في الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، تمر الذكرى الثانية لتوقيع الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين الاتفاقيات الإبراهيمية، أو “اتفاقيات السلام” مع إسرائيل برعاية الولايات المتحدة الأمريكية، والتي جاءت بعد عدة خطوات انفتاحية على البلد الذي ظل عدو الأمة العربية والإسلامية لعقود؛ وهو دولة إسرائيل.
ظلت دول الخليج تعتبر إسرائيل منذ تأسيسها عدوا لها، وتدعم القضية الفلسطينية بطرق مختلفة سياسية، دبلوماسية، اقتصادية، إنسانية وغيرها، إلا أن ذلك بدأ في التغير في السنوات الأخيرة؛ عندما بدأت وفود رياضية واقتصادية أو حتى أكاديمية أو سياسية، تزور بعض البلدان، وليس انتهاءً باستقبال السلطان السابق لسلطنة عمان قابوس بن سعيد لرئيس الوزراء الإسرائيلي في مسقط.
إلا أن توقيع الاتفاقيات الإبراهيمية أخذ العلاقة مع إسرائيل إلى منحى جديد، وفرض واقعًا تطبيعيًا على شعوبها، يتضمن توقيع اتفاقيات اقتصادية واستثمارية، بالإضافة لتبادل السفراء واستقبال الوفود وغيرها من الخطوات التطبيعية التي لا زال جلّ الشعوب الخليجية ترفضها.
فما توجهات دول الخليج في هذه المسألة؟ هل سيتغلغل الكيان الصهيوني في البلدين الموقعين على اتفاقيات التطبيع؟ هل ستتبع دول أخرى توقيع هذه اتفاقيات بضغوط أمريكية أو حتى خليجية؟
مستقبل التطبيع
تجيب الناشطة في مجال مناهضة التطبيع في الكويت، هانيا العريقي: “بالنسبة للكويت؛ هناك مجموعة من الأسباب تجعل عملية التطبيع مع العدو الصهيوني بعيدة المنال، منها المزاج الشعبي الكويتي المعادي للتطبيع بكافة أشكاله، وذلك لأسباب كثيرة؛ منها الجانب الديني والقومي بتمثلاته التاريخية المختلفة، عبر حركة القوميين العرب والتيار الوطني، ناهيك عن الدور التاريخي للبعثات الفلسطينية من المدرسين الفلسطينيين إلى الكويت منذ العام 1936، والتي ساهمت في تشكيل وعي أجيال كويتية كاملة، ووضع مناهج تعليمية تسلط الضوء على القضية الفلسطينية“.
وتواصل خلال حديثها لـ”مواطن“: “صحيح أن غزو النظام العراقي للكويت وموقف السلطة الفلسطينية منها خلق جرحا عميقًا في وجدان الشعب الكويتي، ولكنه سرعان ما تجاوز الكويتيون/ات ذلك أمام محنة شبيهه لاحتلال غاشم لفلسطين وإيمان راسخ بعدالة القضية.”
وترى العريقي أن “موقع الكويت كدولة صغيرة محاطة بدول تفوقها حجمًا ووزنًا استراتيجيًا، تجعلها تفكر في امتدادها الحيوي للعالم العربي، والتي تشكل القضية الفلسطينية ركيزتها الأساسية على الصعيد الشعبي، واضعة في اعتبارها سياسة التوازن الاستراتيجي لمحيطها السياسي، كما أن الكويت قائمة منذ تشكلها الحديث في بداية الستينات على دستور ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وقد تأسس على ذلك مجموعة من التشريعات تتعلق بالقضية الفلسطينية، والتي تجرم العلاقة بدولة الاحتلال الصهيوني لتشكل ركيزة صلبة في السياسة الخارجية، وتعكس في نفس الوقت المزاج الشعبي العام”.
وتشير العريقي إلى أنه منذ تشكل الدولة الحديثة في الكويت “كان الموقف الرسمي والشعبي واضحًا من الكيان الصهيوني؛ فقد تأسس في العام 1957 مكتب مقاطعة اسرائيل، وأصدر أمير الكويت في العام 1964 مرسومًا بقانون يحظر التعامل مع إسرائيل، وفي العام 1971 صدر قانون تشريعي رقم 31 الذي يعتبر إسرائيل دولة معادية، وقد تصل عقوبة التعامل معها السجن المؤبد”.
وكان أمير الكويت السابق جابر الأحمد الصباح قد صرح بأن الكويت ستكون "آخر دولة تطبع مع إسرائيل"، كما أن الكويت سباقة في إدانة ممارسات إسرائيل ضد الفلسطينيين في المحافل الدولية.
فيما قالت هيا الشهواني، وهي عضوة في شباب قطر ضد التطبيع لـ”مواطن“: “لا نعلم ما السبب وراء عدم إقامة علاقات دبلوماسية ومعلنة مع الكيان الصهيوني، لكن يبدو من خلال متابعتنا لتصريحات المسؤولين القطريين أن الموقف الرسمي هو التمسك بما يسمى المبادرة العربية، لكن لا يمكننا معرفة الأسباب الحقيقية وما يجري خلف كواليس المشهد السياسي، ولا يمكننا معرفة ما إذا كان ذلك سيحصل مستقبلًا أم لا؛ خصوصًا وأن قطر طبعت في أكثر من مناسبة مع أفراد وجهات ممثلة للكيان الصهيوني خلال اجتماعات وفعاليات مختلفة”.
وعن البحرين التي وقعت اتفاقية سلام مع إسرائيل ودشنت علاقات دبلوماسية معها، قال غسان جاسم سرحان، عضو الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني خلال حديثه لـ”مواطن“: “ما تغير بشكل رئيسي هو تحول العلاقات التي كانت في السر، وأصبحت في العلن، والمسألة الأخرى الأهم هي أن الحكومة البحرينية تدفع بالتطبيع قسرًا على المواطن البحريني ومحاولة تصوير التطبيع كحالة اجتماعية شعبية، وليس كحالة نظام رسمي شبيه بحالة التطبيع في مصر والأردن”.
ويوضح سرحان: “على امتداد العامين الماضيين وُقعت العديد من اتفاقيات التعاون ومذكرات التفاهم بين معظم الأجهزة الحكومية وبين أجهزة في الكيان الصهيوني، بالإضافة إلى التحول الخطير في التعاون الأمني والعسكري مع المخابرات الإسرائيلية والتنسيق مع جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، والذي يعني تصدير أمن البلد لعدو الأمة الرئيسي” حسب تعبيره.
هل تنضم بقية الدول للتطبيع؟
تحت الضغوطات الأمريكية والرغبة في مكاسب اقتصادية ورضى غربي يتغاضى عن أي انتهاكات تقع على أرض هذين البلدين، سعت الإمارات والبحرين لتوقيع الاتفاقيات الإبراهيمية، فهل تنفع الضغوطات ذاتها مع بقية الدول؟
تقول العريقي: “يصعب ذلك في ظل وجود دستور يجرم العلاقة مع العدو الصهيوني، وفي ظل أجواء من الحرية النسبية التي تتمتع بها دولة الكويت بنظامها الديمقراطي، لذلك تتطلب عملية التطبيع إلغاء وتعليق الحياة الدستورية ودخول في مواجهة مع الشعب الكويتي، ويتطلب ذلك أيضًا تخلي “الدولة” لخيارات البقاء في وسط جغرافي مشحون؛ مما يهدد وجودها! ولذا لا يمكن تصور ذلك، على الأقل في المستقبل المنظور” كما قالت.
فيما ترى الشهواني أن: “كل شيء ممكن؛ فالضغوطات الأمريكية حسب معرفتنا موجودة دائمًا، وما اختلف هو استجابة الدول العربية لها، ويدور اليوم الحديث حول تراجع الهيمنة الأمريكية، وبهوت الحضور الأمريكي في المنطقة، فما ننتظره من قطر وباقي الدول العربية إقصاء لهذا الكيان وقطع العلاقات معه أي كان نوعها، وليس مزيد من التطبيع”.
التكاتف الخليجي
قال عضو الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني إن الجمعية اليوم توفر قراءة للواقع بموجب ميزان القوى الموجود حاليًا، “من الصعب تغيير موقف النظام الرسمي، الهدف الأساسي أو الإمكانية الواقعية في هذه المرحلة هي حماية الجبهة الداخلية البحرينية من الاختراق الصهيوني، بمعنى أنه لا يتم قبول الترويج لمسألة التطبيع والعلاقات مع الكيان الصهيوني كوجهة نظر، وترسيخ مفهوم أن التواصل أو التعاون أو التعامل هي خيانة وليست وجهة نظر”.
وعن مساندة الحراكات المناهضة للتطبيع في الخليج لبعضها البعض قال العريقي: “لعل الوسيلة المتاحة والأكثر نجاعة اليوم هي في توطيد العلاقة بين منظمات المجتمع المدني في دول الخليج التي تعمل على مقاومة التطبيع، والتنسيق معها حول وضع آليات العمل المناسبة في كل دولة وفق خصوصيتها، ووضع استراتيجيات واضحة لتفكيك خطاب التطبيع وفضحه وتبيان مخاطره على الوحدة الخليجية وروح التضامن في العالم العربي، والعمل على تحصين المواطنين أمام حملات التشويه والتسويق للتطبيع عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الرسمي”.
وتضيف خلال حديثها لـ”مواطن“: “ومن جانب آخر، وكما حدث في أكثر من مناسبة، نقوم بالتنسيق مع هيئات المجتمع المدني، بتسليط الضوء على بعض الفعاليات التي يتم فيها جلب شخصيات صهيونية تحت غطاء أكاديمي أو غيره من الأنشطة التي تسوق للتطبيع، الى جانب الضغط على الجهات الداعية والمدعوين لإلغاء الفعالية أو عدم المشاركة”.
ومن قطر تقول الشهواني: “يكون التعاون من خلال مظلة ائتلاف الخليج ضد التطبيع، من خلال البيانات المشتركة وتبادل الفائدة مع المجاميع الأخرى في الأقطار الخليجية، عن كيفية تنظيم العمل على الحملات ورصد أي عملية تطبيع”.
وكانت البحرين قد وقعت عددًا من الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية والصحية، وغيرها مع جهات حكومية وأهلية في إسرائيل، مدشنة عصر التطبيع الذي صمد طويلاً دون أن ينفك، ويوضح سرحان: “الاتفاقات هي جزء من محاولة الحكومة البحرينية فرض التطبيع قسرًا على الشعب؛ بمعنى أن هناك مجموعة من الخدمات الهامة التي لا يوجد لها بديل، والمواطن غير قادر على مقاطعتها، فالحكومة تفرض على المواطن كسر الحاجز النفسي، لاضطراره التعامل مع هذه الخدمات والوفود من الكيان، أو وجودهم لتقديم الخدمات”.
وأكد سرحان أن العمل اليوم يتم على “ألا يُكسر الحاجز النفسي وتَقبُل التواصل مع الكيان الصهيوني، بل العمل على إيجاد بدائل إن أمكن، وهي مهمة جدًا كبيرة، لا يمكن تحقيقها اليوم، ليس بالإمكانيات المحدودة الموجودة عند مؤسسات المجتمع المدني، ولكن المحاولات قائمة”.
مستقبل العلاقات مع إسرائيل
يقول غسان سرحان: بالنسبة لمستقبل العلاقات العربية الصهيونية، الواقع والمستقبل ينبئان بأن هناك مجالاً لاحتدام الصراع أكثر بيننا كعرب، وبين الثكنة العسكرية الدائمة لقوى الاحتلال في العالم العربي، هذا الصراع له ظروف موضوعية وله ظروف خارجية، هذه الظروف تفرض تراجعات، وفي بعض الأحيان تتقدم إلى الأمام، ولكن هذا جزء من نضال مستمر وليس نضالًا مرحليًا أو آنيًا سريعًا”.
ويضيف: “مستقبل العلاقات واضح، طالما أن هناك شعبًا عربيًا من الخليج للمحيط ما زال مصرًا على المبادئ الرئيسية الأساسية، يهدف لمصلحته القومية، ومنها خلق الخيار العربي الثالث، بعيدًا عن صراعات المشاريع الإقليمية المتناحرة في المنطقة العربية ما بين القوى، فالآن في ظل القراءة الكونية الجديدة، هناك أمل لصعود أقطاب جديدة تنهي وحدانية القطب التي استمرت لفترة من الزمن، لذلك أعتقد أن الساحة العربية قادرة خلال المرحلة القادمة على إنشاء خيار عربي ثالث ينشد مصلحة الأمة العربية، ويكون قادرًا على إنهاء الاحتلال الصهيوني لكامل التراب الفلسطيني والتراب العربي، وتحرير القرار العربي، بدلاً من الاستقلالات الشكلية التي حازتها الدول العربية في حدودها الدنيا في السنوات الماضية”.
فيما يتعلق بالكويت؛ لا ترى العريقي أن تطبيع الكويت مع إسرائيل “فرضية غير واقعية، في المنظور القريب” حسب تعبيرها، وتوضح: “يستدعي ذلك تعليق الحياة الديمقراطية في الكويت وتجميد القوانين والتشريعات التي تجرم التطبيع، وفي أسوأ السيناريوهات -إن حصل ذلك-، فسوف تكون الأولوية شعبيًا لعودة الحياة الديمقراطية، والتي من خلالها يستطيع الشعب الكويتي أن يعبر عن مطالبه وطموحاته”.
أما في قطر، فقالت هيا الشهواني: “لا يمكن معرفة ماذا إذا كان هذا سيحدث، لكننا نرجو فقط الا يحصل، فلا نريد صهاينة يتجولون في شوارعنا، كما أننا سنبقى دائمًا معولين على الوعي الشعبي بعدم التعامل معهم بأي شكل مهما كان الموقف الرسمي”.
سمحت المملكة العربية السعودية مؤخرًا لجميع الناقلات الجوّية الإسرائيلية باستخدام أجوائها، كما ستسمح قطر للمواطنين الإسرائيليين بحضور مباريات كأس العالم لكرة القدم في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل على أرضها، رغم عدم وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين، وغيرها من الخطوات التي تنبئ بأن البلدان الخليجية باتت تتعامل مع إسرائيل على أنها جزء من المنطقة، سواءً عبر ضغوطات غربية، أو لمصالح مشتركة لا تدخل إرادات الشعوب فيها ضمن حساباتها.
هناك تطبيع للعلاقات مع المستعمرين الصهاينة تتفاوت قوته بين الحكومات الخليجية، لكن هناك تطبيعا آخر وهو تطبيع الوجود الاستعماري الصهيوني، الذي شاركت فيه كل الحكومات الخليجية والعربية ومعظم الحكومات الإسلامية، وانضمت بذلك التطبيع إلى اليسار الصهيوني حين وافقت على المبادرة العربية التي تتعامل مع الكيان الصهيوني الاستعماري المختلق في المنطقة العربية كما تتعامل مع دولة طبيعية احتلت أجزاء من دول تجاورها عام 1967، فتطلب منها الانسحاب من تلك المناطق المحتلة فقط مقابل تطبيع العلاقات معها.