يطل علينا بين الحين والآخر رجل الأعمال الأمريكي الشهير إيلون ماسك ليخبرنا بأن الرحيل إلى المريخ قد اقترب موعده، فبحسب التغريدة الأخيرة له بخصوص ذلك توقع أنه بحلول عام 2029 سيشد الراغبون في الانتقال إلى هناك رحالهم ويودعون كوكب الأرض، ويعمل ماسك حاليًا على بناء صاروخ قادر على نقل الناس إلى هناك ليأسسوا أول مدينة على الكوكب الأحمر.
تستدعي الأحاديث السابقة كيفية معيشة البشر في المريخ ومدى قابليتهم للتكيف مع ظروف الكوكب الجديد، وبما أن الجنس جزء لا ينفصل عن جودة حياة الشخص فقد طُرحت العديد من التساؤلات حول مدى إمكانية ممارسة الجنس في المريخ أو في الفضاء بشكل عام، والعوائق التي يمكن أن تواجه البشر هناك في هذا الجانب، وهو ما سنعمل على البحث وراءه في تقريرنا.
ناسا: روادنا ملتزمون بعدم ممارسة الجنس
نشر فريق مكون من خمسة باحثين كنديين في ديسمبر 2021 مقالًا بحثيًا في مجلة أبحاث الجنس الأمريكية دعوا فيه منظمات الفضاء الكبرى إلى العمل على إنتاج أبحاث علمية تتعلق بمدى احتمالية ممارسة الجنس في الفضاء، فبحسب وصفهم أن هذا النوع من الدراسات يؤسس للعلاقات الإنسانية التي ستنشأ هناك، وتحديد ما إذا كانت ستزدهر الحياة في الفضاء أم لا.
ولم يكونوا أول من دعا إلى ذلك؛ فقد لاحظت الباحثة ماريا سانتا غويدا عالمة النفس بجامعة كونكورديا الكندية أن العديد من الباحثين حاولوا لفت الأنظار إلى أهمية هذا النوع من الأبحاث، وذلك على مدار ثلاثين عامًا مضت، لكن مساعيهم لم تلق الاهتمام الكافي من جانب وكالات الفضاء.
يؤكد لنا ذلك أيضًا عالم النفس في جامعة كونكورديا الكندية سايمون دوبي بقوله إن البحث العلمي حول العلاقة الحميمية في الفضاء، بما في ذلك مكوناتها الاجتماعية والثقافية والنفسية شبه معدوم، فلا توجد أي تجارب علمية أجريت لبحث احتمالية حدوث العلاقة أو مدى تأثر الوظائف الجنسية في الفضاء.
يمكننا أن نفهم كواليس ما يجري عندما نتابع ردود وكالة ناسا الفضائية على أسئلة الصحفيين حول مدى إمكانية ممارس الجنس في الفضاء، فهم في الغالب يتجنبون الرد على هذا النوع من الأسئلة أو يقولون بأنهم لم يراجعوا هذا الجانب إطلاقًا، ويتصل ذلك بكونهم يفرضون على رواد الفضاء الامتناع عن ممارسة الجنس تمامًا، مؤكدين بأن الجميع يمتثل لذلك، ولم يحدث أي خرق للتعليمات التي تنطلق من حرصهم على عدم تعرض الرواد لأي أخطار في مهمتهم وإبقائهم في وضع الاستعداد دومًا.
غير أن أحاديث ناسا المنضبطة للغاية تواجهها حادثة شهيرة تصدرت الصحف عام 1992 عندما وقع اثنان من رواد الفضاء في الحب سرًا خلال إحدى المهمات التدريبية، وأخبرا رؤساءهما عن علاقتهم بعد العودة إلى الأرض، وتثير تلك الحادثة قلق المتحدثين باسم ناسا؛ فعندما وجه السؤال إلى رائد الفضاء الأمريكي آلان بويندكستر حول ما حدث أجاب بأنهم مجموعة من الزملاء المهنيين الذين يتعاملون مع بعضهم بعضًا باحترام، ولديهم علاقات عمل رائعة وليست علاقات شخصية.
ورغم مرور سنوات عديدة على الحادثة السابقة، إلا أن تخوفات ناسا تجاه هذا الجانب الحساس لا تهدأ، ففي عام 2017 تسرب تقرير رسمي للوكالة يشير إلى أن البعثات الفضائية إلى المريخ والتي من الممكن أن يمتد بقاؤها هناك إلى عام ونصف العام قد تقتصر على جنس واحد حتى لا تكون هناك احتمالية لممارسة الجنس، وبحسب وصف التقرير فالنساء قد يكنّ هنّ الأفضل لعملهن جماعيًا بصورة مترابطة وعدم تنازعهن حول دور القيادة.
بين الفضاء والأرض.. ما الفرق عند ممارسة الجنس؟
ممارسة الجنس في الفضاء أشبه بممارسة الجنس أثناء القفز بالمظلات
ذلك ما أكده الفيزيائي والفلكي الأمريكي جون ميليس، الذي يرى أن ممارسة الجنس في الفضاء تحتاج إلى مجهود بدني كبير جدًا، يجعل من الصعب البقاء على اتصال جنسي؛ فأخف لمسة يمكن أن تخل بالعلاقة الحميمية.
ويشرح ميليس بُعدًا آخر يتمثل في أن الجاذبية تجعل الدم يتركز في الرأس بدلًا من الأعضاء التناسلية، ما يعني أن الإستثارة الجنسية ستصبح شبه مستحيلة، بالإضافة إلى أن مستويات هرموني التستوستيرون والأستروجين تنخفضان في الفضاء وذلك سيقلل الدافعية الجنسية.
ويواجه الباحثون صعوبة في قياس مدى تأثر الهرمونات الجنسية في الفضاء، وذلك يرجع إلى عاملين: الأول أن 11.5% من رواد الفضاء هن من الإناث، والثاني أن معظمهن اخترن القيام بتحديد النسل بشكل مسبق من أجل تجنب عناء الدورة الشهرية.
وهناك أمر شديد الإحراج؛ ألا وهو أن السوائل الناتجة عن العملية الجنسية مثل العرق والإفرازات المهبلية والسائل المنوي ستطفو جميعها في المقصورة، ما يؤدي إلى كثير من الإحراج والصعوبة في التنظيف أيضًا.
لكن البُعد الأعمق هو تغير نمط الحياة في الفضاء عن الأرض بشكل كبير، فإيقاع الحياة اليومية ينقلب رأسًا على عقب، وذلك يؤثر بالطبع على الجانب الجنسي، فوفقًا لأحد رواد الفضاء الذي ذهب في مهمة قصيرة بلغت مدتها عشرة أيام فهو لم يكن لديه أي نوع من أنواع الرغبة الجنسية.
بشكل عام ستتطلب ممارسة الجنس في الفضاء الكثير من الجهد لإنجاحها بالأخص فيما يتعلق بالأوضاع الجنسية؛ لأن الجنس أساسه تقارب الجسدين، وفي الفضاء لن يحدث ذلك دون وجود قوة معاكسة، ما يعني أن الطرفين سيبتعدان عن بعضهما بعضًا باستمرار إذا لم يكن هناك طرف ثالث يمنعهما من ذلك، أو أن يتم ربط أحد الطرفين في الحائط ويكون هناك طرف واحد متحرك فقط.
ما بعد ممارسة الجنس.. هل سنرى أطفالاً من مواليد الفضاء؟
الإنجاب في الفضاء ربما يكون بداية لظهور نوع جديد من البشر
توصل إلى هذه النتيجة مجموعة من الباحثين الذين نشروا بحثهم في مجلة فيوتشرز العلمية، فوفقًا لتحليلاتهم أنه إذا تجاوز البشر صعوبات إقامة العلاقة الحميمية سيصطدمون بصعوبة الحمل والولادة، وذلك ما نجحت في إثباته تجربة أجريت على الفئران لدراسة تأثير وجودها في الفضاء على عمليتي الحمل والولادة، فقد وجد الباحثون أن الفئران التي عادت إلى الأرض كان لديهم ضعف عدد الانقباضات في مرحلة المخاض بالمقارنة مع الفئران التي لم تغادر الأرض.
وحتى في حال تجاوز مرحلة الولادة الصعبة بنجاح؛ فالمولود سيعانى صحيًا في الغالب، وذلك يرتبط بأن رواد الفضاء يتعرضون إلى تدهور العضلات وضعف بنية العظام، ومشكلات صحية أخرى؛ مثل ضعف الرؤية وتغير شكل الدماغ، وإذا ما ربطنا تلك المشكلات بتكون الجنين؛ فإن النتيجة قد تكون غير محمودة العواقب بظهور سمات غير مرغوب فيها تهدد الوجود البشري على المستعمرة الجديدة.
ومن تلك السمات التخلف العقلي الشديد؛ فوفقًا لعالم الفيزياء الحيوية توري ستورم الذي يعمل بمركز أبحاث أميس التابع لوكالة ناسا، فإن جرعة الإشعاع التي سيتعرض لها الجنين في رحلة المريخ من الأرجح أن تؤدي لتراجع قدراته العقلية أو ظهور به عيوب أخرى غير متوقعة.