عندما يرسل أحد الأصدقاء صورة ساخرة عبر تطبيق واتساب ونضحك، فإننا نميل للتغاضي عن حاجتنا لمجموعة واسعة من المعرفة السياسية والثقافية والتاريخية لفهم رسالة الصورة الساخرة الأساسية. في مرصد وسائل الإعلام المدنية، نحلل المواد الإعلامية والمعنى المُضمن في سياقات مختلفة، من أجل فهم العالم الذي نعيش فيه – والقصص التي نرويها لأنفسنا.
تبدو الصور الساخرة تافهةً بعض الشيء، لكنها يمكن أن تتحول إلى أدوات محرضة على الكراهية أو الدعاية والمعلومات الكاذبة. غالبًا ما تكون غرف الأخبار والمواطنون والحكومات في حيرة من أمرهم بشأن ما يجب فعله حيال المعلومات الخاطئة والزائفة. على سبيل المثال، يمكن أن تكون المعلومات المضللة وفيرةً، ولكنها غير ضارة في بعض الأحيان وقد تعكس ببساطة نقص المعرفة بالسياق المطلوب. كما تُعد المعلومات المضللة، من ناحية أخرى، معلومات خاطئة أُنشئت عن قصد بهدف التضليل.
تطور قطّاع التحقق من الحقائق استجابةً لهذه المشكلات، وقامت شركات التواصل الاجتماعي بتعديل قواعد تعديل المحتوى إلى ما لا نهاية وفتحت قنوات للأشخاص ليتمكنوا من الإبلاغ عن المحتوى الذي تعرفوا على أنه مضلل أو ضار. مع ذلك، على عكس التحقق من الحقائق، فإن هدفنا ليس فقط تحديد ما هو صحيح أو خاطئ، ولكن شرح البيئة الأوسع التي تُنسج فيها هذه القصص.
يستكشف مرصد وسائل الإعلام المدنية الجوانب الرئيسية لكيفية تحرك المعلومات بين البشر، واكتشاف آثار المشاعر والثقافات ورواية القصص.
القصص التي نرويها لأنفسنا
يقوم باحثو المرصد بتمشيط شبكات المعلومات للعثور على الروايات المهمة وذات الصلة، وهي افتراضات ومعتقدات أساسية تساعد في تشكيل كيفية حديث الناس عن الأشياء. نحدد الروايات بتحليل المواد الإعلامية. يمكن أن يكون العنصر الإعلامي تغريدة ذكية، أو صورة ساخرة ضارة على إنستغرام، أو كتابة على الجدران مناهضة للحرب، أو مقطع فيديو على يوتيوب، أو قصة إخبارية عن الخدمات السلكية.
يتعمق الباحثون، اعتمادًا على المشروع، في موضوعات عالمية، مثل الاستبداد الرقمي. على سبيل المثال، في وقت سابق من هذا العام، كشفت التحقيقات استهداف برامج التجسس “بيغاسوس” لهواتف الصحفيين في السلفادور. الغريب بالأمر، إلقاء حكومة السلفادور اللوم على رجل الأعمال وممول المنظمات جورج سوروس. كما قام مستخدمو تويتر مجهولون بإثارة الشكوك حول سوروس. وجد باحثونا نمطًا من المحاولات المماثلة لإلقاء اللوم على سوروس في تركيبات برامج التجسس “بيغاسوس” في بلدان أخرى، بما في ذلك المجر.
بالنسبة لجيوفانا فليك، مديرة مرصد وسائل الإعلام المدنية، فإن الروايات هي المفتاح لفهم أنظمتنا البيئية الإعلامية.
تسأل جيوفانا: “كيف تتشكل الروايات؟ ما هو دافعهم ومن ورائهم ومن يستفيد منهم وكيف ينتشرون ويؤثرون على الناس وكيف يمكن أن يكونوا ضارين؟”
توجه كل هذه الأسئلة عمل مرصد وسائل الإعلام المدنية.
تتبع الباحثون عن كثب، في حالة روسيا، تصعيد الروايات لأشهر قبل غزو بوتين لأوكرانيا. من الأمثلة على هذه الروايات: “الأزمة الروسية الأوكرانية هي خيال أنشأه الغرب” أو “روسيا تفوز دائمًا“. إذ تطورت هذه الروايات بعد 24 فبراير/شباط، وتنتشر الآن النظم البيئية لوسائل الإعلام الروسية بقصص متغيرة مثل: “الجيش الروسي ينقذ أوكرانيا والأوكرانيين من النازية” أو “جرائم الحرب التي تتهم روسيا بارتكابها ترتكبها أوكرانيا والغرب في مكان آخر“.
يُعد فهم سبب قيام الناس بإنشاء ومشاركة تغريدة أو صورة ساخرة أو قصة معينة، والتأثير الذي يمكن أن تحدثه على المجتمع مفتاح بحثنا، خاصةً عندما تصل إلى آلاف الأشخاص حول العالم.
يركز المرصد، على عكس الأدوات الآلية التي تحلل آلاف التغريدات، على التحليل النوعي لنظم المعلومات البيئية لدينا. نعتمد على المعرفة المحلية لاستكشاف الفروق الدقيقة في الكلام والرمزية والسياق.
وضع المعلومات في سياقها الصحيح
يُعد فهم ما يعنيه الناس عند إنشاء أو مشاركة المعلومات والسياق والنص الفرعي أمرًا أساسيًا. لهذا السبب يشرح باحثو المرصد السياق السياسي والتاريخي والاجتماعي العام المحيط بأي وسيلة إعلام يدرسونها. يجعلون الضمني صريحًا، من خلال تفريغ المعنى الضمني والتحيز في النصوص والصور. على سبيل المثال، بحث أحد باحثي المرصد في الهند عن صفحات قومية هندوسية على إنستغرام ووجد مونتاجًا ضارًا يدعي أن حركة “حياة السود مهمة” (Black Lives Movement) في الولايات المتحدة مجرد خدعة.
قد نتساءل للوهلة الأولى، لماذا ينشر هذا الفيديو أيضًا روايات معادية للإسلام مثل: “الإسلام يدعو إلى العنف، والمسلمون وحشيون وبلا ثقافة” و “الهندوس يشكلون تهديدًا” إذ لا يذكر المنشور ضمنيًا المسلمين أبدًا. لكن في سياق الهند، يكتسب الفيديو طبقةً أخرى من المعنى: فهو يساوي الروايات العنصرية التي تستهدف السود في الولايات المتحدة بروايات معادية للإسلام تستهدف المسلمين في الهند. وتؤكد التعليقات الواردة في المنشور أن هذه النية الفرعية المبطنة لن تضيع على الجمهور.
أسلوب منهجي للصحافة
تقول جيوفانا فليك: “يتطلب الاقتراب من الروايات منهجيةً معينةً، كما يتطلب قراءةً دقيقةً ونقدية”.
تعتقد فليك أيضًا، أن هذا النهج البحثي لديه الكثير ليقدمه للصحافة: “يقدم هذا النهج تقارير، ويحقق ويجيب عن الأسئلة التي لدينا حول العالم، ولكن بشكل منهجي”.
يساعد اكتشاف العناصر الإعلامية واكتشاف رسائلها الأساسية وربطها بالروايات، الباحثين على تقييم التأثير المدني لعنصر إعلامي.
توضح فليك ذلك وتقول: «إن الجانب الأكثر أهميةً في المرصد هو السؤال عن التأثيرات المحتملة لعنصر ما». تضيف: “أثرت بعض العناصر بالفعل على الخطاب الاجتماعي، بينما قد يؤدي البعض الآخر إلى تشديد السرد، أو يمتد إلى العمل غير المتصل بالإنترنت. إذ يُطلب من الباحثين النظر في التأثيرات الافتراضية، بناءً على المعرفة التجريبية والمحلية”.
يمكن القول، على سبيل المثال، أن أكبر نجوم البوب في تركيا، تاركان، له تأثير قوي على الرأي العام. إذ كتب باحثونا أنه “كان يُنظر إليه عمومًا على أنه شخصية غير سياسية، لكنه أصبح مؤخرًا رمزًا للمعارضة في تركيا”، وكان صريحًا ضد تطوير البنية التحتية في المواقع التاريخية والثقافية في تركيا. قد يكون لجهوده لحماية التراث الثقافي، كواحد من أكثر الأصوات نفوذًا في تركيا، تأثير مدني إيجابي. وبالمثل، فإن التغريدة التي تتضمن عنصريةً مضمنةً قد تحرض على العنف، وسيكون لها تأثير مدني سلبي.
تقول فليك: “نحن لا نتنبأ بالمستقبل، لكننا نريد أن نفهم كيف يمكن أن يؤثر جزء من المعلومات المضللة على الناس”.
على سبيل المثال، في عام 2020، حذر باحثونا في ميانمار من احتمال زيادة الاستقطاب في البلاد بسبب الروايات المكثفة المؤيدة للجيش والمناهضة للديمقراطية التي يتم تداولها عبر الإنترنت [PDF]. مع اقتراب بحثنا من نهايته في أوائل عام 2021، عاشت ميانمار انقلابًا وقمعًا عنيفًا نيابةً عن المجلس العسكري.
المعلومات المتاحة مجانية
يمكن للقراء وزملائهم الصحفيين الوصول إلى مجموعات البيانات العامة لدينا على إيرتايبل Airtable، وهي منصة قاعدة بيانات. إذ تُحدّث مجموعات البيانات بانتظام بمواد وسائط وسرد جديدة. فيما يلي روابط لأبحاثنا القطرية لعام 2022 وأبحاثنا “مرصد لا-حرية Unfreedom Monitor“ حول الاستبداد الرقمي. تهدف هذه النشرة الإخبارية وقصصنا أيضًا إلى جعل النتائج التي توصلنا إليها سهلة الفهم للجمهور عامةً.
مستعدون للتعاون والتحدث
بدأ مرصد وسائل الإعلام المدنية عدة شراكات مع غرف الأخبار. على سبيل المثال، أنشأت صحيفة ميامي هيرالد Miami Herald مرصدها الخاص لتحليل الروايات المتعلقة بالانتخابات المقبلة في فلوريدا. كما يتحدث باحثونا بانتظام في المؤتمرات والجامعات الدولية، مثل ندوة إم 100 سانسوسي M100 Sansouci في بوتسدام، والمنتدى السنوي لسيبيسا CIPESA حول حرية الإنترنت في إفريقيا في لوساكا، ومنتدى لشبونة لمجلس أوروبا، واليوم العالمي لحرية الصحافة في الأوروغواي، ومهرجان موزيلا Mozfest، ورايتس كون RightsCon.
يدعم كل من أكاديمية دي دابليو وبي بي سي ميديا أكشن، ومؤسسة ماك ارثر، وإن إي دي وميتا، من بين آخرين، أبحاث المرصد أيضًا.
هذا المقال، بقلم Civic Media Observatory، ترجمة لجين الحفار، منشور في موقع جلوبال فويسز في 20 من أكتوبر/تشرين الأول 2022.