في إطار احتفال «مواطن» باليوم العالمي للمرأة، عقد «مواطن كافيه» ندوة حوارية تحت عنوان «النسوية التقاطعية: ما لها وما عليها»، والتي تأتي ضمن سلسلة «مواطن» الثقافية، والتي تعمد دومًا إلى التفاعل والتعاطي مع الشأن العربي بشكلٍ عام، وكذا مع الشؤون التي تتقاطع مع ملفات المواطنة بشكلٍ خاص، من المحيط إلى الخليج.
وقد شارك فيها: الإعلامية البحرينية وفاء العم، ومُنسقة ومقدمة قناة “حكي نسوي” من فلسطين سارة قدورة، والناشطة النسوية من الجزائر سارة رزيق، بإدارة الناشطة السياسية الكويتية فجر الخليفة.
وبدأت الندوة بالإشارة إلى التشويه المُتعمَّد لمدارس ومناهج النسوية كجزء من القمع الممارس ضد المرأة والنظر لها بدونية وبـ “كِلاسية”، إلى أية إنتاجات تنبثق من نضالات النساء ومشوارهِن في التعامل مع من يريد قولبتهن وإخماد نشاطاتهِن في سلم الترقي والإنجاز والإبداع الإنساني.
كما استعرضت الندوة مفهوم النسوية التقاطعية؛ حيث أشارت الإعلامية وفاء العم بأن مفهوم النوسة التقاطعية يعود إلى عام 1989، وهو يركز على وصف وتحليل تجارب الاضطهاد والتمييز التي تتعرض لها النساء، ومن ثم تأتي هذه التجارب بشكل مُركب وتتقاطع فيها عوامل الاضطهاد لتتخذ الصورة الجندرية أو العرقية أو العضوية أو البنيوية.
ما نوعية التمثيل النسائي في المناصب العليا - هل هي مناصب ذات أهمية سياسية واجتماعية؟ وهل تنفذ من خلالها سياسات #نسوية أم يتم دعم #الذكورية والأبوية؟
— مواطن (@MuwatinNet) April 26, 2022
سارة قدورة | @hakinasawi pic.twitter.com/grTYhg7X1O
بينما رأت الناشطة سارة رزيق أن نظرية النسوية التقاطعية تقوم بموضعة تجربة كل امرأة على حِدة وبصورة خاصة لتُفردها عن التجارب العامة، لتتفاعل وتتقاطع مع السياسي والديني والجنسي، كما نوهت سارة قدورة إلى أن النظرية التقاطعية تُركِز بالأساس على اختلاف تجارب النساء أمام ملف القمع والاضطهاد، وبالتالي تتباين أدوات النضال وتختلف فيما بينها حسب كل تجربة.
وشددت وفاء العم على ضرورة إبراز التركيبات والتجارب المختلفة لاضطهاد المرأة بكافة أشكالها؛ لأنه لا توجد آلية موحدة لإبراز التمييز ضد المرأة، بل من الممكن وضع أسس عامة كاشفة، وذكرت أن الملف ذاته في الشرق أكثر تعقيدًا في المنطقة العربية عنه في المجتمعات الأوروبية، حيث توجد عناصر فاعلة بشكل أكبر كاستعباد المرأة والعاملات داخل المنزل، بالإضافة إلى المُكونات الثقافية والدينية والمجتمعية.
واتفقت سارة قدورة على أهمية نقد التجربة ذاتيًا من حيث الأدوات المستخدمة والخطابات التي تتبناها النساء بنضالهنّ في إطار النسوية التقاطعية، ذاكرًة أن للنسوية التقاطعية الفضل في إعطاء النساء المناضلات الأدوات الحديثة لمجابهة القوانين والحكومات، والنظر إلى أنواع مختلفة من اضطهاد المرأة كملف العابرات جنسيًا واللاجئات.
ورأت رزيق أن اضطهاد النساء لا ينشأ من فراغ، بل من عدة عوامل كالعرق والطبقة الاجتماعية والإعاقة والمستوى الاجتماعي والتوجُه الجنسي وغيرها من العوامل، وكل عامل منهم يشكل تجربة اضطهاد لكل امرأة وفقًا لموقعها من التهميش الذي تواجهه؛ فمثلًا تختلف الرؤية وأداة النظر والتحليل للمرأة المسلمة الواقعة في مجتمع متدين عن المرأة المضطهدة جنسيًا في مجتمع ذكوري، وفي الحالات الأخيرة نجد معاناة ومشكلات المرأة متضاعفة. وهنا تؤكد سارة رزيق على أهمية الخطابات النسوية الجذرية والصدامية في نفس الوقت.
وفيما يخص الارتباط بين اضطهاد المرأة وضعف تمثيلها الحكوماتي والبرلماني والسياسي، رأت وفاء العم أن عدم وجود المرأة في مراكز اتخاذ وصناعة القرار، فهذا يعني أنها تغيب عن دائرة صنع سياسات وقوانين عادلة ومتوازنة تقوم على المساواة بين الرجل والمرأة في المجتمع، وهو يضعف من تمكين المرأة اجتماعيًا، فمن يمتلك السُلطة هو من يمتلك وضع السياسات، فمشاركة المرأة لابد وأن تكون حقيقية وفاعلة وليست ديكورية.
الأسر الحاكمة هي من تصنع القرار السياسي في #الخليج بما في ذلك قرار تمكين #المرأة، وهي لا تسعى لتمكين المرأة من أجل تحقيق تمثيل شعبي وإنما من أجل أهداف تسويقية
— مواطن (@MuwatinNet) May 9, 2022
وفاء العم | @wafaalamm pic.twitter.com/JVUtJATIuA
ورأت قدورة، وجود الرجال على رأس السلطة بشكل غالب وفاعل، في حين تُمثل المرأة بشكل صوري، هو ما يعطي شرعنة وقوننة ما تنتجه السُلطة من قوانين ومراسيم تضطهد المرأة وتعمل على تراجع وضعها بصورة تبدو بمشاركة وتوافق النساء أنفسهم. ورأت أنه أولى بنا بالنظر من يتملك قرار وصول النساء إلى السُلطة ونسب تمثيلهن النيابية والبرلمانية.
وذكرت رزيق أن تواجد النساء كجزء من تمثيل السُلطة لا يعني وجود مساواة جندرية حقيقية في الواقع، نعم التمثيل السياسي يكسر حاجز وصورة التمييز والتنميط بحق مشاركة واندماج المرأة سياسيًا، إلا أن الحكومات العربية توظف حضور المرأة سياسيًا.
واستطردت العم في حديثها عن مستقبل النسوية التقاطعية ومشوار المرأة النضالي، ذاكرًة أن المشوار لا زال طويلاً، ويبدأ من المنزل وزرع المساواة بين الجنسين، وأن المرأة عليها أن تربي أبناءها على ذاك الوعي الذي يزرع التوازن ما فوق الجندري والجنسي ويتوجه إلى الإنساني.
وذكرت قدورة أنه ليس من الصعب إيجاد قواسم مشتركة بين الناس في المجتمعات العربية التي يمكن أن يؤسس عليها قواعد المساواة، في وقت تُفضح فيه كافة الأنظمة السياسية بكافة توجهاتها الرأسمالية والدينية والاقتصادية لما تدين به من ازدواجية ومعايير ثنائية، تنظر بها إلى ملف وقضية المرأة، وهي النواة التي يمكن أن يؤسس عليها العمل النسوي والالتقاء بين النساء، والتركيز على القواسم المشتركة، وكذا الاتجاه نحو التشابكات بين أفراد المجتمع المضطهدين الذين يشعرون بالمعاناة ويرزحون تحت ضيم هذه الأنظمة.
من الضروري أن نتيح المجال للنساء اللواتي يعانون من قمع مضاعف أن يعبرن عن معاناتهن، وقضاياهن دون إملاءات أو وصاية نخبوية عليهن
— مواطن (@MuwatinNet) April 21, 2022
سارة رزيق | @Sarah_RezigS pic.twitter.com/vXcwBPTrgC
وتشير رزيق: “إننا كنساء مضطهدات يجب أن نوحد كافة جهودنا ونضالاتنا ونرى كافة صور التمييز بحق النساء في إطار الواحدية؛ بحيث نعترف بكافة الفئات المُهمشة تحت ظل النظام الطبقي الأبوي العبودي، دون إهمال تجارب البعض، أو إغفال تجارب النساء الأخريات باستعلاء لطالما أن القضية فئوية أو ليست محل اهتمام الباقين. ورأت أن الخطاب الرأسمالي نفسه هو سبب الأزمة وسبب التمييز، وشددت على ضرورة المشاركة بشكل فاعل داخل الأنظمة والمجتمعات بما يقفز أعلى سور الخطابات النظرية والممارسات الأكاديمية، وصياغة نظريات ومفاهيم يفهمها الجميع من هو داخل دائرة الاضطهاد أو خارجها.