أعلنت الكويت الأسبوع الماضي عن تشكيل الحكومة الكويتية الجديدة برئاسة أحمد نواف الأحمد الصباح، التي تضم اثني عشر وزيرًا، ولم تشهد تغييرات كبيرة في الوزارات الرئيسية.
هذه هي المرة الرابعة التي تتشكل فيها حكومة جديدة في الكويت منذ ديسمبر/كانون الأول 2020؛ حيث استقالت الحكومات الثلاث السابقة برئاسة صباح الخالد، آخرها في مايو/أيار الماضي إثر إعلان مجلس الأمة عزمه على التصويت على طلب “عدم التعاون” مع الحكومة، والذي من خلاله يقيل رئيس الوزراء أو يطرح الثقة فيه، والذي كان من شأنه تصعيد التوتر القائم بين الحكومة والبرلمان.
الصراعات بين العائلة الحاكمة والحكومة والمعارضة ومجلس الأمة مستمرة منذ سنوات، فهل الكويت ديمقراطية؟
لم ينص الدستور الكويتي على تشكيل الأحزاب السياسية، إلا إنها إحدى الدول القليلة التي يشارك فيها كافة أبناء الكويت في اختيار ممثليهم/ن في البرلمان، أو كما يُسمى في الكويت “مجلس الأمة“، إلا أن السلطة تبقى قوية في يد العائلة الحاكمة.
الكويت ديمقراطية؟
يرى الحقوقي الكويتي أنور الرشيد أن: “كل ما يحصل في الكويت أمر طبيعي وسمة من سمات التطور الديمقراطي المنطقي، وما تمر به البلاد اليوم منعطف تاريخي تترسخ به إرادة الأمة، كما جاء في المادة السادسة من الدستور”.
ويضيف في حديثه مع “مواطن“: “المعارضة وانتقادات السلطة هو أمر طبيعي في الكويت وليس استثناءً، ففي تاريخ الكويت ومنذ العام 1910 احتج الكويتيون على السلطة آن ذاك وهاجروا، ومن ثم تم تسوية الأمر بإقرار وثيقة دستورية بين السلطة والأمة، وتم تشكيل مجلس سوي، ومن ثم لحقتها وثيقة دستورية أخرى عام 1938 حتى وصلنا للوثيقة الدستورية الحالية عام 1962، ناهيك عن الحراك المستمر المطالب بمزيد من الحُريات والديمقراطية حتى وصلنا ليومنا”.
ويتوقع الرشيد أن مواصلة هذا النضال: "سينتج عنه المزيد من الحُريات وترسيخ دولة القانون".
وفيما يتعلق بالصراعات الفكرية؛ فيرى الباحث الكويتي في الشؤون السياسية الخليجية محمد اليوسف أن: “الصراعات الفكرية أمر ثانوي، وأن الصراع الأهم والمعارك الرئيسية التي نشهدها هي بين النواب والسلطة، فعادة ما ينسى النواب صراعاتهم الفكرية عندما يكون هناك تأزيم سياسي من الحكومة ويتوحد في الوضع الحالي النواب الإسلاميون والليبراليون وممثلو القبائل، لكنهم مجتمعون ضد الحكومة”.
ويوضح اليوسف لـ”مواطن“: “أحد أهم عناصر العمل السياسي في الكويت، وهو شيء نفتخر به، بأن المعارك الفكرية تترك جانبًا في وقت الأزمات المهمة، وعندما تكون هناك صراعات فكرية نرى بأنها مُختلقة أو مُفتعلة لتلهية الناس عن القضايا الرئيسية”.
ويصف الرشيد الصراعات الفكرية في المجتمع بأنها: “تعبر عن حالة صحية؛ لا بل تعبر عن صحة المجتمع”.
وتتفق معه في الرأي الناشطة في مجال مكافحة الفساد الكويتية هدى العنزي فتقول: “وجود معارضة وصراعات فكرية، هي من أساسيات النظام الديمقراطي ومن المظاهر الصحية”.
وتنضم لهم الحقوقية هديل بوقريص قائلة: “قطعًا وجود أي حراك معارضة ومناهض في أي مكان بالعالم ظاهرة صحية وجيدة لرسم صورة متكاملة لأي مجتمع، فلا يعقل أن يكون المجتمع كله متفقًا على رأي واحد، ولا يوجد من يقول لا لأنه يتبنى رأيًا مختلفًا، وهذه هي الديموقراطية؛ أن يكون هناك صوت مختلف يستمع إليه ويحترم وجوده”.
وضع بحاجة لتصحيح
وتستطرد العنزي في حديثها لـ”مواطن“: “تبقى لدى الكويت خصوصية تختلف عن دول العالم الديمقراطية، هي أنها ديمقراطية لم تكتمل، فهي دون أحزاب أو برنامج عمل؛ حيث إنني كمواطنة لا يمكنني أن أُقيّم عمل الحزب أو القائمة التي صوتت لها وعملها في ظل الوضع الحالي، فمن يترشح أشخاص مستقلون؛ وبالتالي ليس هناك برنامج عمل بل وعود كلامية، و90٪ أو أكثر منها تتغير بعد دخولهم المجلس، هذا الوضع يحتاج إلى تصحيح”.
ترى العنزي أنه في ظل الوضع الحالي وأوضاع الدول المحيطة بالكويت “على الأقل هناك ممارسة للعملية الديمقراطية، والأمور الأخرى قد تأتي لاحقا، للوصول إلي الديمقراطية المنشودة”.
وفي حديثها لـ”مواطن” قالت بوقريص: “بما أن هناك قوانين مقيدة لحرية الرأي والتعبير تصل إلى سنوات عديدة وغير محددة من السجن؛ فقط لكتابة رأي أو التعبير عن النفس بفعل أو رسم أو اغنية أو عمل فني أو غير فني، يجعلنا نشكك في هذه الرؤية، أو نتوقف لدراسة التحول المؤسف الذي وصلنا إليه، وربما قد ينحدر إلى ما هو أسوأ”.
تأخر التنمية
وُجهت أصابع الاتهام للديمقراطية بإنها السبب وراء تباطؤ أو تأخر التنمية في الكويت، فهل هذا صحيح؟
يجيب الرشيد: “هناك اتهامات للديمقراطية الكويتية بأنها غير ملهمة، ونموذج لا يمكن الاحتذاء به، وضُرب المثل بما وصلت إليه دول الخليج من تطور عمراني؛ بينما الكويت تراجعت، لا؛ بل سبقها الدول الأخرى بالتطور العمراني، ولكن تطور المجتمعات يقاس بمدى حُريات شعوبها وليس بناطحات زجاجية، وأجزم بأن الهجوم على الديمقراطية الكويتية التي ندفع ثمنها كأمة بتأخرنا تنمويًا، ما هو إلا تأكيد على تأثير الديمقراطية الكويتية التي تعرضت لهزات عنيفة طوال الستين عامًا الماضية، إلا أنها صمدت أمام كل محاولات وأدها”.
أما اليوسف فيرى بأن: “الخليجيين والعرب ينظرون للكويت على أنها الديمقراطية الأكثر تقدمًا في العالم العربي، إلا أنها ليست ديمقراطية حقيقية، أو كلية أو مطلقة أو صحيحة، ولكنها نسبيًا هي الأكثر ديمقراطية”. ويضيف: “السردية الحكومية أو الإعلام التابع للحكومة، تحاول التسويق لسردية أن الديمقراطية هي أحد أسباب تعطل التنمية، ولذلك فالكويت هي الدولة الأقل تطورًا من الناحية العمرانية والمشاريع الرأسمالية، في الوقت الذي ليس بالضرورة التنمية التي تشهدها دول الخليج الأخرى هي تنمية حقيقية”.
ويؤكد: “نعم، نحن في الكويت متأخرون في ذلك، وجزء من الخليجيين يرون أن الديمقراطية والأزمات والاحتدام السياسي في الكويت، هو أحد أسباب تعطل التنمية والمشاريع، وهذا الموضوع فيه شيء من الصحة، ولكن في نفس الوقت نجد الكثيرين في الخليج يرون أنها نموذج ديمقراطي فيه سلطة الحاكم المطلقة، وهامش من الحرية والمشاركة الشعبية؛ فهو نضال توافقي يصلح للخصوصية الخليجية، لذلك تحاول الحكومات والسلطات في الخليج تشويه التجربة الديمقراطية الكويتية”.
كما يوضح اليوسف: “بخصوص التطور؛ أعتقد أن الجمود السياسي هو أحد أسباب تعطيل التنمية في البلد، وليس الديمقراطية، لدينا دستور يحاول أن يوازن بين النظام الرئاسي والنظام البرلماني، ولكن ديمقراطيتنا منقوصة؛ فالكويت هي شبه ديمقراطية؛ فيها من سمات الدول الديمقراطية والممارسة الديمقراطية، كما أن روح الدستور تعزز العمل البرلماني والديمقراطي والمشاركة الشعبية، ولكن في نفس الوقت فيها من سمات الشمولية والحكم الفردي، فالسلطة لديها صلاحيات تعارض المبادئ والقيم الديمقراطية”.
وهو أيضا ما تراه هدى العنزي: “لا أعتقد أن الديمقراطية هي السبب في تأخر الدولة عن إنجاز مشاريعها، وعن الركب الخليجي في كثير من المجالات؛ بدءً من التعليم إلى الأنشطة الرياضية والاقتصادية، فهناك توجه لم يكن موفقًا في الفترة الماضية؛ خاصة بالكويت وبأسرة الحكم وبالأوضاع الداخلية، وإنما الممارسة الخاطئة، بالإضافة للأفكار الدخيلة التي لم تكن موجودة في السابق، كتأصل القبلية، والوساطات التي عطلت الأمور وليس الديمقراطية”.
وتشير العنزي إلى أن الخليجيين لا زالوا ينظرون للكويت بأنها دولة سبقت الركب في موضوع الديمقراطية؛ “فنحن لنا الحق في المشاركة في العملية التشريعية والانتخاب والترشيح، وممارستها تشعر المواطنين بمكانتهم الإنسانية”.
ما الذي ينقص؟
كثيرون/ات يرون بأن الديمقراطية الكويتية منقوصة، غير مكتملة، فكيف يتم استكمالها؟ تجيب العنزي: “أصبح من الواضح جليًا بالنسبة لنا أن الترشح للانتخابات دون برنامج انتخابي هو مشكلة كبيرة، وبالتالي فإن تعديل التشريعات في هذا الشأن قد يفيدنا كثيرًا، لنطور تجربتنا الديمقراطية، كما أننا بحاجة إلى نموذج يحتذى به من النواب، يمثلون رمزًا للديمقراطية ويكونون صوتًا الشعب، لتكتمل مؤشرات الديمقراطية الصحيحة” حسب تعبيرها.
وتضيف: “نحن بحاجة لتشريعات تعدل من مسيرة الديمقراطية؛ سواء بتوزيع الدوائر الانتخابية أو بالبرامج الانتخابية، التيارات السياسية، بالإضافة لحملات توعوية لمعايير اختيار النواب”. وترى بأن كل هذا لن يأتي بنتائج ما لم: “يتم محاربة الفساد على مستوى القيادة العليا، حتى لا يكون انتخاب ممثلين الشعب على أساس الخدمات”.
فيما يرى الرشيد أن ما ينقص الديمقراطية الكويتية لاستكمالها هو: “المزيد من الممارسات الديمقراطية رغم كل سلبياتها التي لابد من الوقوع بها ليتعلم المجتمع منها ويصحح مسيرته الديمقراطية”.
ويقول: “ما نراه من صراع هو جزء من ثمن لابد من دفعه، واليوم وبعد مخاضات عسيرة مررنا بها، حتمًا ستنتصر إرادة الأمة، كما انتصرت كافة الأمم التي وصلت للديمقراطية، والديمقراطية الكويتية ليست استثناء، لذلك برأيي أننا نسير في الاتجاه الصحيح رغم كل الآلام التي نمر بها والتي أجزم بأنه لابد منها”.
ويشير اليوسف إلى موطن الخلل برأيه: "لدينا حكومة/ سلطة تملك صلاحيات كبيرة وقوية كبقية دول الخليج، وفي نفس الوقت لدينا مجلس قوي يملك أداته للاستجواب وإسقاط الوزراء، مما يؤدي لصدام سياسي، فطرفا النزاع يملكان أدوات قوية جدًا، مما يؤدي لأزمات سياسية ".
تم تشكيل أربع حكومات في أقل من عام ونصف، كما أن أعضاء الحكومة “الوزراء” هم أعضاء غير منتخبين في المجلس، ولهم كافة الصلاحيات كالمنتخبين، وهو أمر ينظر له اليوسف بأنه: “غير صحي في ديمقراطية حقيقية، وهو أحد الأمور التي تجعل ديمقراطيتنا في الكويت مشوهة، أن تتدخل الحكومة في أعمال مجلس الأمة، هو أمر في غاية الأهمية، لذلك هناك جمود سياسي وتعطل المشاريع خلال السنوات الأخيرة”.
ويضيف: “الممارسة السياسية في الكويت تجعل الاحتدام والجمود السياسي أمرًا حتميًا، ما ينقصنا أن يكون لدينا أحزاب وحركات سياسية قوية، وتغيير نظام الصوت الواحد في خمس دوائر مقسمة بشكل غير عادل، مما عزز الفئوية والقبلية وأثر على وصول العنصر النسائي للمجلس”.
فيما تعتبر بوقريص أن هناك “افتقارًا في تطبيق المبادئ والمفاهيم، هناك مشكلة في قبول الآخر المختلف عنا لونًا، هويةً، دينًا، مذهبًا وتوجهًا سياسيًا، نعاني الكثير من القصور في فهم تلك المبادئ والتهاون بها، وهذا ما يجعلنا نستخدم التطرف في كل شيء، وإقصاء كل ما لا يناسبنا أو يشابهنا، هذه هي الآفة التي يعيشها المجتمع الكويتي، والتي لا يمكنه التخلص منها ليتمكن من تطبيق هذه الممارسة التي يطمح إليها” حسب رأيها.
رغم أن الكويتيين/ات يطالبون بخطوات وتغييرات تساهم في تطوير تجربتهم الديمقراطية، إلا أنهم/ن يبقون الوحيدين في الخليج الذين يقررون مصير حكوماتهم وسيرورتها وبقائها من عدمه عبر صناديق الاقتراع.