"أكثر أعراض الصدمة رعبًا كانت عدم الإحساس بالمستقبل، أشعر دومًا أنني سأموت، فعلى الرغم من انتهاء حادثة الاغتصاب إلا أنه دومًا أتصرف وكأنني أتوقع حدوث كارثة".
يمكننا أن نفهم جزئيًا من العبارات السابقة التي صرحت بها إحدى الناجيات من الاغتصاب ما الذي يمكن أن يفعله ذلك الفعل الشنيع بضحاياه، من تدمير ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم، وتتعدد جوانب التدمير، وأبرزها: ظهور العديد من الاضطرابات النفسية على المدى القصير والبعيد، وأشهر تلك الاضطرابات تتمثل في اضطراب كرب ما بعد الصدمة، الذي تندرج تحته مجموعة من الأعراض مثل الاكتئاب والقلق والأفكار الانتحارية.
ولا يقتصر تأثير الاغتصاب على الجانب النفسي فقط؛ إنما يمتد إلى الجانب الجسدي، فبحسب دراسة أجرتها جمعية القلب الأمريكية عام 2011 فإن الفتيات اللواتي تعرضن للإيذاء الجنسي تزداد نسبة إصابتهن بالنوبات القلبية وأمراض القلب والسكتات الدماغية بزيادة قدرها 62% عن غيرهن.
وتؤكد نتيجة الدراسة السابقة دراسة علمية أخرى أجرتها جامعة تورنتو الكندية عام 2012 لرصد تأثير الاعتداء الجنسي في الطفولة على الذكور، فقد وجد الباحثون أن الرجال الذين تعرضوا للاعتداء الجنسي في طفولتهم يكونوا أكثر عرضة للإصابة بالنوبة القلبية بثلاث مرات، مقارنة بالرجال الذين لم يتعرضوا للاعتداء الجنسي.
إذًا فالأمر أعمق من ظهور مشاعر سلبية يمكن تجاوزها بمرور الوقت، وذلك ما يدعونا إلى البحث في جذور المشكلة لمعرفة ما الذي يدفع شخصًا إلى أن يحول رغبته الجنسية إلى جريمة يدمر بها حياة شخص آخر.
ما الذي يدفع المغتصب إلى فعلته؟
نُشر على موقع “ريديت” للتدوين في 26 يوليو عام 2016 سؤال بسيط موجه إلى الأشخاص الذين ارتكبوا جريمة اغتصاب في حياتهم؛ ألا وهو “لماذا فعلت ذلك؟” وتباين طول الإجابات من بضع كلمات إلى 2000 كلمة أحيانًا لشرح ما الذي كان يدور في عقل المغتصب.
كانت تلك الإجابات بمثابة كنز للباحثين في جامعة ولاية جورجيا الأمريكية دعاهم لفحصها بدقة، وجاءت النتيجة مثيرة للاهتمام؛ ففي مقدمة الدوافع كان الفهم الخاطئ لسلوك الطرف الآخر فيما يتعلق بالعلاقة الجنسية، فمن وجهة نظر أحد المغتصبين أن المرأة عندما تقول لا فهي تعني نعم، أي أن رفضها للعلاقة هو بمثابة تأكيد لرغبتها.
يأتي بعد ذلك دافع آخر وهو إلقاء اللوم على الضحية؛ فهناك 29% من الذين أجابوا عن السؤال رأوا أن ما حدث كان سببه عدم قول الضحية لا بشكل واضح وقاطع، أو عدم مقاومتها للاعتداء جسديًا، إلى جانب استمداد الأحقية في الاعتداء من التاريخ الجنسي للضحية بموافقتها على علاقات جنسية مع الجاني أو مع أشخاص آخرين.
وقد ظهر من بين الإجابات دافع يثير الأسف على حال الإنسانية المتدهور، ألا وهو أن بعض الجناة بنسبة 18% أكدوا أن الأمر خارج عن سيطرتهم تمامًا، فليس لهم سلطان على رغباتهم الجنسية، وهذا ما عبر عنه أحدهم قائلًا: “هرموناتي الجنسية مجنونة”، ما يجعل الوضع تبدو فيه النساء وكأنهن المسؤولات وحدهن عما حدث.
الدافع السابق يقودنا إلى بعد آخر يشرحه عالم النفس الأمريكي رون سانشيز الذي عمل في سجن ولاية يوتاه مع المغتصبين المدانين لمعرفة دوافعهم، فهو يؤكد أن بعض المغتصبين يكون بداخلهم إحساس بالرفض من المحيط الخاص بهم، لذا يودون بأي وسيلة إثبات سيطرتهم وقدرتهم على إخضاع الآخرين لهم، وذلك لا ينفصل عن مشكلة صعوبة تعاملهم مع مشاعرهم وعواطفهم بطريقة صحية.
من الباحث عن الاطمئنان إلى الانتقامي.. هذه أنواع المغتصبين
يصنف الخبراء الأمنيين المغتصبين إلى أربع فئات رئيسية، غالبًا ما يكون المغتصب ضمن فئة منهم، هذه الفئات هي:
- المغتصب الباحث عن الاطمئنان:
يُعتقد بأنه هذا النوع هو الأكثر شيوعًا، والمغتصب الذي ينتمي إليه يكون مدفوعًا في جريمته بمشاعر نقص عميقة، وفي العادة ما يكون خجولًا وحيدًا قليل الإنجاز، يشعر بأن الآخرين يتعمدون إلغاء شخصيته، لذا يكون الاغتصاب بمثابة نافذة متاحة لإثبات جدارته، وأنه لا يقل عن الآخرين في شيء، ويستهدف هذا النوع الشخصيات الضعيفة من خلال إظهار المودة الكاذبة ويتخيل أن اعتداءه تم بالتراضي. - المغتصب الساعي للسلطة:
ينطلق هذا المغتصب من قناعة أن أي امرأة يمكن ممارسة الجنس معها ويخفي وراء ذلك شكوكه في رجولته؛ فهو دومًا ما يشعر بأنه ليس رجلًا حقًا ما لم يتمكن من أخذ ما يريد من أي امرأة. - المغتصب السادي:
رغم أن هذا النوع من المغتصبين يعد الأكثر ندرة بنسبة لا تتجاوز 10%، إلا أنه غالبًا ما تتصدر الحوادث المتعلقة بهم عناوين الأخبار باعتبارها أكثر إثارة عن غيرها، ففي حادثة الاغتصاب يعمد المغتصب السادي إلى أساليب تتعمد إخضاع الضحية له ويثيره جنسيًا معاناتها وتألمها، تلك المعاناة التي قد تصل إلى حد القتل أحيانًا. - المغتصب الانتقامي:
هذا المغتصب يكون غاضبًا من العالم بشكل عام، لذا يصب غضبه على الضحية باعتدائه جنسيًا عليها، وعلى عكس المغتصب الباحث عن الطمأنينة الذي غالبًا ما يخطط لجرائمه ويتعمد القيام بها، فهذا النوع يتصرف بدافع مؤقت، لذا فهو بمجرد انقضاء غضبه قد لا يغتصب مرة أخرى أو على الأقل لا يعاود جريمته إلا بعد أن يثور بركان توتره مرة أخرى.
هل الاغتصاب رغبة جنسية أم فعل عدواني؟
يتحير الكثيرون في فهم متناقضة من وجهة نظرهم تتمثل في كيفية تحول الجنس إلى فعل عدواني يؤدي بمرتكبه إلى السجن، لذا حتى نعيد كل شيء إلى أصله، فمن الضروري إثبات أن الاغتصاب ليس اضطرابًا سلوكيًا أو عقليًا؛ إنما هو جريمة جنائية، وعلى الرغم من اضطراب بعض الجناة نفسيًا إلا أنه لا يوجد اضطراب نفسي بعينه يجبر الناس على اغتصاب الآخرين.
ويرى معظم علماء الاجتماع والنفس أن الاغتصاب يرتبط بشكل مباشر بقضايا القوة والعنف، ولا يتعلق بالشهوة؛ فهو فعل الهدف، ومن ورائه السيطرة وإخضاع الآخر، وأحيانًا التعبير عن الكراهية والعداء تجاه المرأة، فالكثير من المغتصبين يرون النساء أدوات جنسية موجودة لتلبية الاحتياجات الجنسية للرجال.
تثبت ذلك أنتونيا آبي أخصائية علم النفس الاجتماعي في جامعة وين ستيت في مدينة ديترويت الأمريكية، ففي لقاء مع أحد المغتصبين أكد لها أنه شعر بحصوله على شيء من حقه الحصول عليه، ووصف تجربته بكونها قوية ومثيرة للغاية، ما يؤكد الرغبة في إثبات الذات بصورة خاطئة.
وحتى تتضح الصورة أكثر في شرح الفرق بين الاغتصاب والممارسة الجنسية يمكننا أن نعود إلى تعريف المصطلحات، لنجد أن الاغتصاب فعل عدواني يتم دون موافقة الطرف الآخر، بينما ممارسة الجنس الصحية تكون بالتراضي بين الطرفين.
يساعدنا على الفهم أكثر عالم النفس الأمريكي رون سانشيز بإشارته إلى أن الجنس مجرد وسيلة للعدوان عند المغتصبين، فبعضهم يكون لديه بالفعل علاقات مع نساء أخريات ويمارس الجنس بشكل منتظم، إلا أنه لسبب ما قرر إيذاء الضحية بهذه الطريقة، لذا فالاغتصاب شيء وممارسة الجنس شيء آخر.
أحيانًا تزوج الضحية لمغتصبها حتى ينجو قانونيًا!
تأخر تعريف الاغتصاب باعتباره جريمة تستوجب العقاب في القانون، إذ كانت المرأة في العصور القديمة تباع وتشترى بلا حقوق شخصية، لدرجة أنه أحيانًا كانت تُشترى العروس من والدها، وذلك ما جعل الاغتصاب في البداية يعد جريمة فقط لأنه انتهاك لممتلكات رجل آخر، بل ذهب العبرانيون إلى أبعد من ذلك؛ باعتبار النساء اللواتي تعرضن للاغتصاب مُدنسات يجب رجمهن حتى الموت.
وفيما يبدو أنه حتى اليوم لم يتخلص العالم من هذا الإرث القانوني الرجعي، فلا يزال قانون “الزواج من المغتصب” قائمًا في عشرين دولة، ويسمح للجناة بالإفلات من يد العدالة بكل سهولة، وبحسب تقرير نشرته الأمم المتحدة فهذا القانون يؤدي لإخضاع النساء أكثر ونقل المسؤولية القانونية من الجاني إلى الضحية.
ويؤدي هذا القانون إلى حوادث متعددة تقع للضحايا بإقدامهن على الانتحار بعد الزواج من المغتصبين، وذلك ما دفع دولة المغرب مثلًا إلى إلغائه بعد موجة غضب شعبية نتيجة حادثة مقتل شابة أجبرت على الزواج من مغتصبها. وقد تبعتها في خطوة الإلغاء دول أخرى، مثل: الأردن وفلسطين ولبنان وتونس.
لكن ذلك لا يمنع سريان القانون في عدة دول، مثل الكويت التي تسمح للجاني بالزواج من ضحيته بإذن من ولي أمرها، وروسيا التي تقر بأنه إذا كان الجاني يبلغ من العمر 18 عامًا وارتكب جريمة اغتصاب فإنه يُعفى من العقوبة إذا تزوج الضحية، أما في تايلاند فالزواج بمثابة تسوية لجريمة الاغتصاب في حالة إذا كان عمر الجاني أكبر من 18 عامًا والضحية أكبر من 15 عامًا.
ولحسن الحظ؛ فعلى النقيض تمامًا توجد دول أخرى لا تتهاون مع المغتصب، مثل الصين التي تعد من أكثر الدول صرامة في تنفيذ العقوبات المرتبطة بحوادث الاغتصاب، والتي تصل إلى الإعدام وتشويه الأعضاء الجنسية أحيانًا، وكذلك إيران التي تقتل المغتصب علنًا رميًا بالرصاص بهدف التأكيد على أن الاغتصاب جريمة لا يسمح بها في أي شكل من الأشكال، وتؤكد هذه الرسالة بجعل الضحية تطلق النار على مغتصبها في مكان عام.
تنخفض العقوبة بعض الشيء في دولة الهند التي أقرت قانون مكافحة الاغتصاب عام 2013، وينص على سجن المغتصب حتى 14 عامًا، وإذا تكررت جريمته فإن عقابه حينها يكون الإعدام شنقًا، بينما في فرنسا تتراوح عقوبة الاغتصاب بين قضاء 15 إلى 30 عامًا في السجن حسب طبيعة الجريمة.