في العام 2014 قاد الحوثي انتفاضة شعبية على خلفية قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية الذي أصدرته حكومة باسندوة وشرعت في تنفيذه، كان هياج المتظاهرين يومها قد أججته أزمة المحروقات الخانقة وانطفاء الكهرباء لأيام متتالية، شعارات الحوثي التي ألهبت حماس الشباب انطلق عنانها في وقت الربيع العربي بعد أن ساد جو التكتم الإعلامي في حروب صعدة الست.
جماعة الحوثي استدعت أقوال الرموز، لتستنهض الجماهير ضد الظلم والفساد المالي، ولعبت دور الرقابة والمساءلة، تحدثت عن الإيرادات المنهوبة، الغاز المنهوب، الحقوق الضائعة، قللت من شأن المشاريع التي أقامها النظام السابق، ضاءلت قيمة كل ما له علاقة بالنظام السابق، وتحقق ما أرادته الجماعة، واستولت على صنعاء، المؤسسات والمعسكرات والسلاح.
اليوم، ومنذ سبع سنوات، لا يتقاضى اليمنيون رواتبهم الشهرية، وتنعدم مصادر الدخل الأخرى، فيما ارتفعت أسعار الوقود التي انتفضوا لأجلها بنسبة 400%، ومن يطالب سلطات الأمر الواقع بخدمات أو حقوق فإنه يصبح مشكوكًا في وطنيته، ويتهم بالعمالة والارتزاق.
أزمة وقود
طوابير من آلاف السيارات تنتظر حصتها من الوقود أمام محطات البترول، و بحسب قناة الساحة، إن سلطات الأمر الواقع تمنع ستين قاطرة في منفذ الجوف ومائة قاطرة في عفار البيضاء، وخمسين قاطرة في منفذ تعز، وخمسين قاطرة في منفذ الحديدة من الدخول إلى صنعاء. ويدلي الناطق الرسمي لشركة النفط في صنعاء ( أمين الشباطي) بمسوغات هذا الاحتجاز مشيرًا إلى أن عدوان التحالف (بحسب تسميته) هو المتسبب في تلك الأزمة. وفي رده على سؤال وجهته إليه قناة الساحة عن سبب احتجار القاطرات المذكورة، يقول: إن النفط الذي تحمله تلك القاطرات لا تتطابق مواصفاته مع المواصفات المعتمدة، وأنها قد تعرض حياة المواطنين للخطر. ولا توجد تقارير تثبت هذا الادعاء.
للمحروقات سوقان
صارت أرصفة الشوارع في المناطق الخاضعة لحكم سلطات الأمر الواقع سوقًا رائجة، ترى فيها البترول يباع أمام أنظار السلطات، في قنينات مياه الشرب بسعات مختلفة، وبأنواع رديئة وذات جودة منخفضة، ولا يعد ذلك مخالفًا للقوانين في النظام الجديد، وبالرغم من رداءة جودة المحروقات؛ إلا أن أسعارها قد ترتفع إلى أربعة أضعاف سعرها قبل الأزمة المفتعلة في العام 2020، ومثله أنبوبة الغاز المنزلي تباع في السوق السوداء بسعر يعادل 50 دولارًا عندما لا تجد الأسر كفايتها من الحصص الرسمية الموزعة عبر عقال الحارات، بالسعر الرسمي الذي يعادل تسعة دولارات.
أما السوق الرسمية التي ترتفع فيها أسعار البترول بنسبة (200%) فقط، فإن السائقين يضطرون للاصطفاف في طوابير طويلة، لأجل الحصول على حصة صغيرة، يأتي فيها دور المصطفين للحصول على حصتهم مرة كل ثلاثة أو أربعة أيام، وقد لا يأتي.
محرقة، والأطراف المسؤولة ليست مسؤولة
تداعيات حجز المقطورات المحملة بالمشتقات النفطية ومنعها من دخول صنعاء، فوق قدرة الناس على الاحتمال.
عمار هادي يعمل بائعًا لدى أحد تجار الملابس، يتقاضى ما يعادل 100 دولار تقريبا مقابل دوام 12 ساعة يوميا، يتحدث إلى مواطن، يقول “إنني بحاجة إلى خمسة رواتب شهريا، لكي أستطيع أن أحصل على الطعام، وأسدد فاتورة الكهرباء، وإيجارات السكن، وتكاليف المواصلات، والغاز، والماء، وأسدد رسوم مدرسة ابنتي وتكاليف علاجها.
حالة عمار ليست وضعًا استثنائيًا، فغالبية اليمنيين أصبحوا غير قادرين على تحمل تكاليف مواصلات النقل العام أو تحمل نفقة احتياجاتهم من الغاز المنزلي المتاح في السوق السوداء، إن “عمار” نموذج يكشف عن حياة الإنسان اليمني الأكثر التصاقًا بالحرب، والذي تتمترس الأطراف المسؤولة في الشمال والجنوب خلف معاناته.
صوت الشارع في غمرة بؤسه
يعتمد سير التعليم في المؤسسات التعليمية (الجامعات والمعاهد والمدارس) على مواصلات النقل العام، لأن غالبية الطلاب لا يملكون دخلاً، لذا فقد فاقمت الأزمة من معاناتهم.
طلاب جامعة صنعاء يصفون معاناتهم لمواطن، “علي عبد الملك” خريج قسم الصيدلة يقول: “نحن أربعة شبان أتينا من محافظة إب للدراسة، نسكن في غرفة واحدة، في قرية تبعد عن صنعاء عشرين كيلو مترًا، تستغرق رحلتنا إلى الجامعة ساعتين، نذهب للمحاضرات مشيًا على الأقدام، بعد أن ارتفعت تسعيرة الباصات، ويقول إنه حتى خيار الانتقال لسكن قريب من الجامعة ليس قرارًا ممكنًا، ببساطة لأننا لا نملك المال، وتكاليف الإيجارات في قلب العاصمة مكلفة جدًا، لكن ذلك ليس المشكلة الوحيدة، فالنظافة الشخصية في وضع كهذا قد أصبحت ترفًا، نمضي أربع ساعات يوميًا في الذهاب إلى الجامعة والعودة إلى السكن، نعود إلى غرفتنا ولا نجد الماء الكافي للاستحمام وتنظيف ملابسنا، لأن مراكز إمداد المياه بعيدة عن غرفتنا، لم يعد باستطاعتنا شراء ماء للاستخدام المنزلي، نحصل على الماء من الخزانات العامة، يقوم كل واحد منا بجلب ليترات من الماء، ويخبئها في حقيبة ملابسه حتى لا يسرقها زملاؤنا في السكن، وإذا استغرق أحدنا في النوم صباحًا فإنه قد يصحو وقد صودرت حصته، فتنشب بيننا الخلافات، وهذا هو السبب الذي جعل زميلنا إبراهيم يغادر الغرفة، غادرها غاضبًا ووصفنا باللصوص، لأننا كنا نضطر لأخذ قنينته، أو استعارة قمصانه”.
أما “مروة الأغبري” إحدى طالبات التمريض، تقول: ” إن الطلاب يتغيبون عن المحاضرات؛ فأجرة المواصلات العامة ارتفعت 100%، وليس باستطاعة الطلاب دفعها”.
“ماجدة الخطيب” مدير مستشفى السبعين للأمومة والطفولة تقول محذرة المسؤولين في تصريح لها لقناة المسيرة التابعة للحوثي: “إذا أغلق مستشفى السبعين نتيجة أزمة الوقود؛ فهذا حكم بالموت على ثلاثة آلاف امرأة حامل، وما بين 400 و500 طفل تستقبلهم حضانات المستشفى شهريًا”.
ونداءات استغاثات من المستشفيات الخاصة تحذر من احتمال إغلاق المستشفيات في حال استمرار الأزمة.
تدابير السلطة في صنعاء
أصدرت السلطة في صنعاء قرارًا بمنع سائقي المواصلات العامة من رفع تسعيرة الباص، في حين أنها تستمر في منع دخول الوقود إلى صنعاء، تنشب مشاجرات بين سائقي الباص والركاب بسبب هذا القرار اللامسؤول. وتستمر المعاناة ولا تدابير أخرى!
المملكة العربية السعودية تمنح اليمن ثلاثة مليارات من الدولار بعد قرار التعيينات الجديد، ونقل السلطة لمجلس قيادة رئاسي آخر، منها ستمائة مليون دولار لصندوق دعم شراء المشتقات النفطية، وفي صنعاء يتوفر الوقود بسعر يبلغ أربعة أضعاف سعره في مأرب، وتظل معاناة انعدام الدخل للمواطن اليمني في صنعاء كما كانت عليه قبل المنحة السعودية.