في بداية كل عام دراسي في الكويت، تثار قضية تعليم أبناء البدون من جديد، حول تكاليف دراسية تفوق قدرات الأباء والأسر، وأوراق ثبوتية غير كافية للتسجيل الدراسي.
البدون في الكويت، هم الفئة التي لا تعترف دولة الكويت باعتبارهم مواطنين، ولا يحملون أي وثائق رسمية تثبت جنسيتهم، ينتج عن هذه الحالة أبناء، وينقل لهؤلاء الأبناء "انعدام الجنسية".
وزارة التربية تمنع تسجيل الطلبة #البدون المستجدين ممن لا يحملون بطاقات أمنية صالحة في المدارس الخاصة.
— جريدتكم (@ImeGrop) September 11, 2022
- السنوات الماضية كانت تمنحهم استثناء للتسجيل والآن "طردتهم".
- إدارة التعليم الخاص تعذرت بوجود قرار وزاري يمنع تسجيلهم. pic.twitter.com/a5GC7TvNTH
تعليم أبناء البدون.. المشكلة ومساراتها
يرى الكاتب والروائي الكويتي خالد تركي في مقاله: “جيل ضائع يبحث عن فرصة في التعليم” المنشور على موقع نون بوست أن “البدون” كانوا يدرسون بشكل اعتيادي في المدارس الحكومية منذ خمسينيات حتى عام 1991. ومن بعد هذا التاريخ، بدأ التضييق على البدون وإلغاء بعض الامتيازات ومنها التعليم المجاني.
قامت السلطات الكويتية خلال حقبة التسعينيات بتوفيق أوضاع البدون على أنهم مغتربون، مقابل منح بعض الحقوق الأساسية في العمل والتعليم، وبحسب تركي شهد عقد التسعينيات تفشي الأمية بين أطفال البدون، بسبب عدم مقدرة الكثير من العائلات على دفع رسوم تدريس أبنائها.
عندما أصبح شرطًا من شروط التمتع بالحق في التعليم للبدون، الحصول على جنسية أجنبية، أطلق مدرسون كويتيون مبادرة من باب المواطنة باسم “كتاتيب البدون” لتعليم هؤلاء الأطفال.
في هذه الكتاتيب “يقوم متطوعون بتدريس الأطفال اللغتين العربية والإنجليزية والتربية الإسلامية يوميًا” حسبما عقبت الناشطة الكويتية في مجال حقوق الإنسان هديل بوقريص لـ موقع فرانس 24
وإثر تدخل استثنائي في العام 2004 من أوراد الجابر الصباح، ابنة أمير الكويت الراحل جابر الأحمد الصباح، أطلق “الصندوق الخيري للتعليم” بهدف مساعدة الطلاب البدون على دفع مصاريفهم الدراسية.
لكن كعادة التدخلات الاستثنائية تُسكن العرض دون أن تنتج حلاً جذريًا؛ فالمدارس الأهلية تقدم خدمة تعليم أقل، وفصولاً مكتظة بالطلاب، كما أن التبرعات لمساعدة البدون على دفع مصاريف التعليم الأهلي، لا تصل لجميع البدون بسبب عدم انطباق الشروط، أو العدد.
دفعت كلفة التعليم المرتفعة للبدون، بعض الأسر اختيار تعليم أحد الأبناء، وعمل البقية باعةً متجولين.
في يونيو/ حزيران 2021 توفى الطفل جراح عيد، 12 عامًا، من البدون، دهسًا أثناء عمله ببيع الورود بالشارع، حمل مغردون على موقع التواصل الاجتماعي توتير الحكومة مسؤولية وفاة الطفل، بسبب الانتهاك العام لحقوق البدون على مستويات الجنسية والعمل والتعليم والصحة.
بسبب الأوضاع المتردية لأسر البدون يضطر الآباء لتسريح أبنائهم باعة متجوالين للمساعدة على حاجات المعيشة، أو المشاركة في تحمل أعباء دراسة طفل من الأسرة.
في عام 2019 أقدم شاب بدون على الانتحار شنقًا، بعد طرده من عمله بسبب سحب بطاقته الأمنية من قبل الجهاز المركزي، وهو ما يعكس صعوبة الوضع المعيشي للبدون في الكويت، حتى بعيدًا عن مجال التعليم.
في عام 2014 طالبت الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان وزارة التربية والجهاز باحترام حق البدون في التعليم، وهو ما لم يحدث إلى اليوم، وبحسب الجمعية تخالف قرارات حرمان البدون من التعليم للمادة 13 من الدستور الكويتي، التي تقر أن التعليم ركن أساسي لتقدم المجتمع، تكفله الدولة وترعاه.
وفي أيلول/ سبتمبر 2018 منعت السلطات الكويتية نحو ألف من أطفال “البدون” من الالتحاق بالمدارس؛ حسب موقع فرانس 24، وتكرر في سنوات متعاقبة، عدم قبول أبناء البدون، بسبب أوراق ثبوتية، أو عدم القدرة المالية على تحمل نفقة التعليم الخاص، أو أن التبرعات لا تكفي أعداد البدون المتقدمين للتعليم، أو أن فصول التعليم الأهلي نفسه، لم يعد بها مكان لاستقبال المزيد.
يبلغ عدد البدون في الكويت قرابة المئة ألف حسب تقديرات صحافية ورسمية من الحكومة الكويتية، بينما يرى بعض الناشطين أن عدد البدون قد يصل إلى مائتي ألف. ومع هذا لا تحل المشكلة، كل ما يلوح في الأفق قرار استثنائي من رئيس وزراء الكويت أو وزارة التعليم، حال هذه الاستثناءات مثل عملية جمع التبرعات لا ولم يحل مشكلة تعليم أبناء البدون.
مشكلة تعليم أبناء البدون، أسبابها وآثارها
“سياسة الجهاز المركزي هي المسؤول الأول والأخير عن مشكلة تعليم الكويتيين البدون، لأنه هو المتسلط، وبيده قرار في كل ما يخص البدون، وفي كل قطاع خدمي يذهب إليه البدون في الكويت هناك ارتباط ومراجعة مع الجهاز” حسبما عقب محمد اللهيميد صانع محتوى من بدون الكويت لمواطن.
ويكمل اللهيميد: “إنه لا يجوز ولا يحق لوزارة التعليم أو غيرها حرمان الأطفال من التعليم، والدستور الكويتي ينص على ضمان التعليم لأي طفل في أرض الكويت، كان مواطن أو وافد”.
بينما تضيف لمواطن ميرة الحسين باحثة علم اجتماع التعليم في جامعة أكسفورد: ” التعليم هو ساحة لعب متكافئة؛ نقطة انطلاق للحراك الاجتماعي، ومسار جدير بالتقدير للخروج من الفقر. وقد يكون هذا صحيحًا نسبيًا بالنسبة لعدد كبير من الناس في الخليج؛ إلا أن الأشخاص من البدون، محرومون من هذه الفرصة، فرصة الخروج من العنف المؤسسي الذي ما زالوا يواجهونه”
يؤكد اللهيميد أن مصير هؤلاء الأطفال يصبح مجهولاً، لأن الحرمان من التعليم، يتركهم للشارع، والشارع يأتي بآفات سلبية، أما ينجرون خلف آفة المخدرات، أو التيارات المتطرفة التي تستخدمهم بأشكال سيئة، أو يفكرون في الهجرة، وأحيانًا ينتهي بهم الأمر بالانتحار.
من دون تعليم جيد، يظل مستقبل العالم قاتماً. لذلك يجب أن نتصرّف حالاً 👇#دعني_أتعلّم pic.twitter.com/OchGKom6Mc
— منظمة اليونيسف (@UNICEFinArabic) September 13, 2022
وعن أثر هذه المشكلة على المجتمع الكويتي؛ يرى اللهيميد أن أثرها كبير، وأن الجهاز المركزي يحارب البدون على التمتع بحقوقهم في الصحة والعمل والتعليم، وما إلى غيره، محاربة أبناء 200 ألف من البدون في التعليم، معناه خروج جيل جاهل، وآثار خروج هذا الجيل ستنعكس على الجميع في المجتمع.
وعن خطورة الحرمان من التعليم على الأطفال، تجيب الحسين أن بذرة في البدون تُزرع في سن مبكرة للغاية، منتهكة بذلك الجهل السعيد للطفولة في حرمانهم من أبسط حقهم في البقاء على قيد الحياة.
وتؤكد أن التعليم ليس مجرد عملية لتنمية المهارات؛ إنها مساحة لرعاية المرونة العقلية للسماح للفئات المحرومة والأقل حظًا بالبقاء على قيد الحياة من التهميش وتجربة شكل من أشكال التكامل بغض النظر عن مدى كونها هامشية. إن أبشع صور عنف الدولة هو العنف الذي تمارسه ضد الأطفال العاجزين.
وتبقى الأزمة مستمرة مع بداية كل عام، عند الذهاب لتسجيل الأبناء في إحدى المدارس الأهلية، فتطالب إدارة المدرسة ببطاقة أمنية صالحة، وهو ما يعني تنازل الآباء عن المطالبة بالجنسية الكويتية، وإضافة جنسية أخرى، للحصول على البطاقة، إذ يشترط الجهاز المركزي وضع جنسية في البطاقة الأمنية، ولا يمكن خروجها من دون إضافة الجنسية.
يعبر أولياء الأمور البدون عن غضبهم من ضياع حقوق أبنائهم، يدشنون الهاشتاجات، ويطالبون بتسهيل إجراءات التقديم أو يشكون من تكاليف الدراسة، حتى يصدر قرارًا استثنائيًا من مسؤول كويتي، ولا تشمل هذه الاستثناءات كل أبناء البدون بسبب العدد أو التعنت أحيانًا أو أن القرار ذاته مراوغة سياسية، إلى أن يأتي العام الدراسي الجديد. وتعاد القصة ثانية ومن البداية، على طريقة أسطورة سيزيف.