تزامنًا مع اليوم العالمي لخطاب الكراهية، عقد “مواطن كافيه” ندوة حوارية بعنوان “خطاب الكراهية: مسؤولية المواطن أم الإعلام أم الحكومات؟، وتم التركيز على خطاب الكراهية وانتشاره في الأوساط الإعلامية والاجتماعية، واستهدافه للفئات المهمشة في المجتمع من نساء وأقليات دينية وجنسية.
وقد أدارت الندوة الناشطة الكويتية فجر الخليفة، وشارك في الحلقة الباحث في التاريخ والفلسفة سامح عسكر، و د. ابتهال الخطيب، الناشطة الحقوقية، وعضو هيئة التدريس بجامعة الكويت.
افتح الحوار بنقاش جدلية حرية التعبير/خطاب الكراهية، وبسؤال د. ابتهال الخطيب حول هذه الجدلية، والتي رأت أن خطابات الكراهية هي تمثل تهديدًا مباشرًا لحرية الرأي والتعبير، وأن أفضل نموذج لتجسيد العلاقة بين كليهما هي منصات التواصل، حيث التعاطي مع الموضوعات المختلفة النقاش حولها من قِبَل الجمهور، التي جعلت هناك حاجة ماسة لتشريعات وقوانين تقوم بضبط سلوكيات وأحاديث تحض على الكراهية ونبذ الآخر.
وأردفت د. ابتهال أن خطاب الكراهية يفرض على الآخرين بعضًا من مشاعر الخوف والخزي، بالإضافة إلى تشويه سمعة البعض وترويج عدة معلومات عنهم لا تمت للواقع بصلة، مما يفرض العزلة على الكثير منهم.
خطابات الكراهية تمثل تهديدًا مباشرًا لحرية الرأي والتعبير ما جعل هناك حاجة ماسة لتشريعات وقوانين تقوم بضبط سلوكيات وأحاديث تحض على الكراهية ونبذ الآخر.
وحول قضية المعايير التي يمكن من خلالها تصنيف الخطاب على أنه خطاب كراهية؛ ذكر الباحث سامح عسكر، أن خطاب الكراهية هو استدعاء لخطابٍ غاضب، وتقوم الكثير من الجماعات والأفراد بتمويل وتعزيز تلك الخطابات -االمُستمدة الكثير من قيمها من التراث- التي تؤدي إلى انتكاسة في ميدان الحرية، ونحن بحاجة إلى الاستقرار والأمن بالقضاء على هذه الخطابات.
بينما رأت د. ابتهال الخطيب أن خطاب الكراهية هو خطاب شعبي وليس فقط خطابًا مؤسسيًا أو جماعاتيًا، ورأت أنه تكون في منطقة الشرق الأوسط على مدى سنوات ليس فقط نتيجة الغضب، بل أيضًا نتيجة الخوف، وأن الظروف السياسية في الكثير من البلدان العربية شكلت عدة انحيازات، وكذلك أزمة هوية، ومن هُنا تصبح التعددية والاختلافات كأزمة داخل المجتمع وتكون مصدرًا لخطابات الكراهية والانقسامات، وذكرت أن صعود اليمين السياسي في العالم، وكذا صعود رئيس أمريكا الأسبق دونالد ترامب، أدى إلى تصاعد خطابات التطرف ومناهضة الاختلاف في الكثير من الوجهات حول العالم.
ورأى الباحث سامح عسكر أن خطاب الكراهية نتاج نشاط مجموعات بعينها، بالإضافة إلى كونه معززًا داخل وعي بعض الشعوب، وذكر أن قيم التنوير والاستنارة لا يمكن أن تحدث أو تستقيم في ظل غياب المواطنة واحترام حقوق الإنسان، وفي خضم الحروب، فالحروب أول ما تشعله هو خطابات الكراهية داخل المجتمعات، ولذا فالأمن والسلامة والاستقرار هي ضمانات تحض من خطابات الكراهية. وذكر أن المساواة بين جميع المواطنين بغض النظر عن اختلافاتهم الدينية والعرقية واللونية هي أساس المواطنة والاستقرار. وأردف الباحث قائلًا: “إن حرية تداول المعلومات واحترام الرأي الآخر وفتح المجال لسماع الآراء والوجهات وتدفق الأفكار تُعد ضمانات لانتشار التنوير داخل الجماعات وبين الشباب”.
وذكرت د. ابتهال في النهاية أن خطابات الكراهية متعددة ولا ترتبط فقط بالمعتقد أو بهوية الجماعات، فهناك خطاب كراهية يرتبط بلون لبشرة، وآخر مرتبط بالهوية الجندرية، وكذلك ما هو يرتبط بالجنس وغيره، فلا تستمد جميعها فقط من جانب ديني، وذكرت أنه يجب وضع حد فاصل بين حرية الرأي واحترام الرأي؛ فاحترام حرية الأفراد في أن يفصحوا عن آرائهم ووجهاتهم هو شيء ملزم، أما احترام الرأي ذاته ومحتواه فهو أمر غير ضروري وغير واجب، فاحترام الرأي على حد قولها يلزمه ضمان أمان الناس، أما قبول الآراء فهو غير ملزم.
قيم التنوير والاستنارة لا يمكن أن تستقيم في ظل غياب المواطنة واحترام حقوق الإنسان والأمن.، فأول ما تشعله الحروب هو خطابات الكراهية داخل المجتمعات، ولذا فالأمن والسلامة والاستقرار هي ضمانات تحض من خطابات الكراهية.
وذكر سامح عسكر نموذج المهاتما غاندي الذي قتله المتطرفون الذي كان يؤمن بمبدأ السلم واللاعنف، ومن هنا يجب تنقية الوازع الديني من هذا العنف الذي يستهدف التسامح والاختلاف بين البشر، وعدم ممارسة العنف من قِبَل الجماعات الدينية يلزمها بالإيمان بحريات الآخرين والتخلي عن الاستبداد الديني والقومي والفاشية، وتلك المبادئ القومية والهوياتية هي التي تقسم المجتمعات في كثير من الأحيان، والبديل عن ذلك هو التفكير الغائي الذي يعمد إلى نبذ الكراهية والعنف حسبما اتفق جميع البشر في العالم كميثاق للأخلاق وللقيم.