ثلاثة ملايين في الكويت، يشكلون ما نسبته 75% من سكان الدولة، تلك النسبة العالية من الوافدين من بلدان وثقافات متعددة خلقت تنوعًا عرقيًا ودينيًا في التركيبة السكانية للدولة؛ فالمسلمون يشكلون أغلبية السكان؛ قرابة الثلاثة أرباع، والمسيحيين قرابة الخمس، 5% من السكان من ديانات متعددة أخرى.
الدين والمواطنة
وفقًا للدستور الكويتي لعام 1962، تمثل الديانة الإسلامية دين الدولة، وشريعتها هي المصدر الأساسي للتشريع في البلاد، ويشترط على أمير الدولة أن يكون أبواه مسلمين. تدين الدولة هنا يبدأ من الهوية الدينية إلى الحق في المواطنة.
على الرغم من النص الدستوري الذي يؤكد على المساواة بين الناس في الكويت، بغض النظر عن أعراقهم ودياناتهم؛ يمثل الحق في المواطنة الكويتية مسألةً إشكالية استمرت في إحداث الكثير من الجدل في مجلس الأمة الكويتي، ودعوات حقوق الإنسان. ويشترط قانون الجنسية في الكويت الإقامة لخمسة عشر أو عشرين عامًا في الكويت أو الزواج من مواطن كويتي للحصول على الجنسية، لكن الشرط الأهم هو الإسلام.
وفق تعديل القانون للعام 1982، يعتبر الإسلام بالولادة شرطًا للحصول على الجنسية الكويتية، أو يمضي خمس سنوات على إشهار الدخول للإسلام، وتسحب الجنسية بمجرد خروج المواطن من الدين الإسلامي، سواءً كان ذلك بإعلانه ارتداده عن الإسلام، أو ممارسته ما يدل على ارتداده عن الإسلام.
تقول الكاتبة الكويتية أسيل عبد الحميد إن المذكرة التفسيرية للقانون ذهبت في ممارسة التمييز لأبعد من ذلك في تبرير القانون على أنه يأتي: “لضمان تكيف المتجنّس مع البيئة الكويتية وولائه لها، وامتزاجه يقتضي الاعتداد بالتجانس الروحي والإبقاء على «نقاء مجتمع الكويت الإسلامي» لكيلا يكون «دخيلًا» عليه «شاذًا» فيه”.
مسيحيون ولكن
يعيش في الكويت 250 مواطنًا يعتنقون المسيحية، سبق وتم تجنيسهم قبل تعديل قانون الجنسية العام 1982. ويعد الكويت واحدًا من البلدان الخليجية التي تسمح ببناء الكنائس وممارسة المسيحيين من المواطنين والوافدين لطقوسهم الدينية في دور العبادة الخاصة بهم.
محمد أمين ((اسم مستعار))، كاتب كويتي، صرّح لـ”مواطن” أنه على الرغم من وجود الكنائس بالنسبة للمسيحيين في الكويت؛ لا يمكن للمسيحيين أو أتباع الديانات الأخرى ممارسة طقوسهم في العلن ووسط المجتمع المسلم خارج دور العبادة”؛ فلن يكون بمقدور أتباع الديانات الأخرى إظهار رموزهم الدينية علنًا، وهؤلاء على الأغلب من جنسيات أخرى، قدموا إلى الكويت للعمل، وتعلموا شيئًا فشيئًا أن من الأفضل لهم ألا يبرزوا رموزهم الدينية، لكن ممارسة الطقوس مكفولة لهم بدرجة كبيرة من الأمان في المعابد المخصصة لذلك، كالمسيحيين” حسب قوله.
ويضيف أمين: “السلطات الرسمية تتعامل باحترام شديد مع كل أتباع الديانات الأخرى وكل مظاهرهم، وتكفل للمسيحيين بناء الكنائس والتعبد بها بحرية مطلقة، لكنك ستشعر بالمشكلة على المستوى الشعبي؛ فالبعض لا يشعر بارتياح وتقبل كبيرين لفكرة كونك لادينيًا أو من ديانة أخرى، كما أن بعض النواب في البرلمان الكويتي يغذون حالة رفض وإقصاء مظاهر الديانات الأخرى، وهؤلاء على الأغلب يتبعون التيار السلفي أو الإخوان المسلمين”.
أما علي سالم (اسم مستعار)، وافد مقيم في الكويت، فيقول في حديثه لـ “مواطن” بأنه لا يرى أن هنالك تمييزًا أو منعًا للرموز الدينية، ويضيف: يمكنك أن ترى الصليب المسيحي يباع في محلات المجوهرات والمقتنيات، ويلبسه زملائي المسيحيون في العمل.. بالتأكيد لا يمكنهم الأكل في رمضان في العلن أو ممارسة طقوسهم أمام المسلمين، لكن ذلك احترامًا للأغلبية المسلمة، والشرطة إلى حد ما تعاقب من يفطر في العلن”.
توجه للمزيد من التضييق
في يونيو الماضي، قامت السلطات الكويتية بإغلاق محل مجوهرات بسبب مخالفات تتضمن أحدها بيعه وعرضه لرموز دينية مثل الصليب المسيحي. يقول محمد أمين بأن هذه الخطوة تعبر عن مدى سيطرة التيارات المتشددة كالإخوان المسلمين على مؤسسات الدولة، وقدرتها على التأثير على المزاج العام في المجتمع للقيام بمثل هكذا خطوة وتحت هذه المبررات.
يحكي علي سالم لمواطن، عن تجربةٍ حدثت معه في عمله في الكويت: “كنت أعمل في محل يبيع تماثيل تتم طباعتها بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد؛ حيث نقوم بتصوير العميل في غرفة تصوير خاصة ونقوم بطباعة تمثال له في خارج الكويت بمختلف الأحجام، لكن تم إغلاق المحل لاحقًا”.
يقول علي سالم: “كانت توجد مجموعة من التماثيل يتم عرضها في واجهة المحل، فوجئنا ذات يوم العام 2018 بزيارة رجل دينٍ لنا في معرض البوليفارد وقيامه بتصوير المحل والتماثيل ووصفها بالأصنام والكفر.كان حديثه غير مفاجئ بالنسبة لنا، حيث كنا نتعرض للكثير من المضايقات من بعض الزوار المتشددين دينيًا، وكان رئيس العمل يوجهنا بعدم الدخول في أي جدالات دينية معهم. انتشر مقطع رجل الدين على وسائل التواصل الاجتماعي وقامت السلطات الكويتية بإغلاق المحل لأنه يبيع الأصنام كما يقولون”.
في سبتمبر 2018، قاد مغردون على وسائل التواصل الاجتماعي في الكويت مطالب بإغلاق محل الطباعة ثلاثية الأبعاد، تداولوا فيها فتاوى ومطالب لرجال دين كالشيخ عثمان الخميس يصف وجود مثل هذا المحل في الكويت بالمنكر، وأنه أشد حرمة من محلات بيع الخمور -حد وصفه-، لتقوم السلطات بإغلاقه إثر الحملة، يفيد علي سالم بأنه لاحقًا تم إعادة فتح المحل في مكان آخر.
محمد عادل، مقيم في الكويت، يعلق على الحادثة لـ”مواطن”: “هذا ليس سوى نموذج بسيط من مدى تشدد السلطات وسيطرة رجال الدين المتطرفين على قرارات السلطة وتوجهها تجاه المختلفين دينيًا في الكويت؛ فهي ليست فقط توجهًا إسلاميًا بسيطًا، وإنما رجعي سلفي إلى حدٍ كبير”.
يؤكد محمد عادل أيضًا بأن الكثير من الوافدين الذين لا ينتمون للإسلام والمسيحية يظهرون رموزهم، ولكن بالتأكيد لا يمكنهم التعبير عن مشاعرهم الدينية وممارسة طقوسهم، سواءً في العلن أو دور العبادة؛ إذ من الممكن أن يواجهوا الكثير من المتاعب. ويقول عادل: “قد تجد الوافدين الهندوس يضعون تمثالًا صغيرًا لإله البركة في سياراتهم، والذي يحضرونه معهم من بلادهم؛ إذ لا يستطيعون شراءه هنا، لكنهم لا يمكنهم التعبير عن دينهم أو ممارسة شعائرهم الدينية، ولا يستطيعون أن يقيموا دور عبادة خاصة بهم مثل المسيحيين”.
اللادينيون في الكويت
يعيش المختلفون دينيًا في الكويت بنسب حريةٍ متفاوتة في التعبير عن معتقداتهم وممارسة طقوسهم أمام الغلبة المتشددة للأغلبية المسلمة، أما اللا دينيون في الكويت؛ فهم يعيشون في أضيق مساحات حرية الفكر والاعتقاد كما يصف محمد أمين وضعه كلاديني كويتي؛ يقول محمد أمين لـ”مواطن” : “لا يتخوف أحد في الكويت من إظهار الدين الذي يعتنق، لكن الخشية تأتي من كونك لا دينيًا، أتخوف من إظهار كوني لا دينيًا. بإمكانك اعتناق أي دين، لك مطلق الحرية بفعل ذلك في الكويت، لكن المسلمين لديهم حساسية مفرطة في التعامل مع شخص لاديني، وأنا أتجنب الإعلان عن ذلك..”. ويضيف أمين: “التطرف الشعبي مخيف جدًا”.
الدستور الكويتي من حيث المبدأ يكفل حرية الفكر، ولا يقوم القانون بتجريم اللا دينية أو يسن لها عقوبات، لكن إعلان اللا دينيين عن أفكارهم يعرضهم لسحب الجنسية منهم كما ينص قانون الجنسية الكويتي، ولذا يلجأ الكثير منهم للانخراط في صالونات ثقافية والتعبير عن أنفسهم كقرآنيين وتنويريين.
يقول “أمين” بأنه يعرف الكثير ممن يشاركون معه في صالون ثقافي دوري يقيمونه، يحضره الكثير من المثقفين والكتاب والأكاديميين الكويتيين، لكنهم بالتأكيد لا يصرحون عن معتقداتهم أو يناقشونها بصراحة في هذه المساحة؛ إذ إن خسارتهم لمراكزهم ووظائفهم هو أقل ما يمكن أن يتعرضوا له إذا ما اتهموا باللا
دينية -حد تعبير أمين.
الدين في الكويت لا يعني معتقدًا خاصًا بمعتنقه، وإنما تذكرة لحق الإنسان في المواطنة الكويتية، وتقرير مصير في المنزلة والعلاقات الاجتماعية والأمان. فهل تحتاج الكويت، في رأيك، مراجعة مفهوم "المواطنة" لديها؟...