مع تكرار الأحداث العصيبة التي يمر بها أهل غزة وفلسطين من آن لآخر، يزداد التساؤل حول موقف تنظيم داعش الإرهابي منها، خاصة أنه يعيث في الأرض فسادًا، ويقتل المسلمين وغيرهم، ويمارس عمليات التدمير في العديد من الأماكن التي يتواجد بها تحت اسم الدين، فلماذا لا يصب غضبه على الإسرائيليين من باب أولى؟
"وعد سننجزه".. داعش يبرر تخاذله عن نصرة القدس
في مايو/أيار 2021، أثناء الهجوم على غزة وحي الشيخ جراح، استغل تنظيم داعش الأمر، وافتتح العدد رقم 287 من صحيفة النبأ التابعة له، الصادر في يوم 27 من الشهر المذكور، بمقال حمل عنوان “الطريق إلى القدس“.
في البداية حاول داعش التأكيد على أن القدس قضية محورية بالنسبة له، ووعد لا بد من تحقيقه، قائلا: “ينتظر منا الناس أن نتكلم عن القدس في بيان أو صحيفة أو كتاب، ولو كان هذا سقف القدس عندنا لأغرقنا الدنيا بيانات وخطبًا، لكن القدس بالنسبة إلينا دِين ننصره، ودَيْن نسدده، ووعد سننجزه”.
وبدأ التنظيم يبرر تخاذله عن نصرة القدس، محاولاً التأكيد أن جهاده في الدول الأخرى، أفضل من المقاومة في فلسطين: “على الناس أن يدركوا أن الجهاد في سبيل الله تعالى يختلف عما يسمى بالمقاومة، فالفرق بين الجهاد والمقاومة كالفرق بين الحق والباطل، والضلالة والهدى”.
ولم يكتف داعش بذلك؛ بل حاول كعادته في مثل هذه المواقف، اللعب على وتر العواطف، لاستقطاب العديد من العناصر إليه: “على الناس أن يصححوا مسارهم ويضبطوا بوصلتهم على مؤشر الجهاد لا المقاومة”، مستغلا هذا الموقف في تثبيت عقائد عناصره الزائفة، وجذب آخرين إليه: “إننا نحسب أن المجاهد الذي يتربص بالرافضة في العراق أقرب إلى القدس ممن والى الرافضة وحسن صورتهم وصدرهم المشهد في فلسطين، وفتح لهم سوق المتاجرة بالقدس والمقدسات على مصراعيه”.
ولكي يبرر التنظيم الإرهابي ما يفعله في العديد من الأراضي من قتل ودمار، ويكتسب شرعيته لدى البعض في هذا الشأن، جعل من القدس سببًا لذلك، مؤكدًا أنه: “لن يحرر القدس من فرق بينها وبين العراق والشام واليمن وخراسان، ولا من فرق بينها وبين الشيشان، ولن يحرر القدس من خذل المسلمين في الموصل والرقة وحلب والباغوز، فكلها قضايا المسلمين وكلها ديارهم، ولن تعود إليهم بغير الإسلام”.
لن يفتح القدس إلا المسلمون
اعتاد تنظيم داعش أن يختزل الإسلام في عناصره فقط؛ فهم حاملو لواء الدين، وغيرهم لا علاقة لهم به -من وجهة نظره-، لذا استعان بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، الذي قال فيه: (لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، حتى يقول الحجر وراءه اليهودي، يا مسلم، هذا يهودي ورائي فاقتله)، ليؤكد أن فلسطين لن يفتحها إلا المسلمون: “لن يفتحها الوطنيون ولا القوميون”.
واستدعت الصحيفة كلمات سابقة للمتحدث الأسبق باسم داعش، أبي محمد العدناني، في إصدار صوتي له بعنوان: “ما كان هذا منهجنا ولن يكون”، في أبريل/نيسان 2014، قال فيه: “لقد من الله علينا ففتح لنا باب الجهاد في العراق، فتسابق المهاجرون وتوافدوا من كل حدب وصوب، فرفعت راية التجديد، وقامت سوق الجهاد، وتصدت ثلة قليلة من المهاجرين والأنصار لأعتى قوة عرفها التاريخ، بعدة بالية وصدور عارية، واثقين من نصر الله عازمين على تحكيم شرع الله، أجسادهم في العراق، وأرواحهم في مكة الأسيرة، وأفئدتهم في بيت المقدس”.
وتشير كلمات “العدناني” إلى أن تنظيم داعش منذ البداية، استغل القضية الفلسطينية لتحقيق مصالحه الخاصة، من جذب أنظار الكثيرين إليه” “تحديدًا في الأوقات التي يخفت فيها وهج التنظيم”، واستقطاب العديد من العناصر إليه، خاصة أنه يعلم الموقع الذي تحظى به القضية الفلسطينية في فكر الكثير من المسلمين في الدول العربية وغيرها، مصدرًا أنه يتخذ من القتل والدمار في العديد من الدول الأخرى وسيلة للوصول إلى القدس.
قضية فلسطين ليست استثناء
وحاولت الصحيفة التأكيد على موقف التنظيم من القدس، بقولها: “إن جنود الخلافة لم يغالوا في قضية فلسطين ولم يجعلوها استثناء بين قضايا المسلمين، فهم وضعوا بيت المقدس نصب أعينهم، لكنهم لم يغمضوا عن غيرها من البلدان، بل أخذوا على عاتقهم هم نصرتهم والذود عنهم جميعا”.
ومع خاتمة المقال، حاول التنظيم الخروج من دائرة الحرج، فدعا أتباعه في كل مكان إلى نصرة فلسطين، وقتال اليهود وحلفائهم، مشددًا على أن ذلك واجب شرعي: “وعلى المجاهدين في كل مكان أن يستفرغوا الوسع في نصرة إخوانهم في فلسطين، والتخذيل عنهم بكل ما يملكون، فهو واجب شرعي فليأتوا منه ما استطاعوا، فما لا يدرك كله لا يترك جله، فمن عجز عن قتال اليهود داخل فلسطين فليقاتلهم خارجها وليقاتل معهم حلفاء اليهود وأولياءهم”.
وبرغم هذا الحديث، إلا أنه في الحقيقة محض كذب من التنظيم، الذي عبر عن ذاته في هذا الشأن أكثر من مرة، وكان استغلال الموقف هو المشهد الغالب دائمًا، لتصدير أنه حامي الإسلام، متهما غيره، -وعلى رأسها حماس وفتح- بالتخاذل، ومع ذلك لم نسمع يومًا أن اشتبكت عناصره المتواجدة في العديد من البلدان، مع يهودي، أو داعم للصهيونية، لكنها مجرد كلمات يتاجرون بها، خاصة في أوقات الأزمات التي تعصف بهم، فيتخذون من القضية الفلسطينية وسيلة تعيدهم إلى المشهد مرة أخرى.
قضية هتافات وتطبيل
لم يكتف داعش بافتتاحية النبأ، وإنما خرج المتحدث الرسمي السابق باسمه، أبو حمزة القرشي، في كلمة صوتية بعنوان “وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين“، في 23 يونيو/حزيران 2021، متهجمًا على العرب وتركيا، مؤكدًا أن قضية فلسطين “لم تعد إلا قضية هتافات وتصفيق وتطبيل”، موجهًا رسالته إلى أهل الدولة الباسلة: “يا أهل فلسطين اعلموا أن الحق لا يستمد بالسلم والانبطاح بل بالجهاد وبذل الدماء ونسف الجراح”.
ويرجع “القرشي” سبب تخاذل داعش إلى ما أسماه “فصائل صحوات العار”، معتبرًا أنهم وراء تأخر التنظيم في دعم القضية الفلسطينية، قائلاً: “وحق عليكم يا أهل فلسطين وجميع أهل الشام أن تلعنوا فصائل صحوات العار؛ فلقد أخروا زحف أجناد الخلافة عن نصرتكم وقتال اليهود، بعد أن باتوا حجر عثرة في طريقنا”.
ما تناولناه آنفا ليس جديدًا على التنظيم، وإنما دأب على ذلك منذ البداية، فهذا مؤسسه وزعيمه الأسبق أبو بكر البغدادي، يخرج في إصدار صوتي حمل عنوان “فتربصوا إنا معكم متربصون“، في 25 ديسمبر/كانون الأول عام 2015، متحدثًا عن القضية الفلسطينية، قائلاً ما اعتبر حينها تهديدًا لإسرائيل: “ما نسينا فلسطين لحظة، وبإذن الله لن ننساها، وقريبًا قريبًا بإذن الله تسمعون دبيب المجاهدين، وتحاصركم طلائعهم في يوم ترونه بعيدًا ونراه قريبًا، وها نحن نقترب منكم يومًا بعد يوم، وسيكون حسابكم عسيرًا”، مؤكدًا: “لن تكون فلسطين إلا مقبرة لكم يا يهود”.
وفي هذه الأثناء، عقب الباحث إبراهيم فريحات، في دراسة له تحت عنوان “فلسطين: لا تزال مفتاح الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط“، نشرت في موقع BROOKINGS، بتاريخ 28 يناير/كانون الثاني عام 2016، بقوله: “يبدو أنّ البغدادي، المتطرّف الأكثر شهرة في العالم (آنذاك)، قد أدرك قيمة استخدام فلسطين للتقرب من قلوب شعوب المنطقة وعقولها”.
وبرغم هذه الكلمات العاتية، إلا أننا لم نر شيئًا من ذلك، والآن مر أكثر من خمس سنوات عليها، ولم يتغير الموقف، بل زاد التأكيد على أن القضية بالنسبة للتنظيم “متاجرة” فقط، وقتل أبو بكر البغدادي، في غارة أمريكية، 27 أكتوبر/تشرين الأول عام 2019، وبقيت إسرائيل قائمة.
"فلسطين".. حيلة داعش بعد مقتل البغدادي
عقب مقتل “البغدادي” مني عناصر التنظيم بهزيمة نفسية كبيرة، خاصة أنه خلال هذه الأيام تراجعت حدة هجماته في العديد من البلدان التي له تواجد بها، وكان في معرض البحث عن معقل جديد له بعد هزيمته في العراق وسوريا، أواخر عام 2017، فماذا يفعل داعش؟ الإجابة دائما القدس.
انتظر التنظيم حتى قررت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الإعلان عما عرف بـ”خطة السلام”، أو “صفقة القرن”، التي تنص على الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وقبل ذلك بيومين، وتحديدًا في 26 يناير/كانون الثاني 2020، أصدر تنظيم داعش تسجيلاً صوتيًا، عبر مؤسسة “الفرقان”، على لسان أبي حمزة القرشي، المتحدث الرسمي السابق باسمه، حمل عنوان “دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها“، أعلن فيه أن زعيمه الجديد أبو إبراهيم الهاشمي (قبل مقتله في فبراير/شباط 2022)، عزم على نفسه وإخوانه المجاهدين في سائر الولايات والمسلمين في البلدان كافة على مرحلة جديدة؛ ألا وهي: “قتال اليهود واسترداد ما سلبوه المسلمين، والذي لا يرد إلا بكتاب يهدي وسيف ينصر، وفتح بيت المقدس”.
ودعا “القرشي” في كلمته من أسماهم “جنود الخلافة” إلى ضرب إسرائيل، خصوصًا المستوطنات، وإفشال خطة السلام الأمريكية، وخص بالذكر “ولايتي سيناء والشام”؛ إذ حرضهما على قصف تل أبيب، وجعلها “مسرحًا لتجارب أسلحتهم الكيماوية”، متهما الفصائل الفلسطينية مثل حماس وفتح بالردة والعمالة، بسبب ما أسماه “التقاعس عن الجهاد ضد إسرائيل”.
وهكذا استغل التنظيم إعلان ترامب في استعادة الزخم، والعودة للمشهد، فكانت كلمة “القرشي” بمثابة إيقاظ روح القتال في نفوس محاربي داعش، الذين أصابهم اليأس والضعف والانقسامات، مع الهزائم والضربات المتكررة التي تعرض لها التنظيم، ومقتل القائد أبو بكر البغدادي، بالإضافة إلى طمأنة العناصر بشأن الزعيم الجديد آنذاك أبو إبراهيم الهاشمي، الذي كثر الحديث حول شخصيته الحقيقية، وأنه ربما يكون اسمًا فقط؛ خاصة أنه لم يظهر بصورته أو صوته حتى مقتله.
واعتبر بعض المحللين حينها، أن إعلان تنظيم داعش بدأ مرحلة جديدة بمباشرة القتال لتحرير فلسطين، واستهداف إسرائيل، تحولاً كبيرًا في تكتيكات واستراتيجيات التنظيم، التي أسست على أولوية قتال “العدو القريب”، بهدف السيطرة المكانية، وتأسيس ما يسمى بدولة “الخلافة”، كخطوة تأسيسية قبل الدخول في مواجهة “العدو البعيد” المحتل لفلسطين، إلا أن هذا لم يحدث بالطبع، بل كان الغرض منه تحقيق مصالح أخرى، لا علاقة لها القدس.
داعش يستحضر كلمات "الزرقاوي"
وفي كلمته استحضر “القرشي” عبارة الأردني أحمد فاضل نزال الخلايلة (أبو مصعب الزرقاوي)، زعيم تنظيم القاعدة في العراق، التي قالها عقب الاحتلال الأميركي لبغداد، عام 2003، في خطابه المرئي الأول “هذا بلاغ للناس”: “نقاتل في العراق وعيوننا على بيت المقدس”. مشيرًا إلى أن المنهج ثابت لدى تلك الجماعات، وهو تصدير القدس لتحقيق المآرب؛ إذ قال: “فكانت مرحلة الشيخ الزرقاوي، إحياء لفريضة الجهاد، وبيان المنهج القويم وتربية المجاهدين عليه، والسعي لإقامة الدولة الإسلامية وصولاً إلى فتح بيت المقدس”.
كلمات “الزرقاوي” توضح آلية تعامل تنظيم القاعدة مع القضية الفلسطينية، والذي لم يختلف كثيرًا عن الآخر داعش، فالغرض واحد يتمثل في “المتاجرة”؛ ففي 21 مارس/آذار عام 2008، دعا أسامة بن لادن، زعيم التنظيم الأسبق، الفلسطينيين في تسجيل له، إلى استخدام ما أسماه “الحديد والنار”، لإنهاء الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة، وكذلك مواصلة النضال ضد قوات الاحتلال الأمريكي في العراق، باعتباره سبيلاً لـ”تحرير فلسطين”.
ونرى أن عامل الوقت كان عنصرًا أساسيًا بالنسبة لتنظيم القاعدة أيضًا؛ إذ إن هذا التسجيل الصوتي، جاء تزامنًا مع الذكرى السنوية الخامسة للغزو الأمريكي للعراق، وقال “بن لادن” حينها: “حديثي هذا إليكم عن حصار غزة وكيف السبيل الى تخليصها وسائر فلسطين من العدو الصهيوني.. إن فلسطين وأهلها يعانون الأمرين منذ قرنين تقريبًا على أيدي النصارى واليهود، وكلا الخصمين لم يأخذوها منا بالمفاوضات والحوار؛ وإنما بالحديد والنار، وهو السبيل إلى استرجاعها، ومن الذي يحول بيننا وبين الجهاد في سبيل الله”.
آخر ظهور لـ”بن لادن”: أمريكا لن تحلم بالأمن قبل أن نعيشه في فلسطين وظل أسامة بن لادن متمسكًا بتصدير القضية الفلسطينية، حتى قبل مقتله بأيام، في 2 مايو/أيار عام 2011؛ إذ أقسم في تسجيل له عبارة عن رسالة إلى الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، مدته دقيقة واحدة، بأن “أمريكا لن تحلم بالأمن قبل أن نعيشه واقعًا في فلسطين”، معتبرا أنه “ليس من الإنصاف أن تهنؤوا بالعيش وإخواننا في غزة في أنكد عيش، وعليه فبإذن الله غاراتنا عليكم ستتواصل ما دام دعمكم للإسرائيليين متواصلاً”.
ورحل زعيم القاعدة الأسبق، قبل أن يبرّ بقسمه، وبعد مرور ما يقرب من خمس سنوات، وتحديدا في 16 مايو/آيار عام 2016، نشرت الأذرع الإعلامية للتنظيم تسجيلاً صوتيًا لنجله حمزة، لم يختلف فيه عن نهج والده؛ إذ حمل عنوان “ما القدس إلا عروس مهرها دمنا”، كان في الأساس للحديث عن نبذ الفرقة بين الفصائل في سوريا، معتبرًا أنها بوابة القتال من أجل “تحرير القدس”.
وكأن صحيفة النبأ الداعشية استحضرت كلماتها المذكورة آنفا، من عبارات حمزة بن لادن، الذي قال في كلمته: “على الأمة المسلمة المشاركة من الخارج في الانتفاضة الفلسطينية بقتل اليهود وضرب مصالحهم في كل مكان”، مضيفًا: “لا بد أن نذيقهم مما ذاقه أهلنا في فلسطين وغزة؛ فعلى كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يشارك بالدفاع عن المسجد الأقصى بنفسه في الجهاد بسبيل الله”.
وبعدها بعامين فقط، وتحديدًا في مايو/أيار عام 2018، دعا أيمن الظواهري، خليفة أسامة بن لادن، إلى الجهاد من أجل تحرير فلسطين، قبيل الاحتفال بنقل السفارة الأمريكية للقدس، في تسجيل صوتي نشرته مؤسسة “السحاب”، التابعة لتنظيم القاعدة، مؤكدًا أنه لا يوجه حديثه إلى “باعة فلسطين ولا الدول التي تدعي أنها حامية العقيدة أو المدافعة عن المسلمين، حينما هم عملاء أعداء المسلمين”، موضحا: “لكني أخاطب كل مسلم حر شريف، يجب أن نخوض معركة الوعي قبل معركة السلاح، ويجب أن نتحرر من الأوهام، ويجب ألا يختلط علينا العدو من الصديق، ويجب أن ندرك مخططات الأعداء ولا نتراجع أمامها”.
وتابع "الظواهري" بالقول: "ما نحتاجه اليوم لتحرير فلسطين وسائر ديار المسلمين هو أن نكفر بذلك النظام الطاغوتي الدولي المجرم، وأن نتحد حول كلمة التوحيد، وأن نخوض معركة الدعوة والجهاد كأمة واحدة على جبهات متعددة، لا كجماعات متفرقة متراجعة أمام إملاءات أكابر المجرمين".
داعش والقاعدة.. العقلية واحدة
يلاحظ مما ذكر أن التنظيمين “القاعدة وداعش”، اتخذا من القضية الفلسطينية، مطية لتحقيق أهدافهما، ودعوة لإثارة عزائم أتباعهما للجهاد، مصدرين أن هذا هو الطريق المستقيم لتحرير الأقصى من أيدي اليهود.
وفي دراسة لها، تحت عنوان “فلسطين في بروباجاندا داعش الإعلامية“، نشرت في 30 مارس/آذار عام 2016، خلصت الباحثة الفلسطينية الهولندية سمر بطاوي، إلى أن تمثيل الفلسطينيين ليس كبيرًا في تنظيم القاعدة، سواء في صفوف مجنديه، أو على مستوى منظريه السياسيين.
كما أنه لطالما أشار تنظيم القاعدة في المستوى الأيديولوجي إلى فلسطين في حملاته الإعلامية، حتى إنه أدرج فلسطين كمسوغٍ ثالث لإعلان الجهاد ضد أمريكا في بيانه الصادر سنة 1998، مؤكدة أن التركيز على فلسطين هو ديني في المقام الأول.
واعتبرت الباحثة أن “داعش” يندرج تركيزه الخطابي على غزة في انتقاد الممارسات الإسرائيلية، بما فيها الحصار والعدوان المتكرر على قطاع غزة، وحماس كذلك، أمّا مصير الفلسطينيين في فلا يناقشه لأجل ذاته؛ إنما كوسيلةٍ دائمًا لانتقاد إسرائيل، وبوتيرة أكبر، لنزع شرعية “حماس”، على حد قولها.
وبحسب سمر بطاوي، فإن موقف داعش تخطى الحديث عن القضية الفلسطينية وأهميتها بالنسبة له، بل توجه لانتقاد الحركات الداخلية، ورأى أن كل من يضعها في إطار كونها قضية وطنية أو قومية يخرجها من إطارها الرئيسي، ويضع من يرى ذلك في موضع العدو، وهذا القول يدعمه تأكيد صحيفة النبأ الداعشية: "لن يفتحها الوطنيون ولا القوميون".
واستنتجت الباحثة أن تنظيم داعش لم يختلف عن “القاعدة” في اهتمامه بالقضية الفلسطينية؛ فقد كانت حاضرة، وغالبًا ما كانت تحت مسميات “بيت المقدس، أرض المسرى”.
خطاب ترامب وردود الأفعال
جانب آخر من بروباجاندا الجماعتين الإرهابيتين، ظهر بعد خطاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي قرر فيه نقل سفارة بلاده إلى القدس؛ إذ افتتح تنظيم داعش العدد 109، من صحيفة النبأ التابعة له، في اليوم التالي مباشرة لهذا الإعلان، 7 ديسمبر/كانون الثاني، بمقال حمل عنوان “بيت المقدس.. إن أولياؤه إلا المتقون“، مؤكدًا أن الحديث عن القدس أمر لا يتخطى الشعارات من كل الداعين له، واضعًا نفسه كالعادة في موضع المدافع، الذي يجاهد في كل البلدان، من أجل الوصول إلى القدس.
وحاول التنظيم من خلال مقالته التأكيد على أن ما ينفذه هو الجهاد، وأن الدول العربية والإسلامية إنما تحاول ثني التنظيم عن جهاده.
وبعدها بثلاث سنوات، كان الموقف مماثلاً بالنسبة للقاعدة؛ إذ خرج فرع التنظيم في جزيرة العرب، ببيان في 6 ديسمبر/كانون الأول عام 2020، حمل عنوان “بيان حول ما تناقلته وسائل الإعلام من إنشاء قاعدة عسكرية إسرائيلية في جزيرة سقطرى”، دعا فيه المسلمين في الأرجاء كافة إلى التحرك صوب القدس.
ويتضح من عنوان البيان أن الغرض من إصداره ليس الموقف الفلسطيني؛ إنما التحدث عن إنشاء قاعدة إسرائيلية في سقطرى، لكنه جاء كالعادة المتعارف عليها استغلالاً للوضع القائم، في تحقيق مصالح أخرى.
ولم تمر سوى خمسة أيام على تعليق داعش الأخير، حتى أصدر مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية، بيانًا، أكد فيه أن التنظيم الإرهابي لم يفوت الفرصة في استغلال قضية القدس والقرار الأمريكي الخاص بالاعتراف بالمدينة كعاصمة لإسرائيل، معتبرًا أن ذلك غرضه تحقيق مكاسب لدى الرأي العام الإسلامي، والعودة إلى صدارة المشهد، على خلفية الدفاع عن المقدسات الإسلامية، وكسب المزيد من عقول وقلوب المسلمين حول العالم.
واعتبر المرصد آنذاك، أن قرار ترامب يمنح التنظيمات والجماعات المتطرفة ادعاءً قويًّا يستغلونه في كسب فئة جديدة من الشباب من المتحمسين، والمدافعين عن القدس والأقصى.