تحتل عمليات التجميل حيزًا كبيرًا في المجتمع العراقي؛ إذ تتضح ملامح انتشار هذه الظاهرة في الإقبال المتزايد على مختلف أنواع الجراحات التجميلية، من قبل مختلف الفئات العمرية والجنسية، ويرجع سبب هذا التزايد إلى الانفتاح الكبير الذي شهده المجتمع على العالم خلال السنوات القليلة الماضية.
نقطة التركيز الاجتماعي على هذه الظاهرة، ينبع من كونها تجاوزت محطة الاهتمام النسائي الى إقبال الرجال عليها، وخوضهم في مختلف ثناياها بشكل واسع، حتى شكلت خلال السنوات القليلة الماضية ظاهرة بارزة من بين باقي الظواهر المستحدثة في مجتمع ما بعد عام 2003.
الرجال والنساء والمنافسة على عمليات التجميل
المنافسة الجارية بين الرجال والنساء على هذه الظاهرة، تزداد اتساعًا تدريجيًا، وتقنيات زراعة الشعر تحتل محور الاهتمام الأول بين الذكور، ويليها أهميةً بعض الجراحات الخاصة بترميم وإزالة الآثار والتشوهات الجلدية، بحسب شيماء الأمير، وهي صاحبة إحدى مراكز التجميل المتخصصة في بغداد.
وتقدر “الأمير” نسبة إقبال الرجال على هذه التقنيات بحوالي 30% نسبة للنساء، وتؤكد أن الشباب ما بين الـ 20 والـ 35، هم أكثر الفئات العمرية إقبالًا عليها بين الرجال، فيما لا تتخطى باقي الفئات الأكبر سنًا حاجز الـ 40% من مجموع الرجال المهتمين في هذا المجال.
اهتمام كبار السن المفاجئ بهذه التقنيات يتحدد باهتمامهم بتقنيات تقليل علامات الشيخوخة؛ مثل التجاعيد والتصبغات الجلدية، ويندرج ذلك ضمن محاولاتهم للحفاظ على حسن مظهرهم، بحسب اختصاصي الجراحات التجميلية الطبيب علي الرفيعي.
ويلفت في تصريحه لمواطن، الى أنه ومن ضمن محاولات الحفاظ على حسن المظهر، ارتفاع عدد عمليات تكميم المعدة لدى كبار السن، وتاليًا حاجتهم لاحقًا إلى شد الترهلات الجلدية عبر إجراءات تجميلية أخرى؛ مثل استخدام خيوط الكولاجين.
وبالقاء نظرة سريعة على الشارع، يتجه بعض الشباب حاليًا إلى حقن العضلات ببعض أنواع الإبر التجميلية كوسيلة سريعة وفورية لزيادة حجمها، ويتم تقديم هذه الحقن عبر المراكز التجميلية أيضًا، إضافة إلى بعض الصالات الرياضية رغم منعها من قبل الجهات المختصة.
أسباب الإقبال الذكوري على عمليات التجميل
عمليات التجميل لم تكن يومًا حصرًا على النساء، ولكن خصوصيتها تنبع من الهالة المحيطة بها كواحدة من الوسائل المستخدمة لزيادة جمال الأنثى، وعلى النقيض؛ فإن اعتمادها بين النساء كان ضمن حدود الضرورة.
انتشار هذه الظاهرة، يرجع بحسب الباحث الاجتماعي محمد العبيدي الى شُيوع مفهوم السطحية أو المظاهر الخارجية بين الناس، والتي بدأت تلقي بظلالها من خلال تحول مفهوم الأناقة والثقافة من إتيكيت الحديث والمنهاج الحياتي نحو التركيز على المظهر الخارجي بشكل رئيسي.
ويقول لمواطن: “إن ارتفاع نسبة إقبال الرجال على الجراحات التجميلية بشكل أكبر خلال السنوات القليلة القادمة لن يكون مستغربًا، إذا ما نظرنا إلى سرعة انتشاره الحالية، وتاليًا ارتفاع احتمالات تحولها إلى هوس يتعلق بجمال الرجال”.
أسباب أخرى تقف خلف ارتفاع عدد المقبلين على هذه العمليات؛ حيث توجه الماكينات الترويجية فوهاتها نحو الرجال وحثهم على تحسين مظهرهم الخارجي، وفي الحقيقة فإن هذه المحاولات تلقى استجابة إيجابية بصورة أكبر في المجتمعات الذكورية.
ورغم افتقار العديد من هذه المراكز لشهادات مزاولة المهنة، لكنها تجد سبيلها للعمل والاستمرار، من خلال دفع الرشاوى واللجوء إلى المحسوبيات من أجل تفادي إغلاق أبوابها، بغض النظر عن المخاطر التي تلحقها بالمواطنين، والتي رغم التركيز الإعلامي على مخالفاتها وما تلحقه من أضرار نتيجة افتقارها للرقابة، لكن ذلك لم يقلل من زخم الإقبال الشعبي عليها.
وقد صرح نقيب الأطباء خلال شهر شباط/فبراير الماضي، بوجود أكثر من 400 مركز تجميلي غير مرخص -حصرًا- في بغداد ، ولكن هذه التقديرات تبقى مجرد تخمين في ظل عدم وجود أي إثبات رسمي لتوثيقها.
كيف ينظر المجتمع العراقي إلى هذه الظواهر؟
تختلف نظرة المجتمع إلى هذه الظاهرة؛ فالانقسام عليها لا يختلف عن انقسامه على باقي الظواهر الرائجة في البلاد، ويمكن بشكل عام تقسيم هذه النظرة الى جانبين؛ مؤيد ومعارض لها.
سعد الخالدي 33 عامًا، وهو محامي من محافظة ديالى، يمتلك وجهة نظر مؤيدة أخرى؛ حيث يرى أن الخوض في هذه الجراحات يساعد العديد من الشباب لتفادي البطالة، خاصة في ظل الاتجاه السائد في سوق العمل وتفضيل المظاهر الخارجية في التوظيف.
ويذهب في تصريحه لمواطن، إلى القول بأن الاهتمام بالمظاهر لا يقتصر على سوق العمل؛ بل تجاوزه إلى المقبلين على الزواج، ورغبة الشباب في إخفاء بعض العيوب، من أجل نيل رضا الفتيات.
صفاء سلام، البالغ من العمر 26 عامًا، من محافظة بابل، يعبر عن تأييده لانتشار هذه الظاهرة، ويعتبرها مجاراة للتطور الاجتماعي، ويعزز رأيه بالإشارة إلى انتشارها بين الرجال في المجتمعات الغربية كوسيلة لتحسين مظهرهم، وتاليًا فإنه يؤكد أن هذه الظاهرة هي إحدى وسائل خروج العراق من عزلته الاجتماعية.
ولكن محمد الموسوي في 28 عامًا، من بغداد، يعارض هذه الآراء، ويرى أن المجتمع لا يزال ينظر بسلبية الى هذه الممارسات، ويتغاضى عن سلبيتها ضمن حدود الضرورة؛ مثل محاولة إخفاء بعض الندب أو الجروح البارزة، كما إنه يستنكر محاولة تقليد الغرب في كافة خطواته، وإن كانت منافية لقيم المجتمع.
وجهة النظر النسائية لا تختلف عن غيرها؛ إذ تنوه آلاء الجنابي 24 عامًا من محافظة بغداد، أن هذه الظاهرة لم تعد تهدد بمحو المفاهيم الاجتماعية الخاصة فحسب؛ بل تجاوزتها نحو محو كافة القيم العراقية، وتلوم وسائل التواصل الاجتماعي في استشراء ظاهرة إقبال الرجال على عمليات التجميل.
سؤدد محمد أياد من محافظة بغداد أيضًا، تؤيد اتجاه بعض الشباب نحو الإجراءات التجميلية الضرورية؛ مثل تصغير الأنف وزراعة الشعر، ولكن ترى أن المبالغة قد تأتي بنتائج عكسية، خاصة فيما يتعلق باستخدام الحقن والعناية المستمرة بالبشرة، والتي قد تقلل انجذاب الفتيات نحو هذه الفئة من الشباب أو الرجال.
وبالمحصلة؛ فإن زيادة إقبال الرجال على عمليات التجميل يحتمل كغيره من الظواهر إيجابيات وسلبيات، قد تصب في مصلحة بعض المواطنين، كما قد تنقلب على البعض الآخر في حال المبالغة فيها.