانا أكثر قربًا من ذلك خاصة بعد نجاتهم من حادث سيارة أثناء سفرهما معًا في عام 1995؛ حيث اصطدمت شاحنة كبيرة بمركبة السلطان فيما يشتبه البعض في أنها كانت محاولة اغتيال، تم نقل بينيت إلى المستشفى ولم يتم الاعتراف علنًا بوجوده في السيارة.
في العام التالي قدم قابوس النظام الأساسي، وهو فعليًا أول قانون أساسي مكتوب للحكم في عمان، وهو ما جعل انتقاد السلطان جريمة يعاقب عليها القانون، وصف جون ميجور القانون الجديد بأنه “خطوة خيالية بناءة بشكل واضح للمضي قدمًا في عمان”.
بحلول عام 1997، كان بينيت يقوم “بجميع الترتيبات للزيارات الرسمية إلى المملكة المتحدة من قبل الوزراء العمانيين”، وهي مهمة يقوم بها عادة الدبلوماسيون البريطانيون.
الربيع العربي
أحيط دور بينيت بسرية تامة، لدرجة أنه لم يتبين إلا في جنازته أنه كان يدير “مكتبًا في لندن” لصالح قابوس، والذي وصفه السير آلان دنكان بأنه كان “رابطًا خاصًا بين السياسة والحكومة وقصر باكنغهام”.
في هذا الدور، كان بينيت “الرابط بين السلطان والملكة”، وكان يقول: “أنا في خدمة ملكين”. حظي موقعه الغامض بإشارة عامة نادرة في نوفمبر 2010 عندما زارت الملكة مسقط وقامت بتكريمه.
بعد أشهر، اندلعت احتجاجات الربيع العربي في عمان؛ حيث عبر المتظاهرون عن غضبهم من الفساد والبطالة، واعتقل المئات وقتل عدة بالرصاص. وعلى الرغم من القمع، حضر بينيت وقابوس الغداء مع الملكة في قصر باكنغهام في العام التالي في يونيو 2012.
قبل يومين من اجتماعهم، حذرت هيومن رايتس ووتش من أن النظام العماني غير المنتخب كان ينفذ “حملة قمع كاسحة ضد النشطاء السياسيين والمتظاهرين الذين تم اعتقالهم لمجرد ممارستهم لحقوقهم في حرية التعبير والتجمع”.
اعتقل بعض النشطاء وتعرضوا للتعذيب بسبب احتجاجهم على وجه التحديد على صداقة الملكة مع قابوس، وسط غضب من إنفاقه مبالغ طائلة لنقل 110 من الخيول لمسابقة اليوبيل الماسي للملكة البريطانية في الحكم.
المجلس السري
كان دور بينيت الأكثر إثارة للجدل في عُمان هو إنشاء مجلس السلطان السري، والذي عقد سنويًا لتقديم المشورة لقابوس بشأن الاقتصاد والأمن والسياسة الخارجية. بدأ المجلس عمله في تسعينيات القرن الماضي، وكان آخر اجتماع له مع السلطان العام 2019.
في سرية تامة، كان يحضر المجلس بعض كبار الشخصيات في المؤسسة البريطانية، بما في ذلك رؤساء MI6 والجيش وكبار السياسيين والمحافظ السابق لبنك إنجلترا ميرفين كينج ومستشار المعايير لبوريس جونسون، اللورد كريستوفر جيدت.
كانوا يسافرون لعمان على متن طائرة السلطان الخاصة لحضور اجتماعات منتصف الليل في قصر الحاكم، وتعقب جلساتهم مآدب فخمة تستمر حتى الرابعة فجرًا. لم يظهر وجود هذا المجلس الخاص، الذي لم يحضره أي عماني تقريبًا، إلا بعد وفاة قابوس في عام 2020.
عندما كشف موقع “ديكلاسفايد ” عن المجلس السري، علق نبهان الحنشي، رئيس المركز العماني لحقوق الإنسان، قائلًا: “كان قابوس دائمًا يحاول التظاهر بأنه حاكم مستقل، في حين أنه في الواقع كان عميلاً للإمبراطورية البريطانية”.
وقال إن الأدلة الجديدة تظهر أن المستشارين من “دولة مثل بريطانيا، التي تدعي عادة احترام حقوق الإنسان وحرية الناس في الاختيار، متورطون بشكل مباشر في إذلال المواطنين وحرمانهم من حقوقهم”.
الثروة
عُرف قابوس بتقديم الهدايا الباذخة لمستشاريه على حساب المواطنين العمانيين العاديين، وبحسب ما ورد، تلقى لاندون، الذي توفي في عام 2007، شيكات بمليون جنيه كهدية لعيد ميلاده.
كان حجم دخل بينيت من السلطنة أكثر غموضًا؛ حيث كان بإمكانه تحمل تكاليف الطيران بطائرة هليكوبتر إلى إيرلندا بشكل متكرر إلى حد ما، واحتفظ بطاولة منتظمة في ويلتون، وهو بار محار حصري في لندن.
كان لديه بنتلي يقودها سائق، ويبدو أنه يمتلك أرضًا في بيركشاير، حيث كان آلان دنكان ينضم إليه لتناول طعام الغداء يوم الأحد في مطعم “The Fat Duck”، مطعم حائز على نجمة ميشلان في براي. كما تناول الصديقان “وجبات غداء ربع سنوية مع مارجريت تاتشر في فندق ريتز”. في السنوات اللاحقة، وقيل إن بينيت ألقى خطابه في القصر شمال عمان.
توفي بينيت الشهر الماضي بنوبة قلبية في عمان حيث مكث بعد وفاة السلطان. على هذا النحو، كان قد رأى الاحتجاجات الكبرى التي اندلعت في مايو 2021 ضد البطالة والفساد، وتم قمع المظاهرات من قبل شرطة مكافحة الشغب المدربة في بريطانيا باستخدام الغاز المسيل للدموع بريطاني الصنع.
مشورة سليمة
منذ وفاته، نشرت صحيفتا التايمز والتليغراف نعيًا يتعجبان فيه بشكل غير نقدي من أسلوب حياة بينيت “لورنس العرب”. سأل أحد قراء تايمز الماهرين بشجاعة في قسم التعليقات: “هل عمان ديمقراطية؟
فأجابه قارئ آخر مبتهجا: “لا، بل هي أروع بلد، والشعب العماني بهيج، وعندما زرتها لأول مرة كانت هناك محاولة يائسة لحملهم على العمل، لقد وفروا لهم كل شيء ولم يتمكنوا من رؤية الهدف من العمل – لكن لديهم جميعًا ابتسامات رائعة “.
سيتساءل المحللون الأكثر جدية عن سبب امتلاك عمان، الدولة المحايدة، أحد أعلى مستويات الإنفاق العسكري للفرد في العالم – وما الدور الذي لعبه بينيت في اتخاذ قابوس مثل هذه القرارات؟
ذهب جزء كبير من ثروة عمان النفطية المتضائلة بشكلٍ مدمر في شراء أحدث المعدات العسكرية المتطورة من بريطانيا لدعم جهاز الأمن الداخلي باهظ الثمن.
تم تهدئة الاحتجاجات ضد البطالة والفساد في عامي 2011 و 2021 إلى حد كبير من خلال زيادة التجنيد في الجيش، مما أدى إلى زيادة تمويل القطاع العام. لم يتخذ خليفة قابوس الذي تم تنصيبه أي خطوات نحو الديمقراطية أو حريات الصحافة، حيث تتزايد الأسئلة حول مقدار أموال الدولة التي تم سرقتها وتهريبها للخارج.
فيما تواصل وزارة الخارجية تمثيلية إبقاء بينيت سرًا من أسرار الدولة، تقول فقط لديكلاسفايد: “لقد ساعدنا في إعادة رجل بريطاني توفي في عمان”.