كاتب مختلف، مخالفٌ للمألوف، متجاوز للسائد المجتمعي. اليهود، الطبقات الأدنى في المجتمع، المهمشون السود، المرأة، الكبت والتابو، هي بعض من المواضيع التي ينتصف لها المقري ويهدي فيها أعماله لكل هؤلاء المقموعين.
علي المقري روائي يمني يقيم في فرنسا، ولد في الـ 30 من أغسطس 1966، وعمل محرّرًا ثقافيًا لمنشورات عدّة، وقد ترجمت أعماله إلى الفرنسية والإنجليزية والإيطالية والكردية والفارسية وغيرها.
له أكثر من عشرة أعمال روائية، منها: بخور عدني و بلاد القائد واختيرت روايتيه “طعم أسود رائحة سوداء” و”اليهودي الحالي” ضمن القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر العربية) في دورتي الجائزة 2009 و2010، كما حازت رواية “حرمة” بترجمتها الفرنسية على جائزة التنويه الخاص من معهد العالم العربي للرواية ومؤسسة جان لوك لاغاردير في باريس 2015، واختيرت رواية “بخور عدني” في القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد 2015، كما حصل على بطاقة المواطنة الفخرية لمدينة باريس من عمدة المدينة آن هيدالجو، ونال مؤخرًا وسام فارس للفنون والأدب الفرنسي. التقته “مواطن” وكان معه هذا الحوار:
هناك عشرات المعوقات التي تواجه الكاتب في اليمن والعالم العربي ولا يجدها في أوروبا.
لا يوجد مزاج غربي أو شرقي في الأدب، والأدب باعتقادي إذا التزم بقيم وتابوهات اجتماعية.
أعيش -كأي يمني- هموم الحرب وما تواجهه اليمن منذ انقلاب 2014.
هناك رواية أخطط لها منذ سنوات، تختبر إشكالية التعايش بين حال مستقر بثقافته، وثقافة وافدة لها تقاليدها.
نص الحوار:
توجه لك الاتهامات النقدية بغلبة المزاج الغربي على أعمالك وجرأة الموضوعات التي تناقشها فهل هناك مزاج غربي وآخر شرقي في الأدب؟
لا يوجد مزاج غربي أو شرقي في الأدب، والأدب باعتقادي إذا التزم بقيم وتابوهات اجتماعية؛ فإنه بذلك يخرج من صفته الأدبية التي لا يمكن أن يتحلى بها إذا افتقد لروح المساءلة لهذه القيم والثقافة المكرّسة، وهذا لا يمكن تحققه مع وجود خطوط حمراء.
تنقلت بين أشكال أدبية ونقدية مختلفة، من الصحافة للشعر للرواية للأعمال الفكرية، كيف وفقت بين تلك النقلات أسلوبيًا؟
كل مرحلة كان لها اشتغالاتها واجتهاداتها الخاصة، وأظن أن ما أمضيته من عمري كان كافيًا لتقسيمه على هذه المراحل، والتي استقرت منذ ما يقرب من عشرين سنة في كتابة الرواية وحدها.
تشغل قضايا الأقليات في العالم العربي مساحة كبيرة في أعمالك؛ خاصة في روايتيك طعم أسود رائحة سوداء، واليهودي الحالي، هل ترى أن الأدب قادر على أن يعالج التمييز ضد الأقليات؟
لم أنطلق من مواقف حقوقية سياسية لأردد مقولاتها، كتبت رواية لها وجهتها الأدبية، وبالتالي فإنني نظرت إلى المشكلة من زاوية تتعلق بالتحقق الوجودي للإنسان الذي يواجه تزييف وجوده بكل المستويات والشعارات، بما فيها تلك التي تدعي أنها تناضل من أجله، وهي لا تعمل أي شيء سوى محاولة القيام بتدجينه أو دمجه في مجتمع وثقافة ظلا يرفضان وجوده.
يحلم الكاتب بعالم يملأه السلام والحب ويقبل أفراده التنوع، فإلى أي حد يمكن للأدب أن يحقق ذلك من وجهة نظرك؟
قولك إن الكاتب (يحلم بعالم يملؤه السلام والحب ويقبل أفراده التنوع) أظن فيه رومانتيكية لم يعد الأدب يعمل عليها، إذ إن المحن الإنسانية الوجودية التي يواجها الكاتب أكبر من قدراته أو ادعائه أنه يعمل لتحقيق هذا الحلم.
تعيش الآن في فرنسا، فهل حققت لك البيئة الثقافية والسياسية هناك ما لم تجده في اليمن؟
بالتأكيد، هناك استقرار نسبي أعيشه في فرنسا، لكنه لا يتحقق وأنا أعيش -كأي يمني- هموم الحرب وما تواجهه اليمن منذ انقلاب 2014.
ما المعوقات التي تقف في طريق الكاتب في اليمن والعالم العربي وترى بأنها غير موجودة في أوروبا؟
هناك عشرات المعوقات التي تواجه الكاتب في اليمن والعالم العربي ولا يجدها في أوروبا، من بينها ما يتعلق بحرّية الكاتب ودعمه معيشيًا ليتفرّغ للكتابة، ومنها ما يلقاه من تنمر مُحبِط وغير مشجِّع لمنجزه، بغض النظر عن مستواه؛ ففي أوروبا عادة ما تسمع كلمات: برافو، رائع، مدهش، فيصبح الكاتب على قدر هذه المسؤولية معتزًا بمنجزه ومواصلًا لتجاربه وطموحه، أمّا ما يصدر في مجتمعات عربية فلا يقاس عليه، ونجد ذلك عادة في منشورات فيسبوكية لأناس يستطيعون أن يملؤوا العالم إحباطًا، فما بالك بكاتب لا أجنحة له سوى الكلمات، هكذا نقرأ كل يوم: لا توجد رواية يمنية، لا توجد رواية سعودية، الرواية السودانية ينقصها كذا، والمصرية ينقصها ما نقص، والكتاب العرب لم … ولن .. وفي اليمن ما زالوا بحاجة إلى رضاعة نصائح كاملة الدسم…
كرّمتك فرنسا بوسام فارس في الفنون والآداب، هل ساهم هذا التكريم في تعريف القارئ الأوروبي بالرواية اليمنية والعربية؟
اتباعًا لسؤالك السابق، أظن أن الوسام تشجيع لي، ومن خلالي لزملائي الكتاب والكاتبات على مواصلة الكتابة وأن هناك من يهتم بنا، كما نحن.
هل ننتظر منك يومًا رواية تهتم بالأقليات، لكن تلك المرّة بالأقلية العربية المسلمة في فرنسا؟
هناك رواية أخطط لها منذ سنوات ولم أنجزها، وهي تختبر إشكالية التعايش بين حال مستقر بثقافته وتقاليده وثقافة وافدة لها عاداتها وتقاليدها، ولا أقول طبعًا هويّتها، لأن هويّة الإنسان واحدة، ويتعلّق الأمر في البحث عن تحقق للوجود الإنساني.