تحتل عمان المرتبة الأولى بين دول الخليج في تمثيل الأقليات، حسب مؤشر المشاركة السياسية في الخليج الصادر عن مركز البيت الخليجي للدراسات والنشر، الأمر الذي يشهد على التعايش الطائفي بإلغاء التمييز والنعرات الدينية بقوة القانون الذي يسن عقوباتٍ مشددة على إثارة النعرات بحسب المؤشر، كما تعتبر وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في عمان السلام والتعايش بين الأديان هدفًا من أهداف الحكومة، تسخر له الكثير من الجهود والأنشطة الثقافية في الداخل والخارج. الاعتدال والإدارة الرشيدة للفوارق الطائفية في المجتمع العماني هي سياسة السلطة إذن؛ فلماذا تتعارض تصريحات المفتي العماني مع سياسات الدولة؟!
منذ العام 1975، يشغل رجل الدين الإباضي (أحمد بن حمد الخليلي) منصب المفتي العام في عمان. مؤديًا دور الواجهة الدينية للسلطة وخطابها الديني المتزن بين الطوائف المؤلفة للمجتمع العماني. مؤخرًا بدأ الخليلي في إثارة الجدل في الشارع العماني بمواقفه على مواقع التواصل الاجتماعي من تأييد للجماعات الإرهابية العابرة للحدود، وآرائه عن المرأة والحريات العامة.
توازن فقهي؛ لكن داخل الطائفة
كمفتٍ عامٍ للبلاد، يظهر الخليلي خطابًا يوصف بالمتوازن بين آراء الطوائف الإسلامية التي تشكل المجتمع العماني، تحددها المواضيع التي قد تثير احتكاكًا بين الطوائف، لكن من جهةٍ أخرى يبقى النسخة الأكثر تشددًا أمام الحريات العامة ومشاركة المرأة. هو خطابٌ مزدوج، بين بروباغاندا صورة التسامح الطائفي الذي ترعاه السلطة وصورة الموروث الديني الأكثر تطرفًا.
حين تركز وسائل الإعلام الرسمية على التعايش الطائفي وحضور رجال دين من مختلف الطوائف، يظهر الخليلي أيضًا مفتيًا بقتل المرتد عن الإسلام. وفي لقاء على القناة الرسمية العام 2019، وصف الخليلي من يسمح لابنته بالدراسة في الخارج أو لا يمارس دور الرقيب بأشباه الرجال والأقرب لطبائع الخنازير (بحد وصفه)، هو خطاب الاعتدال الطائفي، ولكن داخل القيد التقليدي للصورة المتطرفة من الشريعة.
لكن الدور الذي يلعبه رجل الدين الأول في عمان لا ينتهي هنا، فمن فتاوى دينية متطرفة لمواقف سياسية خارجية تخرج عن إطار دور منصبه الحكومي، ودوره كواجهةٍ دينية لخطاب السلطة.
في عقده التاسع، الخليلي أكثر حضورًا
في عهد السلطان العماني الراحل قابوس، بقي ظهور المفتي منحصرًا لحدٍ كبير في وسائل الإعلام الرسمية وتقديم خطاب السلطة في الشؤون الدينية. لكنه ومع وصول السلطان الجديد للسلطة، صار الخليلي يمارس دورًا أبعد مما يناط به كمفتٍ للبلاد ورجل دين البلاط، ليطلق مواقف سياسية خارجية قد تتعارض مع السياسات الخارجية لبلاده، ولكن لصالح الإسلام السياسي المتطرف.
تظهر التحولات في أداء المفتي، بقياس التدخلات التي يطلقها الخليلي في تصريحاته وكتاباته في كتبه وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، التي يظهر فيها أكثر تباينًا مع مصالح النظام في العهد الجديد لهيثم بن طارق في تقديم خطابٍ طائفي متوازن بصورة الحياد السلبي في كبت الفوارق الطائفية. ومن نطاق فتوى الصلاة والصيام ولباس المرأة وتعاملها مع مسائل الحيض والنفاس، يتحول الخليلي لإطلاق مواقف سياسية عابرة للحدود.
مواضيع ذات صلة
مفتٍ في السياسة الخارجية
على الرغم من المركز الذي يشغله المفتي الخيلي في السلطة، يظهر الخليلي مؤديًا أدوارًا متناقضة ومتجاوزة لمهام منصبه وسياسات مركزه. يناصر طالبان في مقاومتها لما يسميها بالقوة الاستكبارية (الولايات المتحدة)، لكنه لا يملك مشكلةً أو يبدي موقفًا من السيطرة المطبقة للملكة المتحدة على بلاده وتدخلها في شؤونها وحتى إدارة سياساتها. يحرض الشارع لإغلاق متجر للمشروبات الكحولية لكنه، على سبيل المثال، لا يبدي موقفًا صارمًا أمام وجود العديد من أندية الشراب التابعة لكبار موظفي الدولة من العسكريين والمدنيين، أو أمام حفلات النبيذ السنوية التي كان يقيمها السلطان الراحل قابوس كل رأس سنة، مستضيفًا الضباط البريطانيين كما كشفته تحقيقات عن مجلس استشاري بريطاني للسلطان قابوس.
إن الخمر هي منشأ أنواع الفساد ومصدر ضروب الآثام، وقد ألححنا في المطالبة بمنعها برًا وبحرًا وجوًا، وإذا بنا نفاجأ بفتح مخمرة جديدة ضخمة، فيا للعار وللخسار! pic.twitter.com/LEO5LUjVFn
— أحمد بن حمد الخليلي (@AhmedHAlKhalili) August 8, 2021
في يوليو 2020، قام الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بتحويل كنيسة آيا صوفيا لمسجدٍ من جديد، الأمر الذي أثار احتقانًا دينيًا بين المسلمين والمسيحيين، أعقبته الكثير من المواقف الدولية المنددة بالقرار التركي في تحويل الكنيسة. وهنا في سياق دوره الجديد الذي تجاوز منصبه بدأ المفتي العماني إطلاق المواقف في تأييده لهذا القرار الذي وصف فيه الرئيس التركي بالقائد المغوار.
ومع اجتياح طالبان للعاصمة الأفغانية كابل سبتمبر العام الماضي، كان الخليلي من أوائل المهنئين بانتصار التنظيم الإرهابي، حاثًا التنظيم على الشروع في تطبيق الشريعة الإسلامية في الحكم، واصفًا سقوط العاصمة الأفغانية بيد الجماعة بالفتح الديني للمجاهدين وهزيمة أعظم قوى الاستكبار منتظرًا انتصار بقية المسلمين في سائر البلدان، حد تعبيره.
إن نصر اللّٰه العزيز الذي أنجزه لعباده المجاهدين في أفغانستان على أعظم قوة استكبارية في الأرض -فانجلى منها آخر جندي من الغزاة- تلامس بُشراهُ قلوب المستضعفين الذين رزئوا في أوطانهم وتسلط عليهم المستكبرون، فتطوي من جنباتها ظلمات اليأس وتشع فيها إشراقة الرجاء بأنه سيأتيهم نصر الله. pic.twitter.com/NWMH6dArCI
— أحمد بن حمد الخليلي (@AhmedHAlKhalili) September 1, 2021
نهنئ الشعب الأفغاني المسلم الشقيق بالفتح المبين والنصر العزيز على الغزاة المعتدين ونتبع ذلك تهنئة أنفسنا وتهنئة الأمة الإسلامية جميعا بتحقيق وعد الله الصادق، ونرجو من الشعب المسلم الشقيق أن يكون يدا واحدة في مواجهة جميع التحديات وأن لا تتفرق بهم السبل وأن يسودهم التسامح والوئام. pic.twitter.com/CpSHwAeihX
— أحمد بن حمد الخليلي (@AhmedHAlKhalili) August 16, 2021
عصًا أخرى للقمع
بخطابٍ للاستهلاك الشعبي وآخر لسياسة النظام، يحضر المفتي أكثر في فضاء العمانيين. حيث إن الخطاب الطائفي المتوازن للسلطة، هو خطابٌ خاص بالمنظومة الدينية المعترف بها في عمان، وليس بمسألة حرية الفكر والاعتقاد والتعبير. سلسلة قمعٍ للعمانيين في فضاء التواصل الاجتماعي تبدأ بالمفتي وتجييش الشارع الديني على وسائل التواصل للشرطة والقضاء العماني.
يؤكد ذلك فتوى للخليلي على التلفزيون العماني الرسمي العام 2018، أباح فيها دم تارك الإسلام، بقوله: “إن ذلك يعززه النص القرآني في قتل من يرتد عن الإسلام (بحد تعبيره). صورةٌ أخرى للأدوار التي يمارسها المفتي وحضوره في وسائل التواصل الاجتماعي بجانب جهود رقابة السلطات على فضاء التعبير العماني.
فمع ظهور تقنية المساحات الصوتية على موقع تويتر وكلوب هاوس، بدأ العمانيون في المشاركة في مساحات نقاش صوتية تتناول مواضيع مختلفة؛ منها نقد الموروث الديني. غيث الشبلي، والذي اشتهر على وسائل التواصل الاجتماعي في عمان بمساحات النقاش التي تتناول نقدًا للموروث الديني ومواضيع نسوية، والتي كان أحدها كتاب المفتي الخليلي مصرع الإلحاد. الخليلي هنا كان حاضرًا في الترند.
بدأ الأمر بتغريدة لغيث الشبلي يطلب فيها محاكمة كتاب مصرع الإلحاد للخليلي عبر قراءته ومناقشته في مساحة النقاش على تويتر، تبعها تغريدات للمفتي حول الإلحاد ومقارعته ومطالبات أنصاره للسلطات باتخاذ اجراءاتٍ حيال مساحات النقاش على تويتر. في يونيو 2021، وصل غيث الشبلي أمر استدعاء بعد انتشار وسم حول مساحاته على تويتر وتحريضٍ من المفتي. وفي أغسطس، أفادت مصادر خاصة لمواطن قيام قوات الأمن العماني باقتحام شقة مريم النعيمي واعتقال العماني عبد الله حسن.
في يونيو 2022، أصدر القضاء العماني حكمه بالسجن على “علي بن مرهون” لمدة خمس سنوات تحت تهمة التطاول على الذات الإلهية، وحبس الشابة مريم النعيمي لـثلاث سنوات تحت تهمة الإساءة للأديان السماوية. وورد في نص الحُكم القضائي بأن مريم نشرت عبارات أساءت فيها إلى الأديان السماوية في إحدى مجموعات برنامج التواصل الاجتماعي واتساب. عقب إعلان الحكم، أصدر المفتي الخليلي بيانًا طالب فيه بملاحقة وتتبع من أسماهم بالملاحدة، وتطبيق حكم الشريعة في حقهم. الحكم الذي أعلنه في وقتٍ سابق على التلفزيون العماني بما أسماه حد الردة (القتل).
وبواجهة عمان الدينية وسلطاتها الرقابية والقضائية، تتكامل الأدوار القمعية لحقيقة وضع حرية التعبير في عمان، لترسم صورة محكمة التفتيش الإلكترونية في عمان، عملة قمعية في وجهها الأول القانون والقضاء العماني، وعلى الوجه الآخر أحمد الخليلي الذي يقضي في منصبه أطول فترة يشغلها مسؤول في السلطة في عمان حتى الآن.
امبونة الرهو ع المربوطة، ولا ما يقدر يجرب صوب الرؤس الكبار، و اولا الناس حرامات يروحون أمريكا و بريطانيا و اشماجنا و عيالنا بالسنوات ف بريطانيا و أمريكا، كل شيء معروف