“كان والدي صحافيًا مختصًا في الشؤون الثقافية والفنية، وعمل لسنوات في هذا المجال، وقد ألقى ذلك بتأثيره علي وعلى ولادة تلك الرغبة بأن أكون صحافية “.
هكذا بدأ تعلق الصحافية البحرينية وفاء العم بعالم الصحافة والإعلام، تحكي وفاء لـ “مواطن“: “في سنة 1994 بدأ شغفي بالصحافة حين كنت في الحادي عشر من عمري، كتبت في صفحة الأطفال بصحفية الخليج، وحصلت لأول مرة في حياتي على بطاقة الصحافي الصغير”
دراسة على عكس الرغبة، والعمل صحافية
"كدت أخسر مستقبلي الأكاديمي، بسبب رغبتي في دراسة الصحافة"
وعلى الرغم من التعلق بمهنة الصحافة منذ الصغر؛ فقد قوبلت في قسم دراسة علوم الحاسوب في الجامعة، بدلاً من قسم الإعلام، على عكس رغبتها قضت سنتين ونصف السنة تدرس الحوسبة، بينما تعمل صحافية، وتقاتل من أجل دمج الرغبة والعمل والدراسة في مجال واحد؛ الصحافي بالقطع: “آمنت برغبتي وشغفي، أبيت أن أغير وجهتي وحلمي، لم يكن الأمر سهلاً حينها أن تكون بهذا العناد، الوقت لم يكن في صالحي من جهة، والخيارات تضيق من جهة.
كدت أخيم عند مكتب رئيس قسم التسجيل، شرحت لرئيسة الجامعة رغبتي في دراسة الصحافة، وبعد إلحاح في الطلب، وإصرار علي، تم نقلي أخيرًا، إلى قسم الإعلام والعلاقات العامة”.
كان العام 2001 أول سنة جامعة لوفاء، وهو نفسه العام الذي شهدت فيه البحرين انفتاحًا سياسيًا، والعام الذي شهد ارتفاع سقف الحريات، هو نفسه نقطة بداية العمل الصحافي المحترف في حياة “العم”. انتسبت للعمل في صحيفة الميثاق التي كانت حديثة الولادة آنذاك، في غضون ثلاثة أشهر تم توقيع عقد العمل الأول كصحافية”.
"بدأ مشواري في صحيفة الميثاق، كان شيئًا رائعًا بالنسبة لي بالجمع بين الدراسة الأكاديمية وممارسة المهنة على الأرض"
لم يكن عمل الصحافة غريبًا عليها: “كنت أفرغ حوارات والدي عبر أشرطة الكاسيت وأنا صغيرة، ومع الوقت صرت سريعة في التقاط الأفكار والربط بينها، اطلعت على عالم المثقفين في سن مبكرة عبر نافذة والدي، هذا الكاسيت كان نافدة لالتقاط الأفكار، استمعت لقضايا أكبر من عمري، وتفاعلت معها، وبكل تأكيد ساهمت في نضجي باكرًا، كما كنت رفيقة والدي في المسرح والأمسيات الشعرية والثقافية”.
تضيف وفاء: “بدأت حياتي المهنية مع المشروع الإصلاحي للملك، تم إخلاء السجون، وفتح مجال الحريات وتأسست الصحف، وظهر جيل شاب جديد، حمل لواء التغيير في العمل الصحافي”.
لم تعانِ وفاء لأسباب جندرية، والتي تقلل فرص النساء أحياناً، ربما ساعد طبيعة أيام الانفتاح والمشروع الإصلاحي، “لا أريد أن أقول أن الطريق مفروش بالورود؛ فعالم الصحافة هو عالم ذكوري بالدرجة الأولى، وإن كان هناك عناصر نسائية، وإحداث خرق في هذا العالم ليس بالأمر السهل، ولكني كنت محظوظة بالعمل مع مجموعة من الزملاء الذين كانوا دائمًا داعمين، كما أن الأجواء المصاحبة للانفتاح السياسي كانت مساعدة وداعمة”.
تضيف: “أول ما عملت كان في قسم التحقيقات برئاسة سعيد محمد؛ وهو صحافي عتيق ومحترف متمرد، تعلمت منه الكثير، كما أنه كان داعمًا جدًا، قال لي أنت تمتلكين الموهبة وتكتبين كأي صحافي شاطر، ولم أتجاوز العشرين من عمري، ما قاله عزز ثقتي في نفسي وصب كثيرًا من الماء منعشًا بذلك طموحي”.
بعد العمل في صحيفة الميثاق تنتقل العم إلى صحيفة الوطن، لتبدأ جولة جديدة في تطور حياتها المهنية، “كنت أطرح قضايا مثيرة، وسمعت مرات عدة تعليقات من قبيل أنني أختار مواضيع اجتماعية مثيرة وأنا فتاة”
قالوا "تختار مواضيع مثيرة وهي بنت"
كانت وفاء تقضي قرابة الـ 12 ساعة في مقر الصحيفة؛ حيث كانت تعمل: “أحب عملي وشغوفة به، وكان هو هوايتي ومهنتي في وقت واحد، ورغم تحفظاتي ومشاعر عدم الراحة التي لطالما كانت تلازمني بسبب سياسة الصحيفة آنذاك، إلا أنني فضلت التركيز على ما أنتج من مادة إعلامية”؛ خاصة مع تشجيع رئيس التحرير محمد البنكي -رحمه الله- ورئيسة قسم التحقيقات حينها سماح علام، التي كانت تؤمن بنا كنساء، وضرورة انخراطنا في العمل الصحافي.
تضيف: قال لي محمد البنكي -رحمه الله-: “أنت تصلحين أن تكوني صحافية حرة، وقد طلب مني أن لا التزم بأي قسم”، وبهذه الحرية الممنوحة من رئيس التحرير، تمكنت وفاء من التطور سريعًا، بفضل تضاعف الشغف، وامتد مشوار وفاء الصحافي 6 سنوات، إلى أن شهد تطورًا جديدًا بانضمامها لتلفزيون البحرين عام 2008 كمذيعة ومقدمة برامج، قدمت البرامج الصباحية والاجتماعية وثم من قدمت برنامج للصحافة.
حراك واحتجاجات 2011 في البحرين
تختلط الأوراق السياسية فجأة في البلاد؛ فتتغير حياة الكثيرين؛ من بينهم الصحافيون، ووفاء العم واحدة منهم.
أقيلت من تلفزيون البحرين بعد إعلان حالة الطوارئ إثر الاحتجاجات التي اندلعت عام 2011، ولكن رب ضارة نافعة؛ فقد كانت البوابة التي نقلتها من الإعلام المحلي إلى افاق الإعلام على المستوى العربي.
تقول: “في الحقيقة لم أشارك في الاحتجاجات، ومع هذا تم إقالتي من تلفزيون البحرين، كانت عملية انتقام كبيرة للمشاركين به، وحتى من يشتبه أنهم مشاركون؛ بل وغير المشاركين أيضا”.
تم إقالة كل الأشخاص اللي يعتقد أنهم شاركوا بأي شكل من الأشكال في الاحتجاجات، وكنت من ضمن هؤلاء.
تضيف وفاء: “ذهبت لدوار اللؤلؤة كصحافية تريد الاطلاع على ما يجري، ولكني بشكل شخصي لم أجد نفسي هناك، ورغم أنني أتفق مع كل المطالب الداعية الى التحول نحو الديمقراطية الحقيقة، إلا انني وجدت سيطرة كبيرة لتيار الإسلام السياسي، وهذا ما لم يتناسب مع توجهاتي الفكرية التي تتطلع الى دولة ديمقراطية ومدنية حقيقية، كما أن بعض الشعارات سيطرت على الأجواء، وكنت حينها على قناعة تامة بأن هذه الشعارات ستضر بالوحدة الوطنية، وعلى الرغم من مشاركة التيار الديمقراطي في الاحتجاجات، إلا انني كنت أعتقد أن هذا التيار ضعيف أمام تيار الإسلام السياسي وحضوره آنذاك”.
وتؤكد: “والمرعب كان انطلاق حراك مواز عرف باسم تجمع الفاتح، في مقابل حراك المعارضة، وقد حظي بكل الرعاية والدعاية من قبل الدولة، لم أجد نفسي فيه أيضًا، فقد أرادت الدولة أن تكون المعادلة كالتالي؛ السنة في مواجهة الشيعة، التضحية بنسيجنا الاجتماعي في لعبة المواجهة التي تخوضها السلطة ضد المعارضة كان أمرًا خطيرًا وجنونيًا”
تربت العم في مدينة عيسى، وهي منطقة مختلطة، فيها من السنة والشيعة والعجم والهولة، تؤكد: “نحن نتربى وسط كل هؤلاء، فجأة تختلط الأوراق، يكاد أهل المنطقة أن يتقاتلوا بسبب الاصطفاف الحاد.
حادثة لا أنساها في وسط الحي الذي نعيش فيه؛ تخاصم الجيران الذين تجمعهم علاقة الأخوة منذ سنوات طويلة، وكانت القطيعة سيدة المشهد في كل شيء، اصبحت العداوة بين الناس، وخطاب الكراهية يتسيد المشهد العام، قصص كثيرة شاهدناها بين العوائل المتزاوجة بين السنة والشيعة؛ بل الجيران والأصدقاء والزملاء في العمل، فجأة صاروا أعداء، وصارت البحرين لا تشبه نفسها” تسترسل :”لم أجد نفسي وكثيرين ممن هم على شاكلتي، لم نجد أنفسنا في حفلة الجنون هذه، أنت لا تعرف في أي مربع تضع قدميك”.
تذكر وفاء : “مع أوائل اندلاع الاحتجاجات اقترحت إجراء حلقة تلفزيونية نعرض فيها كل الآراء المختلفة، وفعلاً هذا ما حدث، ولكن الحلقة لم تعرض؛ فالتطورات كانت أسرع، كما يبدو أن السلطة أرادت خطابًا آخر آنذاك؛ إذ لم يمر وقت حتى تم قمع الاحتجاجات وأعلنت حالة الطوارئ، وتمت إقالتي من التلفزيون، وكنت واحدة من الآلاف الذين تعرضوا للانتقام، وأعتقد أن السبب الآخر هو أنني لم أستطع التحول إلى بوق في حلفة جنون كبرى، لم يسمح لي ضميري أن أكون صوتًا للفتنة، لم أحزن على إقالتي، على الأقل لم أشارك في خطاب الكراهية والانتقام ضد المعارضة الذي كان سائدًا في إعلامنا آنذاك، الإقالة كانت طوق نجاة”.
وبحسب وفاء لم تعرف البحرين حرية رأي وتعبير بعد أن قمعت الاحتجاجات؛ أغلق الباب دون كل شيء، وأصبحت الصحف ناطقة باسم السلطات الرسمية، لم تعد هناك بيئة للعمل الصحفي: “تورات العديد من الأسماء، ولم نعد نسمع عن أسماء جديدة، أصبح الصحافي موظفًا حكوميًا، وسقف الحريات في أدنى مستوياته، الدولة لم تعد تتحمل وجهات النظر المختلفة”
الخروج من البحرين
على إثر احتجاجات 2011 وإعلان حال الطوارئ، واستهداف السلطة لعدد كبير من الصحفيين آنذاك، بالتعذيب والترهيب والسجن، تقول العم: “قررنا أنا وزوجي الخروج من البلاد”.
كانت جزيرة سترة حيث تعيش، نقطة ساخنة للاحتجاجات، اعتقالات بشكل يومي، وطائرات الهليكوبتر تملأ السماء، “لازلت أتذكر ذلك المشهد عندما دخل الجيش الى سترة، وكنا نسمع أصوات الضرب، لم نكن نعرف ما هذه الأصوات التي كانت ترج المكان والقلوب، كنت أجلس في حالة من الرعب والخوف وإحساس بعدم الأمان، كنت أبكي كلما سمعت صوت سيارة الإسعاف، لأنني كنت أعتقد أن هناك من قتل أو أن هناك مصابًا، كان الوقت يمر ككابوس بطيء، عاد زوجي يومًا منهارًا بعد أن رأى قتل أحد المحتجين برصاصة في الرأس، لقد ساد الصمت ليالينا وجثم المشهد على صدورنا”.
أخيرًا تتخذ القرار بالرحيل، معولة على خروج جواز سفر لطفلها في أسرع وقت ليلتحق بهما، كانت لندن هي الوجهة، ومما صعب المسألة رفض بريطانيا منح تأشيرة الطفل: “كانت لحظة انهيار عظيمة، أنا أم، ابني في مكان، وأنا في مكان آخر، ولا أعرف كيف فجأة انقلب كل شيء رأسًا على عقب؛ حلمنا وإيماننا بالمشروع الإصلاحي لجلالة الملك الذي انخرطنا فيه بقوة وايمان كان ينهار أمامنا، كل شيء تغير، وصار كل شي حولنا راديكاليًا دراماتيكيا”.
وتنتقل بعدها وفاء العم ومحمد السواد من لندن إلى مصر، لاستلام طفلهما: “اخترنا النزول إلى بلد عربي حتى نتمكن من استلام ابننا”. لم يطل الغياب، وقبل نهاية عام 2011 المليء بالأحداث، يجتمع شمل الأسرة من جديد.
بعد الخروج من البحرين.. المسار المهني إلى أين؟
في مصر، فتحت الفرصة أبوابها من جديد لوفاء، تلقت وفاء عرضًا للعمل في قناة الميادين كمذيعة أخبار لتنتقل للعيش في بيروت، هو انتقال من العالم المحلي الصغير الى العالم الكبير؛ حيث الإعلام العربي والدولي.
انتقلت للعيش في بيروت في عام 2012 وبدأت مشوارها الإعلامي الجديد في إطاره الواسع، غطت العديد من الأحداث العربية والعالمية، الحرب في سوريا واليمن، التطورات في لبيبا ومصر، الحرب على داعش في العراق، وزارت العديد من العواصم العالمية لتغطية الأحداث، والكثير من الأحداث الكبرى، ولكنها لم تهمل ملف البحرين.
تؤكد: “البحرين كانت حاضرة في الملفات التي يتم تناولها في الميادين، وكنت تقريبًا المذيعة المختصة في هذا الملف، وكنت أحاول قدر الإمكان الالتزام بالموضوعية، هذا ما كان يحتاجه ملف البحرين؛ أن تكون صحافيًا موضوعيًا غير منحاز؛ لا للسلطة ولا للمعارضة، أن تنقل الحقيقة كما هي، وبالنسبة لي أن تكون ضحية على المستوى الشخصي لا يجب أن ينال من موضوعيتك الصحافية ونزاهتك المهنية؛ فأنا لست ناشطة أو سياسية؛ أنا صحافية، وهذا يجعلك تتحمل مسؤولية كبيرة في نقل وجهات النظر المختلفة”.
قال لي أحد المعارضين يومًا مازحًا إنني صارمة على الهواء، وإنه يحذر من الظهور معي لأنني جريئة وصريحة في الأسئلة، وهو لا يستطيع المناورة، قلت له عندما أكون على مقعد المسؤولية لا أستطيع أن أكون طرفًا، من المهم أن أكون على مسافة واحدة من الجميع، ومن المهم أيضًا أن ألتزم بأخلاق المهنة.
كسر الحاجز والعودة للبلاد
في عام 2013 تقرر وفاء كسر الحاجز والعودة للبلاد، موضحة: “فكرت كثيرًا قبل اتخاذ هذا القرار، كما حذرني العديد من الأشخاص من هذه الخطوة خوفًا من تعرضي للاعتقال أو الاستجواب، ولكني كنت قد اتخذت قراري، لا أريد أن أعيش تحت وطأة الشعور بالخوف وعدم العودة لوطني، كان هناك العديد من المؤشرات التي بنيت عليها قراري، وهذا ما حدث بالفعل، عدت للبحرين في أول زيارة بعد انقطاع، لم يوقفني أحد في المطار، ومرت الأمور بسلام، لا أريد أن أكون في مشهد الإبعاد القسري بقرار شخصي مني، وصرت أتردد على البلاد بين الحين والآخر، لست على قطيعة مع الوطن، حينها كانت الأوضاع متوترة، ولكنها ليست كما كانت، ومع الوقت صارت الأمور أقل توترًا، ولكن في عام 2017 هو توقيفي في المطار، ومن ثم استدعائي للتحقيق، تحقيق استمر لساعات، وأخبروني أنه إجراء روتيني”.
تؤكد العم: “لم أتعرض للمضايقة، ولكني لأول مرة أتعرض للتحقيق الطويل، وكان الأمر ضاغطًا، مما جعلني أتردد في زيارة البحرين بعدها”.
في 2019، انتقلت وفاء للعيش في كندا، وتقول:” اتخذنا هذا القرار لعدة أسباب، لن أذكرها كلها، ولكن من بينها أن الأوضاع في لبنان صارت أكثر تعقيدًا، وطبعًا من الصعب العودة للعيش في البحرين، ماذا ستفعل صحافية مثلي في البحرين، هل لي مكان؟ هل فعلا أستطيع العيش مع أسرتي هناك؟ هل أستطيع أن أقول ما أريد أن قوله بحرية؟ هل أستطيع ممارسة عملي الإعلامي بحرية دون أن أكون عرضة للمضايقة؟
الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي مليء بالإحباطات، مؤلم أن أقول هذا الكلام، ولكن هذا هو الواقع، لذا قررنا الانتقال للعيش في كندا على أمل أن نجد لنا مكانًا في وطننا يومًا ما”.
"بعد الخروج من البحرين والعمل من الخارج، تحول اهتمامي من القضايا المحلية إلى القضايا العربية والدولية، بالقطع مع بقاء الاهتمام بالقضايا البحرينية"
في رصيد وفاء خبرة من العمل في مختلف أنماط العمل الإعلامي والصحفي العربي؛ بل الدولي، تكتب في الشؤون الخليجية مع شبكة الميادين، كما تكتب مع مركز وودرو ويلسون سنتر، وهو يعد من أكبر مراكز الفكر في واشنطن، كما تعمل مراسلة لإذاعة مونت كارلو الدولية، وتدير مؤسساتها للإنتاج الإعلامي في كندا.
من الصحافة المكتوبة الى المرئية عبر التلفزيون بالإضافة الى الراديو والبودكاست، وفي ذلك تقول العم:” رصيد الصحافي هو موضوعيته ومهنيته، وهذا ما يجعله محل ثقة؛ سواء أمام المتلقين أو المؤسسات”.
وبسؤالها عن مسألة “الحياد الإعلامي”؛ خاصة مع عملها في مؤسسات يراها البعض أنها ذات توجه سياسي معين، تقول: “لا يوجد إعلام في وقتنا الحالي من دون بوصلة أو أجندة، انظر حولك، حتى المؤسسات الإعلامية العالمية الكبرى التي لطالما كنا ننظر لها بانبهار وكنموذج يتمنى كل صحافي العمل فيها صارت متورطة بأجندات سياسية، وهذا تحدٍ كبير ولا يستهان به، ولكن الأهم هو ما يقدمه الصحافي أو الإعلامي نفسه، كيف يتعامل مع ما يكتب أو يقدم، الجمهور ليس غبيًا، فقد صار يعرف إن كنت صحافيًا موضوعيًا أو لا، صار يعرف أن كنت تقدم مادة ثرية تضيف إليه المعلومة وتفتح آفاقه على ما هو أوسع أم لا”.
وتكمل: “أما الأمر الآخر والمهم بالنسبة لي هو أن المؤسسة التي عملت فيها لم تتورط في إثارة الفتنة الطائفية ولم تتبن خطاب كراهية، وما دون ذلك فهو أمر قابل للنقاش، لم أجبر على طرح سؤال، أو لم يطلب مني قول شيء غير مقتنعة به، لم أشهد أنه تم تلقين صحافي لقول أمر ما، جميعنا يعرف الخط العام للمؤسسة التي أعطتنا هامشًا، وكذلك احترمنا كصحافيين خطها العام. أكتب مقالات ربما بعضها لا يتقاطع مع سياسية المؤسسة وينشر كما هو، لأنني أكتب بموضوعية وأقدم مادة جيدة”.
تضيف: “طبعا هذا لا يجعلنا نتجاوز مسألة أن العمل الصحافي والإعلامي صار يواجه العديد من التحديات غير المسبوقة، كما يواجه الصحافي تحديات جمة، ومنها الحفاظ على موضوعيته واستقلاليته، جميعنا يعرف أنه لا يوجد إعلام محايد، ولكن على الأقل إعلام موضوعي، لا يتورط في بث الفتن ولا يساهم في نشر خطاب الكراهية، ولكن الواقع اليوم يبدو صعبًا أن تكتب خبرًا دقيقًا أو مقالاً متوازنًا أو تقريرًا موضوعيًا صار أحد التحديات، وذلك بسبب الانقسامات والاصطفافات العالمية وليس العربية فحسب، حتى بعض الصحافيين الذين تورطوا في هذه الاصطفافات أضروا بأنفسهم”.
وبلا شك فإن ازدواجية المعايير تسربت لبعض الإعلام أيضًا ليكون هو الآخر متورطًا في أجندات سياسية أو أيدلوجية أو حزبية، والمؤسسات التي مازالت محافظة على موضوعيتها صارت معدودة، وبدلاً من أن يكون الإعلام الأداة النزيهة أو السلطة الرابعة التي تعكس الحقيقة، وتعكس الواقع، تحول الى أداة لتحقيق المصالح السياسية، وهذا واقع مرير للصحافة والصحافيين، إن خضوع الاعلام للأجندات السياسية في كثير من الأحيان تحوله الى أداة من أدوات الصراع والحرب، بدلاً من أن من الارتقاء إلى مستوى المسؤولية الاجتماعية في محاربة الفكر المتطرف والعنصرية والكراهية وترسيخ القيم الإنسانية، إنه أمر خطير جدًا لأنه يساهم في بناء اتجاهات مشوهة لدى الجماهير، وينقل صورة واحدة فقط دون نقل الصورة متكاملة.
ربما صحيح أنه مع اتساع الفضاء الالكتروني، صار من الصعب احتكار المعلومة، ولكن هذا الفضاء سلاح ذو حدين أيضًا، لأن المجال للفبركة صار أكبر، وإرباك اتجاهات الناس صار أكبر أيضًا لأنهم يتلقون معلومات متناقضة مع تدفق كبير للمعلومات من كل الاتجاهات، يبدو الأمر معقدًا للغاية، ومن الصعب تفكيكه هنا، ولكن هذا جزأ من واقع الإعلام المعاصر، هناك تحول كبير في شكل الإعلام الحديث، ويحتاج إلى وقت حتى يصبح له شكل واضح”.
تنهي العم الحديث قائلة: "لم يتسن لنا في البحرين وجود صحافة مرئية، كان هناك تلفزيون رسمي واحد، ولا زخم إذاعي، لأنه لدينا إذاعة واحدة، كانت الصحافة مكتوبة فقط، وحتى هذه تم التضييق عليها الآن".
تتوقع وفاء صعود الصحافة الإلكترونية أكثر، مما سيفتح المجال عربيًا وبحرينيا للمزيد من الشباب في توفير القدرة على إنتاج محتوى عصري وعلى قدر من الحرية ومختلف.