في فيلم “God in Trial” أو “the pianist” تثير تعاطفنا تلك المشاهد التي يظهر فيها بطل الفيلم مع أبناء الطائفة اليهودية يعاملون باحتقار، يلبسون شارات تميزهم، ويُعزلون وراء جدار فصلٍ عنصري في وارسو. نتعاطف كثيرًا مع تلك الصورة السينمائية في كم الأعمال التي تصور مأساة اليهود ومعاناتهم في الحرب
النازية وهي تذل وتقتل وتبيد أبناء الطائفة اليهودية. نمسك دموعنا أمام شاشات التلفزة وهم يتضورون جوعًا، يبادون يمحون ويقيمون محكمةً لله. لكن كما يبدو أنها قصةٌ لم تنته بعد، هذه المرة الفلسطينيون هم الضحايا.
في العام 2002 بدأت سلطات الاحتلال الإسرائيلي العمل على مشروعها للفصل العنصري بين سكانها وسكان الضفة الغربية. بطول 703 كم يمثل ما يزيد من 85% منه سورًا عازلًا وراء الخط الأخضر الذي يحدد حدود الدولتين وفق حدود 1948، تقيم إسرائيل سورها للفصل العنصري بتطويق الضفة الغربية وعزل سكانها، في حين تطبق حصارًا خانقًا على قطاع غزة في الجهة الأخرى.
تعرف اتفاقية الفصل العنصري على أنه الأفعال اللاإنسانية المرتكبة لغرض إقامة وإدامة هيمنة فئة عنصرية عرقية ما من البشر، على أية فئة عنصرية عرقية أخرى من البشر واضطهادها إياها بصورة منهجية.
وتحدد الاتفاقية هذا الفصل بممارسات مثل الإبعاد القسري ونزع ملكية السكان العقارية، وحرمانهم من التنقل والسفر خارج الوطن وداخله وحق العودة إليه والحق أيضًا في الحصول على الجنسية. فهل سياسات دولة الاحتلال في التعامل مع الفلسطينيين توافق هذه التعريفات للفصل العنصري؟ هذا هو موضوع هذه القصة.
من جهةٍ أخرى يمثل الجدار العازل، أو ما يسمى بجدار الفصل العنصري، واحدًا من صور الفصل العنصري التي تتمثل في حرمان السكان من التنقل والسفر على أساس قومي عرقي، ويعمل على تقسيمهم واحتواء الأغلبية منهم ضمن مناطق أشبه بسجون مفتوحة تحكم سلطات الاحتلال عليها الخناق من جميع الجوانب. وتشير منظمة هيومن رايتس ووتش بأن هنالك مجموعتين تعيشان في الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ هما الفلسطينيون والإسرائيليون، وجهة واحدة حاكمة ومسيطرة، هي حكومة الاحتلال الإسرائيلي.
دولة اليهود
في العام 2018، صوت الكنيست الإسرائيلي لصالح مشروع قانون دستوري يقضي باعتبار إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي، واعتبار حق تقرير المصير حقًا خاصًا بالشعب اليهودي وحده داخل دولة الاحتلال، ويهدف لتحقيق تحولٍ ديموغرافي في التركيبة السكانية لتهويد المناطق ضمن ما يسمى بدولة الاحتلال.
وفقًا لهيومن رايتس ووتش، تمارس سلطات الاحتلال الإسرائيلي تمييزًا مؤسسيًا تجاه الفلسطينيين، تختلف شدته من منطقة لأخرى وفق قواعد وضعتها دولة الاحتلال. حيث تحكم مناطق الضفة الغربية التابعة للسلطات الفلسطينية بقانونٍ عسكري تهدف فيه إلى عزل الفلسطينيين ومنعهم من التنقل داخل المناطق المحتلة التابعة لها. أما في القدس الشرقية، فمئات آلاف السكان الفلسطينيين يعانون من سياسة تمييز تصفه منظمة هيومن رايتس ووتش بأنه يرقى للتميز المنهجي، حيث إن السكان يعيشون وضعًا قانونيًا يضعف من حقهم في الإقامة في المدينة، حيث تنوي سلطات الاحتلال تهويد المدينة وتغيير تركيبتها السكانية.
أما فلسطينيو الخارج فهم ممنوعون من العودة بموجب القوانين الإسرائيلية التي تحرمهم من حق العودة لوطنهم، وخصوصًا المناطق التي تعرف بأنها داخل دولة الاحتلال.
هويات ملونة
تسيطر دولة الاحتلال على كامل مساحة الأراضي الفلسطينية عدا قطاع غزة المحاصر، فيما تعد سلطات السلطة الفلسطينية سلطات شكلية ومحدودة. أما السكان الفلسطينيون فهم متفاوتون من حيث الحقوق وتعامُل سلطات الاحتلال معهم، حيث تحدد حقوقهم وحرياتهم العامة الهويات الملونة التي تساعد سلطات الاحتلال في التمييز بين الفلسطينيين حسب المناطق التي ينتمون إليها وطريقة التعامل مع كل فئةٍ منهم.
تمثل الهويات الملونة سياسة القمع المتجزئ والمختلف الشدة في تجزيء دولة الاحتلال للفلسطينيين حسب المناطق التي يقطنونها لخدمة هدف واحد؛ هو فرض هيمنة المجموعة الحاكمة “اليهود الإسرائيليين”؛ حيث تنظم القوانين الإسرائيلية أنماط حياة السكان الفلسطينيين وحرياتهم العامة، كحرية التنقل والحصول على الجنسية والعمل والوصول للخدمات الأساسية للعيش وفق المناطق التي ينتمون إليها.
ماذا لو كنت فلسطينيًا؟ كيف يمكن لك كفلسطيني أن تعيش مع هذه السياسات العنصرية لدولة الاحتلال وأي الهويات ستختار؟ هذه قائمة بالهوية الملونة إذا ما كان مناسبًا الاختيار منها.
بطاقة خضراء
إن بطاقةً خضراء كفيلةٌ بإعادتك لسجن مفتوح محكم الحصار، قطاع غزة. تقوم السلطات الإسرائيلية على إعادة حملة هذه البطاقات التي تحمل عنوان غزة للقطاع الذي تفرض عليه حصارًا مطبقًا مهما كانت مدة بقائكم خارج القطاع أو حتى إذا كنتم قد غادرتموه منذ عقود مضت لمكان آخر داخل الأراضي المحتلة، ما يرتبط بغزة يجب أن يبقى في غزة.
على الأغلب أنتم تعرفون أن حصار سلطات الاحتلال يفرض تكلفة معيشة باهظة، في الحين الذي يقبع ما يزيد على 56% من سكان القطاع البالغ عددهم 2.04 مليون نسمة تحت خط الفقر، ويعاني ما يقارب الخمسين في المائة أيضًا من السكان من البطالة. أما القطاع فتكاد تنعدم فيه الخدمات أو تمضي بشكلٍ متقطع، فيما لا يستطيع 91% من سكان القطاع الوصول لمياه صالحة للشرب وفقًا للعفو الدولية.
بطاقة السلطات الفلسطينية
إذا كنتم من سكان الضفة فأنتم تحملون بطاقات السلطات الفلسطينية، هذه البطاقة تمكنكم من البقاء في الضفة الغربية والتأكيد على عدم قدرتكم عبور جدار الفصل العنصري إلا بعد الحصول على موافقةٍ أمنية من سلطات الاحتلال. حيث يحتاج الكثير من الفلسطينيين والفلسطينيات للعبور يوميًا لمناطقهم وأعمالهم وراء جدار الفصل. لعبور سكان الضفة لما وراء الجدار، يحتاجون لموافقةٍ أمنية مسبقة من سلطات الاحتلال أشبه بالحصول على فيزا زيارة مسبقة بدعوة داخلية. يمكن للفلسطينيين الذين يستطيعون العبور أن يشهدوا الفارق الشاسع بين الضفتين، الفارق بين جهتي الجدار وكيف تصيغ سلطات الاحتلال معيشة السكان على وجهي الجدار.
تعثرت أعمال الكثير من الفلسطينيين في الضفة الغربية بعد عزلهم وفرض سياسات مشددة ومرهقة لتنقلهم للجانب الآخر وخصوصًا المزارعين الذين يمتلكون أراضيًا على الجانب الآخر من الجدار، الأمر الذي أجبر عظمهم على التخلي عن أراضيهم وملكياتهم العقارية بعد استحواذ سلطات الاحتلال عليها وعدم قدرة ملاكها الوصول إليها.
بطاقة زرقاء
إذا كنت تحمل بطاقةً زرقاء، فأنت مقيمٌ إذًا في القدس الشرقية، هنا أنت تعيش فيما يعرف بأنه ضمن نطاق دولة الاحتلال، لكنك بالتأكيد لست مواطنًا فيها. لن تستطيع الحصول على ذات الخدمات التي يتلقاها مواطنو دولة الاحتلال، كما أنك لن تستطيع حيازة ضمان اجتماعي أو صحي مثلهم، كما أنك منتقص الحق في المشاركة السياسية. أنت مقيمٌ غير مرغوب فيه في أرضك المحتلة.
البطاقة الزرقاء هي بطاقة هويةٍ تمثل وثيقة إقامة أكثر منها وثيقة تعريف، تصدرها سلطات الاحتلال للفلسطينيين من سكان القدس الشرقية لتمييزهم كسكان لهذه المنطقة والسماح لهم بالتنقل بين الضفة والقدس الشرقية. حاملو هذه الهويات لا يتمتعون بأيٍ من حقوق المواطنة، ويعتبرون كسكانٍ أصليين غير مرغوبٍ فيهم من سلطات الاحتلال، فيما تستمر السلطات في الاستحواذ على منازل وأحياء السكان الفلسطينيين.
بطاقة إسرائيلية
قد تكونون ممن يسمون بعرب الداخل، وهم العرب الذين بقوا داخل حدود سلطات دولة الاحتلال الإسرائيلي. ستكبرون وتتعلمون وتأخذون بطاقة هويةٍ إسرائيلية. أنتم هنا مواطنون إسرائيليون ولكن من درجة ثانية. على الرغم من حمل الفلسطينيين للجنسية الإسرائيلية يمنحهم وصولًا للضمان الاجتماعي والصحي وخدمات التعليم، إلا أن الفلسطينيين يواجهون مشاكل قانونية تمييزية بحجة أنهم ليسوا يهودًا، كما يواجهون تمييزًا اجتماعيًا ومؤسسيًا بناءً على هويتهم.
هذا عدا عن أنكم مواطنون من درجةٍ ثانية، وخصوصًا مع القانون الدستوري الذي يفرض الهوية اليهودية للدولة وحق الشعب اليهودي الخاص فيها وفي تقرير المصير.