أصدر ملك البحرين في التاسع عشر من يوليو مرسومًا بتعيين رئيس جديد لهيئة البحرين للثقافة والآثار، مستبدلًا به مي بنت محمد آل خليفة؛ ما أدى إلى تداول الشائعات والتحليلات في أوساط الشارع البحريني حول سبب إزاحة مي آل خليفة من المنصب الذي تبوأته لأكثر من خمسة عشر عامًا دون منحها حقيبة وزارية أخرى كما تجري العادة في البحرين.
ووفق ما تداولته وسائل التواصل الاجتماعي، يعود سبب إخراج مي آل خليفة من التشكيلة الحكومية الجديدة الذي طال تغيير سبعة عشر من أصل اثنين وعشرين منصبًا وزاريًا إلى مواقفها المناهضة للسياسة الحكومية للتطبيع مع الكيان الصهيوني.
ونشرت وسائل إعلامية أن مي آل خليفة رفضت مصافحة سفير الكيان الصهيوني لدى البحرين إيتان نائيه، وكذلك رفضت التصوير معه أثناء حضورها عزاءً خاصًا بمنزل السفير الأمريكي لدى البحرين في شهر يونيو من العام الجاري، كما أضافوا أنها خرجت من منزل السفير بعجالة وطلبت عدم نشر أي صور أو أخبار لحضورها.
ربط الشارع العربي ووسائل الإعلام العربية والفلسطينية بين موقفها تجاه سفير الكيان الصهيوني وبين إخراجها من التشكيلة الوزارية، واعتبرها كثيرون صاحبة موقف نبيل، وداعم للقضية الفلسطينية حتى مع نفيها وإنكارها شخصيًا في بيان لها: “كنت على علم بالتغيير الذي سيطرأ، ولا لتأويله بأساليب تتعارض مع مصالح البحرين”، وإنكار مركز الاتصال الوطني ارتباط الحادثتين مع تأكيده بأن التغيير طال سبعة عشر من أصل اثنين وعشرين منصبًا وزاريًا.
وأثناء الحديث عن مواقفها الداعمة للقضايا الإنسانية والحقوقية، أبرز ناشطون بحرينيون الوجه الآخر لهذه الوزيرة، الوجه الذي لعب دورًا كبيرًا في تهميش جوانب من ثقافة أهل البحرين؛ إبرازها ثقافة واحدة تتبناها أسرة الحكم التي تنتمي هي إليها، بالإضافة إلى دورها البارز في الرقابة الصارمة على الفكر والثقافة، ومصادرة الكتب وحريات النشر والتعبير.
السيطرة على الإنترنت: قرار رقم 1
عند تعيينها في عام 2009 وزيرةً للثقافة والتراث، أصدرت قرارًا فريدًا من نوعه ولأَول مرة؛ بأن تكون عملية حجب المواقع الإلكترونية هي مسؤولية الوزارة عوضًا عن وزارة الإعلام أو الوزارة المتعلقة بالاتصالات كما جرى العرف في المسؤوليات الحكومية، وكان ذلك بمثابة رداء حديث يرتديه “وزير الثقافة” كنوع من التقييد وإخراس الأفواه.
في حينها قال الكاتب توفيق الرياش معارضًا هذا القرار الذي أصدرته مي آل خليفة: “القرار الوزاري قرار إداري، وهذا غير مناسب لدستور ينص على حرية التعبير وينص على ضرورة أن يكون القضاء هو الحكم بين الناس والسلطات، وهو أسلوب يستخدم في الدول المتأخرة وليس المتقدمة، إذ إن القرار الوزاري يخضع للآراء التقديرية والشخصية”.
وفي أغسطس 2013، حُظر سبعون موقعًا إلكترونيًا، يعبّر عن الرأي السياسي المعارض، أو يرصد الانتهاكات الحقوقية التي تحدث في البحرين، منها منتدى “المجلس العُلمائي“، وهو موقع ديني بحت يمثّل رجال دين الطائفة الشيعية، تأسس في العام 2004؛ حيث توجهاته السياسية لم تَرُق السلطة الحاكمة في البحرين، وذلك بالإضافة إلى موقع قناة المنار اللبنانية والموقع الإعلامي لـ “ائتلاف شباب ثورة الرابع عشر من فبراير” السياسي المعارض. ومن ضمن المواقع الأخرى: موقع “مرآة البحرين” الإعلامي، وموقع “شهداء البحرين وضحايا التعذيب“، و”مركز البحرين لحقوق الإنسان“، و “الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان“.
وحسب رابطة الصحافة البحرينية؛ فإن الهدف الأساس من كل ذلك هو: “التعتيم والاستهداف الإلكتروني وتمزيق المعارضة المطالبة بالشفافيّة والإصلاح السياسيّ، إلا أنها غفلت ربّما عن أن الحقائق التي يحاول النظام إخفاءها قد تفلح مع مواطنيه، فيما العالم المحيط بالبلد الصغير يبقى في الصورة: يتصفّح المواقع المحجوبة بحرينيًا، يلاحظ أدقّ تفاصيلها”.
منع المصادر التاريخية
قامت السلطات البحرينية ممثلة بمي آل خليفة بمنع استيراد وبيع كتاب يوميات المستشار البريطاني السابق لحكومة البحرين تشارلز بلگريف (1926-1957) وهو الذي يمثّل مرحلة تاريخية مهمة من تاريخ البحرين ويحمل بين طياته معلومات حساسة تنشر للمرة الأولى.
ويعود المنع إلى التفاصيل التاريخية الدقيقة التي ذكرها المستشار بلجريف في مذكراته حول المحادثات الخاصة التي دارت بينه وبين كبار المسؤولين في الحكومة البحرينية آنذاك، وأحداث تاريخية مفصلية أخرى، والتي تصر السلطة على إخفائها، مثل: توزيع الثروات، والاستحواذ على الأراضي، والتمييز الطائفي، والحركات السياسية المعارضة.
في حين أن حكومة البحرين تحتفظ بالنسخة الأصلية لهذا الكتاب. مع نشرها لنسخ أخرى محسنّة بخلاف النسخة الأصلية، على رأسها نسخة مترجمة نشرت باسم مي آل خليفة نفسها في العام 2000، إلا أنه تم تسريب النسخة الأصلية ونشرها فيما بعد في مواقع الكترونية من قبل أفراد مهتمين بالأرشيف التاريخي.
تهميش الإرث الثقافي للبحرينيين
يقول محمد حسن (مدوّن بحريني) في تصريح خاص لمواطن ردًا على موجات المديح التي اعتبرت الوزيرة مي بطلة وصاحبة مواقف نبيلة قائلًا: ”كوزيرة للإعلام كانت مي الخليفة عرابة حركة حظر المواقع، خسرت البحرين حينها الكثير من وسائل حفظ تاريخ القرى التي كانت المواقع المخصصة لها تزداد بوتيرة عالية، بعد انتقالها من الإعلام للثقافة لم تتغير طبيعة الصوت الأوحد والأمر والنهي.
واستطرد: “تجاهلت أصوات الأهالي التي عارضت استيلاء الثقافة على مسجد الخميس، وحين وجه النواب لها انتقادات تواجدت مي في المجلس لتخبرهم أنهم “مب رياييل” وأنهم لا يستطيعون مواجهتها في تصريح واضح بعجز المجلس لتغيير أبسط الأمور.
وأضاف: كانت مي الخليفة مصممة على إنجاز مهامها كوزيرة للثقافة بأي ثمن، حتى أنها حين دعت فنانين للمشاركة في حفلات نظمتها في 2011 كانت ردة فعلهم الاستعجاب، علق أحدهم: تريدني أن أغني والجثث تتساقط في الشارع.
وعبّر مصدر خاص لـ”مواطن”: “موقف مي من القضية الفلسطينية لا يعني شيئًا؛ فمساهمتها في تكميم الأفواه في البحرين وتهميش قطاع واسع من الشعب واقتصار جهودها على منطقتي المحرق والمنامة في مقابل إهمال سائر مناطق البحرين كلها، همشت تاريخ وثقافة البحرينيين ممن لا ينسجمون مع سردية السلطة لتاريخ وثقافة البلد”.
ختامًا: إن الوجه الآخر لمي آل خليفة، كشخصية ثقافية، هو مثال صريح على تدنيس الثقافة من خلال جعلها امتدادًا للقمع والتقييد السياسي تجاه أصحاب الرأي المعارض، ويمثّل تكاملًا مشبوهًا في نشر ثقافة الرأي الواحد والثقافة الواحدة، ذلك الأمر الذي لا يرتضيه البحرينيون.