تتداول صورة للرجل الخليجي على أنه فاحش الثراء، ينفق أمواله دون تفكير، لا يشغل باله إلا بالنساء والسهر والبحث عن كباريهات جديدة، فلماذا أصبح تنميط الرجال من الخليج على هذه الصورة تحديدًا؟ وما الأسباب التي كانت وراء رواج هذه الفكرة؟
التقت “مواطن” في هذا التقرير بعدد من مواطني الخليج، الذين يجمع بينهم السفر والاختلاط بالثقافات الأخرى وشعوب البلاد المختلفة؛ لتضع خبرات وآراء هؤلاء أمام ما يشاع عن سمعة الخليجي في الخارج، بين ما تقدمه السينما وما يتداول بين شعوب البلاد الأخرى، لنعرف مدى حجم التطابق والاختلاف بين واقع الخليجي وما يشاع عنه.
سبب السمعة السيئة للرجل الخليجي؟
يقول الكاتب السعودي جابر العبيد: "لقد سعت السينما المصرية إلى تشويه صورة الخليجي بإطار مجحف، فالحق أن المجتمع الخليجي ليس ملائكيًا، وإنما الإشكال في تجريد الشعوب الخليجية من قيمها، فضلًا عن الهزل بها والتندر."
الصورة النمطية سيئة السمعة المأخوذة عن رجال الخليج، قد تعود بدرجة ما إلى الأجيال الأولى في زمن اكتشاف البترول من الخلايجة، بتعبير “دوركايم” حالة اللامعيارية الاجتماعية التي تحدث نتيجة تحول اجتماعي مفاجئ في حياة الأفراد أو المجتمعات، وهو ما أحدث ضمن جيل أول من الخلايجة حالة من الثراء المفاجئ نتيجة البترول”.
هؤلاء -أي البعض من أبناء الجيل الأول- بالغوا في التباهي بأموالهم محاولين التقليل من كرامة عمال السياحة ومقدمي الخدمات في الدول التي يذهبون إليها، وهو ما قد يكون استمر أثره في أجيال لاحقة. ويؤكد لـ “مواطن” الكويتي خالد قمبر: “أكثر الدول اللي شعوبها فقيرة، قام ويقوم بعض الخلايجة، بإهانتهم باستخدام المال”.
هذا لا ينفي وجود أبناء في الجيل الأول من خلايجة البترول أكثر اتزانًا في ود الشعوب العربية والآسيوية الأفقر في ذلك الوقت، لكن ساهمت بشكل مباشر عملية إغداق الأموال من أجل الاستمتاع، مع ممارسات النيل من كرامة عمال السياحة ومقدمي الخدمات، في رسم هذه صورة نمطية سيئة عن الخليجي خارج الخليج.
سمعة الخليجي غربًا، هل تختلف؟
ربما لا تختلف نظرة الشعوب الغربية عامة إلى جميع مواطني الدول العربية، ولا يفرقون بين العربي من الخليج أو العرب الآخرين، فإلى حد كبير جميع العرب في نظر الغرب حسب طرح الأفلام الغربية، يعيشون في الصحراء داخل الخيم، ويعتمدون على رعي الأغنام، وهذه الصورة سائدة من زمن بعيد ولم تتخلف كثيرًا مع مرور السنين.
كما يعتبرون أن الثروات التي توجد في أرض العرب خلقت لشعوب لا يستحقونها، ويتبنى بعض شعوب الدول العربية هذه الفكرة بعدم استحقاق أهل الخليج لهذه الثروات، ويضيف لـ “مواطن” محمد القثمي، موظف بإحدى شركات الطيران السعودية، “هناك نظرة متوارثة بين العرب تعتمد السلبية تجاه المواطن الخليجي اعتمدت على التلقين، ما جعل العربي غير الخليجي يرى نفسه أكثر تحضرًا وتطورًا من العربي الخليجي” ويستكمل: “إن هذا بدوره يحتاج إلى إصلاح هذه النظرة وإزالة الأفكار التي تسببت في إلصاق نظرة سلبية بين العرب وبعضهم البعض”.
يرى البعض أن هناك حالة تربص أو تعمد من مواطني البلاد العربية خارج الخليج لتأكيد صورة ذهنية محددة حول رجال الخليج، حول استخدام الأموال ببذخ على الملذات والمتع، وهنا يعلق معتوق العدواني، مستشار أمني بالسعودية، قائلًا: “من حق أي شخص لديه مال أن يبحث عن الاستمتاع بحياته، لكن هل ذلك الاستمتاع حلال أم حرام؟ هنا السؤال؛ فكل شخص حسب اتجاهاته”.
الخليجي في الأعمال السينمائية، كيف جاء؟
يقول جابر العبيد: "صور الخليجي بالرجل الشيطاني والشهواني العابث الذي لا يرى في المرأة سوى جسدها محاولًا سكب شهوته عليها".
في العام 2019 أشارت ورقة بحثية لجابر العبيد، منشورة على موقع حكمة، تستعرض الظهور العام لشخصية الرجل الخليجي في السينما المصرية، وأكدت أن تقديم الرجل الخليجي في الأعمال السينمائية، لم يقدم الصورة الواقعية عن الرجل الخليجي، وأغلب تلك الأعمال الفنية التي ظهر فيها الخليجي كان دوره ثانويًا ولا يخدم الفكرة الرئيسية للعمل الدرامي، إذ تظهر الشخصية فجأة وتنتهي فجأة دون أن يكون لها أي تأثير.
ويؤكد الكاتب ومخرج الأفلام المستقل أحمد الشماع، في مقاله “تطور صور العرب والمسلمين في سينما هوليوود” المنشور على موقع الفصلة: “صورة العربي المهووس بالست البيضا، استمرت سنين في هوليوود، وظهرت تاني بشكل فج في فيلم “Protocol” إنتاج 1984، اللي أحداثه بتدور عن بنت أمريكية اسمها “ساني” بتنقذ أمير عربي من الموت بالصدفة، فيطلب من الحكومة الأمريكية تزويجها ليه مقابل قاعدة عسكرية أمريكية في بلاده”.
للسينما المصرية والأمريكية سطوة مركزية، وتعد الأفلام المصرية الأقوى تعبيرًا عن العالم العربي والأكثر تأثيرًا فيه، كما تعد السينما الأمريكية كذلك خاصة في تناول شخصية العربي في العالم الغربي.
ظهور شخصية الخليجي في الأعمال الفنية للسينما المصرية، جاء مؤيدًا لرؤى أهلها وصناع الفن فيها عن الخليجي الذي لا تشغله سوى العلاقات الجنسية، وقضاء الليالي الحمراء، واعتباره بنك أموال متنقلًا يمكنه الصرف دون تفكير، أما غربيًا بالإضافة إلى ما سبق يظهر الخليجي ساكن الصحراء، وراعي الغنم، ومحدود الذكاء. يعلق العدواني لـ “مواطن”، على هذا بقوله: “الفن الحقيقي يجب أن يعبر عن الواقع، ويعالج المشاكل أو الأخطاء، وإذا كان العمل متفقًا مع واقع معين؛ فلماذا يزعج المشاهد؟ أما إذا اتسم بالمبالغة؛ فهنا يعد إساءة مقصودة”. وهو ما يحدث في نقل صورة الخليجي سينمائيًا حول سياج من المبالغة والتنميط.
الخليجي قد يكون أكثر عرضة للاستغلال والابتزاز
قد يتعرض أي شخص لمواقف مزعجة وأيضًا عنصرية بسبب اختلاف الثقافات واللغة والدين وحتى اللون، لكن في البلاد الغربية العرب أكثر الناس عرضة للعنصرية بسبب ظاهرة “الإسلاموفوبيا” أي الخوف من الإسلام والمسلمين، وبالطبع يدخل المواطن الخليجي ضمن هذه القائمة بصفته عربيًا، ويؤكد لـ “مواطن” حسين أبو دياب، مدير عام بإحدى الشركات السعودية، قائلًا: “سافرت كثيرًا وتنقلت كثيرًا بين أمريكا وأوروبا، وأقصى الشرق والغرب، ووجدت أن الإزعاج موجود، والعنصرية موجودة في الغرب أكثر من الشرق، ليس بالضرورة على الخليجيين فقط؛ بل علىٰ الأجانب بشكل عام”.
وإذا كان المواطن الخليجي في البلاد الغربية عرضة للعنصرية، فإنه في البلاد العربية والإسلامية، عرضة للاستغلال والنصب. ويتابع أبو دياب قائلًا: “يظن الكثيرون أن الرجل الخليجي يملك المال الكثير؛ مما يعرضه ذلك إلى الاستغلال والابتزاز حتى في داخل وطنه”.
هل ساهم الإعلام في تشويه سمعة الخليجي؟
لا شك أن هناك بعض من أهل الخليج ساعدوا الإعلام بشكل عام في رسم هذه الصورة عن الرجل الخليج بجانب دور الإعلام، يضيف لـ “مواطن” الكاتب والصحافي السعودي علوان السهيمي، في هذا الشأن: “الإعلام الموجه هو سبب نشر صورة خاطئة عن الخليج وأهله، وفي نظري أن المواطن الخليجي مثله مثل أي إنسان على هذا الكوكب، يرسم صورة بثقافته ووعيه، ويسافر خارج بلده للبحث عما يجده مثيرا للاهتمام بالنسبة له، وإثارة الاهتمام هذه تأخذ صورا لا حصر لها”.
"الفارق الوحيد بين العربي من الخليج والعربي من خارجه، هو اختلاف الثقافات واختلاف نمط كل مجتمع وسلوكيات الأفراد بداخله".
البعض يرون أن الرجل الخليجي كريم محب للحياة، والبعض الآخر ينظر له كرجل غارق في تلبية ملذاته وإذلال الآخرين، ويعلق السهيمي، على هذا التصور بأنه لا يمكن تحديد صورة معينة لشعوب دول الخليج كما يصفه البعض، وكذلك لا يمكن الزج بمجتمع كامل في زاوية واحدة، وأن عملية التصديق على صورة واحدة لمجتمع كامل قد تكون غير واقعية.
الخليجي مفهوم لا يمكن حصره، لأنه إنسان يحمل من كل أطياف البشر من ناحية المحاسن والمساوئ
لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نسلم بحقيقة الصورة النمطية المأخوذة عن الرجل الخليجي؛ فإن مسألة إعطاء تصور واحد حول مجتمعات كاملة بالتأكيد سيكون منقوصًا وخاطئًا، كما يجب مراعاة تغيير الظروف والأحوال المعيشية مع أجيال العولمة وعصر التكنولوجيا والانفتاح العالمي، لكن يبقى السؤال الذي يطرح نفسه دائمًا، هل الصورة المنطمة للخليجي ظالمة تمامًا وتآمرية؟ أم تحمل جزءً من واقع تم تهويله لأسباب اجتماعية اقتصادية؟