النقاب كزي ليس غريبًا على المجتمع الخليجي، وبالتالي كان حاضرًا منذ أول انتخابات شهدتها الكويت بعد إقرار حق المرأة السياسي بترشح المحامية “ذكرى المجدلي“، والتي كانت ترتدي النقاب، وبذلك لم تكن موضي المطيري أول امرأة منتقبة تقدم على الترشح في انتخابات عامة في الكويت، لكنها الوحيدة التي نجحت بخطف الأضواء، ما فتح نقاشًا عامًا حول مظهرها، أخذ أبعادًا طبقية واجتماعية وقانونية. ارتاب البعض من مظهرها واعتبره تعبيرًا عن انتماء لتيارات إسلامية، وهو ما نفته موضي بشدة، وشددت على كونها تخوض الانتخابات مستقلة بعيدًا عن أي انتماء لأي تيار ديني سياسي، وآخرون اعتبروا أن الاحتفاء والشعبية اللذان لاقتهما يعودان لكون مظهرها ينسجم مع قيم وعادات المجتمع المحافظ فقط لا غير، دون أن يأخذوا بعين الاعتبار الهزة التي أحدثتها موضي لهذه العادات، كما امتد النقاش ليشمل الجانب القانوني عن كيفية أداء القسم والتحقق من الهوية بوجود النقاب.
انتقاد النقاب جاء من طبقة لا تراه سوى موقفًا دينيًا ولا تدرك جذوره الاجتماعية، ولا استعماله من قبل بعض النساء كأداة مقايضة للحصول على بعض الحقوق والحريات؛ كالعمل والدراسة في مجتمع يمنعهن من هذه الحقوق بدونه. قد يرى البعض أن النقاب ومعه الحجاب من أدوات القمع الذكوري، صممت لكي تعزل النساء وتحجبهن عن الفضاء العام، لذلك يرى هؤلاء أن نقد هذه الأدوات وتفكيكها وطرحها للنقاش العام واجب، ولكن نقد هذه الأدوات لا يستوجب التمييز ضد المنتقبات أو المتحجبات أنفسهن، خصوصًا في مجتمعاتنا العربية؛ حيث يخضع مظهر النساء لمعايير اجتماعية ودينية قد لا تعبر عنهن بالضرورة.
موضي المطيري
صعدت موضي المطيري إلى القلب من الحدث منذ لحظتها الأولى أمام وسائل الإعلام في إدارة شؤون الانتخابات، وخطفت الأضواء بحضورها الواثق وخطابها القوي، والذي امتاز بالجرأة والتحدي، لكن ما جعلها حديث الانتخابات هو دعوتها التجديدية، والتي تفردت بها لزملائها المترشحين للمناظرة كوسيلة لتطوير العملية الانتخابية حسب رأيها، وتصريحاتها النقدية تجاه العدائية التي تواجه النساء في المجال العام؛ لاسيما السياسي منه، وهذا حسب المراقبين، هو سبب شعبيتها بين النساء اللاتي سئمن سماع الخطابات الذكورية المهينة من المرشحين والسياسيين.
تحمل موضي المطيري شهادة البكالوريوس بتخصص العلوم السياسية من جامعة الكويت، وحاصلة على درجة الماجستير في تخصص المعلومات والمكتبات لذات الجامعة، عملت في وزارة الإعلام وتدرجت فيها حتى تقاعدت في العام 2015، وصفت نفسها بالإنسانة البسيطة، وتحدثت بحميمية شديدة عن أسرتها التي تتكون من ثلاث شقيقات بالإضافة لوالديها، وخصت والدها المحب والعصامي، الذي كان وحيدًا بلا أي أشقاء أو شقيقات بالكثير من الثناء. هذا الوصف الحميم لأسرتها يقول الكثير عن واقع النساء العربيات اللاتي يرزحن تحت طبقات وسلاسل من القمع المتشابك والمتصل والذي يحاصر النساء من كل الجهات الأسرية والاجتماعية والدينية وحتى السياسية، ومن خلال هذا الوصف الحميم كذلك، نستطيع أن نفهم كيف استطاعت موضي أن تظهر وتقدم نفسها وتمتلك صوتها، وذلك لوجود ثغرة في أحد سلاسل القمع تتمثل بغياب الهيمنة الذكورية على حياتها، لكن هذا لم يمنع القبيلة من محاولة السيطرة عليها -كما ادعت- عبر إرسال الوفود لثنيها عن خوض غمار الانتخابات، وهو ما رفضته موضي متمسكة بخيارها وحرية قرارها. بعدها طفت إلى السطح فجأة فتاوى تحريم الولاية العامة على النساء، وتم تداولها بشكل واسع، والذي رأى البعض أنه يبدو كحملة منظمة للتحريض على موضي، وكذلك انتقد خطباء المساجد دعوتها للمرشحين للمناظرة، وذهب أحد المرشحين المنافسين إلى حد ضربها بشكل مباشر بحديثه عن حرمة عضوية مجلس الأمة للمرأة لكونه ولاية عامة محرمة على النساء.
أعلنت موضي انحيازها السياسي منذ ظهورها الإعلامي الأول، عندما حيت من أسمتهم نواب المنصة، وهم النواب الذين كانوا رأس الحربة في مواجهة تحالف رئيسي السلطتين التشريعية والتنفيذية السابقين، وبهذا الانحياز الواضح تكون قد حددت جمهورها المستهدف بذكاء؛ حيث إن مزاج الدائرة الانتخابية الرابعة التي تترشح فيها يميل للمعارضة التي انحازت لها، وهو ما تفردت به عن غيرها من المرشحات في الدائرة، كما حرصت موضي في كل تصريحاتها على خلق حالة من الاستقطاب الذي يشد جمهور الناخبين؛ فهي تارة تتحدى المنافسين للمناظرة، وتنتقد فساد بعض النواب السابقين، وتارة أخرى تتحدث عن الوفود تلو الوفود التي كانت تضغط عليها للانسحاب من الانتخابات، ثم تشتكي من الصحفيين الذين يحاولون جرها لمواجهات شخصية مع هذا المرشح أو ذاك، وتوجه سهام النقد لبعض الظواهر السياسية، فهي تقول إن “المرأة خذلتنا في السلطتين التنفيذية والتشريعية“، وأن الاستياء الشعبي من أداء النساء قد يكون أحد معيقات وصول النساء للبرلمان، وسواء كانت حالة الاستقطاب التي تخلقها مع كل ظهور إعلامي عفوية أو مقصودة؛ فإنها استراتيجية ذكية جدًا وناجحة لخلق حالة من الجدل حولها وإبقائها في دائرة الضوء.
تشد موضي انتباه المستمعين بقدراتها الخطابية العالية، وباستشهاداتها بالأحاديث النبوية وبأبيات من الشعر، ولكنه خطاب انتخابي، يخلو من أي مشروع سياسي حقيقي، ويكتفي بالاستجابة للأحداث السياسية الماضية، ويفشل بتشخيص جذر المشكلة في الحالة السياسية الكويتية؛ حيث تقول موضي إن الإصلاح يبدأ بإصلاح السلطة التشريعية التي حسب وصفها ” فسادها أعظم“، متجاهلةً أنه وفق الدستور الكويتي فإن السلطة التنفيذية هي التي تدير المشهد كاملًا، وهي التي تشكل السلطة التشريعية من خلال قانون الانتخاب – الذي انتقدته موضي– وهي التي تختار رئيس السلطة التشريعية من خلال تصويت وزرائها.
انتقاد النقاب جاء من طبقة لا تراه سوى موقفًا دينيًا ولا تدرك جذوره الاجتماعية، ولا استعماله من قبل بعض النساء كأداة مقايضة للحصول على بعض الحقوق والحريات؛ كالعمل والدراسة في مجتمع يمنعهن من هذه الحقوق بدونه.
النساء كقوة انتخابية
في حديثها للناخبات؛ تتوجه موضي بخطاب تثويري وتحريضي وتوعوي، وهو بالضبط ما تحتاج النساء لسماعه اليوم، فهي تدعوهن بألا يكن مجرد جسر عبور للمرشحين، الذين سرعان ما يتجاهلون قضاياهن بمجرد انتهاء الانتخابات، وتحرضهن على معاقبة من تخلى عنهن بقولها: ” من خذلنا لن يعود بأصواتنا” وأن “الحقوق تنتزع” وأنه لا يشعر بالمرأة إلا امرأة مثلها، وتدعي أنها ستحقق ما عجز الرجال عن تحقيقه، لكنها مجددًا تكتفي بعبارات عامة ورنانة دون مضمون حقيقي يخاطب المشاكل التي تعاني منها النساء، وهي لا تشاركنا بمشاريعها ولا خططها، ولم تحدد لنا الحقوق التي تنوي انتزاعها.
أما المفاجأة في ندوة موضي المطيري فكانت عند الناخبات اللاتي حضرن الندوة من مختلف أطياف وطبقات المجتمع، وهو ما أدركته موضي واحتفت به؛ فناخبات موضي ينتمين لمختلف الشرائح الاجتماعية والمهنية والعمرية، معلمات وأكاديميات وطبيبات، شابات في مقتبل العمر وأخريات على أطرافه، أنهكهن انتظار الحقوق بلا جدوى؛ منقبات ومحجبات وغير محجبات، ملتحفات بالعباءة السوداء ومن دونها. الناخبات وبوعي عالٍ تجاوزن عقدة المظهر إلى الجوهر، وتحدثن بمستوى عالٍ من الوعي السياسي، بما يتجاوز المرشحة موضي نفسها، ووضعن أياديهن على كل مواضع الخلل التي يعاني منها المجتمع، فقد تحدثن عن قانون الأحوال الشخصية وعن الحقوق الإسكانية المنقوصة للمرأة الكويتية، وعن قضايا العنف وعدم وجود قوانين حماية، وعن عديمي الجنسية، وعن الكويتيات المتزوجات من غير الكويتيين ومعاناتهن وأبناءهن من النفي والغربة داخل الوطن الأم، وعن تدني الخدمات الصحية والتعليمية والرعاية السكنية، وغياب أماكن الترفيه، وعن انعدام العدالة في الرواتب بين النساء والرجال، وعن قانون الأحوال الشخصية وحقوق المعاقين، وحقوق الطفل وقانون المرئي والمسموع، وقانون الجرائم الإلكترونية، حتى إن إحداهن وبوعي سياسي عالٍ بأهمية العمل الجماعي طلبت من موضي الانضمام لإحدى الكتل الفاعلة في المجلس حال وصولها، لكن موضي قالت إنها تفضل البقاء مستقلة دائمًا، وهذه النزعة للعمل الفردي عند موضي مقلقة وتنبي عن عدم النضج السياسي.
لماذا موضي؟
بعد صعود موضي السريع لدائرة الضوء، ظهر حساب باسمها على شبكة التواصل الاجتماعي تويتر، وتبنى ذلك الحساب موقفًا مؤيدًا للوثيقة المثيرة للجدل، والتي عرفت باسم وثيقة القيم، والتي تتضمن بنودًا تنال من الحريات الشخصية حسب المناهضين لها، وبهذا الموقف المؤيد للوثيقة باسمها، خسرت موضي كثيرًا من الدعم الشعبي، لكنها وبعد صمت امتد لأيام ظهرت في مقطع فيديو سيء الجودة، يبدو أنه مصور بالهاتف النقال، تنفي فيه نسبة ذلك الحساب لها وتدعي أنه ينتحل شخصيتها، وتعلن فيه عن تنظيم ندوات انتخابية في تواريخ وأماكن ستعلنها لاحقًا.
وبهذا تكون موضي حالة فريدة فعلًا؛ فهي تدخل دائرة الضوء وتنسحب منها متى شاءت، وتنسج حول نفسها كثيرًا من الأسوار والحواجز التي لا تصلح لمن يطرح نفسه لتولي منصب عام كعضوية مجلس الأمة، مع كل ما تتطلبه هذه الوظيفة من اتصال مباشر بالناس والإعلام. يرى البعض في التمنع والاختفاء تكتيكًا انتخابيًا ناجحًا يخلق حالة من الفضول حولها، لكن المبالغة في الغياب ستؤثر سلبيًا على فرصها بالنجاح، حسب آخرين، يرون أن عليها الحفاظ على الزخم الإعلامي والبقاء في دائرة الضوء لتحظى بفرصة جيدة في الانتخابات.
لم تكن موضي أول بدوية تترشح في الانتخابات؛ فقد سبقنها عديدات، وإحداهن نجحت في الانتخابات من ذات الدائرة الانتخابية التي تترشح فيها موضي، وهي المحامية ذكرى الرشيدي التي تنتمي لذات الشريحة الاجتماعية التي تنتمي لها موضي؛ أي القبائل، لكنهما من طبقات اقتصادية مختلفة، ولعل هذا الفارق الاقتصادي هو ما جعل موضي أقرب للناس شعبيًا، فقد خرجت موضي بفعل ريادي من الهامش إلى قلب المشهد السياسي قائلة (جئت لآخذ حقوقي)؛ فلامست بعبارتها هذه مواجع النساء المتعطشات لصوت يشبههن، يتحدث بلسان معاناتهن وبنفس لهجتهن، وبنفس ظروفهن الاجتماعية والاقتصادية، كما كسرت احتكار البرجوازيات وذوات الامتياز لتمثيل النساء، وجعلت مثيلاتها من النساء مرئيات، وعبرت عن إحباطهن من التهميش والتجاهل من قبل نساء الطبقات الأخرى في مراكز السلطة، وعن إحساسهن بغياب التمثيل في هذه المراكز، كما خلقت حالة من الترابط والتكاتف النسائي، ومنحت النساء فكرة عن الممكنات المتاحة لهن، وجعلت وجودهن في الفضاء العام -لاسيما السياسي منه- ممكنًا ومتاحًا.
إن كانت موضي صرخة غضب كامنة ضد التغييب وضد التنميط الذي تعاني منه البدويات؛ فإن تأييد ودعم النساء لها هو رجع الصدى لتلك الصرخة التي لامستهن وعبرت عن يأسهن من المشهد السياسي كاملًا. لاتزال ظاهرة موضي عصية على الفهم، ومثيرة للكثير من التساؤلات، أين كانت موضي قبل تلك اللحظة الفارقة أمام وسائل الإعلام؟ وما خبراتها ونشاطاتها السياسية؟ ولماذا ترفع موضي الأسوار من حولها عالية بما يجعل الوصول لها مستحيلًا؟ وهل ستنجح بحشد النساء خلفها وبتوحيدهن ككتلة انتخابية لها ثقلها؟ وهل ستغير واقع النساء للأفضل؟ وهل ستختلف عن غيرها من النساء اللاتي نجحن في الوصول إلى مراكز السلطة؟ وإن كانت موضي صورة المهمشات والمغيبات؛ فهل ستكون صوتهن أيضًا؟