يحتفل العالم في شهر يونيو/ تموز من كل عام بشهر الفخر، أي الشهر الذي يعطي ظهورًا أكثر لمجتمع الميم – عين، والذي يضم التعددية الجنسية، الجنسانية والجندرية، بالإضافة لأنه فرصة للمطالبة بحقوق هذه الفئة الصحية، التعليمية، حمايتها من العنف والتحرش والتمييز والفاقة، إلى جانب الحقوق الأخرى في الاعتراف بها وبحاجاتها.
إلا أن هذا الشهر خلال السنوات الأخيرة أصبح شهر الكراهية في العديد من البلدان التي تحارب مجتمع الميم – عين بحجج مختلفة، منها أنها ظاهرة غربية، أو أنه يجب عدم التشجيع على هذه الميول الجنسية “غير الطبيعية” أو هي ليست من الأولويات، العادات والتقاليد، الدين، وغيرها من الحجج التي عادة ما ينشرها الإعلام ورجال الدين وكذلك محركو/ات الرأي العام والمؤثرون/ات.
في الخليج، شهد يونيو الماضي حملات كراهية وتمييزًا لا تزال مستمرة اليوم ضد مجتمع الميم – عين، البعض منها كان بمبادرات من الدولة وأغلبية البقية بمبادرات مجتمعية، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، حيث وُجهت الحملات لمحاربة ألوان قوس قزح ومنع ظهورها، على الألعاب، الملابس، الأدوات ومختلف المستلزمات التي كانت تتواجد عليها سابقًا دونما هذه الحساسية، وخصوصًا في المنتجات الموجهة للأطفال، بالإضافة لمنع كل ما يحمل إشارة للمثلية الجنسية في لقطة تلفزيونية أو سينمائية أو كتاب، فعلى سبيل المثال، أعلنت كل دول الخليج تقريبًا منع عرض فيلم “لايت يير” للرسوم المتحركة، بسبب تضمنه قبلة مثلية بين امرأتين.
الإمارات
تنوعت الدول الخليجية في تفاعلها مع “قوس قزح“؛ فقد ألزمت دولة الأمارات العربية المتحدة شركة الشحن الكبرى أمازون بعدم توصيل أي منتجات لها علاقة بمجتمع الميم – عين، من قريب؛ كالكتب التي تتحدث عن المثلية الجنسية والعبور الجندري، أو من بعيد؛ أي منتجات تحمل علم قوس قزح!
كما سحب مكتب تنظيم الإعلام في إمارة أبو ظبي عدد مايو/أيار الماضي من مجلة ماجد الكارتونية للأطفال بسبب قصص ترمز للمثلية الجنسية، مع فتح تحقيق مع شركة أبو ظبي للإعلام التي تصدر المجلة؛ مما دفع “ماجد“ لفتح تحقيق داخلي، لتعود وتعلّق عبر حسابها في “فيسبوك” بالقول: “نشرت هذه القصة في عدد أيار/مايو الفائت والتي تمثل ألوان الطيف السبعة الموجودة في الطبيعة”.
يُذكر أن العلاقات المثلية ممنوعة في الإمارات، ويواجه مَن يُتهم بها حكمًا بالسجن يصل إلى 14 عامًا.
الكويت
في الوقت ذاته، تحدت شابة كويتية وزارة الخارجية بإعلان مناصرتها حقوق المثليين، زاعمةً انتماءها للمجتمع الدبلوماسي الكويتي؛ وهو ما نفته ونفت الخارجية الكويتية في وقت لاحق أن “الجواز الدبلوماسي الذي تحمله منتهي الصلاحية، وحصلت عليه عندما كان والدها يعمل في أحد المكاتب الفنية الملحقة بالسفارة، وانتهت مهامه وأُلغيت صلاحية جواز سفره وأسرته“.
ويعاقب القانون الكويتي الرجال البالغين الذين ينخرطون في علاقات جنسية مثلية بالسجن سبع سنوات، وفق نص المادة 193 من قانون الجزاء الكويتي.
السعودية
وخلال هذا الشهر أيضًا، صادرت السلطات في السعودية ألعابًا وملابس أطفال بألوان قوس قزح، وقال التلفزيون السعودي إن السبب هو أنها تشجع على المثلية؛ حيث ظهر في تقرير تلفزيوني لقناة “الإخبارية” موظفو وزارة التجارة السعودية وهم يداهمون محلات تجارية ويصادرون سلعًا في العاصمة الرياض، بينها أربطة شعر وقمصان وقبعات ومحافظ أقلام.
وكما في الكويت نشرت السفارة الأمريكية في السعودية منشورًا يتضامن مع مجتمع الميم – عين على حسابها على تويتر، وهو ما خلق ردة فعل من الكراهية على مواقع التواصل الاجتماعي، دون ردة فعل حكومية.
ليس للمملكة العربية السعودية قانون جنائي خاص بها، إلا أن مجلس القضاء السعودي كان قد نصح عام 1928، أن يعامل اللواط كما يتم التعامل مع الزنا، وبالطريقة نفسها. إذا كان المحصن [تترجم عادةً باسم “الزاني” ولكنه يعني تقنيًا شخصًا قام بعلاقة جنسية، ولكن قد يكون أو لا يكون متزوجًا (حاليًا) وحرًا (ليس عبدًا)؛ فيجب رجمه حتى الموت، في حين يجب أن يعاقب العزب الحر بــ 100 جلدة ونفى لمدة عام.”
البحرين
كما في بقية الدول الخليجية، نشرت سفارة الولايات المتحدة في المنامة منشورًا يدعم أفراد مجتمع الميم – عين، وكما في العام الماضي، ووجه هذا المنشور بالاستنكار وموجة أهلية بالكراهية، إلا أن النواب انضموا لهذه الحملة، بالإضافة للصحافة المحلية، وكتاب الأعمدة اليومية ورجال الدين، في ظل صمت رسمي، ما عدا ما نشرته وكالة الأنباء الرسمية من تقرير يهاجم منشور السفارة الأمريكية.
لا يجرم قانون العقوبات البحريني المثلية الجنسية بشكل صريح، ولكن تستخدم المواد التي تجرم "الفعل الفاحش في مكان عام"، و"ممارسة الرذيلة" للحكم على أفراد مجتمع الميم – عين في حال القبض عليهم.
عمان
في الشهر ذاته، ضبطت السلطات العمانية، مئات الطائرات الورقية التي قالت بإنها “تحمل ألوانًا وشعاراتٍ لها دلالات محظورة لنص المادة المتعلقة بالآداب العامة” في إشارة للمثلية الجنسية.
كما يخرج مفتي السلطنة لشيخ أحمد بن حمد الخليلي من وقت لآخر مستهجنًا ومهاجمًا؛ فقد قال في فبراير/ شباط الماضي “تراجع بعض المسلمين عن تجريم الرذيلة الساقطة التي سموها (المثلية)”، داعيًا الأمة الإسلامية لمواجهة قضايا الفضيلة والشرف “بثبات”.
يعتبر النشاط الجنسي المثلي بين الرجال وبين النساء غير قانوني في سلطنة عمان، وفقًا للفقرتين 33 و223 من قانون العقوبات، ويمكن معاقبته بالسجن لمدة تصل إلى 3 سنوات.
قطر
طفت قضية مجتمع الميم – عين في قطر خلال السنوات الأخيرة خلال استعداد الدولة الخليجية الصغيرة لاستقبال بطولة كأس العالم نهاية هذا العام، حيث نادى المجتمع الدولي الدولة المحافظة باحترام حقوق مجتمع الميم – عين وحمايتهم، بالإضافة للسماح للزوار من مجتمع الميم – عين خلال البطولة بممارسة حياتهم بحرية من علاقات جنسية مثلية ورفع أعلام قوس قزح خلال المباريات.
وهو ما دعا لتسليط الضوء على حال أفراد مجتمع الميم – عين الذين يعيشون في قطر، حيث خرج دكتور قطري يعيش حاليًا في الولايات المتحدة الأمريكية للحديث عن حياته الصعبة التي كان يعيشها في بلده الأم بسبب مثليته الجنسية.
تنص المادة 296 من قانون العقوبات القطري الحالي (القانون 11/2004) [5] بالسجن لمدة تتراوح ما بين سنة و3 سنوات بتهمة المثلية الجنسية بين الرجال، كما أن عقوبة الإعدام تنطبق فقط على المسلمين، لممارسة الجنس خارج إطار الزواج بغض النظر عن جنس المشاركين.
غطاء للعنصرية
مجتمع الميم – عين الذي يعيش في هذه الدول، يعاني من خطاب الكراهية والتحريض الذي يؤدي في أحيان كثيرة لجرائم كراهية وجرائم عنف؛ عن ذلك يتحدث عبد الله، مثلي من سلطنة عمان، اكتفى باسمه الأول “السبب وراء حملات الكراهية التي تطال مجتمع الميم – عين هي إنهم يتوجون أنفسهم كحماة للفضيلة ويحتمون خلف العادات والتقاليد والدين لبث وترويج الكراهية، غطاء للعنصرية والفوقية“.
وعما إذا كان للإعلام الاجتماعي دور في زيادة هذه الكراهية اتجاه مجتمع الميم؛ قال عبد الله الذي تحدث لـ “مواطن“: “الإعلام الاجتماعي لم يزد الكراهية، لكن أظهر جزءً مما كان محصورًا للمجالس البعيدة عن الهواتف الذكية”.
ويضيف: “الإعلام الاجتماعي أعطى صوتًا وصورة لمجتمع الميم عين. لكن في مجتمعات تعودت على القمع، صارت الحرية التي يعيشها أفراد مجتمع الميم عين من خلال منصات التواصل الاجتماعي تهديدًا، وقد تكون غير ذلك للأفراد ممن تعودوا على القمع
ويتفق معه آلڤن، عابر جندري من السعودية: “شكل تأثير أفراد مجتمع الميم – عين في الخارج وعلى مواقع التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة ضغطا كبيرًا محليًا وحتى عالميًا، فأصبح من الصعب على المؤسسات المعنية تجاهله أو حتى الصمت عنه”.
الإعلام زاد الكراهية
كما أكد في حديث لـ “مواطن” أن الاعلام لعب دورًا في زيادة الكراهية، ويبين: “لطالما اعتدنا على مشاهدة مقابلات تلفزيونية أو مسلسلات خليجية تتعمد وصم أفراد مجتمع الميم – عين والانتقاص منهم، والتضليل حول ماهية الجندر أو الميول الجنسية، والدعوة لاستخدام العنف كالحرق والرجم وتأجيج الكراهية ضدهم”.
ويواصل: “برأيي؛ في الخليج بالذات الموضوع يتشعب، بدءً من التجهيل الممنهج من قبل الحكومات، واستخدام سلطة الاعلام للتحريض والتضليل، بالإضافة الى القوانين التي تجرم أفرادًا مسالمين لمجرد اختيارهم لذواتهم الحقيقية، مرورًا بتأثير كل ما سبق على كل فرد على حدة، واستعارة الأفراد من ذواتهم وعدم قدرتهم على التمييز بين الهويات الجندرية والميول الجنسية، وتأثرهم وخوفهم من الأهل والحكومة والثقافة المجتمعية التي تنبذ كل مختلف، وتأثير أحكام الدين الإسلامي؛ حيث إنه دين الغالبية في الخليج، إلا أنه لا يتسامح مع أفراد مجتمع الميم-عين”.
عقلية قبلية ذكورية
وتقول مودة قاضي، مثلية سعودية في حديثها لـ “مواطن“: “عقلية الخليجي عقلية قبلية متشبعة بالفكر الذكوري؛ فعندما بدأ المثليون والمثليات مؤخرًا بالإعلان عن مثليتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، جُنّ جنون العرب واتهموا المثليين/ ات بالغزو الفكري، وأن وجودهم معدٍ، وكأن المثلية فكر دخيل وليس توجهًا جنسيًا!!”.
وتضيف: “لعب الإعلام العربي دور تشتيت الشعوب عن القضايا الحقيقة؛ مثل أهمية الإصلاح السياسي وتوجيههم للقضايا التي تزيد التفرقة بينهم؛ مثل تأجيجهم ضد المختلفين والأقليات العرقية والجنسية والدينية (المذهبية)”.
ويشير آلڤن إلى أن “الضحايا كثر نتاج هذا البطش الحكومي الديني والمجتمعي؛ سواء من هم في السجون لسنوات؛ كسهيل اليحيى، أو من غادرونا من شدة التعذيب في السجون كالعابرة الجندرية (مينو) أو من أغلقت أمامهم السبل واختاروا الانتحار كالعابرة (نوف)، والنماذج كثر ممن نعلم عنهم أو من لا نعلم”.
وتختم “قاضي” حديثها: “كلما تخلفوا عن الركب، أرجعوا سبب تخلفهم بعدم تمسكهم بدينهم؛ فبدلا من إصلاح منظومتهم الأخلاقية ومعرفة ماذا ينقصهم في الواقع؛ أبدوا اهتمامًا مبالغًا فيه بالمظاهر والقشريات، وأقنعوا العامة أن كثرة المعاصي – من وجهة نظرهم- من حرية للمرأة وانتشار المثلية هي السبب الرئيسي للفساد السياسي والأخلاقي”.
الإعلام الخليجي موجه بشكل عام ضد أفراد مجتمع الميم – عين، ولكنهم/ن وجدوا/ن لأنفسهم/ن متنفسًا على وسائل التواصل الاجتماعي، ليقابلوا/ن هناك أيضًا بموجة من الكراهية.