في زيارةٍ تاريخية يستقبل السلطان العماني الرئيس الإيراني للتوقيع على مجموعةٍ من مذكرات التعاون الاقتصادي ولقاء تجار إيرانيين وعمانيين. لكن يبدو بأن القمة العمانية الإيرانية التي تأتي في سياق دور الوساطات العمانية ستذهب لأبعد من مذكرات التعاون والتفاهم للوقوف على قضايا إقليمية ودولية قد تعيد ترتيب أوضاع المنطقة، فما هي توقعات أجندة هذه القمة؟.
تنامى مشروع البرنامج النووي الإيراني بشكلٍ متسارع خلال فترة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، الأمر الذي اعتبرته الولايات المتحدة ودول الخليج مؤشراً خطراً يهدد الأمن الإقليمي، خصوصاً مع استياء العلاقات الخليجية الإيرانية وأنشطة الجمهورية الإسلامية في المنطقة. وتحت عقوباتٍ هي الأكبر في التاريخ حتى وقتٍ قريب، كانت طهران في حاجةٍ للوصول لتفاهماتٍ دولية حول طبيعة برنامجها النووي وتطمين المجتمع الدولي ودول الخليج بسلميته. وبين الفرقاء، يبدو أن الحل دوماً في مسقط.
في العام 2012، وبجهودٍ كانت مسقط تسعى فيها لسنوات، استطاعت عمان أن تضع حجر أساس الاتفاق النووي بجمع واشنطن وطهران على طاولة مفاوضات واحدة. عملت مسقط كجسر عبورٍ لصناعة التفاهمات بين طهران وواشنطن وساحة حوارٍ مقبولة لدى النظام في طهران، الأمر الذي قاد للتوقيع الأخير على الاتفاق النووي العام 2015، وتجنب الدخول في مواجهةٍ عسكرية تهدد إمدادات الطاقة العالمية في الخليج.
بدعوةٍ من السلطان العماني، هيثم بن طارق، يزور الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، العاصمة العمانية مسقط، الإثنين 23 من مايو الحالي، في لقاء يوصف بالقمة العمانية الإيرانية، للوقوف على تطوير العلاقات بين البلدين وتوقيع بعض الاتفاقيات والتفاهمات بينهما. في ضوء هذه الزيارة، تشير دلالات التطورات الإقليمية والجهود العمانية في الصفقات الأخيرة بين طهران والولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى أن القمة ستكون أبعد من بحث العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
وسيط اللحظات الحرجة
في منتصف مارس الماضي، أفرجت السلطات الإيرانية عن مواطنين يحملان الجنسية البريطانية، زاغارين راتكليف المحتجزة منذ ستة أعوام، وآنوشه آشوري، مقابل إفراج المملكة المتحدة عن نصف مليار دولار تدين بها لندن لطهران منذ عهد الشاه بهلوي قبل قيام الثورة الإسلامية 1979. مصادر صحفية إيرانية تشير إلى أن عمان كانت اللاعب الأساسي في إقناع البلدين في إتمام الصفقة وبحث الإفراج عن مواطنين بريطانيين آخرين لا زالوا محتجزين في السجون الإيرانية.
ضمانات الصفقات التي تقدمها عمان لطهران، تجعل منها وسيطاً موثوقاً لدى الإيرانيين، حيث أفرجت كوريا الجنوبية عن سبعة مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمدة بسبب العقوبات الأميركية وحولتها عبر بنكٍ عماني في سياق صفقةٍ للإفراج عن ثلاثة سجناءٍ أميركيين إيرانيين مطلع إبريل الماضي كانت عمان الوسيط فيها.
ظلال الأزمة الأوكرانية
الأوقات الحرجة لا تقيم للصداقة وزن. على الرغم من العلاقات الجيدة التي تجمع طهران بموسكو، دفعت العقوبات الدولية على خلفية الاجتياح الروسي لأوكرانيا موسكو للاستيلاء على الأسواق التقليدية لطهران. رئيس اتحاد مصدري الطاقة الإيرانية حميد حسيني، يتحدث عن حلول الصادرات النفطية الروسية محل الإٍيرانية، حيث تقدم موسكو النفط في الأسواق الآسيوية بسعر أقل بنسبة 30% عن الصادرات الإيرانية ومطالبة كابل وإسلام آباد طهران بتخفيض أسعار الغاز الذي تبيعه لها وفق أسعار الغاز الروسي الذي تعرضه موسكو بنصف سعر الغاز الإيراني. هذا بالإضافة لتراجع الطلب على الصلب الإيراني أمام العرض الروسي الأرخص في الأسواق الآسيوية التي كانت تحقق لطهران عائداتٍ سنوية بمقدار ستة مليارات دولار أميركي.
القمة العمانية الإيرانية التي تعد اللقاء الأول بين حاكمي البلدين منذ توليهما السلطة، تأتي أيضاً في سياق تطورات الصراع الروسي الغربي في أوكرانيا، الذي خلف تضخماً في أسواق الطاقة مع إيقاف إمدادات النفط الروسية ورفض السعودية والإمارات رفع معدل إنتاجهما. في زيارةٍ سابقة في الـ 12 من مايو الحالي قام بها أمير قطر لطهران بهدف الوصول لأرضية مشتركة لإحياء الاتفاق النووي، وفي تصريح لوزير الخارجية القطري توضح دوافع هذه المساعي للسعي لرفع عقوبات حظر استيراد النفط الإيراني للمساهمة في التحكم بالتضخم في أسواق الطاقة.
رئيس اتحاد مصدري الطاقة الإيرانية حميد حسيني يرى أن المواجهة الاقتصادية مع روسيا يجعل من مسألة نجاح الاتفاق النووي لإيران فرصةً لاستبدال أسواقها والحلول محل الصادرات الروسية لأوروبا، حيث يقول: “علی إیران أن تستعید توازن الأسواق من خلال صادرات النفط والغاز إلی أوروبا علی نطاق واسع”.
قمة لإزالة التوترات
في حديثه مع وكالة إيرنا الإيرانية، يصف المختص بالعلاقات الأميركية الإيرانية هادي خسرو شاهين، القمة العمانية الإيرانية بأنها تأتي بدعوةٍ من السلطان العماني لرفع وحل المسائل العالقة بين طهران وواشنطن، وخصوصاً بشأن الاتفاق النووي الذي وصل للمراحل الأخيرة لتوقيعه في فيينا. هذه التوترات تشمل أيضاً الملفات الأمنية في منطقة الخليج، يقول خسرو شاهين: “ما يجعل عمان ودول الخليج الأخرى جادة في الوساطة هو رغبتها الجادة في خلق المساحة اللازمة لتخفيف التوترات وتحقيق الاستقرار والأمن الإقليميين من خلال إحياء الاتفاق النووي، فضلًا عن تعزيز مكانتها ودورها من خلال هذه الدبلوماسية”.
القمة العمانية الإيرانية تأتي في وقتٍ حرجٍ لإحياء الاتفاق النووي الذي وصلت محادثاته لنهايتها، وسط رفض دولة الاحتلال الإسرائيلي للاتفاق ومطالبة الولايات المتحدة لطهران بتوفير ضمانات أمنية أوسع بشأن برامجها الدفاعية. لهذه الأسباب وأسباب متعلقة بالشأن الداخلي الأميركي، يرى خسرو شاهين بأن القمة لن تؤتي ثمارها في إحياء الاتفاق النووي، إلا أنها ستفضي لتفاهمٍ غير رسمي، حيث يقول: “نظراً للعقبات الداخلية التي تواجه الرئيس الأميركي، يبدو من غير المحتمل أن يتم التوصل إلى اتفاق بوساطة أطراف إقليمية. وشدد في الوقت نفسه على أنه إذا نجحت عُمان أو وسطاء آخرون في جلب الجانبين –واشنطن وطهران- إلى طاولة المفاوضات بشكل مباشر، كما حدث في عام 2011، فيمكن حل المشكلة من خلال عملية دبلوماسية غير رسمية”.
ربما تكون احتمالات إيجاد حلٍ للاتفاق النووي غير موجودة في الواقع، إلا أن قمة مسقط قد تحمل حلولاً تتجاوز المعوقات التي يفرضها الاتفاق النووي لحلول يفرضها واقع الأزمة الروسية مع الغرب والحاجة العالمية للطاقة وأمن الدول المصدرة لها، على الأقل في الوقت الحالي.