محاولات تحسين الصورة في المرآة دون تحسين الأصل هي محاولات فاشلة؛ لأنها تُركِّز على صورة الذات في مرآة الآخر، لا صورتها أمام نفسها. ضع هذا في الاعتبار وأنت تتحدث عن الشرق المشرقن، أو الصورة النمطية التي اختلقها الاستشراق عن الشرق. للتنميط جبروت رمزي سلبي، هو الجزء الظاهر من الصورة، لكنه يحمل في داخله ماردًا قادرًا على دفع الشخصية الجمعية المنمطة إلى إظهار صورتها الحقيقية، في حال كانت الصورة النمطية كاذبة أو مختلقة، أو إلى تبديلها بأخرى إيجابية هي نقيض الأولى النمطية. لا يمكن للتنميط أيًا كان جبروته الرمزي أن يُرسخ صورة سلبية إلا على نحو مؤقت، ولنا في صورة اليهودي مثال على قدرة الشخصية الجمعية على تكسير مرايا الفكر النمطية واستبدالها بأخرى، المهم ألا نلقي بالمسؤولية على مشجب الآخر أو على شماعة الاستشراق أو المؤامرة، وألا ننسى حظنا من النقد الذاتي.
مرآتهم وصورتنا
“إذا لم تعجبك صورتك في المرآة فاكسرها”
لا أدري إن كان هناك وجود لهذه المقولة أو الحكمة في أي تراث إنساني. ما أعلمه أنها مقولة تجد لها تطبيقًا عمليًا عند المسلمين كلما تعرضت صورتهم في مرآة الآخر للتشويه!
كسر المرآة هو الحل السحري الوحيد الذي يقوم به أغلب المسلمين في كل مرة يتظاهرون فيها احتجاجًا على رسم كاريكاتوري، أو على مقاطع لفيلم، أو تصريح لفنان أو سياسي، يعتقدون أنه مسيء للإسلام. يقتلون، يكسرون ويدمرون أي شيء يقع أمامهم، وهم بهذه الأفعال لا يكسرون المرآة ولا يحسِّنون صورتهم بقدر ما يُكرِّسون صورة الإرهابي، وكأنهم يتهربون من ضريبة أقل كلفة؛ أي الاعتراف بالصورة السلبية من أجل استبدالها بأخرى إيجابية.
بهذا التهرب المؤقت من رؤية صورتهم المنعكسة، يحرمون أنفسهم من رؤية حقيقة من حقائقهم مرسومة على مرآة الآخر. حيث يمكن لتلك المرآة أن تقدم خدمة جليلة في حال تنبهنا إلى طبيعة القبح الذي يظهر عليها وبدأنا بالتساؤل المنطقي والمعقول: أين يكمن الخلل؛ في طبيعة المرآة؟ أم في أصل الصورة المنعكسة عليها؟ في حال أجبنا على السؤال المطروح بأمانة وموضوعية يمكننا بعدها الشروع في تحسين الصورة أو توضيحها.
صور النبي
صوَّر القرآن النبي محمدًا بأنه على “خلق عظيم“، وتعهد له الله بالعصمة قائلًا: “والله يعصمك من الناس“، وخاطبه قائلًا: “فإنك بأعيننا“. ورسمته عائشة- ضمن ما رسمت له من صور- بوصفه “قرآنًا يمشي على الأرض“، والتقطت له كتب التراث صورًا؛ منها الإيجابي المشرق ومنها السلبي (المسيء). فأي صورة هي الصحيحة، صورة النبي المسحور والمسموم والعنصري واللاهث وراء الشهوات التي رسمها لنا البخاري ومسلم وبعض كتب التراث، أم الصور الأخرى التي رسمها له القرآن وبعض كتب التراث؟!
ينقل هذا المقال صورًا للإسلام ونبيه نقلًا عن المصادر الإسلامية المتعددة والمعتمدة والتي تحظى بتقدير وتبجيل بالغ من عموم المسلمين وخاصتهم، وهي صور مسيئة، وربما أكثر إساءة، قياسًا للرسوم الكاريكاتورية التي تظهر من حين لآخر، أو لتصريحات بعض السياسيين، فيثور المسلمون بسببها دفاعًا في الظاهر وإثباتًا لها في الجوهر، ولكن قبل نقل هذه الصور دعونا نطرح مجموعة من الأسئلة:
ماذا لو قمنا بنقل هذه الصور التي وردت في أحاديث البخاري ومسلم وبقية كتب الأحاديث من واقع الكلمات المكتوبة إلى عالم الكلمات المرسومة أو المصورة– الفيديو أو السينما؟!
ماذا لو قمنا بنقل هذه الصور التي وردت في أحاديث البخاري ومسلم وبقية كتب الأحاديث من واقع الكلمات المكتوبة إلى عالم الكلمات المرسومة أو المصورة– الفيديو أو السينما؟!
من أين استقى ذلك الرسام وأولئك النقاد صورة الإسلام وصورة النبي محمد؟ من خيالهم الخصب؟ أم من كتب التراث الإسلامية؟ هل اخترعوا هذه الصورة (المسيئة) وادعوا شيئًا ليس له أصل؟ أم نقلوا من مصادرنا التي نُقدِّسها؟! ومن الأحق بالثورة والتظاهر والحرق؛ الذي أعاد رسم الكلمات؟ أم من رسمها أول مرة؟! ومن هو النبي محمد؟ هل هو الذي رسم الله سمته بالسراج المنير في القرآن، أم هو نبي البخاري ومسلم والطبري وكتب الحديث والسير؟!
من نسائل لمعرفة حقيقة الإسلام والمسلمين؟! أي صورة هي الأصدق، ما تصدره وسائل الإعلام الغربية من صور سائدة نمطية للعربي المسلم وللنبي محمد والإسلام، أم ما أصدرته كتب التراث الإسلامية ممثلة في كتب السير والتفاسير والأحاديث، أم ما يمارسه المسلمون فعلًا وقولًا في حياتهم التاريخية السلوكية؟! هل هي مرآة برنارد لويس وغيره من النقاد أم صورتنا؟ وإذا كانت مرآتهم فلماذا نحاول كسرها؟ لماذا لا نعرض صورتنا بموضوعية كما هي بالفعل دون لوم المرآة إذا انعكس عليها بعضٌ من علامات القبح والشيخوخة في صورتنا؟! وممَ يغضب المسلمون؟ هل من تصوير ورسم النبي- باعتبار أن تصوير الأنبياء محرم عندهم–؟ أم يغضبون لمضمون الصورة ذاتها؟!
إنه لشيء إيجابي أن يثور ويغضب المسلمون في كل مكان على صورة يعتقدون أنها لا تمثلهم ولا تمثل الإسلام. جدير بهم أن يعكسوا هذا الغضب على نحو حضاري بالتظاهر سلميًا دون قتل أو حرق أو هدم أو مقاطعة، والأهم من ذلك أن يتساءلوا عن مصدر هذه الصورة المشوهة، هل هي من بنات خيال الآخر وفكره الخصب؟ أم من مصادر وتراث العرب والمسلمين؟ وعندما يتوصلون للإجابة الصحيحة سيكون عليهم أن يعلنوا ثورتهم على البخاري ومسلم، وبقية كتب التراث، التي أصَّلت لتلك الصورة (المسيئة)، التي سنرى عينة منها في هذا المقال.
لا شك أن في تراثنا وفي مرآة الآخر صورًا كثيرة موضوعية ومشرقة لتاريخ الإسلام والمسلمين وللنبي محمد. ولو أن مقام المقال يهدف إلى سردها لفعلنا ذلك، لكن للمقال توجه محدد وهو القول بأن صورتنا (المشوهة) في مرآة الآخر لها أصل ومصدر (إسلامي).
اللافت للنظر في الرسوم الكاريكاتورية- التي نشرتها صحيفة يولاند بوستن Jylland Posten الدنماركية قبل سنوات أو تشارلي هيبدو Charlie Hebdo الفرنسية- أو مقاطع الفيديو الأميركية، أو تصريحات السياسيين في حزب بهاراتيا جاناتا الهندي، يجدها تركز على ثلاث قضايا رئيسية هي موقف الإسلام والمسلمين من المرأة والجنس والعنف أو الإرهاب.
بغض النظر عن وجود دوافع سياسية وراء ما نشرته وسائل الإعلام، أعتقد أن من حق وسائل الإعلام التعبير عن القضايا الإنسانية العالمية الحساسة بالطريقة التي تراها مناسبة وفقًا لتوجهات كل وسيلة؛ سواء بطريقة ساخرة أو تحليلية نقدية. فعلى سبيل المثال صحيفة تشارلي هيبدو الفرنسية صحيفة ساخرة الطابع وبالتالي من الطبيعي أن يكون تناولها لأي قضية على نحو ساخر.
ومن موقع حرية التعبير يمكننا النظر للمسألة على نحو إيجابي، لو أن المسلمين عبَّروا عن رأيهم بشكل حضاري، لكنهم بالطريقة التي يعبرون فيها عن رأيهم يثبتون على نحو عملي- ودون قصد– واحدة من القضايا الثلاث سالفة الذكر. الإيجابي في المسألة هو غضب المسلمين من الصورة التي يقدمها الغرب عنهم، صورة المسلم- فرد، جماعة، أو نبي– اللاهث وراء الجنس، المحتقر للمرأة والإرهابي، وكأنهم بذلك يريدون القول بأن هذه الصورة أبعد ما تكون عن حقيقة الإسلام والمسلمين ونبيهم محمد، ولكنهم يفعلون ذلك بطرق تدينهم أكثر مما تحاول الدفاع عنهم!
لا شك أن غالبية المسلمين اليوم وعبر التاريخ يثبتون أكثر التهم الموجهة لهم فعلاً وقولًا. يكفي أن تنظر في السلوكيات والخطاب الغالب لتعرف أن السائد هو ثقافة ذكورية أبوية تعلي من شأن الذكر/ الرجل وتحط من قدر الأنثى/ المرأة، وتظل مكانة المرأة وحقوقها فرضيات أو نظريات أو هوامش يتداولها الخطاب الإعلامي الديني والثقافي، بغض النظر عن صدق هذه المكانة في النصوص المؤسسة– القرآن والسنة الأقرب للصحة. الواقع إذن يُفصح ويفضح ويدين العربي المسلم فيما يتعلق بموقفه من بعض القضايا التي أثارتها وسائل الإعلام سالفة الذكر.
صورة الإسلام في التراث
لنترك ما تنشره وسائل النشر والإعلام الغربية جانبًا ولننظر في موقف تراثنا حول قضايا: المرأة، الجنس والإرهاب. مع التأكيد مجددًا على أنه ليس في نية ولا هدف هذا المقال نقد هذه الروايات أو تبريرها أو إثبات صحتها أو عدم صحتها، وإنما الهدف هو القول بأن الصورة المشوهة التي تقدمها بعض وسائل الإعلام الغربية عن الإسلام والمسلمين والنبي محمد، تستمد أصولها من سلوكيات المسلمين ومن تراثهم المكتوب.
بعض من صور النبي محمد في كتب التراث الإسلامي:
نبي يتلاعب به الشيطان
قصة مذكورة في كل تفاسير القرآن وتقول بأن النبي قد ألقى الشيطان على لسانه آيات تمجد آلهة قريش، تلاها ثم سجد للأصنام فسجد وراءه كل مشركي قريش. هذه الواقعة معروفة في كتب التفسير بواقعة (الغرانيق) وقد وردت القصة في سورة النجم: “والنجم إذا هوى ما ضلّ صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى” سورة النجم 1-3. فلمّا انتهى النبي إلى قوله: “أفرأيتم اللات والعُزّى ومناة الثالثة الأخرى” سورة النجم 19-20، ألقى الشيطان على لسانه ما كانت تحدثه به نفسه ويتمنّى أن يأتي به قومه فأضاف في التلاوة الآيات المقحمة: “تلك الغرانيق العلى، وإانّ شفاعتهنّ لترتضى ـ أو ـ لترتجى“
يقول المستشرق الهولندي (شاخت)، في “دائرة المعارف الإسلامية”، تحت مادة (أصول): “إن أول مصادر الشرع في الإسلام وأكثرها قيمة هو الكتاب، وليس هناك من شك في قطعية ثبوته وتنزيهه عن الخطأ على الرغم من إمكان سعي الشيطان لتخليطه“.
ويقول بروكلمن في كتابه “تاريخ الشعوب الإسلامية”: “ولكنه– يعني الرسول- على ما يظهر اعترف في السنوات الأولى من بعثته بآلهة الكعبة الثلاثة اللواتي كان مواطنوه يعتبرونها بنات اللّه، ولقد أشار إليهن في إحدى الآيات الموحاة إليه بقوله: “تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتضى“.
ويقول المستشرق الدنماركي (بوهل): “تشير الروايات الموثوقة المعتمد عليها أنه سمح لنفسه أن تغوى بواسطة الشيطان لمدح اللات والعزى ومناة إلى حدٍّ ما، لكنه اكتشف زلته فيما بعد ثم أوحيت إليه الآية 19 من سورة النجم“.
وقال (مونتجومري وات) فقد في كتابه “محمد الرسول والسياسي”: “رتَّل محمد في وقت من الأوقات الآيات التي أوحى بها الشيطان على أنها جزء من القرآن، ثم أعلن محمد فيما بعد أن هذه الآيات لا يجب أن تعتبر جزءً من القرآن، وقال: وكان يريد قبولها في الوهلة الأولى”.
هل أتى المستشرقون بهذه الصورة من عندياتهم؟ أم أخذوها من مصادرنا المبجلة؟!
النبي المسحور
هذه الصورة وردت في البخاري وكتب الحديث كافة ما عدا “الموطأ” للإمام مالك. تقول الرواية إن اليهود سحروا عقل النبي فكان يتخيل أنه يأتي الشيء وهو في الحقيقة لم يأته، وأنه استمر على هذه الحال شهورًا. والمصادر التراثية تؤكد على أن “حديث سحر النبي حديث صحيح، وقد رواه البخاري ومسلم وغيرهما من أئمة الحديث، وتلقاه أهل السنَّة بالقبول والرضا، ولم يُنكره إلا المبتدعة.
النبي المقتول بالسم
رواية في البخاري أيضًا تقول بأن اليهود قتلوا النبي بسُم وضعوه له في الطعام. “قال يونس عن ابن شهاب قال عروة قالت عائشة كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول في مرضه الذي مات فيه: يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم”.
النبي المهووس بالجنس
هناك الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه، وأبو داود في سننه، والإمام أحمد في مسنده، والترمذي في سننه وصححه حديث، ما ملخصه أن النبي كان جالسًا مع أصحابه فرأى امرأة تسير في الطريق فنظر إليها فاشتهى النساء ولم يستطع إمساك شهوته، فترك أصحابه وقام لزوجته، وهى تدلك الجلود قبل دبغها، فنحاها عن ذلك العمل، وجامعها لكي يفرغ شهوته. ثم خرج إلى أصحابه وقال لهم ناصحًا: “إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه”.. وذلك لأن جميع النساء يمتلكن الجهاز التناسلي نفسه!
الشيخ الذي تزوج طفلة
قصة زواج النبي– وقد قارب الستين عامًا– بعائشة وهي في التاسعة من عمرها قصة شهيرة وردت في روايات كثيرة ولا حاجة لسردها مجددًا. تنقسم آراء المدافعين عن صدق القصة إلى قائل بنضج الصغيرات مبكرًا بسبب الظروف البيئية في الجزيرة العربية شديدة الحر التي تؤدي إلى نضج الفتاة مبكرًا. وهناك من قال إن من عادة العرب قديما أن تتزوج الفتاة وهي صغيرة. وقد خضعت الرواية للنقد والمراجعة من قبل المتأخرين. نقدها هشام جعيط وفاطمة المهدي وإسلام بحيري وغيرهم وقد أثبتوا عدم صحة الرواية من جهة، وأن عائشة كانت قد تجاوزت سن المراهقة عند زواجها من النبي. وأرى أن هذه المراجعات تريد أن تعطي صورة مثالية للنبي، وتنطلق من أنه معصوم عن الخطأ، كما أنها لا تلقي اعتبارًا للسياق التاريخي وتحاكم عادات الماضي انطلاقًا من ثقافة اليوم، والأهم أنها لا تنظر إلى حالات مماثلة لزواج القاصرات في عصرنا وإلى الظروف التي تدعو إلى ذلك.
قصة النبي مع زينب
في كتب التفاسير وأسباب النزول وصحيح البخاري نجد صورة للنبي وهو يزور بيت زيد بن حارثة ابنه بالتبني قبل أن يحرم التبني فتقع عيناه على زينب زوجة زيد وقد أزاحت الريح سترها فأعجبته فطلقها زيد لكي يتزوجها الرسول. والقصة تأتي في أسباب النزول تفسيرا للآية 37 من سورة الأحزاب.
يقول الطبري إن سبب تنزيل الآية على النبي أنه رأى زوجة ربيبه وقد أزاحت الريح سترها فأعجبته فطلقها زيد لكي يتزوجها الرسول. وقد زاد البخاري فقال: نزلت في زينب، وذلك أن رسول الله لما زوج زينب من زيد مكثت عنده حينًا، ثم أن رسول الله أتى زيدًا ذات يوم لحاجة، فأبصر زينب قائمةًً في درع وخمار، وكانت بيضاء جميلة ذات خلق من أتم نساء قريش، فوقعت في نفسه وأعجبه حسنها، فقال: سبحان الله مقلب القلوب وانصرف. فلما جاء زيد ذكرت ذلك له، ففطن زيد، فألقى في نفس زيد كراهيتها في الوقت” (1).
النبي سفاك الدماء
تقول رواية مسلم: “إن الرسول كان سفاكًا للدماء بلا بيِّنة ولا شهود، فعندما أخبره أحد الصحابة أن رجلاً يدخل على امرأته– مارية- أمر عليًا بن أبى طالب أن يذهب ليقطع عنقه، هكذا دون استبيان ولا دليل، ولولا أن الرجل كشف عن عورته وكان مجبوب الذكر- أي مقطوع العضو الذكرى- لقُتِلَ الرجل بلا جريرة ولا ذنب ارتكبه”.
وكان محمد يلعن الناس بسبب طبعه الحادّ (2). ولعن محمد معاوية لأنه لم يتوقف عن الطعام حين بعث يطلب منه أن يأتي إليه (3).
تكريم المرأة في الإسلام
المرأة الشيطان
وردت صورتها كشيطان في حديث: “المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان” (4).
المرأة النعجة
بعض كتب الحديث والتفاسير تصور المرأة باعتبارها أقرب إلى النعجة، وتساوي بين المرأة والكلب في قطع صلاة الرجل. يقول القرطبي في “الجامع لأحكام القرآن” (15/172)، في تفسيره لآية {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} سورة ص 23، ما نصه: “والعرب تُكنِّى عن المرأة بالنعجة والشاة؛ لما هي عليه من السكون والمعجزة– العجز- وضعف الجانب. وقد يُكنَّى عنها بالبقرة والحُجرة– أنثى الفرس- والناقة، لأن الكل مركوب“.
والمرأة أكثر أهل النار، وهي فتنة كبيرة ومُضلة للرجل: “ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء.” أمرها بطاعة زوجها إلى درجة العبادة. وهي “ناقصة عقل ودين“، وينبغي عليها أن تمكن زوجها من نفسها ولو كانت على ظهر جمل أو كانت مشغولة، وإلا لعنتها الملائكة والناس أجمعين. وإذا غضب زوجها منها باتت تلعنها الملائكة حتى تصبح، ولا ترد هذه المفاضلة في سياق عقوبات اقترفتها المرأة في حق الزوج، وإنما لمكانة الرجل الزوج العالية.
فضلًا عن صورة المرأة في القرآن نفسه:
شهادتها نصف شهادة الرجل، (البقرة 282). وميراثها نصف ميراث الرجل، في بعض الحالات، (النساء 11، و 176). ساوى بينها وبين الأشياء وجعلها متاعًا من متاع الدنيا، (آل عمران 14). أباح ضربها إن نشزت، بينما لم يفعل ذلك مع الزوج/ الرجل إن فعل الشيء نفسه. {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} النساء34. أما في حال نشوز الزوج {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} النساء128. وعندما يطلق الزوج زوجته طلاقًا بائنًا، جعل العقاب عليها بأن تتزوج غيره؛ كي تحل له، (البقرة 230). وساوى بينها وبين الغائط في الحكم، (المائدة 6). واستحيى الله من نسبة الإناث له (النجم 21، 22). ويصف البنات وكأنهن عيب في حق الله، (النحل 57). ونهرها عن الخروج من البيت، (الأحزاب 33).
صور من العنف النبوي
عن عمر قال، قال رسول الله ”أُمِرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأنّ محمدًا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة” (5). وإذا مات مسلم ولم يغزُ ولم يُحدّث به نفسه مات على شعبةٍ من نفاق. (6)
صلّوا، وإلا سنحرق بيوتكم
قال محمد إنّ على الإمام أن يأمر بحرق بيوت الناس الذين يتخلفون عن الصلاة [دون سبب]. (7)
صور من العنصرية
عن أبي هريرة، قال إنّ الفئرانَ هي مسخٌ لأمّة من اليهود. الدليل على ذلك هو أنهم يشربون لبن الماعز، وإذا وُضِعَ أمامهم أما إذا وُضِعَ أمامهم لبن الإبل فلا يشربونه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”فُقِدَت أمة من بني إسرائيل لا يُدرى ما فعلت ولا أُراها إلا الفأرَ ألا ترونها إذا وُضِعَ لها ألبان الإبل لم تشربه، وإذا وضع لها ألبان الشاء شربته”. (8). واليهود والمسيحيون يذهبون إلى جهنّم عوضًا عن المسلمين. (9)
وهناك صور تطعن في القرآن فتقول بأن هناك سورًا وآيات ضائعة من القرآن: “قَالَ أَنَسٌ أَنْزَلَ الله عَزَّ وَجَلَّ فِي الَّذِينَ قُتِلُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قُرْآنًا قَرَأْنَاهُ حَتَّى نُسِخَ بَعْدُ أَنْ “بَلِّغُوا قَوْمَنَا أَنْ قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَرَضِينَا عَنْهُ‘” (10). وتقول حاشية المترجم على الصفحة 330: ” لقد نزلت هذه الآية في مناسبة خاصة ثم استعيض عنها بآيات وحيٍ عديدة أخرى تحمل نفس المعنى نفسه ولكن بتضمينات أوسع” (11).
هذا الحديث مهم لأنه لا يتحدث عن آياتٍ موجودة في القرآن غير معمول بها بسبب نسخها؛ أي إلغاء حكمها، وإنما عن آيةٍ جرى حذفها من القرآن. “فإذا كان هناك قرآنٌ نقيٌّ (في لوحٍ محفوظٍ) في السماء (كما تذكر سورة البروج 85: 21 ـ 22) فهل كان يحتوي على هذه الآية بصيغتها الأصلية أم بصيغتها الجديدة؟ إذا كان يحتوي عليها بصيغتها الجديدة فمعنى ذلك أن الصيغة القديمة لم تكن جزءً من (اللوح المحفوظ) في السماء، ومن ثمّ فإنّ هذا يعني أنّ هناك أجزاء من القرآن يعتقد الناس خطأ أنها كانت موجودة فيه منذ البدء عندما كان محفوظًا في السماء”.
ما استعرضناه يُعدُ غيضًا من فيض الأحاديث والقصص والفتاوى “المسيئة” التي تحفل بها كتب التراث الإسلامية. وهناك قصص وفتاوى مثل رضاع الكبير– إرضاع المرأة للغرباء من أجل جواز اختلاطها بهم، وجماع الوداع– جماع الزوجة بعد موتها بساعات، وتفخيذ الطفلة الصغيرة، وغيرها. وقد وجدت هذه الروايات من ينقدها من عدة أوجه- نقد السند والمتن، ونقد مقارن بين النصوص- وخلصتْ إلى بطلان الكثير منها، ولا مجال هنا لاستعراض كل تفاصيل هذا النقد.
أختم بالقول بأن الصور المشوهة للإسلام ونبيه ليست هي الصور الوحيدة- وإن كانت سائدة– عند الآخر؛ فهناك صور واقعية موضوعية لا تشيطن الإسلام ونبيه ولا تجعل منه ملاكًا، وإنما تنظر إليه من منظور تاريخي إنساني موضوعي له إيجابياته وسلبياته. فلم يكن للكاتب الإنجليزي المعروف توماس كارلايل ولا لغيره من المفكرين أن يعجبوا بصورة محمد لو كانت هذه هي صورته الحقيقية. فقد استطاع كارلايل أن يستخلص الصورة الأقرب للحقيقة من بين أكوام الروايات التي سعت لطمسها بعض الروايات في مصادرنا الإسلامية.
والذي يعيد نشر هذه الصور، رسمًا كاريكاتوريًا أو مجسدة في فيلم، ساخرًا أو ناقدًا، إنما يفعل ذلك لسببين: فإما أنه لا يعرف الصورة الكاملة للإسلام، وإما أن له هدفًا من وراء ذلك. وأيًا كان الهدف فمن واجب المسلمين التصرف بعقلانية وهدوء وإعادة التعريف بالصورة الموضوعية للإسلام وإعادة النظر في كتب التراث وفي سلوكياتهم على نحو حضاري.
- البخاري في التفسير، باب (8/523): والزيادة هنا في رواية البخاري أن النبي قد أفصح عن إعجابه بها ونسب الإعجاب لله وقال سبحان مقلب القلوب.
- صحيح مسلم المجلد 4 الكتاب 30 العدد 6297 صفحة 1373.
- صحيح مسلم المجلد 4 الكتاب 30 العدد 6298 صفحة 1373.
- صحيح مسلم
- صحيح مسلم المجلد 1 الكتاب 1 العدد 33 صفحة 17. أنظر أيضًا المجلد 1 الكتاب 1 العدد 32 صفحة 17.
- صحيح مسلم المجلد 3 الكتاب 19 العدد 4697 صفحة 1057
- صحيح مسلم المجلد 1 الكتاب 4 العدد 1369 صفحة 315. وقد ورد في مجموعة أحاديث النسائي المجلد 1: 851 صفحة 514 أن محمدًا قد فكّر بإعطاء أوامره لفعل ذلك
- صحيح مسلم المجلد 4 الكتاب 40 العدد 7135 صفحة 1541
- صحيح مسلم المجلد 4 الكتاب 35 العدد 6665 صفحة 1444
- صحيح مسلم، المجلد 1 الكتاب 4 العدد 1433 صفحة 329 ـ 330.
- أنظر أيضًا تاريخ الطبري المجلد 7 صفحة 156