تفرض السلطات السعودية في الآونة الأخيرة حزمة إجراءات على العمالة اليمنية الوافدة؛ من رفع رسوم الإقامة السنوية، بالإضافة إلى توجهات سعودة العمالة، وترحيل العاملين غير الرسميين، وهو ما انعكس سلبًا على حياة المغتربين اليمنيين في المملكة، وزاد من معاناتهم ومعاناة أسرهم؛ خصوصًا في ظل تدهور الأوضاع المعيشية بفعل استمرار الحرب منذ أكثر من سبع سنوات.
ترى المحامية والحقوقية اليمنية رغدة المقطري بأن :”الإجراءات التى تتبعها السعودية ضد المغتربين اليمنيين وحرمانهم من حقوقهم القانونية، ومضاعفة رسوم الإقامة والغرامات وترحيل العمال الذين لا يجدون( كفيلاً)، تتنافى مع جميع القوانين والأعراف الدولية؛ فهي تتم بدون أي وجه حق”.
وتؤكد المقطري لمواطن :”يجب على السلطات اليمنية العمل على الحد من هذه الانتهاكات التى يتعرض لها اليمنيون بشكل يومي، والعمل الجاد على حل الملف اليمنى الخاص بالمغتربين في السعودية؛ خصوصًا أن السعودية شريك أساسي في حرب اليمن، ويجب على جميع القوى الوطنية اليمنية بمختلف توجهاتها إلى الاصطفاف مع المغتربين، والدّفاع عنهم وعن حقوقهم”.
وجد مئات الآلاف من المغتربين اليمنيين أنفسهم عاجزين عن توفير رسوم الإقامة السنوية الباهظة التي تفرضها السلطات السعودية على العمالة اليمنية، والتي وصلت مؤخرًا إلى نحو 12 ألف ريال سعودي سنويًا، وسط مضايقات حكومية متواصلة.
وعلى إثر هذه الإجراءات يخبرنا شوقي إنه بعد سنوات عمل في المملكة، وجد نفسه عائدًا مضطرًا إلى بلده اليمن مطلع العام الجاري، بينما يؤكد أسامة (يمني يعمل في السعودية) أنه عاش أسوأ أيامه خلال سنوات الغربة في المملكة؛ إذ تعرض لمضايقات مستمرة من قبل أرباب العمل السعوديين، في حين أن راتبه الشهري لا يكفي لتجديد رسوم الإقامة السنوية.
يعد سوق العمل السعودي واحدًا من أهم الأسواق العربية للعمالة اليمنية؛ إذ يعمل مايقارب 2.8 مليون مغترب يمني في الأراضي السعودية، من إجمالي 6 ملايين مغترب يمني يتواجدون في مختلف دول العالم، ويعيلون نحو 30% من الأسر اليمنية.
"عثرات لا تنتهي".. تلاحق اليمنيين في اليمن أو السعودية
يحكي “أسامة” لمواطن أنه تخرج عام 2017 في قسم المحاسبة بجامعة صنعاء، الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي وسط اليمن، وعمل محاسبًا بأحد المطاعم في صنعاء، كان يتقاضى نحو 60 ألف ريال يمني؛ أي ما يعادل نحو 100 دولار أمريكي بسعر صرف الدولار في صنعاء، ولم يكن ذلك كافيًا لشراء أبسط الاحتياجات الضرورية لعائلته، ليقرر الغربة والسفر إلى السعودية.
بينما يضيف وليد بأنه اضطر إلى بيع قطعة أرض في ريف محافظة إبّ، بغية شراء فيزا للعمل في السعودية، مشيرًا إلى أنه حصل عليها مقابل 10 ريال سعودي وسافر إلى المملكة عام 2018.
وليد مثله مثل بقية مئات الشباب الذين فضلوا السفر إلى السعودية بحثًا عن العمل لتوفير لقمة العيش، إثر تردي الأوضاع الاقتصادية وانعدام فرص العمل في اليمن، وهو ما دفع البعض إلى بيع قطعة أرض، وبعضهم اضطر إلى بيع ذهب الأسرة أو الزوجة للحصول على فيزا عمل في المملكة، لكن الإجراءات الأخيرة التي اتبعتها الحكومة السعودية، وجدوا أنفسهم بلا عمل.
بعد خمس سنوات من المضايقات والتنقل بين العديد من الأعمال، فضل وليد العودة والبحث عن فرصة عمل في اليمن؛ إذ يعمل محاسبا ماليًا في شركة خاصة في مدينة إبّ، ويتحسر على قطعة الأرض الذي باعها وعلى سنوات ضياع عمره بلا فائدة في السعودية.
يعتقد الخبير الاقتصادي اليمني رشيد الحداد أن الإجراءات السعودية بحق العمالة الوافدة بشكل عام، واليمنية بشكل خاص، في سياق توطين المهن بهدف الحد من معدلات البطالة في أوساط الشباب السعودي.
ويضيف الحداد لمواطن :”هناك مضايقات تطال العمالة اليمنية؛ منها طرد الأكاديميين من الجامعات السعودية، وإبعاد العمالة اليمنية من المناطق الجنوبية، وتسبب هذا بفقدان الآلاف من المغتربين اليمنيين لفرص أعمالهم ورؤوس أموالهم ايضًا”.
“على الرغم من وجود اتفاقيات تمنح العامل اليمني في السعودية امتيازات خاصة، كاتفاق جدة 2000، واتفاقيات أخرى، إلا أن ضعف الحكومة المعترف بها دوليًا، كانت سبب تعرض معظم العمالة اليمنية في السعودية للاضطهاد المتعدد، من قبل السلطات أو من قبل الكفلاء؛ خاصة وأن نظام الكفيل يعد نظامًا عبوديًا بامتياز”. حسبما قال الحداد .
توافقه الرأي المحامية رغدة المقطري قائلة : “خلال فترة التضييق الشديد أصبح اليمنيون في السعودية يناشدون أهلهم بالداخل بمساعدتهم بدفع تكاليف إقامتهم، فاضطرت النساء لمساعدة أبنائهن وأزواجهن وإخوانهن ببيع الذهب، ورغم الظروف القاسية التى تمر بها البلاد؛ فقد باعت تلك النسوة الأرض والغالى والنفيس ليسافر هؤلاء الرجال ويعملون، والآن تبيع النساء ما تبقى لديهن لإعانة الرجال على العيش في الغربة”.
إذا لم يكن هناك تحرك جاد وقوي من السلطة اليمنية، ومن قبل المجلس الرئاسي للحد من الإجراءات المتخذة على اليمنيين؛ خصوصًا تلك التى تم ممارستها منذ منذ عام 2017 تقريبا؛ فإن مثل هذه الإجراءات سوف تزداد، وتزداد معها خطورة الوضع على المغتربين وذويهم في الداخل في ظل الأزمة التى نعيشها جميعا". حسبما عقبت المقطري.
رواتب قليلة.. ومعاناة مضاعفة
يعمل الشاب اليمني عصام ناصر 27 عامًا، في أحد المطاعم في منطقة الدمام، في السعودية منذ أربع سنوات بمبلغ نحو 1800 ريال سعودي شهريًا مقابل عمله؛ إذ يقضي أكثر من عشر ساعات في العمل”.
يحاول ترك العمل والبحث عن فرصة عمل أخرى، لكن صاحب العمل يهدده بالطرد والترحيل من المملكة حال فكر في مغادرة العمل، فهو يتحمل ويصبر على ظلم صاحب العمل من أجل توفير متطلبات الحياة اليومية لأفراد أسرته في اليمن.
ينحدر عصام من مدينة تعز جنوب غرب اليمن، وتعيش أسرته أوضاعًا مادية متدنية، على غرار ملايين الأسر اليمنية التي تعيش أوضاعًا قاسية نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية بسبب الحرب التي أشعلها الحوثيون عقب سيطرتهم على صنعاء، وطرد الحكومة في سبتمبر من العام 2014.
يضيف والد عصام لمواطن: “رسوم تجديد الإقامة السنوية أثقلت كاهل ناصر”. لافتًا إلى أنه يكافح في توفير متطلبات الحياة لهم في اليمن، كما أنه أيضًا يحاول توفير تكاليف الزواج منذ أربع سنوات، ولم يتمكن من توفير المهر في الغربة السعودية التي أصبحت صعبة للغاية.
“يعتبر تخفيض رواتب العمال اليمنيين في السعودية مشكلة معقدة”، حسب تعليق الخبير الاقتصادي رشيد الحديد، مشيرًا إلى أن الحكومات اليمنية تتحمل المسؤولية؛ خاصة وأن عملية الاستقدام تتم بطرق غير رسمية، وبأسلوب عشوائي عبر مكاتب استقدام معتمدة من قبل الجانب السعودي، وهذا الأسلوب أدى إلى حرمان المغترب اليمني من حقوقه في الأراضي السعودية.
يضيف رشيد: ” الجانب الحكومي لم يوقع اتفاقيات وبروتوكولات مع الجانب السعودي يحفظ حق العامل اليمني، وكان يفترض أن يتم استقدام العمالة عبر جهات رسمية ووفق اتفاقيات رسمية، حتى لا تنعكس الحالة العشوائية للاستقدام على مستوى دخل العامل اليمني”.
ويؤكد أخيرًا إلى أن تراجع مستوى أجور العمالة اليمنية في السعودية في ظل ارتفاع رسوم تجديد الإقامات السنوية، أدى إلى تراجع معدل التحويلات التي تتلقاها أسرة المغترب، وضاعف معاناة الكثير من أسر المغتربين في اليمن.
تدهور الأوضاع أكثر وأكثر
بعد ثماني سنوات من الحرب والدمار في البلاد، يعيش اليمنيون أوضاعًا قاسية، نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية بمختلف المحافظات اليمنية، سوى مناطق سيطرة الحوثيين أو مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا.
ففي العاصمة اليمنية صنعاء الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي، يشكو اليمنيون من ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية بشكل غير مسبوق، على الرغم من استقرار سعر صرف العملات الأجنبية؛ إذ إن سعر الصرف في صنعاء ثابت عند الـ 600 ريال للدولار الواحد، لكن ذلك لم ينعكس على أسعار المواد الغذائية.
وصل سعر الـ50 كيلو من الدقيق إلى نحو 22 ألف ريال يمني؛ أي ما يعادل 35 دولار أمريكي بالإضافة إلى ارتفاع المواد الغذائية الأخرى.
ويشكو المواطنون في مناطق سيطرة الحوثيين من استمرار الأزمات المتتالية في المشتقات النفطية والغاز المنزلي، في حين يعيش أكثر من نصف مليون موظف حكومي بلا رواتب منذ ست سنوات.
وفي مدينة عدن الواقعة تحت سيطرة الحكومة، يشكو اليمنيون من تدهور أوضاعهم المعيشية، خصوصًا في ظل انهيار العملة الوطنية بشكل غير مسبوق في تاريخ البلاد؛ إذ وصل سعر صرف الدولار الى نحو 1100 ريال للدولار الواحد، مما تسبب بارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية، ووصل سعر الـ 50 الكليو الدقيق إلى نحو 45 ألف ريال يمني، أي ما يعادل نحو 35 دولار أمريكي، في حين تتضاعف أسعار السلع الغذائية الأخرى في ظل غياب تام لدور الحكومة المدعومة من التحالف السعودي الإماراتي.
وبحسب الأمم المتحدة؛ فإن اليمن يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم؛ فتشير أحدث التقديرات إلى أن نحو 50 ألف شخص يعيشون حاليًا في ظروف تشبه المجاعة، ويشتد الجوع في المناطق المتضررة من الصراع، ويحتاج ما يقرب من 21 مليون شخص؛ أي أكثر من 66% من إجمالي عدد السكان، إلى مساعدات إنسانية وحماية.
وفي ظل تدهور الأوضاع المعيشية في اليمن وتوقف الأعمال وارتفاع معدلات البطالة، يعتقد الخبير الاقتصادي رشيد الحداد بأن :”السوق السعودي لا يزال خيارًا للكثير من الشباب اليمني، مشددًا على أهمية تنظيم عملية الاستقدام وتدريب العمالة وتأهيلهم لمواجهة متطلبات السوق الخليجي بشكل عام، لكي نضمن مستويات جيدة من الأجور لهذه الشريحة الهامة”.
"لو أن بلادنا تنعم بالسلام، لكان شباب اليمن منعمين بين أهليهم، يعيشون بحرية وكرامة، لكنهم دمروا مستقبلنا وأغرقوا بلادنا بالحروب، ومع ذلك يضيقون علينا في بلادهم".
كانت هذه كانت كلمات وليد؛ الذي عاد إلى اليمن، بعد صعوبة العمل في السعودية، والذي يعتقد أنه لم يكن يدفعه إليها إلا جحيم الحرب في اليمن.