عقد “مواطن كافيه” ندوة نقاشية بعنوان: “هل يحتاج العرب علمانية «عربية» لحماية الدين والدولة؟” بمشاركة الباحثة في الفلسفة السياسية إيمان شمس الدين من الكويت، والباحث في الفكر الديني وفلسفة القانون بسام علي الكلباني من عمان، عبر منصة مساحة تويتر الصوتية في شهر يوليو/تموز 2022.
وتم النقاش حول تجربة الأنظمة العربية السائدة – هل هي تجارب تقدمية ناجحة؟ أم هي بحاجة إلى مراجعات؟ وهل التجارب المُتماسة مع حلول الشريعة الإسلامية كمصدر للقوانين والتشريع مبدأ صحيّ يمكن استدعاؤه مقارنة بمعطيات العلمانية والتنوير في عالمنا العربي.
ذكر بسام عليّ الكلباني، الباحث العُماني في الفكر الديني وفلسفة القانون، أولًا: إن هناك إشكاليتين رئيسيتين حول مفهوم العلمانية في العالم العربي؛ أولها التجربة العلمانية في شمال إفريقيا، ثانيها: الخصائص المختلفة للمنطقة العربية حينما نتحدث عن أي تجربة علمانية أو حتى اشتراكية أو ليبرالية أو رأسمالية. وأكد بسام عليّ أن كافة الأفكار والمقاربات التي نقلها العرب حول تطبيق مفهوم الدولة العلمانية، كانت عبارة عن نقلٍ سطحيّ دون محاولة تأصيل الأفكار أو ربطها بمنابعها المختلفة؛ مناط التطبيق والتجربة، وذكر أن أقرب التجارب العربية إلى العلمانية -أي التجربة التونسية-، لم تؤت ثمارها.
وعلى جانب آخر رأت الباحثة الكويتية في الفلسفة السياسية إيمان شمس الدين، أن ما قام به المثقفون والمنظرون العرب تجاه العلمانية هو ما يُطلق عليه “الازدواج الوجداني”؛ فنجد -على سبيل المثال- وسط النخبة العربية الليبرالي المتعصب، والليبرالي المذهبيّ، ففي لحظات ترى علمانيي العرب يتحدثون عن الممارسات الدينية وهم مذهبيون في الأساس.
كما أكدت على ضرورة الاعتراف أن المواطن العربي مسكون بالحالة الدينية، ودعت إلى تشخيص الحالة وتشريح واقعنا العربي ضمن سياقاته التاريخية، مع بروز سياقات معرفية واجتماعية ومفاهيمية أدت بالتالي إلى التشدد، والمدافعون عن الهوية بضراوة معارضون التجديد، مما أدى إلى حالة من التعصب والانكفاء على الذات.
ونوهت شمس الدين إلى أن العلمانية في الغرب لم تحقق ما ارتآه التنويريون من اختفاء الدين من حياة المجتمعات البشرية، وقالت: “هذا واقع نحن أمامه في الغرب، فما بالنا بالواقع العربيّ الذي يجب أن نواجهه، ومن هُنا يجب أولًا دراسة وبحث مقدار تدخل الدين في المجتمعات العربية وفي الحالة السياسية، وبعد عملية البحث هذه، يمكن صياغة رؤية خاصة عربية، يمكن بعدها الاستفادة من المنجزات الغربية في حقل العلمانية”.
بينما رأى الباحث بسام علي أن العلمانية ليست خيارًا، بل باتت ضرورة وحتمية للبقاء في ركب الحضارة. وانتقد ما وصفه بـ “قيام العرب بالإسهام بصورة كبيرة في الإرهاب العالمي” وتخلي العرب عن تاريخ من التجديد النافح. فما بصدد الحديث عنه الآن – على حد قول بسام علي- هو فصل تام بين الدولة وكافة شؤونها وبين كافة الأمور اللاهوتية والدينية.
وتساءلت الباحثة الكويتية إيمان شمس الدين في الختام: هل تريد الأنظمة العربية تبني النظام التنويري والعلماني؟ أم يبتغون الاحتفاظ بسلطة الدين؛ رغبة في تجهيل وتغييب الشعوب، وإبقائهم تحت إمرة الحُكام؟ فعلى حد قولها: “الدول التي تصبو إلى العلمانية لابد وأن تكون أنظمتها محايدة تجاه الشعب، إلا أن حُكام اليوم لا يرون صالحهم في ذلك، فأنظمة اليوم هي أنظمة قمعية ودساتيرها على الورق وحكامها سلطويون”.
واختتم الباحث العُماني بسام علي حديثه، مشيرًا إلى أنه يجب ألا يتم ربط الرهانات التنظيمية والمؤسسية دائمًا بالضمائر والنصوص المقدسة؛ لما يراه أنها أسهمت في تفشي الفساد، وكذلك أسهمت الخطابات الدينية – على حد قوله – في إنجاب أجيال دموية لا تعرف قيمة التسامح.