انتهاكات جديدة طفحت على الساحة العراقية، أبطالها هذه المرة زنازين مغلقة داخل معتقلات الحكومة العراقية، حيث وثق مرصد “أفاد“ لحقوق الإنسان، وهو مركز مستقل غير ربحي، انتهاكات جديدة عبر شهادات معتقلين سابقين. الشهادات الموثقة توضح استمرار الانتهاكات الإنسانية بحق السجناء، وهي ظاهرة ليست جديدة؛ بل لطالما نددت بها المنظمات الحقوقية دون جدوى.
جدير بالذكر أن العراق يملك أكثر من 22 معتقلاً تديرها، بالإضافة إلى وزارتي العدل والداخلية، وزارة الدفاع وهيئة الحشد الشعبي، وتأوي هذه المعتقلات أكثر من 76 ألف نزيل، بينهم ما يزيد عن 20 ألف موقوفين على ذمة التحقيق في قضايا مختلفة.
وتصاعدت خلال السنوات الماضية أعداد الموقوفين، يرافق تصاعدها ارتفاع في نسب الانتهاكات الحاصلة بين جدران هذه المعتقلات.
رحلة نزلاء السجون الشاقة تبدأ من تعرضهم للصعق الكهربائي وصولاً إلى الضرب المبرح في صالات التحقيق، بحسب المعتقل السابق أبو عمار، والذي أوقف على خلفية دهسه لأحد المواطنين في العاصمة العراقية بغداد.
وقال لـ “مواطن” أن المعتقلين يتعرضون الى تمييز شديد في التعامل”، ويحدد هذا التمييز على حسب الرشاوي المقدمة، ورغم ذلك فإن جميع السجون تفتقر الى التواجد الفعلي لفرق الرعاية الصحية.
وبيَّن أن إدارة السجون تعمد إلى تقديم أطعمة فاسدة ساهمت في انتشار الأمراض داخل السجن، ويساعد في انتشارها اكتظاظ الزنازين ذات المساحة الصغيرة والمقدرة بـ “3*4” متر، بأكثر من 30 سجين.
كان العراق قد سجل وفاة أكثر من 130 معتقلاً خلال النصف الأول من عام 2021، بحسب مفوضية حقوق الإنسان في العراق، وسبقها تسجيل 355 حالة وفاة خلال العام 2020.
يطفح الفساد على سطح الأزمة، ويعتبر من أبرز زواياها، ويتمثل هذا الأمر في ارتفاع حالات الرشاوي المقدمة إلى القائمين على السجون، مقابل توفير بعض الخدمات للمعتقلين، وفي الوقت ذاته يواجه السجناء الفقراء تعذيبًا وحرمانًا بسبب عجزهم عن توفير قيمة الرشوة.
“أم عبد الله” هي واحدة من بين حالات كثيرة تتعرض للابتزاز الشهري؛ حيث تؤكد في حديثها لـ”مواطن” تعرضها للمساومة بشأن كمية المبالغ المفترض تقديمها لضباط السجن، مقابل توفير بعض الأطعمة المناسبة للأكل لابنها المعتقل منذ عام 2020 على خلفية الاحتجاجات التي شهدها العراق عام 2019.
وعن قيمة المبالغ تشير الى دفعها 500 ألف دينار “ما يقارب 300 دولار” شهريًا، إضافة إلى دفعها مبلغ 15 دولارًا في كل زيارة، ويرفض حرس السجن السماح لها بمواجهة ابنها إذا رفضت دفع هذا المبلغ.
وتعتبر مثل هذه الممارسات شائعة في سجون البلاد، بحسب المحامي علاء البياتي الذي يوضح أنه وبالرغم من تعاقد الهيئات العدلية مع شركات مختصة برعاية السجون، إلا أن الفساد الموجود داخل المؤسسات المعنية يمنع من تطبيق هذه الرعاية، مؤكدًا تورط جهات سياسية عليا في هذا الشأن.
ويلتقي القاضي المتقاعد جعفر الطائي مع البياتي في هذا القول، وينوه الى أن الفساد السياسي حول هذه المعتقلات من هيئة إصلاحية الى سوق تتعامل معه الأحزاب وفق مبدأ البيع والشراء، نظرًا الى مردوده المادي الضخم.
وأفاد لـ”مواطن” أن تغلغل العناصر الحزبية داخل المؤسسات المعنية فاقم من استفحال هذه الأزمة في البلاد.
وتاليًا فإن ضعف الإدارات المعنية وغياب الأرضيتين القانونية والإنسانية يعني استمرار هذه الانتهاكات باعتبارها أمرًا طبيعيًا.
على ما يبدو أن الحكومة العراقية تدرك المدى الذي وصلت إليه هذه الانتهاكات، ولكنها تتجاهل تحييد الأزمة باعتبارها أمرًا اعتياديًا منتشرا في جميع بلدان الشرق الأوسط.
ويتفق مصدر من جهاز مكافحة إجرام بغداد مع هذا الرأي، حيث يرى أن الأجهزة المعنية تنظر الى هذه الانتهاكات كونها بمثابة إحقاق للعدالة، واعتبارها إجراءً يناسب طبيعة الجرائم المرتكبة.
وعن رأي القانون في هذه الممارسات، يذكر الباحث في فلسفة القانون عدي الجبوري أن هناك عدة قوانين ترفض انتهاك حقوق السجناء، كان آخرها القانون رقم 14 لعام 2018، والذي ينص في المادة الثالثة على أهمية تأهيل السجناء، فيما تذهب المادة 11 إلى ضرورة توفير الرعاية الصحية لهم.
إضافة الى ما مر فإن عدم وجود إدارة موحدة للسجون وتعدد عائداتها لعدة وزارات، حيث إن تعدد الجهات المسؤولة عن السجون يجعل من الصعب إنفاذ القانون، لاسيما وأن بعض هذه الجهات لا تعترف بأي قانون يخالف طبيعة عملها، ودليل على ذلك فإن المؤسسات المعنية لم تصدر أي توضيح بخصوص الانتهاكات الجارية، وتكتفي بالإعلان عن تشكيل لجان تحقيقية، رغم أن جميع اللجان المشكلة سابقًا لم تخرج بأي نتيجة حاسمة من شأنها القضاء على الظاهرة.
ويرجع الناشط سجاد اللامي هذا الأمر الى سوء التنظيم وضعف الجاهزية لدى الجهات المختصة، مؤكدًا أن الكثير من المعتقلين يتهربون من الشكوى عن ممارسات الأجهزة العدلية لعلمهم أنها لا تجدي نفعًا، ومن ثم استحالة توفير بيئة عادلة تمتلك الشفافية في معالجتها للقضايا المقدمة لها.
ويستدرك أن جميع محاولات المنظمات الإنسانية قد فشلت في تنبيه وزارة العدل والبرلمان على وجه الخصوص بمغبة الاستمرار في هذه السياسة وتجاهل هذه الحقوق بما ينافي السياقات الدولية المعتمدة والتي يعتبر العراق أحد الموقعين عليها.
ويشير الى أن هناك حاجة ملحة لإيجاد بيئة قانونية وتطبيق معايير حقوق الإنسان ولاسيما في هذا الملف ووقف الانتهاكات الحاصلة.
كاتب وصحافي عراقي حاصل على بكالوريوس في الإعلام، يعمل في المجال الصحفي منذ أكثر من 10 سنوات
Muwatin Media Network
Beyond Red Lines
United Kingdom – London
Muwatin Media Network
Beyond the Red Lines
United Kingdom – London
Contact us:
Executive Director and Editor-in-Chief:
Mohammed Al Fazari
All rights reserved to Muwatin Media Network ©
شبكة مواطن الإعلامية
ما بعد الخطوط الحمراء
المملكة المتحدة – لندن
للـتواصل معـنا: [email protected]
المدير التنفيذي ورئيس التحرير: د. محمد الفزاري [email protected]
لتصلك نشرتنا الشهرية إلى بريدك الإلكتروني
شبكة مواطن الإعلامية
ما بعد الخطوط الحمراء
المملكة المتحدة – لندن
للـتواصل معـنا: [email protected]
المدير التنفيذي ورئيس التحرير: د. محمد الفزاري [email protected]
جميع الحقوق محفوظة لشبكة مواطن الإعلامية©