تعبر الملابس النسائية في السعودية عن التراث الثقافي وتشكل جزءً من الهوية الوطنية الإسلامية التي صيغت في إطار التقاليد والعرف الاجتماعي المحافظ بالمملكة، إلا أنه لم يستطع الصمود أمام الحداثة والتطور والانفتاح على العالم، في ظل قرارات إصلاحية اجتماعية كسرت قاعدة النمطية في المظهر السائد للمرأة السعودية. فكيف كانت البداية وما أشكال التطور التي طرأت على مظهر نساء المملكة وإلى أين وصلت الآن؟
كان الزي التقليدي التراثي السعودي، والمعروف باسم “المقطع / الثوب” نوعًا من الملابس النسائية التي كانت تتماشى قديمًا مع ثقافة الحياة البدوية في شبه الجزيرة العربية، وهو زي فضفاض ويصل طوله إلى الكعبين، ويشبه إلى حد كبير ملابس الرجال بالسعودية حاليًا.
لم يذكر تاريخ محدد يوثق ظهور الزي التقليدي السعودي، إلا إنه نشأ مع تأسيس المملكة منذ ثلاثة قرون، ويتم ارتداء الملابس التقليدية في احتفالات يوم تأسيس السعودية الذي يوافق الثاني والعشرين من فبراير من كل عام، ويعود هذا اليوم إلى سنة 1727م، حيث تم تأسيس الدولة السعودية الأولى على يد الإمام محمد بن سعود، عقب توليه إمارة الدرعية.
وينتشر البرقع في "يوم تأسيس المملكة" كأحد أبرز مظاهر الاحتفال، الذي يباع بأسعار مرتفعة، ويصل سعر البرقع التراثي إلى 20 ألف ريال سعودي.
تأسست ثقافة أزياء النساء في السعودية على البرقع، ولم تكن المملكة تعرف النقاب قبل حرب الخليج، حيث كان نساء المملكة يلبسن “الخمار” فوق العباءة السوداء، والذي جاء كمحاولة لتقليد “الملاية التركي” التي يتم وضعها فوق الرأس لتغطي الجسم كله، وبعض النساء كن يضعن “بيشة” على وجوههن امتثالًا بالبرقع التركي، لما وقعت حرب الخليج وبدأ الزحف الكويتي إلى المملكة بسبب الغزو العراقي للكويت، تسببت النساء الكويتيات في نشر “النقاب” بين النساء السعوديات.
لم تلتزم النساء في السعودية بالعباءة السوداء؛ فقد ساد ارتداء السواد بالأساس في عصر الصحوة 1921_ 2005 ” وتضيف الفنانة التشكيلية نورة الخالدي في حديثها لمواطن: ” كانت العبايات السوداء غير المنقوشة تعتبر الزي الرسمي للمدارس وللأماكن العامة والأسواق، ولكن للزواجات والأفراح كانت تلبس العبايات المنقوشة المزخرفة ببعض الزخارف المناسبة للزواج أو الحفل”.
هل يصمد اللباس التقليدي في السعودية أمام متطلبات الحداثة؟
اختلفت الأزياء في المملكة باختلاف المناطق، نساء أهل “نجد” كانت ترتدي ملابس من القماش “الشالكي” وهو قماش طبيعي بارد فيه بعض الورود، ويعتبر لباسًا يوميًا وألوانه متنوعة.
أما لباس المناسبات فكانت النساء ترتدي “المخنق -وهو قماش حريري مصنوع من التل أو الشيفون مزين بالترتر اللامع أو التطريز الذهبي- وهو مغلق بالكامل ماعدا فتحة الوجه، ولذلك سمي بالمخنق، ويوجد منه بدون زينة وتطريز، فتلبسه البنات الصغيرات أثناء الخروج من المنزل.
على الرغم من التزام لباس المرأة السعودية بالضوابط المتعلقة بالدين الإسلامي؛ فهي تراعي فيه أن يكون ساترًا لبدنها، إلا أنها لم تغفل الاعتناء بمظهرها. تضيف الفنانة التشكيلية السعودية ندى الشدوخي خلال حديثها لمواطن: “لم يعد للزي النجدي وجود الآن؛ لا في الحياة الطبيعية ولا في المناسبات؛ فمع تطور العالم والأزياء أصبحت المرأة السعودية ترتدي كل ما هو عصري وحديث ومتزن”.
تحولات في مصير الأزياء.. ما بعد "هيئة الأمر بالمعروف"
كانت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية تلاحق النساء في الشوارع ويتأكدون من أن كل امرأة ترتدي العباءة السوداء، لكن النسويات السعوديات لم يقبلن التدخلات التي لا تنتهي من قبل أفراد الهيئة، وقد أطلق ناشطون سعوديون حملة تحت هاشتاج “#العباءة_المقلوبة” معبرين عن اعتراضهم على إجبار النساء على لبس العباءة السوداء، بالرغم من عدم وجود أي نص قانوني بالدستور السعودي يحدد اللباس الرسمي للنساء بالمملكة، لكن بقدوم عام 2016، تم إيقاف نشاط الهيئة خاصة بعد الشكاوى العديدة التي تقدمت بها النساء إثر تعرضهن للمضايقات على يد أفراد الهيئة أنفسهم.
استمر الوضع إلى أن صرح محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، خلال لقاء تليفزيوني مع قناة CBC الأمريكية أن ارتداء الحجاب للنساء السعوديات هو قرار شخصي، وأن الحجاب لم يذكر به نص صريح في النصوص الدينية الإسلامية، ولم يشترط على المرأة ارتداء الأسود، وبعدها فتح الطريق أمام كل امرأة سعودية تريد أن تتخلص من الحجاب وتخرج في شوارع المملكة دون أن تغطي رأسها وبدون أن يلاحقها أحد كما في السابق.
لم تفرض المملكة الحجاب بشكل صريح على النساء السعوديات؛ فإن هناك فئة ترتديه بموجب المفاهيم الدينية، وهناك فئة أخرى ترتديه وفق العادات والتقاليد والثقافة المجتمعية السائدة، لكن مع كثرة وجود السياح الوافدين إلى المملكة من الأجانب واختلاط الثقافات وتنوعها، أقبل الكثير من النساء على خلع الحجاب، لكن لا تتخلى عن ضوابط الاحتشام المرتبطة بالزي العام، وإن كان المجتمع السعودي بعضه لا يرحب بخروج النساء السعوديات دون حجاب، لكن أصبح الأمر واقعًا ملموسًا ولا يمكن إنكاره، وتقول لمواطن، رهف -مواطنة سعودية- خلعت الحجاب: “من الأساس مو محجبة، أنا كنت ألبسه عشان المجتمع، ولكن بعدما صار الشي طبيعي حسيت براحة أكثر من قبل من ناحية إن مو لازم ألبس العباية وأتقيد فيها”.
جدل "في المجتمع السعودي"
عندما بدأت المرأة السعودية تخرج إلى الشوارع والاحتفالات العامة بدون نقاب أو حجاب، أثار ذلك حفيظة بعض السعوديين المحافظين الذين اعتادوا على انغلاق مجتمعهم وليس لديهم قابلية للتغيير، أخذ الرافضون للحرية التي منحت للمرأة يغردون على موقع التدوينات القصيرة تويتر، ويعبرون عن رفضهم لمظهر المرأة الجديد في المملكة، إذ كتب حساب باسم “عصام” قائلًا: “النقاب الشرعي في العيد الوطني للسعودية وحشمة العوائل ووقار الدين تحول إلى دعارة محتشمة، عنوانها الحرية”.
.. النقاب .. الشرعى .. النساء .. العيد الوطني فى السعودية .. حشمة العوائل السعودية .. الوقار فى الدين .. تحوّل الى دعاره محتشمة .. عنوانها الحريّة .. راية الشيطان أبليس اللعين .. فى أمة محمد الأسلام .. مبروك للشيطان .. حصّل له فى السعودية .. خير معين و سند ولى الأمر وبطانه فاسده
— عصام (@esam34008609) October 3, 2022
تداول مغردون وثيقة غير رسمية تفيد بأن المملكة تتيح للنساء السعوديات أو الوافدات بعدم ارتداء الحجاب في الأراضي السعودية كاملة عدا مكة والمدينة، وفي حالة تعرض أي شخص؛ سواء كان شرطيًا أو غيره لأي امرأة بدون حجاب ومضايقتها فإنه سوف يتم معاقبته، ورغم عدم صحة هذا الخطاب، إلا أنه واجه الكثير من الرفض والهجوم والترحيب في الحين الآخر.
كتب منصور الغامدي، إعلامي سعودي، تغريدة يتحدث فيها عن ملكة جمال السعودية، ويصفها من وجهة نظره بأنها تلك المرأة التي لم تخرج من بيتها بدون حجاب، ولم تطلب إسقاط الولاية عليها، ولا تسافر بدون محرم، معتبرًا أن النسويات والليبراليات السعوديات هن حثالة المجتمع السعودي.
#ملكه_جمال_السعوديه
— د . منصور الغامدي (@1122Mans) August 30, 2019
ملكة جمال السعودية
ماطلعت نفسها بدون حجاب ولا عبايه ولا تطلب اسقاط الولايه ولا تسافر بدون محرم
هذه هي ملكة جمال السعوديه التي لا احد يستطيع ان يراها ولله الحمد هم اكثر بكثير بكثير بكثير
من حثاله النسويات والليبرالين
إن كانت المرأة السعودية بالفعل حصلت على العديد من حقوقها المسلوبة كحقها في اختيار ملابسها؛ إلا أن البعض يعتبر الحكومة السعودية تحاول تلميع صورتها بين الدول لا أكثر؛ إذ كتب حساب باسم سالي، تغريدة على تويتر تقول فيها إن إصرار الحكومة في السعودية لإظهار المرأة بدون حجاب أو عباءة هو تلميع صورتهم أمام العالم فقط، بينما في الواقع النساء السعوديات لا يستطعن الخروج من المنزل بدون نقاب.
اصرار الحكومة #السعودية لإظهار المرأة بدون حجاب وعباية = تلميع صورتهم قدام دول العالم .
— 𝐒𝐚𝐥𝐥𝐲 (@yll9as) May 21, 2022
بالواقع غالب البنات ماتقدر تطلع من البيت بدون نقاب بس مايهم المهم نعطي العالم صورة جميلة عنا شوفو صرنا اوبن مايند وعندنا حريات . https://t.co/eiGJf9nORp
نساء في الشوارع من دون عباءة أو حجاب
في جولة بشوارع الرياض خرجت مشاعل الجالود، ناشطة سعودية، بدون حجاب أو عباءة سوداء؛ إذ كانت ترتدي بنطالاً أبيض وبلوزة حمراء، في مظهر لم تعهده السعودية من قبل، وبالرغم من شعورها الكبير بالسعادة؛ إلا أنها كانت متخوفة من التعرض للعنف أو التعدي بسبب عدم ارتدائها العباءة، من قبل المتطرفين دينيًا، إلا أنها حقها في حرية اختيار ملابسها.
خاضت نفس التجربة مناهل العتيبي، ناشطة سعودية، التي لا تقبل الزي التقليدي السعودي باعتباره لباسًا دائمًا بالسعودية، وكانت ترتدي تيشرت نصف كم أبيض، وفوق منه سلوبت أزرق بحملات رقيقة.
أخيرًا استطاعت المرأة السعودية أن تشتم أنفاس الحرية في اختيار ملابسها، كل هذا بفضل جهود النسويات السعوديات والمدافعات عن حقوق المرأة، وإن كان لازال هناك صوت يرفض حرية المرأة ويريد تضييق الخناق عليها، إلا أن هذه الأصوات سوف تخفت شيئًا فشيئًا.