تستضيف البحرين في مارس/ آذار المقبل (2023) اجتماع الجمعية الـ146 للاتحاد البرلماني الدولي والاجتماعات ذات الصلة، في الوقت الذي يُعين فيه نصف أعضاء البرلمان البحريني، ولا يمكن للمنتخبين/ات منهم/ن النقاش في أي موضوع أكثر من خمس دقائق، بحيث لا يشترك في المناقشة العامة أكثر من عشرة أعضاء، هذا بالإضافة لقانون العزل السياسي الذي يمنع الآلاف من الترشح والتصويت في الانتخابات البرلمانية وإدارات النوادي والجمعيات الرياضية والأهلية.
البحرين ليست الوحيدة في الخليج التي لا تطبق النظام الديمقراطي الحر بل أن أغلب هذه الدول لا تنظم انتخابات، ولا يوجد بها مجلس يمثل الشعب لسن القوانين وتنظيم حياة الناس، عن ذلك يقول دريوري دايك، الباحث الأول المتخصص في الخليج وإيران، بمركز السياسة الخارجية في المملكة المتحدة: “دول الخليج العربي لديها مجموعة متنوعة من العمليات التشاورية غير الرسمية التي تشكل وتوجه الحوكمة. في الكويت تُسمى “ديوانية” وفي الإمارات العربية المتحدة تُسمى “مجلس” وهم ركيزة أساسية من أركان الحكم. في حين أن ممارسة الديمقراطية بمعنى انتخاب النواب موجودة في البحرين والكويت والإمارات العربية المتحدة، إلا أن هذه الدول جميعا لا تنتخب حكوماتها”.
لا ديمقراطية دون مسائلة
وقال دايك في حديث لـ”مواطن“: “حتى الآن، توفر البنية الاجتماعية الخليجية والقوى الموجودة مسبقًا السياق الذي لا تظهر فيه هذه الممارسات. من ناحية أخرى، هناك أدلة متزايدة على أن مواطني الخليج قد يرغبون في رؤية هياكل أكثر وضوحًا وفعالة للمساءلة فيما يتعلق بالإجراءات الحكومية”.
أما الناشط السياسي البحريني أحمد الغسرة فقال: “للأسف تدعي أغلب الدول غير الديمقراطية تدعي انها ديمقراطية وهذه ممارسة تقوم عليها الدول القمعية، والدليل على ذلك وجود نظام انتخابي، برلمان او تعدد الصح، ولكن لا يمكن ان نُعرِف بلد بأنه ديمقراطي وهو يفتقر الى أبسط مقومات الديمقراطية وهي تمثيل الشعب في التشريع والمحاسبة، فلا صوت كامل اليوم للمواطن الخليجي في دول الخليج في الحكومة ولا حتى في المجالس المنتخبة التي تم تأطيرها بقوانين تحد من ديمقراطية الدولة، وهو أيضا ما ينطبق على التعبير عن الرأي الذي لا يستطيع المواطن الخليجي اليوم التعبير عن رأيه بكل حرية وفي كثير من الأحيان يكون عرضة للمحاكمة والسجن”.
وتخالفه في الرأي الباحثة الإماراتية في جامعة أوكسفورد ميرا الحسين في حديثها لـ”مواطن“: “لا تدعي دول الخليج بأنها دول ديمقراطية ولا تصف نفسها على هذا النحو كذلك، وقد تصف بعض الدول أدوات المشاركة السياسية كالمجلس الوطني أو مجلس الشورى بأنها ديمقراطية، إلا أن دول الخليج لا تطمح بأن تصبح ديمقراطية بتاتًا، فالمطالبة بالشفافية والمحاسبة تُعتبر تعد على الأفراد والتشكيك في نزاهتهم أو حتى أهليتهم في القيادة، فالسياسة في دول الخليج هرمية تُدار بشكل شخصي وليس بشكل مؤسسي، وأن تفعيل أدوات المحاسبة كالصحافة الحرة من شأنه أن ينال من هيبة الافراد وبالتالي هيبة الدولة، وهي هيبة ‘أبوية’ تود دول الخليج المحافظة على حرمتها وقداستها. وينطبق الامر كذلك على ممثلي الدولة وموظفيها من وزراء وأعيان، فمسألتهم ومحاسبتهم تمثل تشكيكًا في قدرة الدولة على حسن اختيار ممثليها”.
تغير جذري
ويرى الغسرة الذي تحدث لـ”مواطن“: “تحتاج دول الخليج الى تغيير جذري في انظمتها ودساتيرها للوصول إلى الممالك أو الإمارات الدستورية، أي أن تملك العوائل الحاكمة ولا تحكم والادارة السياسية تكون من مهام البرلمان الممثل من الشعب كما الحال في الممالك الدستورية الديمقراطية كبريطانيا وهولندا وغيرها”.
عادة ما تتعذر دول الخليج بخصوصية مجتمعاتها لعدم احداث أي تغير دمقراطي أو إصلاحات، حيث الادعاء بأن الشعب راض وقابل بهذا النظام السياسي.
يوضح الغسرة: “تاريخياً كانت الانظمة الخليجية ولازالت – في بعض الدول – انظمة ريعية أي النظام الحاكم او العائلة عندها الشرعية السياسية وفي المقابل يكون هناك توزيع ثروة الدولة على المواطنين/ات، ولكن هذا الموضوع لا يبرر بتاتاً ان الدولة يجب ان تكون سلطة مؤسسات وتستمد شرعيتها من الشعب عبر صناديق الاقتراع بدل النظام الريعي، والذي أصبح من غير المنطقي الاستمرار به مع ارتفاع تكاليف المعيشة والتكاليف التشغيلية للدولة، فأصبحت الدول ضرائبية وفي نفس الوقت ليست ديمقراطية، وبهذا تنتفي الخصوصية التي يتحدثون عنها”.
فيما يرى دايك أن التحد الذي يواجه الدول الخليجية – على نطاق واسع – لوجود حكومات منتخبة بشكل عادل، هو التوفيق بين أذهان ناخبيها، وعلاقاتهم الوثيقة نسبيًا مع الحكومات غير الديمقراطية أو الضعيفة الديمقراطية، والممارسات التي يجدها الرأي العام المحلي إشكالية”.
مشيرا إلى أن أفضل نتيجة يمكن الوصول لها عن طريق: “إدارة تغيير تدريجي من خلال تحسين حقوق الإنسان أو مستويات المعيشة. ومن الناحية الأخرى، تطالب جماعات حقوق الإنسان باحداث التغيير الجذري والفرعي “.
وتشير الحسين إلى أن “تقلص أهمية النفط العالمية والطلب عليه بالإضافة إلى التحول المضطرب لاقتصادات ما بعد النفط سيؤدي إلى إعادة تشكيل هيكلة أنظمة المنطقة فيما يتعلق بتقاسم السلطة وسبل اتخاذ القرار السياسي. في الماضي، كانت لطبقة التجار نفوذ وثقل اقتصادي ساهم في ادماجهم في العملية السياسية، فبالإمكان ظهور طبقات جديدة ستطالب بمقعد على الطاولة السياسية، كفئة المستثمرين مثلا، فما يتم تجاهله غالبًا في الحديث حول التحول السياسي في الخليج هو حقيقة التغير المناخي وأن معظم المنطقة ستصبح غير صالحة للعيش الانساني في غضون عقد أو عقدين”. وتساءلت: “هل ستكون جذابة بما يكفي للنخب السياسية في تلك المرحلة؟”.
تغاض غربي
تربط الخليج علاقات وثيقة بدول الغرب والمنظومة العالمية التي تتغاضى في أغلب الأحيان عن كون هذه الأنظمة غير دمقراطية، فيما تنتقد دولا أخرى فقيرة أو لا تتشارك معها في المصالح لعدم ديمقراطيتها ولانتهاكات حقوق الانسان فيها، يوضح الباحث دايك: “لدى الدول الغربية وحلفائها علاقات صعبة بشكل متزايد مع حلفاء غير ديمقراطيين حيث توجد انتهاكات لحقوق الإنسان أو تحديات في الحكم، كالفساد، فيما ترتفع أصوات ناخبيهم رغبة أن يكون الحلفاء ديمقراطيين أو لديهم شكل من أشكال المساءلة والسلطة القضائية المستقلة وغيرها من الهياكل المماثلة”.
وفي الوقت الذي يتذبذب السلوك الغربي فيما يتعلق بالخليج بين عدم رضاهم عن جوانب الحكم، والذي يظهر على أرض الواقع من خلال انتقاد ممثلوهم لدول الخليج في المنتديات الدولية لحقوق الإنسان، ومع ذلك، تسعى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا ودول أخرى إلى إقامة علاقات وثيقة مع دول الخليج – حتى في ظل انتقاداتها المدروسة لحقوق الإنسان”.
وعن ما كانت الأنظمة الملكية اليوم تتعرض للانتقاد، قالت الباحثة الحسين أن “العالم لا يزدر الأنظمة الملكية أو ينظر اليها وكأنها أنظمة رجعية، بل على العكس تمامًا، فهي تضف طابع رومانسي على الحكم الملكي، بالنسبة للكثيرين/ات، تمثل الأنظمة الملكية الإرث والتقاليد والتاريخ، ولا أعتقد أنها تمثل خصوصية خليجية، فالحكم يورّث في الكثير من البلدان العربية وإن كانت تلك الدول جماهيرية في دساتيرها، ولولا أن أفسد الربيع العربي خطط العديد من رؤساء الدول العربية، لكنا شهدنا جيلًا ثانيًا من الحكام الورثة، بالإضافة إلى أن تاريخ المنطقة لم يقف عند نقطة تحول حقيقية، فأنظمة الحكم منذ بزوغ الدولة الأموية تعد أنظمة ملكية وراثية بالرغم من تباين مسمياتها”.
وتبقى الديمقراطية في الخليج مفصلة على قياسات ومصالح أنظمة الحكم بما يمنع المسائلة والمراقبة وحرية التعبير إلا في أشكالها الصورية والضئيلة التي تضمن لها مقعدا في مجلس حقوق الانسان والاتحاد البرلماني العالمي.