قد تكون الهوية الوطنية ضيقة جدًا؛ بحيث لا توفر العزاء، في عالم تتسارع فيه وتيرة وثبِه نحو الحداثة ومنتجاتها وقيمها، فأصبحت المواطنة أعلى قيمةً وتأثيرًا من القيم الوطنية المُجحِفة، والعولمة أوسع وأشمل وأجدى من الرابطة القومية أو العابرة للقومية، مثل الرابطة الخليجية. ومن المتعارف عليه أن أحداث مثل الحصار/المقاطعة الخليجية، لم تستطع الرابطة الوطنية الضيقة بين دول الخليج أن تحتويها، بل قامت بزيادة التوترات بين أمم مجلس التعاون بصورة أكبر.
وقد يكون الحصار الحادث في الأعوام السابقة سببًا خاصًا لأولئك الذين يتحِدون بقوة مع بلدهم ومع القيم الوطنية والخليجية عمومًا، في حين أنه من المتوقع أن يحدث العكس، ويكفر المرء بهذه القيم العامة خصوصًا، وذلك أيضًا تحت فرط تأثير القيم الوطنية، على سبيل المثال، مواطنو قطر. وكان كثيرون يعتقدون أن الرابطة العربية في محيط العالم أجمع، أشمل من أن تؤثر فيها آثار التهديد بصورة أكبر مما هي عليه، وقد امتلكت تأثيرًا أكبر في محيط الرابطة الضيقة على مستوى الخليج. في حين لم تكُن الهوية العرقية الثقافية قوية بما يكفي للحد من آثار التهديد على الحفاظ على المُعرفات الوطنية خارج حدود العالم ومنجزاته الثقافية والتقنية والعلمية.
في بداية القرن الحادي والعشرين، دخلت دول الخليج العربي حقبة جديدة؛ حقبة استمدت خلالها قوتها؛ ليس فقط من قوة وتأثير إنتاجها النفطي، ولكن أيضًا من خلال امتلاك القدرات الثقافية والمعرفية الخاصة؛ فقد نجحت دول الخليج في تشكيل هوية خليجية داخل الهوية العربية الأعم، حيث اعتبرت أن ذلك ضروري للحفاظ على الشرعية الوطنية والإقليمية والدولية لكيانها. وتستخدم هذه الهوية لتزويد مواطني تلك الدول بشعور بالأمان والثقة والصورة الذاتية الإيجابية. وبرزت الهوية الخليجية تاريخيًا مع إنشاء مجلس التعاون الخليجي عام 1981. وكان الغرض من هذا المجلس تقديم رؤية موحدة للخليج العربي فيما يتعلق بالشؤون الثقافية والاقتصادية والسياسية الخارجية التي تعكس مبدأ الهوية الخليجية الواحدة.
عمل أعضاء مجلس التعاون الخليجي بجدٍ لتجسيد هذه الفكرة إلى واقع حي، ونجحوا إلى حد ما في القيام بذلك، نتيجة تمتُع هذه البلدان بعلاقات اجتماعية وعائلية قوية، وأنماط متجانسة في الفنون والرياضة وآليات التعبير الثقافي؛ مثل الشعر والموسيقى التي يتشاركون فيها، وهذا التجانس هو ما جعل دول الخليج تبرز عن باقي الدول العربية من حيث الوحدوية في الثقافة والمواقف ونمط الحياة والاستهلاك، وفي سمات القوى البشرية، إلى محاولات هذه الدول للتشارُك في مشروعات ضخمة لإعادة كتابة تاريخها المشترك وتقاليدها وثقافتها وفنونها.
في حين غاب عن هذه الثقافة الواحدة وهذا الكيان المشترك في مصيره، الاستعداد لوحش العولمة الزائف، ومقدار تأثيره على الشباب مواليد التسعينيات والألفية، ولم تأبه هذه الأنظمة إلى نظم التعليم لديها والتشكُلات الديموغرافية داخل أراضيها، ولا لغلبة فئة الشباب داخل مُعادلة الأعمار في العشرين سنة الأخيرة. وبالطبع تنافرت اتجاهات الدول الخليجية المتأثرة بجذور الثقافة الأصيلة مع توجهات الشباب الذي تُمارِس سلوكياته واتجاهاته وتعبيراته تجاه المواقف العامة بُعدًا حداثيًا بعيدًا عن الماضوية.
من هُنا كانت الحاجة مُلِحة لتوافُر مساحات وخيارات تتوازى مع الأحداث الكبرى في المنطقة، ليشتبك معها الشباب الخليجي ويُعلن عن وجهات نظره ورؤيته حولها، إلا أن شباب الخليج يجد نفسه في موقع المُشاهِد على أحداث مفصلية دون أن يشارك في صياغتها أو إبداء الرأي فيها أحيانًا، في حين يُلاحظ أقرانه من الشباب في أممٍ شتى منغمسين في صياغة واقعهم السياسي والثقافي والإعلامي، وهُم فُرادى واقعون تحت أسر البنى الثقافية والسياسية والاقتصادية التي لا تمنحهم مزية المشاركة وإبداء الرأي.
ومن هنا دأبت العديد من الدراسات والأبحاث في مناقشة موقف الحياد وموضع المتفرج الذي يبدو عليه الشباب الخليجي اليوم، وهل حالة السكون والخمود هذه تُعَد حالة طمأنة للنظم السياسية؟ وهل يمكن اعتبار هذا الحياد أو الصمت موقفًا ذاتيًا وموضوعيًا؟ أم أنه مفروضٌ على هؤلاء الشباب بسبب انعدام فُرص المشاركة، وعدم وجود فضاء عام موضوعي، وساحات النقاش والتشابُك التي يمكن التعبير فيها عن الرأي وعن الوجهات، دون أن تُحمَل تلك الآراء على محامل مختلفة، أو تُخرِج صاحبها خارج المساحات الآمنة؟
وهُنا يدور في الخُلد ثمة تساؤل: هل شكلت الرفاهية كنموذج عيش وتعليم وعلاقات واستهلاك سببًا لهذا التباعد وعدم الاهتمام بالسياسي والثقافي والمجتمعي؟ وهل أفرزت إنتاجات العولمة -خصوصًا في العشر سنوات الأخيرة- اتجاهات راديكالية عند الشباب العربي والخليجي، كما تحدث عنها الباحث الكويتي أحمد جعفر أبل الكندري في كتابه "العولمة وأثرها في نمو الاتجاهات الراديكالية لدى الشباب"؟
تبرز مُؤخرًا عدة تحديات يواجهها شباب دول مجلس التعاون، وهي تحديات تختلف كُليًا عن التحديات التي واجهتها الأجيال السابقة، والذي شهد الكثير منهم قيام أساسات الدولة، ووضع اللبنات الأولى لنُظم الحكم دون التصارع والانسياق وراء موجات التطور والحداثة العالمية التي تُعَد نتاجًا لحركات العولمة التي برزت بصورة كبيرة في منتصف التسعينيات، وقد تخللها تحديد المسار الفكري والأخلاقي والنسق القيمي، إلى جانب السعي لإيجاد معنى وقيمة للحياة، وفرصة الاندماج والتوغُل داخل التنظيمات والمؤسسات والمجتمعات الثقافية والهوياتية، وظهور عدة مشكلات؛ مثل ضرورة إيجاد فرص العمل المناسبة، وقضية البطالة بشكل عام، وغياب التشجيع اللازم لبدء مشاريع جديدة، بسبب سطوة الاقتصاد الريعي لفترة كبيرة من الوقت. هناك أيضًا مشكلات اللجوء وقلة التعليم وفرص التدريب، والمفاهيم المغلوطة تجاه العمل الحرفي، إلى جانب البعد عن مراكز اتخاذ القرارات وعزوف الشباب عن المشاركة في مؤسسات المجتمع المدني.
ظهرت دول الخليج العربي بشكلها المُتعارف عليه اليوم في النصف الثاني من القرن العشر، إذ حصلت الكويت على استقلالها من بريطانيا عام 1961، في حين ظهرت بقية دول الخليج (قطر – البحرين – الإمارات العربية المتحدة أو ما كان يُعرف بإمارات الساحل المتصالح أو المهادن بحسب التسمية البريطانية) بعد ذلك بعقد من الزمن عندما قررت بريطانيا أن تنسب بصورة كاملة إلى المنطقة، وكان السبب وراء هذا هو عجزها عن التمويل العسكري لانفتاحاتها بدول الخليج وغيرها، وتزامن هذا -أي الظهور والتمحور الخليجي كدول مستقلة على الساحة الدولية- مع بروز ثروات النفط التي أضحت رؤوس أموال أساسية ورئيسية وعصبًا للاقتصاد العالمي.
وترتب على هذا التطور الاقتصادي وتمظهر وتمركُز الثروات الطبيعية، كالغاز والنفط كمحركات وميكانيزمات للبنى الاقتصادية داخل دول الخليج، تطورٌ على المستوى السياسي والثقافي والاجتماعي، ومنذ الثورة النفطية عام 1973 شهد النظام القبلي تحولًا مهمًّا بانتقاله إلى نظام الدولة والحكومة، وتبعه بالطبع تطور أدى إلى نهضة تعليمية وثقافية، وأخذ المجتمع ينتقل من طور البداوة والتقشف إلى حالة الرفاه وتراجع قوة القبلية والعصبية.
وقد أحدث الانتقال السريع وتيرته لمجتمعات الخليج العربية من الحالة التراثية والأصيلة، إلى حالة التحديث والحداثة ضمن مجتمعات وبنى سياسية وطنية وعبر جيل واحد، ما يشبه الصدمة الثقافية والتشابك مع الحاضر. وقد أدى تغلغل سمات الحداثة والعصرنة داخل بنية المجتمع والدولة لينتج عنها مزيج هجين في غالب الأمر، الذي يبدو جليًا حينما نلاحظ حالة التوتر القائمة بين الكثير من شباب الخليج، بين الرغبة في استثمار واستغلال أدوات وتقنيات الرقمنة ومنجزات الحداثة والاتصال بصورة قوية، وبين الماضي والتراث الأصيل العربي الخليجي وما يتعلق به من عادات وتقاليد ونمط حياة.
واتجاهات الرقمنة والانضواء تحت لواء منصات التواصل وكذلك الاختلاط مع عدة جنسيات تشكل التراتبية السكانية وغالبية القوة البشرية لكثير من دول الخليج، أدى إلى ظهور مفاهيم “المواطنة” و “التعايش” و”ثقافة الاختلاف“؛ لتحتل مرتبة حقيقية ورئيسية في الخطاب السياسي والاجتماعي، ومع تطور أنظمة التعليم المعتمدة على استهلاك المنتجات الأمريكية والأوروبية وانتعاش برامج الابتعاث والدراسة بالخارج نتجت ممارسات ثقافية مختلفة اصطدمت مع الثقافة التقليدية والهوية القُطرية الذي أدى إعادة إنتاج الهوية الوطنية، مع تحمُس شباب الخليج إلى المفاهيم الجديدة التي تعبر عنهم بصورة أكبر من الغرق في الماضوية أو في الافتخار بالتراث العربي والخليجي والقومي والإسلامي.
منذ الثورة النفطية والتي يمكن تعريفها المُبسط بتضاعُف أسعار النفط العالمية، في حين وجود حالة من التدفُق والوفرة النفطية لدى دول الخليج، وقد تبعه كما ذكرنا تطور على المستوى السياسي والاقتصادي والإعلامي بغرض تشكيل هوية وطنية لكل دولة خليجية على حدة، في حين أنه توجد العديد من الهويات والثقافات التي انضوى تحت لوائها مواطنو الخليج، أولها مثلًا القومية العربية، التي تُعد بالنسبة لأبناء الخليج هي ابنة المسار السياسي، وكذلك ابنة عناصر الأنثربولوجيا من وحدة اللغة والثقافة والجغرافيا، وطبعًا تبعه تورُط -أو بمعنى أدق انسياق خليجي- نحو عدة قضايا؛ مثل قضايا الوحدة العربية والقضية الفلسطينية، وهناك أيضًا الهوية الإسلامية، والتي تُعد ملمحًا بارزًا لدى مواطني وشباب الخليج مع تفرعاتها المذهبية والمِللية، وبالطبع ازدهر الاتجاه الديني هذا بعد الثورة الإيرانية عام 1979 وصعود الطائفية السياسية.
إلا أن الهوية الأكمل والأتم والأكثر وضوحًا بالنسبة لشباب ومواطني الخليج؛ هي الهوية “الخليجية”، والتي أخذت تتطور وتتبلور بعد الحرب الباردة وصعود الماركسيين والبعثيين في العراق، وسقوط نظام الشاه محمد رضا بهلوي، الذي أدى إلى وجود حاجة مُلِجة لإنشاء كيان إقليمي ذي أبعاد سياسية وأمنية واقتصادية، الذي يُعد ثمرًة لتمايز الهوية الخليجية، والتي تبلورت فيما بعد تحت اسم مجلس التعاون الخليجي عام 1981.
ومُجمل الهويات هذه، أي العربية والإسلامية والقومية الخليجية، مع بروز الأزمة الخليجية 2017 ومقاطعة قطر، التي كانت تعد اختبارًا لقوة هذه الرابطة وصمودها أمام الراوبط الأخرى من جهة، وكذلك اختبار مدى قوتها وديناميكيتها لأن تحمل أمة الخليج بخصوصياتها الثقافية والمعرفية والتاريخية، وهو ما أثبت فشله بصورة شبه غالبة مؤخرًا، وقد توازى ذلك مع التعبيرات الرمزية والتعبيرات الثقافية العامة التي كانت نتاجًا للعولمة وتحولات القيم الاجتماعية واستهلاك ثقافة “الآخر” والتي أفرزت معطيات جديدة للثقافة والواقع والهوية ومجموعة أفكار فضفاضة وأكثر اتساعًا من مضمون الهوية الخليجية.
ومن هُنا نجد الهوية القومية الوطنية، التي حرصت الدولة على إفرادها كأحد عناصر الاستقلال والسيادة الخاصة بمجلس التعاون، نصطدم بالعديد من البنى والعناصر التي تجعل كل ما هو خليجي يذوب مضطرًا نحو التغيير؛ فبدلًا من إيجاد ثقافة موحدة أو الانضواء تحت لواء ثقافة جامعة منغلقة هي الأخرى على نفسها “الإسلاموية”، نجد الخليج -خاصًة شبابه- مستسلمًا نحو التعايش والاندماج مع ثقافة الآخر والغربي والأجنبي، منسلخًا عن القيم الهوياتية التي أثبت معظمها فشلها، لاعتماده على السياسي والحكوماتي بصورة أكبر من الحضاراتي والثقافي الذي يبتعد بصورة كبيرة عن مزاج الحداثة وأوليات شباب العالم كافة اليوم.
فمثلًا ضمن التحديات التي تواجها الدولة الخليجية بمفهومها الشامل، هي تحديات وافدة وتنتمي لـ “الآخر” أكثر من كونها ذات منشأ ثقافي أو تُراثي، على سبيل المثال، أدت صناعة النفط وما أنتجته من ازدهار الميزانيات والاقتصاد الخليجي، إلى ظهور “الدولة الريعية“، وتركز ثروات ضخمة في أيدي فئات محدودة؛ أي قلة ديموجرافية، نتج عنها عدة تغيرات اجتماعية؛ منها الاستعانة بالوافد/الأجنبي والعمالة “الآسيوية” رخيصة الثمن، والتي شكلت رقمًا هائلًا وهامًا في سوق العمل الخليجي، مع الأخذ في الاعتبار قيامها باستبعاد الوطني وعزوف الشباب عن العمل في قطاعات العمل الخاص، والابتعاد بصورة كبيرة عن احتياجات السوق ومهاراته، والاغتراب حينما يقارن الشاب الخليجي نفسه بشباب العالم، وتأتي المقارنة هنا كنتاج لتفاعل الخليجي مع الآخر غيره والثقافات المختلفة.
وأدت استعانة دول الخليج بعدد كبير من العمالة الأجنبية إلى ظهور حالة يمكن أن نسميها “الأقلية الوطنية”، بحيث مثّل العُمال والموظفون من المواطنين قِلة أمام العدد الضخم والهائل للأجنبي الذي يقوم عليه تشغيل وتحريك وإدارة اقتصادات هذه الدول، وبالطبع أورثت هذه الحالة نوعًا من الاغتراب والحيرة لدى المواطن وشباب الخليج عمومًا، واتخاذه ثوب “الأقلياتي” داخل حدود البلد، مع تطور اللغة المحكية والثقافة والعادة وأنظمة الإدارة والعمل والحياة اليومية ونظام الحياة حتى في الشارع الخليجي. وبالطبع لا يمكن هنا إغفال عنصر انتشار المدارس والجامعات الأجنبية التي عدها كثيرون من أصوليي الخليج نوعًا آخر من مهددات الهوية الوطنية، وشعورها بالأُلفة نحو العولمة والعالمية بصورة أكبر من اقترابها من الوطني والقومي.
ومن هُنا يمكن فهم التحديث في عالم الخليج على أنه “مزية تكنولوجية” أكثر من كونه تحديثًا قيميًا، ومع كل التحديث التكنولوجي والرقمي التي شهدتها بلدان الخليج، لم يتم المساس بكل ما هو سياسي واجتماعي وقيمي إلا بصورة عابرة، والذي يرجع إلى كون منطق القبلية لا زال يحتل موقعًا مركزيًا في النظام السياسي والاجتماعي. غير أن مبدأ “الدولة الريعية”، مع امتلاك الخليج ثروات هائلة، مع تواجد القلة السكانية واستعانة الدولة بالعمالة الأجنبية بصورة كبيرة، لم يعتمد على توسيع قواعد القطاع العام والتوظيف الوطني بصورة كبيرة؛ بل قامت دول الخليج في اعتماد سياسة تقديم المنح للمواطنين بصورة موسعة،
ومن هنا تحولت المواطنة إلى صورة من الامتياز بدلًا من تمأسسها على العقد الاجتماعي والحقوق والواجبات بين الدولة والمواطن، وقد راجعت هذه الدول سياساتها مع الأزمات الاقتصادية وانهيار أسعار البترول، وبالتالي عجز الموازنة عن الإيفاء بالصورة الاعتيادية للمنح، وتقديم نفس القدر من الخدمات والامتيازات للمواطنين، ومن هنا اتجهت هذه الدول إلى فرض الضرائب والرسوم على مواطنيها، ونتج عن هذه التغيرات تحولات اجتماعية صعبت من مهام بناء الدولة نتيجة اصطدام الدولة بمواطنين قد تشكلت ولاءاتهم في حقبة ما قبل النفط وما نتج عنه من تداخل كافة الطبقات بأشكالها الاجتماعية والاقتصادية.
وشهد العقد الأخير من القرن العشرين تحولات عديدة جذرية أدت إلى دمج العالم في الميادين الاقتصادية والثقافية والاجتماعية دون الاعتداد بالحواجز والحدود السياسية أو الاختلافات الحضارية والمكونات التراثية، وهو ما يعرف بالعولمة Globalization. ومن المتعارف عليه أن تدويل العولمة لكافة النشاطات السياسية والاقتصادية والثقافية للعالم، سيؤدي بالضرورة إلى تغير أنظمة الحكم وسيادة وسلطات الدول المعاصرة ونظريات السياسة ونُظُم الحُكم وطريقة تفكير الجمهور، خصوصًا الشباب.
ويمكن تعريف العولمة كما جاءت عند بعض الفلاسفة والمفكرين، على أنها مجموعة المتغيرات والظواهر والتطورات السياسية والاقتصادية والإعلامية والمجتمعية التي تمتد تأثيراتها ونتائجها إلى مختلف الدول والأمم، ولكن بصور متفاوتة، ومن هُنا يسميها البعض بـ “الكونية”. وطبيعي تتداخل شؤون الاجتماع والسياسة والسلوك والاقتصاد دون اعتدادٍ يُذكر بالحدود السياسية، دون الحديث عن الولاءات والانتماءات والقوميات. فيما يعرفها البعض على أنها نمط الإنتاج الرأسمالي الذي تتغير ملامحه ونشاطاته عبر الزمن، ولذا نجد الارتباط القوي والواضح بين العولمة والشركات متعددة الجنسية، لتنتقل العولمة من كل ما هو وطني وقومي إلى العالمي والكوني.
واعتبر الأستاذ جلال أمين العولمة في كتابه "العولمة والتنمية العربية"، ظاهرة متعددة الجوانب تشمل تسارع معدل التجارة الدولية، وتدفق العمالة ورأس المال والتكنولوجيا، فضلاً عن تسارع معدل انتقال الأفكار وأنماط الحياة، ويختلف أثر هذه الجوانب في التنمية البشرية
والتعامل الكوني مع مصطلح الدولة الجديدة أو الدولة الشاملة “العلمانية”، قد سرّع من ظهور إشكالات الشباب في التعامل مع مصطلح “الدولة الخليجية”، حينما يصطدم بطروحة بناء الدولة الخليجية، المختلفة ظروفها تمامًا عن بقية دول العالم، وكذلك دول المشرق العربي. فجميع دول مجلس التعاون الخليجي حديثة التكوين، وساهمت عدة عوامل في تشكل هذه الدول؛ سواء كانت عوامل داخلية ومجتمعية، أو عوامل دولية وخارجية، فإن إحدى أساسات شرعية الحُكام في دول المجلس الخليجي تعود إلى أسس بناء الدولة، وتأسيسها ككيان سياسي يُعترف به، وقد ساهمت وناضلت الأسر الحاكمة في هذه الكيانات من أجل بناء هذه الدول بما تحمله من نظُم سياسية، وبالطبع مثل الإنجازات السياسية الكبيرة، تُعد مسوغًا يضفي على الحاكم شرعية الاحتفاظ بالسُلطة والانفراد بأمور الحُكم وضرورة قبول المحكومين واعترافهم بهذه الحق، دون وجود فرص لتنافس سياسي أو تداول للسلطة، فالأنظمة السياسية في دول المجلس هي امتداد لسُلالات حاكمة في المنطقة منذ قرون.
في حين مع الانفتاح الثقافي وثورة وسائل الاتصال وجدنا كثيرًا من شباب الخليج يرفض هذه المسلمات، فكثير منهم قد حصلوا على تعليمهم العالي وقاموا بعمل دراساتهم البحثية في أمم أسست لقواعد الديمقراطية في أمريكا وأوروبا، وكذلك ما يُعد “حقًا” أو “مُسلمة”، يتم هدمه سريعًا بمقارنة التجارب والتبصر في أحوال وأنظمة الأمم الأخرى، فنرى آثار هذه المحاولات للتمرد على هذه الحقوق التاريخية التي أضفاها الحُكام الخليجيون على أنظمة الحكم الخاصة بهم، واضحة عبر النقاشات التي وفرتها وأفردتها فضاءات منصات التواصل، لنرى في السنوات الأخيرة ظواهر لم نكن نعدها بصورة كبيرة كـ “المعارض الخليجي”، “ديمقراطية الخليج”، مقارنة الكثير من شباب الخليج لأحوال الربيع العربي بأحوال أممهم فيما يخص المناخ السياسي والحكومي والديمقراطي.
ولا شك أن الارتباط الوثيق بالقيم الدينية وبمبادئ الشريعة الإسلامية يُعد أحد خصائص ومقومات الشخصية الخليجية على المستوى السياسي والمجتمعي والفردي، فمبادئ الإسلام والشريعة تُعد حجر الزاوية في نشوء الأنظمة السياسية وبناء المجتمعات في دول مجلس التعاون الخليجي، مُشكليْن حجر الزاوية في بناء المجتمع والهيكل السياسي في هذه الدول، وتتصف العلاقة بين المكون الديني والمكون السلطوي والسياسي في هذه الدول بالترابط والتوازن.
وفي دراسة بعنوان “العولمة والشرعية ودولة الرفاه: دول مجلس التعاون الخليجي“، قد قام عليها الأكاديمي السعودي د. سرحان بن دبيل العتيبي، فقد ذكر كيف أصبحت المؤسسات الدينية في حالة ترابط عضوي مع السلطة السياسية، موضحًا أن هذا الترابط العضوي تتم ممارسته في هياكل الدولة بشكل مستمر، انطلاقًا من المبدأ الأساسي أن الإسلام دين ودولة، وأنه لا يوجد فرق بين الجانب الروحاني والجانب الدنيوي من الحياة في المجتمع الإسلامي.
ومن هُنا نجد أن ثمة توزانًا بين السلطة الدينية والسلطة السياسية في هذه الدول، وعلى نطاقٍ بارز، نرى الدولة والنظام السياسي في هذه الدول يقوم بالتأكيد على ضرورة تطبيق المبادئ الإسلامية في المجتمع. في حين -مع الانفتاح العالمي والتكنولوجي- رفض العديد من شباب الخليج هذه الثنائية المنطلقة من رفض القاعدة الأولى والتفسير التاريخي والسيروري لانفراد الحاكم وأسرته في الخليج بمقاليد الحُكم، وطبيعي التمرد السياسي -وإن كان لا يحمل شكلًا تنظيميًا أو تحزبًا في هذه الدول- يدور في فلك التمرد الثقافي والمجتمعي والديني، ورفض الكثير من شباب الخليج تقييد حرياتهم باسم الدين، الذي يظهر في تمرد الكثير منهم من الهندام الخليجي الرسمي كـالجلباب، والغُطرة، والعقال، ليستعيروا تقليعات ثيابهم من بقية الأمم؛ خصوصًا في أوروبا وأمم الشرق الأوسط، الذي تبعه مهاجمة للأفكار الثابتة وإعلان الكثير منهم انتماءهم لـ “اللادينية”، وكثيرٌ قد أعلن إلحاده، ويمكن الوقوف على هذه المتغيرات ببساطة في إحدى جلسات المنصات الصوتية، كمساحات تويتر ومنصة كلوب هاوس المُخصصة لشباب الخليج، وبالطبع لا ننكر توازي هذه الظواهر مع انفتاح العديد من بلدان الخليج في السنوات الأخيرة نحو كل ما هو حرياتي، وبالطبع يوازيه تنازل عن القيمي، خاصة في السعودية والإمارات والكويت.
ومن المُلاحظ ارتفاع مُعدل النمو السكاني في دول مجلس التعاون الخليجي خلال الربع الأخير من القرن الماضي، فتُقدر نسبة المواطنين الذين تتراوح أعمارهم بين 15-24 عامًا بنحو 60% من إجمالي السُكان، وبالتوازي مع ذلك نجد زيادة كبيرة في عدد خريجي الجامعات، ومحدودية الفرص داخل سوق العمل الذي يلفُظُهم بجدارة أمام العمالة الأجنبية، وكذلك تراجع الدولة في تقديمها لخدمات الرفاه وإدارة وتنظيم برامج الرعاية الاجتماعية الشاملة الذي أدى إلى ظهور مشكلة البطالة بين الشباب، الذي يعد نتيجة طبيعية لسياسات العولمة التي انتهجتها دول المجلس وإزالة وتخفيف قيود حركة رؤوس الأموال والعمالة الأجنبية. وحينما تصطف النتائج السابقة متراصة من تراجع لتدخل الدولة وممارسة دورها السابق في دعم مواطني الدولة، مع زيادة نسب البطالة، وارتفاع الأسعار، وترك المواطن أمام تحكم الشركات متعددة الجنسيات، وإزاحة بعض المواطنين من الطبقة المتوسطة ليقترب من حافة خط الفقر،
ومع انعدام السلوك الوطني كقيمة ومشاركة، أمام تراجع دور الدولة أدى إلى تراجع في الرضا ودرجة قبول النظام السياسي من قِبل المواطن وشباب الخليج خصوصًا؛ الذين بدؤوا يتذمرون على الطريقة التي تُدار بها دول المجلس، وقِدم عهد الأسلوب والإدارة المعتمد على المملكة والأمراء والمشايخ، الذي يهدد شرعية العديد من أنظمة الخليج قُدُمًا. وفي الدراسة القيّمة التي قام بها حسنين توفيق إبراهيم، والتي حملت عنوان “العولمة: الأبعاد والانعكاسات السياسية، رؤية أولية من منظور علم السياسة“، فقد ذكر أن قدرة دول الخليج في ممارسة سيادتها على إقليمها بالمعنى التقليدي بدأت تتأثر في ظل نظام العولمة؛ بل أصبحت الدولة غير قادرة على التحكم في عمليات التدفق الإعلامي والمعلوماتي والمالي عبر حدودها.
تستمد الهوية الخليجية في أساسها مناط قوتها من عدة عناصر؛ أهمها، الارتباط بالدين، والهوية القومية الأصلية والأصيلة المستمدة من سرديات التاريخ، الذي أدى إلى تشكُل نظام أبوي بين الحاكم والمحكوم، قائم على هذه الهوية الثقافية الممتزجة بموتيفات الدين، وسعت أنظمة الخليج إلى تدعيم هذه الطروحة والمقاربة عبر أدواتها الإعلامية والأمنية وممثلي القوى الناعمة والنخب القريبة من دوائر الحُكم، الذي يُبرز مفاتيح معادلة السيطرة على مواطني الخليج عبر فرضية مفادها أن ثمة ارتباطًا وثيقًا بين النسق الثقافي والقيمي وشكل النظام السياسي السائد بصورة كبيرة في دول الخليج. وبالطبع كانت هذه المعادلة صمام الأمان للأنظمة السياسية في دول الخليج، ومن هنا فقد كانت المطالب السياسية وأحلام التغيير ومتطلبات قضايا الحريات بكافة أشكالها غائبة، مؤجلة، ومُعطلة، ولم تبرز أية جدوى في خوض أية معارك أو مواجهات سياسية.
فلا صوت يعلو فوق شعار “السيادة الوطنية الثقافية“، إلا أنه منذ منتصف التسعينات بدأت المعادلة هذه تترنح، ووقوف دول الخليج مكتوفة الأيدي وغير قادرة على التعاطي والتشابك مع إرهاصات العولمة الثقافية التي برزت كأبرز مُهدد لأبرز ميكانيزمات قوة الخليج، كأنظمة حكم مسيطرة على العقول وعلى مجريات الشارع في كافة الشؤون والمجالات. ويُعد النمط الأوروبي الغربي للحداثة ونموذج الثقافة الأمريكية القيمية بما تحمله من توجهات تشدد على مبادئ وحقوق الإنسان في حرية التعبير والاختلاف، ويسمى ذلك بالاختراق أو الاغتصاب الثقافي حسبما جاء في مُؤَلَف “العرب والعولمة” للكاتب الخليجي عبدالإله بلقزيز.
وأدى ذلك الاستلاب الحضاري الغربي كمنتوجٍ ثقافي عن إحداثيات العولمة السائدة عالميًا وعربيًا، بالتوزاي مع الثورة المعلوماتية والتقنية الهائلة وسيادة العالم المُرقمن على العالم المُدجن بالثقافات الأبوية والحاكمية، إلى استقطاب شباب الخليج الذي بدأ يعلن رفضه للثقافة القبلية ولثنائية ثقافة الدين والحُكم في الخليج؛ متمردًا على محاولة طمس احتياجاته في الاندماج مع عالم حُر ومنفتح وفضفاض، مُفعم بإمكانية الاختلاف والمشاركة في صياغة القوانين والقرارات والتشابك مع منظومات اتخاذ القرار، ليعلن صوتًا آخر مناهضًا لطروحات السلطة.
ولذا، تبرز ضرورة انتباه الدولة الخليجية للدرس، وأن تقوم بتعزيز المشاركات السياسية وتفعيل دور الشباب في المجالس والمجتمعات، وتشجيعهم على المشاركة في البرامج التدريبية وحماية حقوقهم، وتفعيل دورهم في البرامج والأنشطة الاجتماعية، وتعزيز سبل المشاركة في المؤسسات التعليمية والأنشطة الثقافية، فضلًا عن نشر الوعي والثقافة ومبدأ المساواة والعدالة، وتفعيل الحوار الوطني بين الشباب أنفسهم، وتعزيز قدراتهم وزيادة فرص التدريب، وتطوير مهاراتهم الحياتية والشخصية والقيادية، والتوعية بالحقوق والواجبات، إلى جانب تعزيز دور الإعلام للتأكيد على دور الشباب.
وهُنا تجدُر الإشارة إلى أن انفتاح الدولة الثقافي والفني وشيوع روح التحديث في العمران وإنشاء القبب السماوية وناطحات السحاب والأبراج الحديثة على غرار أوروبا، لن يُجدّ في احتواء شباب الخليج دون وجود مشروع فكري حقيقي، وتداول حقيقي للسُلطة، أو على الأقل وجود وفرة من المشاركة السياسية، وفرص متوازنة لجميع فئات المجتمع ضمنهم الشباب، والمشاركة بصورة فعالة في اتخاذ القرارات وصياغة القوانين.
ومع وجود وفرة اقتصادية نتيجة وفرة مصادر الطاقة وانتعاش خزائن الخليج بمشروعات الاستثمار الكبيرة، نجد بطالة كبيرة وبطالة مُقنعة وسط شباب الخليج، نتيجة عدم تطابق المهارات التي يحملها الخريجون وما يطلبه القطاع الخاص؛ إذ إن النظام التعليمي لا يزود فئة الشاب بالمهارات المطلوبة في القطاع الخاص؛ مثل مهارات التفكير الإبداعي والمستقل، ومهارات القدرة على حل المشكلات والمهارات اللغوية والكتابية ومهارات الحاسب والآليات وصياغة القوانين. ولذا فملف البطالة في الخليج قنبلة موقوتة، وقد يكون حجر الزاوية لأية تمردات أو حركات تتخذ المظهر الثوري نتيجة إدارة الملف الاقتصادي بصورة تقليدية للوضع الذي كان عليه الخليج قبل التسعينيات.
كذلك طبيعة الحياة الاجتماعية التي يعيشها شباب دول المجلس الخليجي ممثلة في الإنفاق الحكومي المرتفع والإعانات السخية، والخدمات العامة شبه المجانية جعلت من الشباب الخليجي يعتمد اعتمادًا كبيرًا على الدولة والأسرة، ولا يمتلك القدرة على تحمل المسؤولية، إضافًة إلى أن الحوافز المتوفرة في القطاع العام جعلت من القطاع الخاص قطاعًا غير جاذب بالنسبة إلى فئة الشباب. فأنظمة العمل التي تضمن حماية للعامل المحلي ولا تضمنها للعامل الأجنبي، جعلت القطاع الخاص، يفضل العامل الأجنبي الذي يستطيع هذا القطاع الاستغناء عن خدماته بصورة أسهل كثيرًا من استغنائه عن العامل المحلي، بالإضافة إلى أن بيئة الأعمال في دول المجلس غير مشجعة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، نتيجة صعوبة الحصول على تمويل والقوانين الصارمة في حالة الإفلاس
وبالطبع لا يستثمر القطاع الخاص بما فيه الكفاية لتشجيع فئة الشباب المحلية؛ إذ إن معظم الشركات العاملة في دول المجلس يركز عملياته على المكاتب الخدمية والتجارية والمبيعات، في حين يضع عملياته التي تحقق القيمة المضافة في مواقع أخرى، ويستثمر مبالغ قليلة جدًا في تدريب فئة الشباب المحلية. ونتيجة لذلك نجد هناك عدة دول خليجية مثل قطر والكويت والإمارات تتجاوز فيها نسبة الأجانب العاملين في القطاع الخاص 90%، يعني أن سوق العمل في هذه الدول تعتمد على الأجور المنخفضة استنادًا إلى انخفاض المهارة والإنتاجية، وفي حال استمرار نمط الهجرة الحالي في دول المجلس، فإن ذلك يعني استمرار وجود اقتصاد يعتمد على العمالة الرخيصة وغير الماهرة، ما يثبط من عزيمة الشباب الوطنية للحصول على فرص عمل في هذه الاقتصادات.
لابد أن تتبع دول الخليج ما يسمى سياسة التعليم الموجه؛ وهو التعليم الذ يتسق مع الهيكل السائد لسوق العمل وينحي المهارات المطلوبة لذلك، فضلاً عن تشجيع الشباب على التوجه للعمل في القطاع الخاص بدلا من انتظار فرصة العمل في القطاع الحكومي، ويمكن اتباع نظام الكوتة، وكذلك تدريب العمالة الوطنية وإدراجهم وإدماجهم داخل أسواق العمل، مثل برامج نافس في الإمارات والسعودية؛ فأهم التحديات عدم وجود علاقة سببية بين التعليم والتوظيف في دول مجلس التعاون الخليجي.
وختامًا نقول إن القضاء على المُشاركة السياسية، وبناء الشرعية السياسية القائمة على الإنجازات المتعددة للسُلطة، وإنجاز مشروعات ضخمة داخل القطاع العام، نعم أدى في فترات كثيرة إلى استقطاب بعض العناصر الشبابية المُسيسة والحفاظ على التوازنات، إلا أنه يبدو أنه سيثبت فشله مع مرور الوقت في احتواء وضمان ولاء الشباب للدولة الخليجية بمفهومها التقليدي المعتمد على ثنائية الثقافة التقليدية والدين؛ فضمان دخول جيدة للمواطنين، وتحقيق إشباعهم المادي، لن يعني في السنوات المُقبِلة رضى وقبول الشباب بالطريقة التي تُدار بها الأمور خارج معايير الاندماج والمشاركة، وستتأثر الشرعيات السياسية القائمة على الإنجازات المتعددة للأنظمة الحاكمة في الخليج.