جرت انتخابات مجلس الأمة (البرلمان) الكويتي، في يوم الخميس الموافق 29 سبتمبر/أيلول الماضي، وسط مشاركة واسعة من المواطنين الكويتيين، تخطت بحسب مراقبين للانتخابات حدود الـ 70 في المائة، وأسفرت عن تغيير بنسبة 54 في المائة عن المجلس السابق، باحتساب عدد الأعضاء الذين فضّلوا عدم خوض هذه الانتخابات وعددهم سبعة، إلى جانب خسارة 20 عضواً معظمهم كانوا مُقربين من الحكومة الكويتية.
وتنقسم الدوائر الانتخابية في الكويت إلى خمس دوائر، تنتخب كل دائرة منها عشر أعضاء، بمجموع 50 عضواً، وبلغ عدد المرشحين 305 مرشحين بينهم 22 امرأة، وعدد من يمكنهم الانتخاب أكثر من 730 ألف ناخب وناخبة.
وشهدت الانتخابات فوز عدد كبير من المعارضين السياسيين في البلاد، وحصدت القبائل على العدد الأكبر من مقاعد البرلمان، رغم انخفاض عددهم عن المجلس السابق، وأتى خلفهم مباشرةً الإسلاميين (سنة وشيعة) بـ 15 مقعداً، وعادت المرأة بمقعدين بعد غيابها عن الدورة السابقة، بفوز عالية الخالد عن الدائرة الثانية، والوزيرة السابقة جنان بوشهري عن الدائرة الثالثة.
عادت المرأة بمقعدين بعد غيابها عن الدورة السابقة، بفوز عالية الخالد عن الدائرة الثانية، والوزيرة السابقة جنان بوشهري عن الدائرة الثالثة.
وعلى خلاف انتخابات مجلس الأمة 2020، شهدت معظم الحملات الانتخابية لمرشحي الانتخابات التشريعية 2022، غياب المشاريع السياسية عنها، وعدم تواجد قضية كبرى يُجمع عليها في الانتخابات لدى الفاعلين السياسيين، ما أدى إلى تشتت الرؤى والبرامج الانتخابية، وطغيان الخُطب الحماسية واستدعاء النعرات القبليّة، وتبادل التراشق السياسي بين المرشحين، سوى بعض الاستثناءات ممن طرحت طرحاً جاداً حول مختلف القضايا والمواضيع.
ولم يكن غياب قضية البدون في الكويت، عن الحملات الانتخابية للمرشحين، استثناءً في هذه الانتخابات، فبينما جرى تداولها موسعاً في انتخابات مجلس الأمة 2020، خاصةً أنها جاءت بعد تزايد حالات الانتحار بين أفراد مجتمع البدون (5 حالات انتحار بين يوليو 2019 وديسمبر 2020)، حيث قامت مجموعة عريضة من المرشحين بالتوقيع على وثيقة أطلقها ناشطون بدون، بالتعهد على إنهاء قضية البدون، وإقرار قانون جمعية المحامين الكويتية بهذا الشأن، كما كان المرشحون يعرضون تصوراتهم حول حلول مشكلة البدون، ويعدون بحلها حلاً جذرياً في حال نجاحهم في الوصول إلى البرلمان، إلا أن حضورها كان خجولاً للغاية في هذه الانتخابات مقارنةً بسابقتها.
وحول ذلك، قالت عضو “منصة الدفاع عن بدون الكويت”، والناشطة الحقوقية لمى العثمان، في حديث مع “مواطن” أنه “لطالما كان هدف المرشح كسب عدد أكبر من الأصوات من خلال خطابات انتخابية تتناسب والمزاج الانتخابي، والتي تمحورت حول الصراعات والأزمات السياسية، أما قضية البدون فهي قضية جدلية في الشارع الكويتي، والتطرق لها لا سيما في بعض الدوائر الانتخابية، التي يطغى فيها شعار الهوية الوطنية وقضايا الجنسية، والتي تُفسّر بطريقة رجعية شوفينية منغلقة، فهي بالنسبة لبعض المرشحين مغامرة”، وأضافت: “وللأسف لم تكن قضية البدون في تلك الدوائر ذات قيمة انتخابية، خاصةً وأنهم لا يملكون أصواتاً”.
وتشير عثمان إلى أن "النظام الانتخابي الفردي هو العلة الأساسية، وغياب العمل المنظم والبرامج الانتخابية يجعل من المرشح بائعاً للوهم، مهما كان صادقاً في طرحه، إذ لا يستطيع وحده إنجاز ما يعد به".
بجانبها، ترى الناشطة في قضية البدون، أسرار الهزاع، في حديث مع “مواطن”، إن من أسباب غياب قضية البدون عن معظم الحملات الانتخابية، كونها “قضية غير جاذبة لكسب الأصوات، وأغلب المرشحين لا يرونها تُكسبهم انتخابياً، خاصةً في الدوائر التي لا يتواجد فيها عدد كبير من أقارب البدون، فيتحاشى المرشح دعم حقوق البدون، مخافة أن يخسر دعماً من بعض الفئات العنصرية، فلا يتطرق إليها نهائياً”، وتضيف: “بل ويتجه بعض المرشحين من أجل كسب أصوات العنصريين، إلى مهاجمة البدون والإشادة بعمل الجهاز المركزي (جهاز الدولة الرسمي المعني بشؤون البدون)”.
وتوضح الهزاع أنه “في الدوائر الانتخابية التي يتواجد فيها عدد كبير من أقارب البدون، هنالك قضايا باتت أكثر جاذبية لكسب الأصوات، تتعلق بالعفو العام ومحاربة الفساد وغيرهما”.
وتعتقد الهزاع كذلك إن من أسباب عدم حضور قضية البدون في معظم الحملات الانتخابية، يعود إلى ضعف الرؤية الاستراتيجية للسياسيين الكويتيين، وتشرح ذلك قائلةً: “أعتقد أنه في الأساس، وباستثناء قلة قليلة من المرشحين والنواب، لا تمثّل قضية البدون لأغلبية السياسيين أهمية كبرى، لذا نرى مقارباتهم للقضية فضفاضة وغير واضحة، وهذا نتيجة ضعف الرؤية السياسية والاستراتيجية لديهم، فعدم حل هذه القضية بشكل عادل أمر في غاية الخطورة، فحتى من ناحية براغماتية وأخلاقية يجب أن تكون في سلّم الأولويات”.
فيما يرى الناشط في قضية البدون طالب خالد، في حديث مع “مواطن”، إن قضية البدون لم تغب عن الحملات الانتخابية، “خصوصاً في الدائرتين الرابعة والخامسة، وبعض المرشحين في الدائرتين الأولى والثانية”، وأنه “كان مدعاة للتفاؤل حينها، إذ بناء على تصريحات المرشحين، يتوقّع البدون علاج قضيتهم في هذا المجلس تحديداً”.
وبينما قام ناشطون بدون، بإطلاق حملة لتوقيع مرشحي مجلس الأمة 2020، على وثيقة بالتعهد على إنهاء مشكلة البدون بإقرار قانون جمعية المحامين الكويتية، وحصولهم على تواقيع عدد كبير من المرشحين، فاز منهم 14 مرشحاً بعضوية البرلمان لاحقاً، وأدى تصاعد الأزمة السياسية بين البرلمان والحكومة إلى تراجع الاهتمام بقضية البدون، إلا أن الناشطين البدون في هذه الانتخابات، استخدموا تكتيكاً جديداً، حيث قام “ائتلاف القوى الفاعلة في قضية الكويتيين البدون” (متضامنون)، بالتواصل المباشر مع المرشحين، من خلال زيارات إلى عدد واسع منهم، وطرح أبرز التصورات، وسبل دعمهم القضية في حال وصولهم إلى البرلمان.
وأُعلن عن تشكيل “ائتلاف القوى الفاعلة في قضية الكويتيين البدون” (متضامنون)، في 19 أغسطس/آب الماضي، مكوّناً من ست قوى سياسية من مجتمع البدون، وهي “لجنة الكويتيين البدون”، و”تجمع الكويتيين البدون”، و”مشروع مواطنون”، و”تجمع البدون التقدمي”، و”تجمع شباب الصليبية”، و”تجمع شباب تيماء”.
وأصدر ائتلاف “متضامنون” بياناً في 27 سبتمبر/أيلول الماضي، أعلنوا من خلاله عن “قائمة الشرف” من المرشحين الذين تبنوا قضية البدون، وأعلنوا عن تأييدهم ودعمهم الكامل لهم، وبلغ عددهم 40 مرشحاً، موزعين على الدوائر الانتخابية الخمس، منهم 5 مرشحين في الدائرة الأولى، و8 مرشحين في كل من الدائرة الثانية والثالثة، و10 مرشحين في الدائرة الرابعة، و9 مرشحين في الدائرة الخامسة، حصل منهم 24 مرشحاً على عضوية مجلس الأمة.
وجاء في بيان “متضامنون” أنه “خلال الفترة الماضية، قام ائتلاف القوى الفاعلة في قضية الكويتيين البدون، ممثلاً بالسيد أحمد التميمي، والمنسق العام للائتلاف عبد الحكيم الفضلي، بزيارات لمرشحين من مختلف الدوائر الانتخابية، لطرح أبرز التصورات وسبل دعم قضية البدون في المجلس القادم”، وأضاف البيان: “وإننا إذ نتقدم للجميع بالشكر الجزيل على ما لاقيناه من حسن استقبال، ومن دعم صادق لإنهاء هذه القضية بشكل شامل وعادل، فإننا نعلن عن تأييدنا ودعمنا الكامل لهذه الشخصيات الوطنية المقدرة، ممن حملوا على عاتقهم أهم قضايا الوطن، بما في ذلك قضية البدون”.
وترى لمى العثمان، إن بعد ظهور نتائج الانتخابات “لأول مرة نشعر بوجود مؤشرات إيجابية تجاه قضية البدون، بعد خيبات السنوات الطويلة”، وتضيف: “هناك عدد لا بأس به من النواب المؤيدين إما لقانون الحقوق المدنية أو قانون جمعية المحامين، وهناك من بدأ إثارة الموضوع حتى قبل أداء القسم الدستوري في مجلس الأمة”.
ويؤكد طالب خالد أن "قضية البدون من الأولويات لدى النواب، لأنهم يشعرون بالتقصير تجاهها، بسبب تفريط الفرص في المجالس السابقة".
أما أسرار الهزاع فقالت: “لست متفائلة جداً، ولا أحب التعلّق بالأوهام، فلا أعتقد أن القضية ستنتهي لمجرد تغيّر تركيبة مجلس الأمة، إلى تركيبة قد تكون مؤيدة لإنهاء معاناة مجتمع البدون، كما أؤمن بأنه حتى وإن اتفقت الأغلبية على تجنيس البدون، أو منحهم الحقوق المدنية، فستحدث عرقلته من السلطة التنفيذية، التي تشارك من خلال وزرائها الـ16 بالتصويت، بالإضافة إلى امتلاكهم أدوات تُعطّل هذه القرارات”.
وبحسب المادة 80 من الدستور، يُعتبر أعضاء الحكومة أعضاء في البرلمان، حيث نصت على أنه “يعتبر الوزراء غير المنتخبين بمجلس الأمة أعضاء في هذا المجلس بحكم وظائفهم”.
وحول ما إذا كانت تركيبة مجلس الأمة الجديد لصالح قضية البدون، تشير العثمان إلى أنه “لا يمكن التنبؤ حالياً بتوجهات النواب الجدد، ففي ظل النظام الفردي لم يقدم المرشح برامج واضحة، فلا نعرف إن كان يؤيد الحقوق المدنية فقط وهو الحد الأدنى، أم يؤيد قانون جمعية المحامين وهو القانون العادل المنصف، ولا أعتقد ستمرره الحكومة التي يُمثّل أعضاءها ثلث مجلس الأمة”.
بجانبها، قالت الهزاع عن تركيبة المجلس وفق مخرجاته الأخيرة: “لا أثق في هذه اللعبة السياسية التي لم تحقق مكاسب حقيقة للبدون، والسبب يرجع إلى سرعة تبدل مواقف النواب بعد ضمانهم كرسي البرلمان، وعدم وجود نية حكومية جادة في حل نهائي وعادل للقضية”.
بخلافهما، يرى طالب خالد إن تركيبة مجلس الأمة لصالح قضية البدون، وبأنها فرصة تاريخية لها، بحسب تعبيره، وقال: “لأن المطلع على تصريحات النواب ومواقفهم السابقة، يشعر بوجود أغلبية مريحة من شأنها أن تقرّ قانوناً من أجل البدون، دون الحاجة إلى أصوات الحكومة”.
وعن تطلعاتها من الحكومة القادمة، قالت العثمان: "إقرار حل عادل منصف لأقدم قضية إنسانية في المنطقة بعد قضية فلسطين، كما يتطلع البدون إلى نيل حقوقهم ورفع المعاناة والظلم عنهم".
بينما قالت الهزاع: “هنالك توجه نسمع عنه يتطلع إلى تسهيل الأمور من خلال إلغاء الجهاز المركزي، وإرجاع ملف البدون إلى وزارة الداخلية، حيث يُعتبر هذا القرار حلاً إيجابياً للطرفين، عن طريق قيام الحكومة بحل وتسهيل معاملات البدون، بدلاً من تأخيرها أو تعطيلها كما فعل الجهاز المركزي، الذي مارس وما زال يمارس إجراءات غير قانونية بحق مجتمع البدون”.
أما طالب خالد فيخشى من “تصادم مجلس الأمة مع الحكومة، ما قد يشكل تهديداً لديمومة المجلس بشكل عام، وقضية البدون بشكل خاص”.
وأعلن النائب عبد الله فهاد العنزي، يوم الثلاثاء الماضي، عن تقديمه قانوناً لإلغاء “الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية”، ونقل تبعيته إلى وزارة الداخلية.
وقال فهاد، عبر تغريدة في حسابه على “تويتر”: “التزاماً بالعهد الذي قدمناه في مشروعنا السياسي، سوف أتقدم الأسبوع القادم بقانون إلغاء الجهاز المركزي للمقيمين بصورة غير قانونية، ونقل تبعيته إلى وزارة الداخلية، مع تشكيل لجنة تحقيق بكل المعلومات والبيانات التي في الجهاز ومن زودهم فيها”، مشيراً إلى كونها “أولى الخطوات لرفع الظلم عن إخواننا البدون”.
ويعقد مجلس الأمة جلسته الافتتاحية يوم الثلاثاء القادم، الموافق 11 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وينتخب عبرها أعضاء مكتب المجلس: الرئيس ونائبه وأمين السر والمراقب، بالإضافة إلى انتخابات أعضاء اللجان البرلمانية.