تميز قوانين الجنسية في دول الخليج ضد المرأة فتمنعها من تمرير جنسيتها لأبنائها عند زواجها من رجل أجنبي؛ في سلطنة عمان، يجب أن تكون المرأة مطلقة أو أرملة حتى تستطيع طلب منح الجنسية لأبنائها، بالإضافة لشروط أخرى، في الإمارات هناك شروط معينة قد تؤدي إلى حصول أبناء الإماراتية على الجنسية، في الكويت والسعودية والبحرين وقطر لا يزال الأمر شبه مستحيل، فالنساء يترددن على السلطات المعنية لسنوات وقد لا يؤدي ذلك لأي شيء.
في البحرين، غاب مجلس النواب الذي من المفترض أنه يساهم في حل مشكلات تشريعية مثل هذه، طوال العشرين عامًا الماضية من تناول هذا الموضوع أو حلحلته أو حتى الدفع به، هذا بالإضافة لبقية الجهات الرسمية أو الأهلية بصبغة رسمية؛ كالمجلس الأعلى للمرأة الذين فشلوا حتى اللحظة في حل مشكلة أكثر من 600 عائلة بحرينية تترنح؛ بين كونها بحرينية وتعامل كأجنبية على أرضها.
قصة رباب
قررت البحرينية رباب سلمان الزواج في العام ٢٠٠٣ من أجنبي ونتج عن هذا الزواج ٥ أبناء وبنات، أكبرهم في السادسة عشر من العمر، وأصغرهم في عمر الخمس سنوات، رغم المطالبات العديدة واللجوء للمجلس الأعلى للمرأة، إدارة الهجرة والجوازات، النواب البرلمانيين وغيرهم، إلا أن أبناءها وبناتها لازالوا دون الجنسية البحرينية، رغم أنهم لا يعرفون غير البحرين وطنًا.
تقول سلمان: “ليس هناك استقرار نفسي، تفكير يومي في مصير أبنائي عندما يصلون لسن الـ١٨ عامًا، ما الذي سيحدث؟ هل ستحصل ابنتي الكبرى على بعثة عندما تنهي الثانوية بمعدل جيد؟ شعور مخيف ومهين بأنني أعامل هنا في وطني بهذا الشكل، وأن أبنائي يدفعون ثمن عدم أهليتي كمواطنة من الدرجة الأولى، لأن القوانين تميز ضدي وضد العديد من النساء اللواتي يعشن المحنة ذاتها على مدار السنوات”.
توضح رباب بأنه عليها تجديد إقامة أبنائها كل عامين، "وخلال هذه التجربة، نعامل أنا وأبنائي معاملة الأجانب، وكذلك في جميع الجهات الحكومية".
“المرعب في الأمر هو عندما يصل أبنائي لعمر الـ١٨، نحن نتحدث في هذا الأمر يوميًا، هو أمر يقلقنا، وأتعب نفسيتنا؛ فالحصول على الجنسية سيزيل كل هذه المصاعب وهذا القلق” كما تقول رباب.
قصة نداء
تزوجت البحرينية نداء الفرساني، ٤٨ سنة، من زوجها الأجنبي قبل ما يقارب الـ٢٥ عاما، ورزقت منه بثلاثة أبناء وبنات، أكبرهم اليوم في الرابعة والعشرين، وأصغرهم في الحادية عشر من العمر، تقول الفرساني: “تقدمت بطلب الجنسية لأبنائي منذ كانت أعمارهم عدة أيام، وحتى يومنا هذا وأنا أراجع وأطالب بالجنسية لأبنائي، اثنان من أبنائي راشدان، وبذلك لا يمكنهما البقاء في البلد إلا عبر إقامة عمل، وهو الأمر غير الحاصل حاليًا، بسبب صعوبة الحصول على عمل وهم أجانب”.
عبرت الفرساني عن حزنها بأنها تعامل بهذه الطريقة في وطنها، توفي زوجها منذ عدة أشهر وأصبحت دون مأوى، حيث كان هو العائل الوحيد للعائلة، وهي تسكن اليوم مع شقيقها، ولكنها تعلم أن ذلك غير ممكن لفترة طويلة، فتقدمت لوزارة الإسكان للحصول على سكن، ولكن تم رفض طلبها بحجة أنها “غير مستحقة” فأبناؤها أجانب!
عن هذه الجزئية توضح المحامية البحرينية زهراء الوطني: “يحضرنا في هذا الخصوص التسهيل الممنوح من وزارة الإسكان للأسرة التي تتكون من بحرينية متزوجة من أجنبي ولديها ابن قاصر أو أكثر يحملون الجنسية البحرينية، والذي قد يتعارض مع حقيقة أن قانون الجنسية أساسًا لا يمنح الجنسية لأبناء البحرينية من أجنبي، فيقودنا في تحليل ذلك إما استحالة التطبيق، أو الحقيقة الواقعية بمنح بعض الأبناء للبحرينية المتزوجة من أجنبي الجنسية، في حين أن هناك أمهات أخريات وكثيرات لا يحصلن على هذا الحق”.
تتحدث الفرساني قائلة: "أعيش في قلق دائم على أبنائي الذين لا يتحدثون حتى لغة والدهم من أن يتم ترحيلهم لبلده، وقد عاشوا في البحرين كل حياتهم، أخشى على ابني الأوسط الذي يعاني من السكري، ففي حال احتاج لرعاية صحية فهو لا يستطيع الحصول عليها لأنه أجنبي".
أيضًا لجأت نداء للمجلس الأعلى للمرأة، وإدارة الهجرة والجوازات والنواب والوزراء، دون حل، تضيف: “تعبت من هذا الحال، فحصول أبنائي على الجنسية سيحل كل مشكلاتنا، سنحصل على سكن وسيحصلون على عمل ولن أقلق على مصيرهم وصحتهم”.
شريحة مظلومة
يرى علاء محمد زوج رباب سلمان، أن هذه الشريحة من السيدات مظلومة، “والظلم واقع على هؤلاء النساء وعائلاتهن، جزء منه جهل مجتمعي وقصور في المعرفة، وعدم توعية وإدراك الآثار السلبية التي تترتب على هذه الشريحة؛ فالمجتمع يعاتب زوجتي على قرارها الزواج من أجنبي، فهم يريدون تجريدها من حرية اختيارها، وكأننا نعيش في العصور الوسطى، والجزء الآخر هو الجهات الرسمية والمتنفذون الذين لم يتخذوا أي خطوات جادة في سبيل معالجة هذا الملف الحساس معالجة صحيحة”.
ويرى محمد أن البحرين أولى من الدول الأخرى التي يراها هو متخلفة عن مواكبة التمدن والتحضر؛ بأن تعطي المرأة حقها في تمرير جنسيتها لأبنائها، وتمكينها من ذلك، ويقول: “لدى البحرين باع طويل في نهج تمكين وتعليم المرأة، وكانت من الدول السباقة في المنطقة التي دفعت في هذا الاتجاه، ولكن للأسف في الفترة الأخيرة وفيما يخص هذا الملف صار تمكين المرأة استهلاكًا إعلاميًا فقط؛ فعلى أرض الواقع ليس هناك شيء ملموس، هناك إجراءات وتسهيلات ولكن يبقى الحل الجذري مغيبًا”.
أمر ليس بعسير
ينص الدستور البحريني في المادة الثامنة عشر على أن: “الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، ویتساوى المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدین أو العقيدة”، ولكن القوانين تميّز ضد المرأة.
إلا أن المادة (4) الفقرة (أ) من قانون الجنسية البحريني لعام 1963م المستبدلة بقانون رقم 12 لسنة 1989م تنص على (يُعتبر الشخص بحرينيًا إذا ولد في البحرين أو خارجها، وكان أبوه بحرينيًا عند ولادته) مستبعدًا الأم البحرينية من حق تمرير جنسيتها لأبنائها، وهو مخالفة لما جاء في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي تنص على أن تمنح الدول الأطراف المرأة حقا مساويًا لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالها.
عن ذلك تقول المحامية زهراء الوطني: “يشكل قانون الجنسية البحرينية الصادر بعام 1963 وتعديلاته، تمييزًا ضد المرأة، فهو يُعلي كفة الرجل ضمن بنوده، عندما يُعطي الحق للرجل البحريني المتزوج من أجنبية، بمنح أبنائه الجنسية البحرينية بيسر وسهولة، كما يعطي الحق لزوجته الأجنبية باكتساب الجنسية البحرينية بعد 5 سنوات من استمرار العلاقة الزوجية، وقد تُعفى من شرط المدة وتكتسب الجنسية قبل ذلك، ولها الحق بالاحتفاظ بالجنسية البحرينية حتى بعد انتهاء الزوجية!
وعلى العكس من ذلك تمامًا فإن القانون يُجرد المرأة البحرينية المتزوجة من أجنبي من حقها في منح أبنائها الجنسية، وهو ما يُعد تمييزًا واضحًا، على الرغم من أن دستور مملكة البحرين قد نص على المساواة بين الرجل والمرأة".
وترى المحامية الوطني أن تغيير القانون بما يتلاءم مع الاتفاقيات الدولية ليس أمرًا عسيرًا، “ولكن يجب أن يجيء هذا التعديل بعد قناعة تامة من المشرع البحريني بحق المرأة البحرينية المتزوجة من أجنبي، بأن تمنح الجنسية لأبنائها، ونصر في هذا الصدد على مطالبنا الملحة من المشرع البحريني بأن يُجري التعديل على نص المادة 4 من قانون الجنسية؛ فإذا كان القانون يُعطي الحق للبحرينية التي تلدُ من رجلٍ مجهول، أو لم تثبت نسبه لأبيه بمنح الجنسية لابنها، أو ليست المرأة البحرينية المتزوجة من أجنبي تستحق منح الجنسية لأبنائها أيضًا؟”.
وعن التماهي مع اتفاقية السيداو قالت الوطني: “وافقت البحرين بالانضمام لاتفاقية السيداو بالمرسوم بقانون رقم (5) لسنة 2002، لكنها أبدت تحفظها على المادة 9/الفقرة الثانية منها، والتي تنص على أن: (( تمنح الدول الأطراف للمرأة حقًا متساويًا لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالها ) مع التعليق على التحفظ: “رفع وإعادة صياغة هذا التحفظ مرهون بإقرار تعديلات قانون الجنسية بتنظيم حق منح المرأة البحرينية المتزوجة من غير بحريني الجنسية لأولادها.” وهو إقرار من مملكة البحرين بضرورة تعديل قانون الجنسية، وكُلنا أمل بتحقيق هذا المطلب”.
نضال طويل
يسعى الاتحاد النسائي البحريني “وهو مظلة لـ12 جمعية نسائية” لتغيير هذا القانون، فقد قام بحصر النساء المتضررات ومساعدتهن في الإجراءات القانونية والإدارية اللازمة، والتواصل مع السلطة التشريعية وعقد الندوات وإدارة الحملات الإعلامية بالإضافة للتباحث مع المجلس الأعلى للمرأة الذي ترأسه قرينة الملك لوضع تدابير مؤقتة للبحرينيات المتزوجات من غير البحريني واطفالهن لحين تعديل القانون.
وتشير الوطني إلى المعاناة التي تمر بها المرأة البحرينية المتزوجة من أجنبي في عدم قدرتها على منح أبنائها الجنسية البحرينية، أمام مختلف القطاعات؛ سواء الصحية،أو التعليم أو الإسكان، أو الإقامة وغيرها، “إلا أننا نلمس ولو بشكل بسيط إحداث بعض التغييرات التي تسهل حياتها، كشمولية أبناء البحرينية ذوي الإعاقة بما يتمتع به البحريني من حقوق، وإصدار تأشيرة التحاق لأبناء الأم البحرينية المتزوجة من أجنبي للأبناء دون الـ 18 وإعفائها من الرسوم، والسماح للأم بكفالة أبنائها من أب أجنبي في حال كانوا على مقاعد الدراسة”.
وتواصل: “إلا أن هذا الأمر لا يكفي ولا يُحمل على إطلاقه بكل الحالات، ولا تزال المطالبة بالإقامة الدائمة للأبناء محل جدل في البحرين بالأخص، لأن الابن بعد دراسته، يتعثر أمام صعوبة الحصول على عمل يكفل له العيش الكريم في البحرين، وهو أجنبي بدون جنسية”.
كما ساهمت النضالات والمطالبات في السماح لأبناء المرأة البحرينية بالحصول على التعليم المجاني في المدارس الحكومية، إلا أنهم لا يرشحون لأي منح أو بعثات دراسية، بعكس أبناء الرجل البحريني، ويحصلون على الرعاية الصحية المجانية حتى بلوغهم سن الرشد، بالإضافة للنواقص التي تعتري حق التملك، والصعوبة في الحصول على القروض من المؤسسات المالية البحرينية، والحرمان من التأمين الإجتماعي وعدم الحصول على بدل تعطل، وإجراءات الإقامة، واستحالة الحصول على سكن أو قرض إسكان إلى جانب ندرة فرص العمل وغيرها.
وتختم الوطني حديثها: “يجب ألا تُحابى جنسية أجنبية على أخرى، وألا يكون هناك أي اعتبارات أخرى في المحاباة والتمييز في أحقية المرأة البحرينية المتزوجة من أجنبي بمنح أبنائها الجنسية، وعليه فإننا نُلح بعزم على مطلبنا الأصيل بإجراء التعديل الملائم لقانون الجنسية، وكلنا أمل وطموح بتحقيق ذلك من المشرع البحريني، وحكومة مملكة البحرين الرشيدة”.
تستند المطالبات في البحرين لتغيير قانون الجنسية على قيم ومبادئ العدالة في المساواة بين الأفراد في الحقوق والواجبات، التي نص عليها دستور مملكة البحرين في عدد من المواد بالإضافة للمواثيق والاتفاقيات والإعلانات الدولية، وبخاصة اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية حقوق الطفل .
لحلحلة هذا الملف، منح ملك البحرين 372 شخصًا من أم بحرينية الجنسية في عام 2006، و335 أخريات في العام 2011. كما صدر قانون في 2009 بشأن معاملة زوجة البحريني غير البحرينية وأبناء البحرينية المتزوجة من غير بحريني معاملة البحريني في بعض الرسوم المقررة على الخدمات الحكومية، ولا تزال المشكلة الكبرى دون حل؛ وهي تغيير القانون، لتمنح المرأة البحرينية أبناءها وبناتها جنسيتها دون قيد أو شرط، كما هو الحال مع الرجل.