تتعدد أشكال العنف الأسري ضد المرأة السعودية بين الضرب، أو إجبارها على الزواج والملبس وغيره، أو الحرمان من الممارسات وتقييد حريتها، وبحسب دراسة بحثية؛ فإن هناك امرأة من بين كل عشر نساء تتعرض للعنف الأسري من قبل الزوج أو الأب، ويؤكد مركز معلومات الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان بالرياض، أن 37% من الرجال بالمملكة يقمعون زوجاتهم.
في نوفمبر 2020، أقرت النيابة العامة السعودية عقوبات تطبق على المعتدين ضد النساء كمحاولة للحد من جرائم العنف الأسري ضد المرأة السعودية، وتشمل العقوبة السجن من شهر وحتى سنة للمعتدين، وغرامة مالية تصل إلى 50 ألف ريال سعودي، لكن لماذا بعض النساء لا يذهبن لتقديم شكوى حالة تعرضهن للعنف؟
تقول وعد “مواطنة سعودية” 25 عامًا، في حديثها لمواطن: ” سبق وأن تعرضت للعنف، كان السبب رفضي الزواج من قريبي، لم أتّخذ أي إجراء، لأن الشرطة في السعودية لا تساعد النساء، ولي تجربة سيئة معهم”.
فعندما كان عمرها 14 عامًا، اتصلت بالشرطة لتقدم بلاغًا في أحد أقاربها الذي تحرش بها جنسيًا، واضطرت لإبلاغ الشرطة أن عمرها 16 عامًا، ليتم أخذ بلاغها بجدية أكبر، لكن مستقبل البلاغ أغلق الاتصال في وجهها ولم يستمع إلى شكواها، وتضيف: “اتصلت عدة مرات وهددني الشرطي بإبلاغ أهلي إن لم أتوقف عن الاتصال”.
في دراسة للدكتورة سلوى عبد الحميد الخطيب، بعنوان: “العنف الأسري ضد المرأة في مدينة الرياض” اعتبرت فيها أن تغاضي الدولة السعودية عن الجرائم التي ترتكب في حق النساء بدعوى أنها أمور أسرية خاصة، تعد من أشكال العنف التي تواجهها المرأة السعودية، وأكدت الدراسة بعد متابعة بعض الحالات من المترددات على مستشفى الرياض المركزي، والمركز الخيري للإرشاد الاجتماعي والاستشارات الأسرية، أن الحالات المعنفة التي ترد إلى المستشفيات تنتهي بكتابة الرجل إقرارًا على نفسه بعدم التعرض للمرأة مرة أخرى.
كما خصص مركز بلاغات للعنف الأسري، رقمًا للإبلاغ عن حالات العنف أو التبليغ عن التعرض للعنف الأسري عبر البريد الإلكتروني، ويستقبل المركز جميع البلاغات من مختلف الأعمار عدا دون الثامنة عشرة عامًا، بعد استلام البلاغ المقدم وتأكد الأخصائيات الاجتماعيات بالمركز من واقعة الإيذاء، تعرض البلاغات على مراكز الشرطة، أو وحدات الحماية من الإيذاء، وتوضع المعنفة في دار رعاية.
تعرضت للضرب بسبب عباءة ملونة
رفض أهل فاطمة “معنفة سعودية” ذهابها لتأدية اختبار بالجامعة بسبب ارتدائها عباءة ملونة، وكذلك رفضها في تغطية وجهها، ما دفع والديها لإغلاق باب المنزل وانهالوا عليها ضربًا، لم يقف الأمر عند هذا الحد؛ بل تعرضت للضرب من قبل والديها مرتين في أماكن عامة، إحداهما في مطعم والأخرى داخل مول تجاري، ما دفعها لإبلاغ الشرطة بهدف تخويف أهلها حتى لا يعنفوها مرة أخرى، وتضيف: “دقيت على الشرطة، الشرطي جلس يستهزئ ويلومني بعدين قال هذا مو اختصاصنا، اختصاص مركز العنف الأسري”.
كانت فاطمة تهرب إلى بيت جدتها لتحمي نفسها من والدها، الذي كان يضربها دائمًا على أقل الأسباب، حتى لو بسبب تأخرها عن أداء الصلاة.
أعراف المجتمع تضيع حقوق المعنفات السعوديات
تقول هيا الفريح، ناشطة سعودية، في حديثها لمواطن، إن لها صديقة تعرضت للعنف من قبل زوجها، ذهب والدها إلى النيابة العامة وقدم شكوى في زوجها، علم والد الزوج بالخبر، ما دفعه إلى جلب رجال العائلة وذهبوا إلى والدها، وقاموا بالضغط عليه عن طريق دفع مبلغ مالي له حتى يتنازل عن الشكوى. لذلك فإن المرأة السعودية تحتاج إلى بنود حماية واضحة وعقوبات رادعة للمعنفين، وألا يكون الحل الودي هو أول الحلول التي يتم اللجوء إليها، وتضيف: “الكثيرون يحلون الموضوع عرفيًا بدفع مبالغ، يعتذر، يشتري ذهبًا ويقبل بالشروط الموضوعة حتى لا يعاقب قانونيًا وتسجل في ملفه كسابقة”.
ترى هيا، أن الأعراف القبلية السبب في زيادة العنف ضد المرأة بالسعودية، وتستشهد بواقعة عنف تعرضت لها “عواطف الشمري” من سكان شمال المملكة التي ظهرت في فيديو تشتكي سرقة إخوتها نصيبها في الميراث، واستصدار أوراق من مستشفى الصحة النفسية بأنها غير كاملة الأهلية وتعاني من اضطرابات عقلية، ثم اختفت هذه المرأة ولم تظهر أي أخبار عنها.
تسود البلاد العربية كلها نظرة حول المرأة، أنها خلقت من أجل أعمال المنزل وتربية الأبناء وراحة الزوج، لا يحق أن يكون لها رأي يخالف رغبات الرجال الموجودين في حياتها، وحتى إن وضعت المملكة قوانين من شأنها المحافظة على حقوق النساء، فإن الثقافة داخل المجتمع السعودي لا تهتم بالدفاع عن قضايا المرأة، ربما هذا هو السبب وراء زيادة حالات العنف ضد النساء إضافة إلى تهاون المرأة نفسها في حقوقها.
تضيف هند الحربي، مصممة مواقع إلكترونية، إن المدن الكبيرة بالسعودية توجد بها حماية أكبر لحقوق النساء، ويتم تطبيق القوانين بشكل أكبر مقارنة بالقرى والمدن الصغيرة التي يتعاون فيها موظفو جهات الحماية مع أهالي النساء لاستمرار التعنيف.
لماذا تتراجع بعض النساء السعوديات في الإبلاغ عن تعرضهن للعنف؟
تحكي عنود الحربي عن جارتها التي اتصلت بالرقم المخصص لاستقبال بلاغات العنف ضد المرأة، حيث كانت تتعرض للتهديد وقتها، وكان رد الحماية بمتابعة الحالة عن بعد، “وتسألها هل هو يشرب أو يتعاطى؟” والفتاة كانت تتصل بوقت الحادثة، وتقول لمواطن، إن النساء اللواتي يتعرضن للعنف الأسري وتعرفهن، لا يحاولن الإبلاغ وهذا بسبب أن الشرطة تجعل المعنف يوقع على إقرار بعدم التعرض لها مرة أخرى.
يمارس الأب نوعًا من العنف الأسري عندما يرفع “دعوى عقوق” ضد ابنته، وهنا تأخذها الشرطة إلى دار رعاية، وإن اشتكت الفتاة من تعرضها للعنف على يد والدها فإنه يبلغ الشرطة بعدم ترحيبه بأخذها إلى البيت من جديد، ما يدفع الشرطة إلى إيداع الفتاة في دار للرعاية، وهذا ما يجعل بعض النساء اللواتي يتعرضن للعنف يصرفن النظر عن إبلاغ الشرطة. وتضيف عنود الحربي لمواطن : “كل المتعرضات للعنف في محيطي، كلهن -بلا أي استثناء- ما زالن يعيشن مع المعنف”.
قدم الفنان التشكيلي السعودي فهد بن ناصر الربيق، الكثير من الأعمال الفنية التي يظهر فيها الانكسار النفسي لدى المرأة التي تتعرض للعنف الأسري ويقول في حديثه لمواطن: ” إن ممارسة العنف ضد المرأة هو نقص ثقافة عند بعض الرجال وقلة الحيلة في مواجهة صعوبات الحياة”.
يضيف الربيق: "هل يعني ذلك أن الأب أو الأخ أو الزوج عندما يتعرض لظروف حياتية صعبة ويفشل في مواجهة هذه الصعاب، يعتدي على المرأة التي تعيش معه، المرأة التي أضعفها المجتمع وهضم حقوقها؟"
أسباب العنف الأسري ضد المرأة بالسعودية
بحسب دراسة بحثية بعنوان: “حوكمة مؤسسات الرعاية الاجتماعية للحد من الإيذاء بالمملكة العربية السعودية” والتي نشرت عام 2017، تناولت أسباب العنف ضد المرأة، وجاء على رأسها خضوع المرأة المعنفة وترسيخ فكرة عدم قدرتها على فعل شيء سوى تعلم كيفية معايشة الإيذاء، وأكدت الدراسة أن الرجال يمارسون العنف ضد النساء ليحافظوا على سلطتهم داخل الأسرة، إضافة إلى ترسيخ المعتقدات التي تؤيد ممارسة العنف ضد المرأة إلى جانب غياب قوانين وأنظمة الحماية من التعرض للإيذاء أو الجهل بهذه القوانين.
كما وصلت الدراسة إلى شيوع العنف الأسري داخل المجتمع السعودي من قبل الأزواج ضد زوجاتهم، عندما يكون دخل الزوجة أكبر من دخل الزوج، أو مكانتها الاجتماعية أفضل منه أو حاصلة على شهادة جامعية أعلى من الزوج.
يرفع الكثير من الفتيات والنساء السعوديات عبر مواقع التواصل الاجتماعي شعار ” إسقاط بقايا الولاية“؛ كمطالبة منهن بمزيد من الحرية؛ تلك الحرية التي تعطي المرأة حق التحكم في مصير حياتها دون قيود اجتماعية، وبمراقبة تطلعات المرأة السعودية نحو المستقبل، فإن طوق النجاة بالنسبة لها هو القانون، الذي يحميها من عنف المفاهيم الرجعية داخل المجتمع.