تعيش النساء الخليجيات المتزوجات من أجانب حالة من المعاناة، بسبب عدم السماح لأبنائها بالحصول على جنسيتها بموجب قوانين دول الخليج؛ فإن أبناء الرجل غير الخليجي ولو كانوا من أم خليجية، يعاملون معاملة الأجانب في وطن أمهم الذي لا يعرفون غيره، وتتفاوت درجات التمييز بين منع من مزاولة العمل إلا في وجود كفيل محلي، وحرمان الميراث في تركة الأم حالة الوفاة، حسب بعض قوانين دول الخليج.
وعلى إثر هذا خرجت مطالبات من جهات حقوقية ونسوية، بوضع قوانين تتيح للمرأة الخليجية نقل جنسيتها لأبنائها لتحقيق مبدأ العدالة والمساواة القانونية للمواطنين على حد السواء.
يرى البعض أن الميراث القبلي، انتقل إلى تشريعات الدول، ما جعل الجنسية حق سيادي للرجل، مثلما نقل الدين والانتماء القبلي من خلال الآباء، قبل قيام دول وممالك الخليج.
أبناء القطريات وافدون في بلادهم؟
يتيح قانون التجنيس في دولة قطر للمواطن القطري المتزوج من امرأة خليجية أن يتم تجنيسها خلال مدة لا تقل عن خمس سنوات، بعد استيفاء الشروط والمتطلبات القانونية، أما إن كانت الزوجة من دول عربية غير خليجية؛ فإن تجنيس الزوجة يستغرق مدة عشر سنوات إلى ما فوق ذلك، ويؤكد محمد الكواري (حقوقي قطري)، خلال حديثه لمواطن، أن القانون القطري الصادر عام 2005 لا يسمح للمرأة القطرية إعطاء أبنائها الجنسية القطرية، إلا إذا كانت متزوجة من رجل قطري، أما في حالة الزواج من أجنبي؛ فإن الأبناء يتبعون جنسية الأب، ويضيف: “قضية تجنيس أبناء القطريات تثار بين الحين والآخر، وهناك مطالبات مستمرة والحكومة الآن لا ترد، أو تصدر بيانًا حول هذا الموضوع”.
أبناء القطريات هم وافدون أم مواطنون؟ يوجه هذا التساؤل علامة استفهام عريضة للحكومة القطرية حول أوضاع شريحة ذات إشكالية قانونية في التعامل معها بشكل رسمي؛ خاصة أن المادة 34 من الدستور القطري تؤكد أحقية تمرير جنسية الأم إلى أبنائها من زوجها غير القطري، إلا أن قانون التجنيس تجاهل هذا الحق وخالف هذه المادة، إضافة إلى حرمان المرأة القطرية من بعض الحقوق حال زواجها من أجنبي. ويضيف الكواري: “يتم منع القطرية المتزوجة من غير قطري من التعيين في بعض الوظائف”.
دشن مغردون عبر تويتر، هاشتاج #ابن_القطرية_قطري، وشاركت فتاة قطرية، تدعى غدووي (مهتمة بالفن التشكيلي)، لوحة لامرأة بالعباءة الخليجية تقف جوار صغيرها باكية ومنكسرة، للتعبير عن حق القطريات في منح أبنائهن الجنسية القطرية.
قررت ارسم رسمة عن موضوع وايد مهم، اول مرة اسوي شي جذي بس ان شاء الله توصل الفكرة.#ابن_القطرية_قطري #حقوق_المرأة_القطرية #تجنيس_أبناء_القطريات
— ¹ᴰ غدووي🧸🍒 (@Ghadooiiiii) July 15, 2020
!!!منح الجنسية القطرية لابناء القطريات حق من حقوق المرأة القطرية!!!! pic.twitter.com/yUqFzEf8NJ
كما أسس حقوقيون حسابًا باسم “تجنيس أبناء القطريات” لنشر مشكلات ومعاناة القطريات المتزوجات من أجانب بخصوص أوضاع أبنائهن القانونية.
التمييز ضد البحرينيات
التمييز ضد المرأة في قطر، تعيشه أيضًا المرأة البحرينية التي لا يسمح لها القانون بإعطاء أبنائها جنسيتها، بحسب قانون عام 1963م، بالرغم من أن الدستور البحريني ينص على عدم التمييز بين المواطنين في الحقوق والواجبات، وطالبت منظمات المجتمع المدني البحريني، ومنها منظمة “الاتحاد النسائي” بالتصديق على مشروع تعديل قانون الجنسية الذي تم تقديمه عام 2014.
وفي عام 2017م، رفضت لجنة الشؤون الخارجية والأمن الوطني البحريني التصديق على هذا المشروع، ترتب على ذلك تدشين ناشطات لحملة بعنوان “جنسيتنا حقنا“، للمطالبة بتعديل قانون التجنيس والسماح للمرأة البحرينية بتوريث جنسيتها لأبنائها، فيما قد طالب الاتحاد النسائي البحرين الحكومة البحرينية إثر الحملة برفع التحفظ عن المادة “9” من اتفاقية “السيداو”، وتنص هذه الاتفاقية على المساواة بين الرجل والمرأة في التجنيس.
هل الرجل حاجز أمام حصول أبناء الخليجيات من الجنسية؟
وإن كانت النصوص القانونية لا تختلف قليلًا في الكويت عن البلدان الخليجية الأخرى، فيما يخص تجنيس أبناء المرأة الكويتية؛ إلا أن هناك بعض الاستثناءات التي تسمح للأبناء من أم كويتية وأب أجنبي من الحصول على جنسية الأم، وذلك عند وفاة الأب وإقامة الأم في الكويت حتى بلوغ الأبناء سن الرشد.
وفي حالة أخرى، فإن الأبناء من المرأة الكويتية وزوج أجنبي يمنحون الجنسية الكويتية عند حدوث طلاق بائن بين الزوجين، أو كان الأبناء مجهولي النسب، ولم يتم نسبهم إلى أب من جنسية أخرى؛ ففي هذه الحالات يمنح الأبناء الجنسية الكويتية، وكانت اللجنة التشريعية التابعة لمجلس الأمة الكويتي قد قدمت مطلع 2017، تعديلًا قانونيًا، بموجبه يتم تعديل المرسوم الأميري الصادر برقم 15 لعام 1959م، حتى يسمح للمرأة الكويتية بمنح جنسيتها لأبنائها، لكن القانون لم يتم التصديق عليه.
تنتقد الكويتية عروب الرافعي، استشاري المسؤولية الاجتماعية، الظلم الذي تتعرض له المرأة الخليجية في قضية التجنيس، وتضيف: ” قضية التجنيس سببها الوحيد أننا نساء” وتوجه سؤال للجهات القانونية في الكويت قائلة: ما المنطق في منح الجنسية الكويتية لأبناء المواطنة المتزوجة من أجنبي عندما يطلقها زوجها طلاق بائن لا رجعة فيه؟
وتضيف أم حمودي، مواطنة كويتية متزوجة من أجنبي، خلال حديثها لمواطن، أن ابن المواطن الكويتي المتزوج من أجنبية، تقدم له الحكومة الكويتية منحة مالية كبيرة عند زواجه وتسمى منحة المهر والاسكان، بينما ابن المواطنة الكويتية المتزوجة من أجنبي لا يحصل على منحة، وليس له الحق في امتلاك البيوت من الأساس.
“تواجه الكويتية معاناة عند الزواج من أجنبي، وكتير كويتيات طالبوا بتجنيس أبنائهم لكن للاسف ما تحقق شيء”. حسبما عقبت أم حمودي
لا يقتصر الأمر على الكويت المرأة المتزوجة من أجنبي في عمان، لا تمنح جنسيتها لأبنائها إلا إذا مات زوجها، أو طلقها، وبعد أن يمر على الطلاق بين الزوجين أو وفاة الأب 10 سنوات، فبحسب المرسوم الذي صدر عن السلطان قابوس عام 2014 فإن المرأة العمانية لا تمنح جنسيتها لأبنائها لطالما زوجها أجنبي.
وبحسب إحصائيات صدرت عن منظمات لحقوق المرأة في السعودية، فإن عدد النساء السعوديات المتزوجات من أجانب قد بلغ 700 ألف حالة، لعام 2020، ووصل عدد أبناء السعوديات إلى ما يزيد عن مليون و500 ألف شخص.
وبالرغم من هذا العدد الكبير؛ إلا أن المرأة السعودية غير مسموح لها قانونًا بإعطاء أبنائها الجنسية السعودية، ويعلق الدكتور عمر الخولي، أستاذ القانون بكلية الحقوق في جامعة الملك عبد العزيز، على هذا خلال حديثه لمواطن قائلًا: “زواج السعودية من الأجنبي، لن يمكنه إطلاقًا الحصول على الجنسية السعودية، وبالنسبة لأبنائها ( الذكور والإناث) فإنهم يتبعون جنسية والدهم”.
بينما تؤكد الكاتبة السعودية حليمة مظفر: “أن العدل القانوني يجب أن يساوي بين الرجل والمرأة السعودية في قضية التجنيس، ويصبح ما هو متاحًا للرجل السعودي في تجنيس زوجته وأبنائه، مكفولاً للمرأة السعودية أيضاً”.
تجنيس أبناء السعوديات مجرد أحلام
في ظل الإصلاحات الاجتماعية التي تقوم بها السعودية الآن، أصدر مجلس الوزراء السعودي قرارًا، في نهاية أكتوبر من عام 2020، ينص على منح الإقامة لأبناء المواطنة السعودية على كفالة الأم، ويمارسون الحقوق والواجبات في الدراسة والعلاج فقط؛ مثل المواطن السعودي، إضافة إلى السماح لهم بالعمل داخل المؤسسات السعودية الخاصة دون أن يتم نقل كفالتهم من الأم.
وكانت السعودية قد وضعت شروطًا تعجيزية، بمقتضاها يمكن للمرأة أن تمنح جنسيتها لأبنائها ومنها إثبات هوية جد الأم، وقد أطلق مغردون سعوديون هاشتاج #لا_لتجنيس_أيناء_المواطنات عبر تويتر، وكتب حساب باسم خالد تغريدة قال فيها: “هذا المجنس مخلفات الحج يطالب بملكية دستورية مفكر الدولة لأبوه وجده”.
هذا المجنس مخلفات الحج يطالب بملكية دستورية يفكر الدولة ملك لأبوه وجده #الحج #السلطان_هيثم_بن_طارق #السلطان_هيثم_يزور_المملكه #لا_للتجنيس #لا_لتجنيس_ابناء_المواطنات @makkahregion @fekerksa @ReeeemAlfalaaa https://t.co/xWWmGHaa9W
— خـالد🇸🇦 (@khalidk198) July 12, 2021
بينما كتب حساب باسم محمد الفراج، مستخدما هاشتاج السعودية_للسعوديين وهاشتاج #لا_للتجنيس، قائلًا: “هذه الدولة لم تقم إلا بعد أن ارتوت بدماء أبناء القبائل، ولم يكن لدرندري ولا بادكوك أو غيرها من الأسماء المطالبة بالتجنيس وجود فيها”.
هذي الدولة من بدايتها لم تقم الا بعد ان ارتوت بدماء ابناء القبائل ، ولم يكن لـ درندري ولا بادكوك او غيرها من الاسماء المطالبة بالتجنيس وجود فيها .#لا_للتجنيس#لا_لتجنيس_أبناء_المواطنات#السعودية_للسعوديين
— محمد الفراج (@Mohd_Fa) February 16, 2018
بينما يرى عمر الخولي أن “تجنيس أبناء السعوديات مجرد أمانيّ”. تعتقد حليمة مظفر، أن عدد الخليجيات المتزوجات من أجانب وخاصة في السعودية، يزداد يوماً بعد يوم وهذا ما يدفع بقضية التجنيس إلى تقديمها في أولويات القضايا القانونية الهامة التي تخص النساء، وتضيف: “نحن الآن نمر بعملية إصلاح اجتماعية وقانونية بما يجعل المجتمع السعودي أكثر تحضراً لذلك لا يجب تهميش هذا الملف الإنساني”.
لطالما بقيت المرأة العربية عامة، والخليجية خاصة حبيسة الأعراف والتقاليد الاجتماعية، التي تحول بينها وبين الحصول على حقوقها، والتقليل من قيمتها ووضعها داخل مسار محدود. فهل يأتي وقت يتم فيه النظر للنساء الخليجيات بعين المساواة التامة والمواطنة الكاملة داخل بلادهم؟