كنت نائمة بالسرير في منتصف اليوم لأخذ قسط من الراحة، شعرت بشيء غريب، جعلني أستيقظ، لأفتح عينيي وأجد خالي فوق مني، بنطالي منزوع، وعضوه داخل مؤخرتي، “حاولت المقاومة ولم أستطع الإفلات من سيطرته الجسدية علي”. استمر في تمرير عضوه، حتى استمنى “داخلي”. وبعد أن انتهى من ممارسته تلك، هددني بالقتل إن أخبرت أحدا، أو الطرد خارج المنزل للعيش بالشارع.
هكذا بدأت الفتاة اليمنية “ريتاج” في سرد حكايتها، فالابن الناعم صاحب الميوعة حسب وصف الجيران، لم يكن مقبولا بين الأسرة والأصدقاء، وبعد تداول الأحاديث بين أهل البلدة عن أن هذا الابن يتمايل مثل النساء، يلحظ الخال مؤخرته، ويعجب بها، ويستغل عدم وجود أحد بالمنزل، ليضاجعها تحت العنف والقوة والتهديد.
لم يكن خالي متزوجا وكان وقتها ابن 25 عاما
يحاول الخال للمرة الثانية، معاودة نفس الممارسة من جديد، لكن تكتشف الأم الأمر فيخبرها أن ابنها هو من يقوم بالتحرش به، من ثم يقوم بضربه وتعذيبه كنوع من التقويم الأخلاقي على سلوكياته غير السوية.
تقول ريتاج منذ كان عمري ست سنوات، شعرت بالحبسة داخل جسدي، لم أكن أحب طريقة حياة وأفعال الشباب، وكنت أرتدي الملابس النسائية وأتعامل مثلما تتعامل النساء، حاولت مرات عديدة، أن أصبح رجلا لأرضي عائلتي الصغيرة ومجتمعي الكبير، لكني بالنهاية لم أستطع.
عاشت في ظل قمع أسري وسط توبيخ ولوم الجد والجدة، بسبب الميوعة وقلة روح الرجولة بها، والأم حائرة بين الكلمات تلك، تتمنى لو لم تنجب هذه الخلفة، في ظل أب غائب من البداية إثر انفصال قبل ميلاد ريتاج.
لم تتوقف معاناة ريتاج عند الاغتصاب والتعنيف من الخال، أو أحاديث الناس عنها، ولا حالة الصراع النفسي بين جسد ذكوري ونفسية أنثوية، تلك النفسية التي دفعت ريتاج إلى ارتداء ملابس النساء ووضع المكياج، داومت على هذه عدة مرات سرا، وأثناء دراستها الجامعية بمدينة بعيدة عن أهلها، استغلت إقامتها بغرفة منفردة بكامل حريتها تتحس أنوثتها، وفي لحظة انفلتت الأماني الداخلية لها، واختلط الحلم بالواقع، فخرجت إلى الشارع تسير بروح حرة ومظهر يحاول إخفاء أنوثتها تحت كاب وجاكيت وبنطلون جينز.
وأثناء المسير بالشارع تتعرض للاستيقاف بسبب الاشتباه بها من قبل السلطات اليمنية، وكان فتح موبايل ريتاج، أشبه بفتح صندوق باندورا، فقد أخرج لها كل شرور السلطات اليمنية، تقول ريتاج: “لقيوا لي صور وأنا لابسة ملابس نسائية”. ليتم تعذبيها باستخدام الكهرباء، ويتم كسر أحد أسنانها على أثر الضرب، بل وتخضع لعملية فحص شرجي، وعمليات تحرش متناوبة من السجناء والعساكر والضباط، بكل متر في أنحاء السجن.
يبدو العالم أبكاليبسيا في أنفاسه الأخيرة، التي تلاحق أنفاس ريتاج اللهثة من المضايقات، والخوف، وأمنيات نهاية العالم، في انتظار لحظة يتوقف فيها الزمن، لتتوقف كل هذه الأفعال، لم ينته العالم، لكن تتدخل العائلة لإنقاذها عن طريق محامٍ، ويتم الحكم عليها بسنة سجنا مع إيقاف التنفيذ، ومئة جلدة تعزيرية ومصادرة الموبايل”.
خرجت ريتاج من السجن إلى سجن العائلة داخل المنزل، ولم تطق الحياة، مما يدفعها إلى الهرب بعيدا، لم تكن الحياة ممكنة، حسب تعبير ريتاج: “حسيت أني مراقبة ، ومش قادرة أعيش، والصدمة حق الحبس كانت بترجع لي واصل وكنت أفكر اني عد أحتبس مرة ثانية فقررت أن أنتحر”
تبددت كل حالات الهذيان صدفة عن طريق التعرف إلى شخص يقرر مساعدة ريتاج، تتعرف من خلاله عما يعرف بمجتمع الميم وعالم النشطاء الحقوقيين، تفتح حسابا على تويتر وتحكي قصتها، تصل القصة لامراة عابرة جنسيا تقيم بالولايات المتحدة الأمريكية، تقوم السيدة بجمع التبرعات لمساعدتها.
تخرج ريتاج أوراق الثبوت وجواز السفر، وتذهب إلى مصر ومن هناك تقدم عبر الأمم المتحدة طلبا بالحماية واللجوء، وأثناء محاولة الفرار لأوروبا تتعرض لعملية تشهير وتحديد موقعها، ومطالبات بترحيلها، مما يجعلها في حالة من عدم الأمان مرة أخرى، لكن يتزامن هذا القلق مع رد السفارة الفرنسية، وقبول اللجوء لتخرج من مصر إلى فرنسا، بعد منح حق اللجوء لها.
إلى الآن لم تخضع ريتاج إلى عملية حراجية، لازالت تستخدم الهرمونات، حتى تلتقي مع الطبيب الجراح وتحديد خطة تصحيح الجنس، تضيف ريتاج: “ايوة عادني بين أعاني إلى الآن، وأعيش مع صراع داخلي، حين أتذكر ما بيوقع بأمي حين يعايرها الناس بكلامهم الجارح، ويقولوا لها أنتِ السبب، وأصارع مع حياتي الجديدة لأنني في دولة جديدة، و ماعرفش لغتها ولا أي حاجة عنها، وصراع مع أنني أحاول أنسى ما وقع بي في الفترة السابقة من خيبات وتعذيب وتشرد وغربة”
رغم الفرار إلى باريس والابتعاد عن اليمن، لازالت ريتاج تعاني خاصة من نظرة بعض العرب التي تصفها بأنها نظرة اشمئزازية، ولكن صار الوضع مختلفا بين اليمن وفرنسا، فالقانون الفرنسي يحقق الحماية لها كما يكفل أيضا معاقبة من يتعرض لها.
تركت ريتاج اليمن في العام 2020. ولا تتذكر من الحرب إلا دمار وطنها، الذي لم يعد آمنا للحياة، في ظل ثقافة قبلية ارتفعت مع نغمة الحرب، أصبح يمكن قتل أي شخص مختلف تحت بنود العار والشرف والكفر.
ولا يربطها بالوطن إلا أحلامها غير المتحققة كطالبة جامعية في سنة البكالوريوس بقسم التخدير، جل ما تعرضت له تنمر ومضايقات من زملاء الدراسة والعمل بسبب المظهر الذي تبدو عليه، وطريقة الكلام. وإلى اليوم مازالت ريتاج تكافح من أجل لملمة نفسها، والصمود من أجل أن تبقى ما تريد أن تكون عليه.