حظي ملف المرأة في الدين الإسلام باهتمام شديد، لدرجة شغله المسار الأول في عمل الحكومات الدينية أو الجماعات المنتسبة للإسلام السياسي، فنشأة كل جماعة وكل حكومة منهم على مطالب وأوامر تنتهك حقوق النساء بالدرجة الأولى، وما نراه الآن في أفغانستان من قمع للجنس اللطيف وحرمانهن من التعليم والاختلاط والتنزه وفرض الحجاب الإلزامي، لهو ذروة ما تراه الجماعات تقييدًا لهذا الفصيل الاجتماعي وحرمانه من حقوقه الأساسية، ليس لأنه خطر على الحُكم الديني الثيوقراطي فحسب؛ بل لأنه يضمن ذكورية المجتمع وسيطرة الرجال على السلطة والثروة والنفوذ.
وقلت إن المرأة خطر على الحكم الثيوقراطي الديني لأنها جبلت على الشك والتفكير أكثر من الانقياد والطاعة، ولهذا السبب تم استبعادها من سلاسل الإسناد في علم الحديث، ولم تترق لمنصب قبلي أو حكومي لتُجبَر على الطاعة بسجون من النصوص الدينية، وترسانة هائلة من الأعراف والمقدسات التي تحرمهن من المساواة بالرجل، ولميلها – الفطري – للسلام والرحمة لم تكن مقنعة للرجال في الحروب؛ فالمرأة ولأنها كائن يشعر بالقمع واللامساواة وتمييز الرجال عليها، ترى الحياة بلون من ألوان التمرد النفسي والزهو بنفسها أنها كائن مهم، وإلا ما تم استبعادها من القيادة ، وذلك التمرد كان – ولا يزال – هو مصدر شكّها الدائم في الظروف السائدة وعدم التسليم بها والتدقيق في التفاصيل التي أدت إليها والرغبة في تغييرها للأفضل، والنساء بالعموم يملن للاهتمام بالتفاصيل أكثر من الرجل لاعتبارات منها الذكاء الاجتماعي والتمرد النفسي على قيم المجتمع الذكوري .
لذلك يجب التفريق بين رؤية رجال الدين المسلمين – كمثال – لقضية تحرير المرأة، وبين رؤية المثقفين لنفس الملف؛ فرؤية رجل الدين تميل لتبرير الظلم والقمع الذي عانته النساء طوال 1400 عام مضت، بينما رؤى المثقفين المتنوعة والتي تتضمن رؤى من داخل الصندوق الإسلامي وأخرى من خارجه تفكر بشكل مختلف، وسأقسم هذا البحث لمناقشة المنظورين.
أولا: رجال الدين المسلمون حين يتحدثون عن ملف تحرير المرأة؛ فلا يخرجون عن السائد والعُرف الموروث كونه أمرًا مقدسًا جاء بنصوص قرآنية وحديثية واضحة لا مجال للشك فيها أو التأويل، ومثال على ذلك كتاب الشيخ الإخواني “محمد قطب” بعنوان (تحرير المرأة في الإسلام)، والكتاب يعتبر أن شريعة المذاهب الأربعة في ضرب الزوجات وتحريم عملها واعتبار عقلها ناقص، وخلقت من ضلع أعوج وتسجد لزوجها ونكاح السبية ويكفرن العشير وداعية للشؤم وتجسيد للشيطان؛ هو نوع من التكريم -ولا أعلم كيف-! .نفس الشيء لكتاب (تحرير المرأة في عصر الرسالة) لعبد الحليم أبو شقة، والرد على هؤلاء أن حقوق المرأة لن تكون سوى بإعادة تدوير شريعة الفقهاء لتبلغ مبلغ العقل والحكمة، أما وضعها الحالي فلا علاج لها سوى أمرين، إما داعش وبيع الجواري، أو قنبلة قرارات دستورية بحبس هؤلاء المتشددين في مكانهم الطبيعي بالمتحف وتعريفهم بالكائنات الخطرة.
فلم يبحث هؤلاء في حقيقة ما ورثوه من معتقدات ناحية المرأة والبحث عن ظرفية هذه المعتقدات ومناسبتها أكثر لأعراف بدو الصحراء الذين كانوا يرون ملكية المرأة كملكية الحيوان، بيد أن ظروف المرأة في المجتمعات المتحضرة كمصر والشام والروم وفارس والهند والصين وغيرها كانت أفضل كثيرًا من مثيلاتها في عمق الصحراء العربية والغابات عند الهنود الحُمر وقبائل الأزتيك والإنكا، علمًا بأن في الهند قبيلة تسمى “خاسي” Khasi تحكمها النساء، بينما الرجال فيها لا يرثون، والأطفال يُكتَبون باسم أمهاتهم، وهذا يعد أحد الأشكال الموروثة من المجتمع الأمومي القديم الذي كانت فيه القوامة للنساء، مما يثبت أن العلاقة بين الجنسين وأشكال التعامل مع الثروة والسلطة تخضع للعُرف أكثر مما تخضع للدين، والاجتهاد فيها واجب للمصلحة.
ولا أدعي أن وضعية المرأة في الحضارات القديمة كانت كوضعيتها اليوم في أوروبا مثلًا؛ فالذي حدث ببلاد الغرب هو ثمرة من ثمرات حقوق الإنسان والميثاق الذي كتبه العالم واتفق عليه في الأربعينات، وهو أيضًا ثمرة من ثمرات الانتفاضة النسوية في القرن 19 والتي كانت مرافقة للثورة الصناعية التي أجبرت حكام أوروبا على تشغيل النساء بدلًا من الرجال الذين يقتلون بالملايين آنذاك في الحروب، وغاية ما فعلته تلك الحضارات هو أن وضعية المرأة بالقياس لمجتمعات أخرى غير متحضرة كان أفضل، وهو قياس بالدرجة نثبت فيه أن وضعية المرأة في القرون الوسطى وإلى زمن الثورة الصناعية بالقرن 19 كانت سيئة للغاية، حتى إن فلاسفة التنوير الأوروبيين قبل هذا الزمن لا يملكون رؤية مستنيرة وحقوقية تجاه المرأة، حتى دفعهم للقول بأن النساء كائنات مختلفة عن الرجل من حيث التكوين البيولوجي وأن صفاتها الجسمية تدل على مرحلة سابقة وأدنى في التطور، مما يضعها عرقًا أدنى من الرجل بالعموم كما ذكر ذلك “تشارلز داروين” (1809 – 1882 م) في أصل الأنواع.
واجتهد الدكتور إمام عبد الفتاح في جمع رؤى فلاسفة التنوير العنصرية تجاه المرأة في سلسلة مميزة لم تأخذ نصيبها الحقيقي من العرض والمناقشة، لأن السائد في مجتمع التنوير أن النهضة المعرفية الأوروبية جاءت بحقوق النساء، وهذا غير صحيح؛ فالذي جاء بحق النساء هو تشغيلهن في المصانع والاعتماد عليهن في النمو الاقتصادي، وهذا متعارف عليه من زاوية أن الاقتصاد هو الباب الذي يرسم منه المجتمع خريطته السياسية والفكرية وهوية حُكّامه بشكل كبير. وملخص رؤية رجل الدين المسلم هنا أنها متأثرة بالعُرف والسائد القروسطي الذي أثر أيضًا على فلاسفة عصر التنوير، مما يدل على أن تخليق الواقع الجديد للمرأة يلزمه التحرر من سلطة رجل الدين التي خلصت إلى أن المرأة كائن طُفيلي تابع للرجل، ووجوده فرع لوجود الرجل أيضًا، وعليها أن تنفذ أوامره وتطيعه في كل شيء طاعة مطلقة، وأنها مجرد كائن جنسي في الفراش ..إلخ. كل هذه الأمور كانت سائدة في الماضي وآن الأوان لتغييرها وعدم الالتفات لفقهاء وفتاوى تعيد ذلك الماضي.
علما بأن مصطلح حقوق المرأة ظهر رفيقًا لمصطلح آخر وهو (المرأة العاملة) في القرن 19م؛ فتنبهت النساء إلى أن حقوقهن ارتبطت أساسًا بالعمل؛ فالمرأة العاملة لها حقوق مساوية للذكر لخضوع الطرفين لمعادلة واحدة؛ هي (المشاركة في متطلبات الحياة)، وقديمًا لم يكن هذا موجودًا؛ فالذكر وحده هو الذي يعمل ويحارب، أما المرأة فوظيفتها المنزل والأطفال، وهذا ما جعل منها خادمة وأداة جنسية للذكر أكثر من كونها امرأة لها كيان يتساوى مع الرجال في كل شيء، ولا تستغرب إذا علمت بأن أعظم عقول وفلاسفة البشرية منذ سقراط في القرن 5 ق. م حتى القرن 19م كان موقفهم واحد من الأنثى وهو (العنصرية والاحتقار)!
وهنا يسأل سائل: كيف صبرت الأنثى طيلة هذه الفترة حتى نالت حقوقها؟ والجواب: للأمر بعد سيكولوجي؛ فالإنسان الضعيف دائمًا يعيش الصورة التي يراه بها الآخر، وفور اكتشاف بواطن قوته ومواطن شدته وبأسه يتخلص فورًا من تلك الصورة ويثور ويتمرد. وهذا تفسير لكيفية اندلاع الثورات؛ فالحاكم عندما يزدري ويحتقر شعبه ويُثقله بكل ما لا يتحمل، تعيش الأمة الضعيفة هذه الصورة فعلًا ولا تفارقها، حتى إذا خرج من بينهم عظيم يُعطيهم الثقة والقوة، يرفضون أولا تلك الصورة عنهم بداخلهم، ثم يتطور الوضع لإثبات عكسها ضد الحاكم الظالم، هذا ما حدث للأنثى. فعندما كانت لا تعمل (كانت ضعيفة)ـ، والحجة أن الذكر هو من ينفق ويبذل الجهد؛ فليس من العدل أن نساوي القاعد مع العامل؛ أي كان اضطهاد المرأة في القرون الوسطى واحتقارها لم يكن أصلًا خارقًا للعدالة والأخلاق، بالعكس؛ ففكرة تفوق الذكر كانت أخلاقية وعقلية محضة ولم يصل مستوى الإنسان لإدراك خلاف ذلك.
بدأ التحول من القرن 19 في الثورة الصناعية، وحاجة الأثرياء للعمال؛ فاضطروا لتشغيل النساء، ولأن هذا القرن كان مليئًا بالحروب الكبيرة التي قتل فيها (ملايين الذكور) اشتدت الحاجة للنساء؛ فاضطرت رؤوس الأموال لترضيتهن بأجور مرتفعة. ومن هنا كانت اللبنة الأولى لما يعرف لاحقًا (بحقوق المرأة) التي ظلت تناضل لنيلها كاملة غير منقوصة، فبدأت بإسقاط ولاية الذكر، ثم حق المساواة في الأجور والتعليم والعمل والفرص، ثم الانتخاب والحُكم؛ أي أن الذي جاء بحقوق المرأة؛ هي المرأة نفسها، وكلما تعززت الحاجة للنساء في العمل كلما ارتفعت مطالبهن بحقوق أخرى، والدليل أن الثورة الحقوقية الكبرى للنساء بدأت فعليًا بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، ومقتل أكثر من 100 مليون ضحية معظمهم ذكور، ثم ظهور ميثاق حقوق الإنسان العالمي وشدة الحاجة الدولية للإناث في قطاعات الصناعة والزراعة والتجارة والإدارة. هنا فرضت المرأة نفسها بحكم نشاطها، فنجحت وصارت عشرات الدول يحكمها نساء. وجميع دول العالم صارت تعين وزيرات ونائبات بعدما ظلت تلك المناصب حكرًا للذكور طوال مئات السنين.
أما رجال الدين فلديهم علم جزئي بتلك الأسباب التي جعلت العالم يعترف بالمرأة؛ فجعلوا أولى مطالبهم تتمثل في ثلاثة:
- ممنوع الاختلاط ليعزلوا الأنثى مرة أخرى عن كل مظاهر المجتمع الحديث
- ممنوع تشغيل المرأة؛ فوظيفتها البيت والأطفال، لتعود المرأة كما كانت مجرد كائن طُفيلي يحتقرنوه آناء الليل وأطراف النهار.
- ممنوع ولاية المرأة على الرجل؛ لتعود سيطرة الذكر مرة أخرى كما كانت منذ العصر الحجري حتى القرن 19م
قصة الحجاب والنقاب ليست هي الأساس؛ فالرجل بطبعه شهواني يريد للمرأة أن تتحرر، ولكن هذه الأزياء متسقة تمامًا مع الطلبات الثلاث السابقة؛ فالحجاب والنقاب يساعدهم على منع الاختلاط وعدم تشغيل المرأة واستحالة ولايتها على الرجل؛ فلا يوجد ذكر سيولي عليه امرأة لا يعرفها أو أن يسمح بتشغيل أنثى يعلم تمامًا أن هذه الأزياء ستعيقها عن العمل، ولو أدرك أحد منكم طبيعة حياة الفلاحين في أراضيهم سيجد أن النساء العاملات الزراعيات بحكم العمل الشاق في الزراعة والحصاد (متحررات في الملبس) سوى من قطعة قماش صغيرة بالكاد تغطي رؤوسهن.
فعندما عملت المرأة وارتفعت مطالبها بالحقوق والفرص، ارتفع وعيها وفطنت لحقوق ضائعة مهدرة؛ منها (حرية الملابس)؛ فقضية الحجاب إذًا نشأت في هذا الجوّ، إنه وطالما أن العدالة هي المساواة بين الجنسين؛ فالعدالة لا تتجزأ، وينبغي على الذكر أن يستتر هو الآخر حفظًا لحقوق الأنثى. وهنا كانت الضربة القاصمة التي أثارت المتشددين الذكور وحفزتهم على الثورة على تلك الأفكار الجديدة، ولمن يعلم فكتاب “قاسم أمين” ظهر في تلك الأجواء وكان تأييدًا فقط من جانب حقوقي عقلاني لدعوات النساء؛ ليس لكونها مقبولة من الشرع، ولكن لأنها مقبولة من العقل والمنطق والعلم. وهنا كانت البذرة الأولى للصدام بين الشرع والعقل والعلم في مجتمعات المسلمين. وبالتالي تصدق رؤى الماديين الذين رأوا أن الحياة تتغير بتغير المادة، وذكاء الإنسان وأخلاقه يتطوران بتطور المواد، لا العكس؛ فحقوق المرأة لم توهب ولم توجد بتنظير عقلاني أو ضمير أخلاقي؛ فأعظم عقلاء البشر قديمًا كانوا يرون المرأة كائن طفيلي لا حقوق له البتة، لكن الرؤية تغيرت لتقنع ذوي العقول البسيطة في القرن 21 فقط بمجرد عمل المرأة.
ثانيا: المثقفون الذين يتناولون هذا الملف النسائي بشيء من السعة؛ فيذهب مثقفو المسلمين إلى أن السائد في القرون الوسطى عن المرأة هو وضع اجتماعي يجب تغييره، لأن الإسلام بالأساس هو (دين عدل)، ومن الظلم عدم مساواة المرأة بالرجل في الوظائف والتعليم والحُكم وفرص الحصول على الثروة، ومن هؤلاء المستشار “قاسم أمين” (1863 – 1908 م) بكتابيه “تحرير المرأة – والمرأة الجديدة”، والذي يعد ما فعله أول وأكبر وأهم حجر يُرمى في بحر الذكورية الراكد، ولفت الأنظار لخطورة هذا البحر على المجتمع ومسؤوليته الكبرى عن تخلف المسلمين وانتشار الجهل والعنصرية والعنف بين الطبقات.
ولم تكن مهمة المستشار أمين سهلة، لأن من ردوا عليه وهاجموه من زعماء سياسة كمصطفى كامل، وزعماء اقتصاد كطلعت حرب، وزعماء أدب كمصطفى صادق الرافعي، ورجال دين من الأزهر كفيل لتقبيح دعوته بين المصريين، ووأدها في المهد وعدم بلوغها موقع السلطة كاملة؛ فهذه الدعوة كانت أقلية ضد أكثرية مثلما كتب الشيخ حسنين مخلوف في مذكراته “ الناس يتحدثون عن قاسم أمين وكتابيه ” تحرير المرأة ” و “المرأة الجديدة “، وتردده على منزل الأميرة نازلى فاضل، وبينهم من يؤيد هذه الدعوة الجديدة، وأغلبهم يرفضها، وكان قاسم أمين قد خاض معركة تسمى بـ”تحرير المرأة ” واستبدال النقاب بالحجاب الشرعي على حد قوله، وكان الناس يشيرون إلى الإمام محمد عبده بعضهم يقول إن له دورًا في هذه الدعوة والبعض الآخر يرفض ذلك”. (مذكرات حسنين مخلوف صـ 100) وبهذه الشهادة يتبين أن الشيخ محمد عبده كان مؤيدًا لبعض أو كل ما جاء به قاسم أمين لتحرير المرأة ، وإلا ما كان يُشاع مسؤوليته عن ذلك.
ومن يستغرب موقف الزعيم مصطفى كامل من قاسم أمين؛ فالرجل كان مؤيدًا للخلافة العثمانية من جانب ديني، فما الذي يجعل موقفه من فرضية النقاب وقهر المرأة به مستغربًا ، وفي ذلك يقول الشيخ “محمد مورو” في كتابه “الحركة الإسلامية في مصر رؤية عن قُرب” ما يلي”: كان الحزب الوطني الذي حمل راية الكفاح ضد الاستعمار، والذي خاض المعارك من أجل التأكيد على القيم الإسلامية، كالحجاب مثلا؛ حيث دخلت صحيفة اللواء الناطقة بلسان الحزب الوطني هذه المعركة ضد قاسم أمين وصحافة حزب الأمة التابع للاستعمار الإنجليزي، بل وكان مصطفى كامل نفسه طرفًا في هذه المعركة الثقافية؛ حيث دافع عن الحجاب باعتباره أحد قواعد الإسلام، وأحد قواعد التميز في الهوية والانتماء ورفض السلوك الغربي والقيم الغربية” (صـ 50)، علمًا بأن الحجاب الذي كان يقصده قاسم أمين هو (النقاب أو البُرقع التركي) ولم يدع أمين لكشف شعر النساء كما هو مشهور، لكن مصطفى كامل رفض هذه الدعوة ودافع عن البرقع التركي وضرورة ارتداء هذا الملبس كهوية وانتماء إسلامي وفقًا لتعبير محمد مورو.
وتدور فكرة مثقفي المسلمين حول أن حقوق المرأة في الإسلام تُعرف بالاجتهاد والنظر، فمن يُحرّم الاجتهاد إلا لجماعته لن يرى تلك الحقوق، ومن يمنع النظر في النصوص ويقبلها على ظاهرها دون مراعاة لظرفية الزمان والمكان سيبرر قمع النساء بدعوى السائد والعُرف، والنصوص الدينية الإسلامية مليئة بهذا الحق النسائي؛ أذكر منها في القرآن قوله تعالى :” ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة ” [البقرة : 228] وهذه الدرجة هي القوامة مصداقًا لقوله تعالى “ الرجال قوامون على النساء “[النساء : 34]
والقوامة حسب ما تعارف عليه العرب هي "الحماية والرعاية"، بأن الرجل أقوى في المعارك والعمل والصبر، وبنيانه الجسدي بهرمون الذكورة "التستوستيرون".. Testosterone أقوى، وفيه قال تعالى: "بما فضل الله بعضهم على بعض".
ولأن الرجل أقوى في العمل والمعارك كان هو الأغنى والأوفر مالاً”، و”بما أنفقوا من أموالهم”.
إذن فالقوامة هنا اجتماعية معلولة بتفضيل إلهي للذكر في البنية والمال، وما دام اجتماعيًا يبقى عُرضة للتغيير، فوارد أن تتغير المجتمعات وتصبح الأنثى أكثر مالاً. وربما أكثر قوة كما هو معتقد في تاريخ البشر الأوائل، هنا تكون القوامة لها، أي الشاهد في هذه المسألة هو (البيئة) والتاريخ ينقل لنا أن احتمال قوامة الأنثى منذ آلاف السنين موجود بتعدد صور الآلهة الأنثوية؛ كعشتار وأثينا وأفروديت واللات وإيزيس وحتحور ونوت وإنانا وأرشكيجال، وغيرهن.
ولأن القوامة أصل اجتماعي نزل القرآن بآيات اجتماعية أيضًا تثبتها..”للذكر مثل حظ الأنثيين”.. و”للرجال عليهن درجة”..”فانكحوا ما طاب لكم من النساء”؛ فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان”. هذه الآيات اجتماعية وليست تشريعًا دينيًا؛ فقال المتشددون والذكوريون بتشريعها دينيًا، رغم أنها تندرج تحت أصل القوامة عند قبائل العرب ظرفيًا، وما كان يفعله العرب بالإناث شاهدًا؛ حيث كانوا يحرمون الأنثى من الميراث، وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودًا وهو كظيم، وكانوا يقتلونهن صغيرت، والسبب أن قوامة الرجل جعلت مصادر القوة والمال في أيدي الذكور، والعرب مجتمعات مادية لا روحية، يغلب عليها الطابع الدنيوي الذي فصله وشرحه ابن خلدون في المقدمة، أي أن الأنثى لديهم لم تكن إنسانًا كاملاً؛ بل اعتبروها مخلوقًا آخر كما فصلنا في المقدمة بالإشارة إلى أن ذلك المعتقد الذكوري كان قروسطيًا لم يسلم منه حتى مفكرو عصر التنوير.
من جانب آخر يقر القرآن حقوقًا كثيرة للنساء أهملها الفقهاء منها حق تزويج المرأة لنفسها دون وليّ ومن تلك الآيات قوله تعالى:
- “إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح “[البقرة : 237] فلم يحدد جنس وماهية الذي بيده عقد النكاح، مما يعني أنه يجوز للمرأة.
- “فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا “[البقرة : 230]، وفعل النكاح محمول للمرأة ولها حق المراجعة؛ فإذا كان لها حق التراجع فلها حق الزواج دون إذن من لم تراجعه.
- “والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرًا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف ” [البقرة : 234]..لاحظ الأفعال (يتربصن فعلن في أنفسهن) مما يعطي للزوجة كامل الحرية الاختيارية والإرادة في الزواج وتحمل نتائجه.
أما الآية رقم 25 سورة النساء “فانكحوهن بإذن أهلهن” فهي تخص أهل ملك اليمين من الفتيات المؤمنات التي في عهدة أوصيائهم. وبتفسير ملك اليمين – غير العبودية بالمناسبة – يتبين إذن أن الوصي في هذا الزمن كان مطلوبًا دون تحديد جنس الوصي الذين قد يكون أنثى. فقام المتشددون بذكر آية سورة النساء وحملوها على عموم الزواج وغضوا الطرف عن آيات سورة البقرة الثلاث -عاليه- كي يرضوا نزعاتهم الذكورية، ووضعوا أحاديث وفتاوى تخدم هذه الرؤية، حتى بات ذلك من ثوابت الدين، علمًا بأن الشيخ محمد الغزالي في كتابه “السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث” اعترف أن المذهب الحنفي يقر بأن للمرأة حق تزويج نفسها بناء على آيات سورة البقرة، وقال إن هذا الحق الحنفي للنساء أخذ به الأوربيون في سياق تقريظ ومدح الحضارة الأوربية، فتخيل هذا شيخ أصولي خالف وجهة نظر الجمهور باشتراط ولي أمر ذكر لتزويج النساء؛ فما بالك بتنويري أو فيلسوف أو مثقف وباحث يرى أن وصاية الرجل على المرأة في تزويج نفسها يعني عبودية بشكل صريح.
والخلق القرآني لطيف جدًا مع النساء على غير عادة الفقهاء، ومن ذلك قوله تعالى: “الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئًا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله” [البقرة : 229] وقوله أيضًا “ وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارًا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ” [البقرة : 231] و “ فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف ” [الطلاق : 2] و “ أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى” [الطلاق : 6]
والآيات الأربع السابقة تقر دستورًا إسلاميًا لكيفية تعامل الرجل مع زوجته حين الافتراق؛ فلا يضربها ولا يظلمها ولا يبخس حقها شيئًا، ويؤكد ذلك قوله تعالى: ” ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة ” [البقرة : 228] وقد سبق شرح هذه الآية، وقوله تعالى أيضًا “ وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف” [البقرة : 233] و “ وللمطلقات متاع بالمعروف حقًا على المتقين” [البقرة : 241] و” يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا” [النساء : 19]
حتى في التكليف ومبدأ الثواب والعقاب، فلا فرق بين ذكر وأنثى قال تعالى: “والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم، وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم ” [التوبة 72: 71] وقوله أيضًاك “ إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرًا عظيمًا” [الأحزاب : 35] و “ والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانًا وإثمًا مبينًا” [الأحزاب : 58] و “ ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورًا رحيمًا” [الأحزاب : 73] و “ ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزًا عظيمًا” [الفتح : 5]
حتى في الشهوة الجنسية متساوون قال تعالى: “ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم “[النور : 30] و “ وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ” [النور : 31]؛ فالأمر بغض البصر واجب على الجنسين وفيه اعتراف ضمني بحقوق المرأة الجنسية، فقام المتشددون بذكر آيات الاختمار والجلباب وعدم إبداء الزينة كمطلق وهدف عام من تلك الآيات، وغضوا الطرف عن مقاصد الأمر بغض البصر لكلا الجنسين، وأن غاية ما ذكر في الاختمار وستر العورة هو ظرف اجتماعي محدود يثبته عدم التزام الإماء والجواري بهذا الستر كما هو مشهور في كتب الفقه التي قالت بعورة الجارية والأمة مختلفة عن عورة الحرائر، التي هي أكثر قيدًا وتشددًا في المنزل، وفي ذلك يقول الشيخ محمد علي السايس: “الإماء بطبيعة عملهن يكثر خروجهن ، وترددهنّ في الأسواق ومحالّ البياعات في خدمة سادتهن ، وقضاء مصالحهم ، فإذا كلّفن أن يتقنّعن، ويلبسن الجلباب السابغ كلّما خرجن ، كان في ذلك حرج ومشقة عليهن، وليس كذلك الحرائر ، فإنهنّ مأمورات بالاستقرار في البيوت، وعدم الخروج منها إلا في أوقات الحاجة الشديدة، فلم يكن عليهنّ من الحرج والمشقة في التقنّع والتستر ما على الإماء” (تفسير آيات الأحكام صـ 668)
ولعمري إن هذه الآيات لو عمل بفحواها المسلمون ما قالوا بتفضيل الذكر على الأنثى ولفهموا آيات المواريث وفق نظام اجتماعي ظرفي محدود كان العرب لا يورثون البنات، فنزل قوله تعالى: “للذكر مثل حظ الأنثيين” كإصلاح تدريجي يأمر بالمساواة بين الجنسين في الحقوق المادية، ولأن المرأة في ذلك الوقت لم تكن عاملة، واحتكار الثروة بالكامل في أيدي الذكور، وكان الظرف الاجتماعي والسياسي يتطلب تفضيلاً نسبيا للذكر في الميراث نظرًا لمتطلباته الحياتية وفروض الواجب التي تأمره بالإنفاق على إناثه وأسرته، وتوفير متطلبات الحياة لهم من الألف إلى الياء، وبالتالي نفهم أن الظرف الاجتماعي للعرب القدماء كان هو علة تفضيل الذكر على الأنثى في المواريث، والقاعدة الفقهية أن الحكم يدور مع علته ثبوتًا ونفيًا؛ فيكون إنفاق الأنثى على نفسها وعملها تفرض حكمًا اجتماعيًا جديدًا يستوجب به تغير جذري في أحكام المواريث، ومن تلك الزاوية وصلت بعض الشعوب المسلمة للمساواة بين الجنسين في هذا الملف كدولة تونس؛ فهم مسلمون لم يتخلوا عن إسلامهم، لكن فهموا في ذات التوقيت أن جوهر الرسالة الإسلامية يأمرهم بالمساواة بين الجنسين في هذا العصر.
أختم بأشهر قضايا المرأة في المجتمع المسلم؛ وهي (ضرب النساء)؛ ففي القرآن توجد آيتان لتبيان هذا الحكم الأولى ثابتة والثانية متغيرة، فالأولى الثابتة: قوله تعالى: ” ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة “..[الروم : 21]، هذه أصل العلاقة بين الأزواج؛ قوامها الرحمة والمودة المتبادلة، وتعبير أزواج غير مُجنّس أي يعرف به كلا الطرفين؛ وبالتالي فالمساواة التامة في المعاملة هي الأصل، أما الثانية المتغيرة: قال تعالى: “واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً”..[النساء : 34]، وهذه كانت مظروفة بزمن الرسول؛ حيث أن العرب لم يكونوا على علم بكيفية حل مشاكل زيجاتهم سوى بالضرب، فروي عن الرسول من حديث “إياس بن أبي ذباب” قوله : (لا تضربوا إماء الله)، فلما علم عمر بن الخطاب ذكره بالآية فقال الرسول ” لقد طاف على آل محمد 70 زوجة كلهن يشتكين ضرب أزواجهم ولا تجدون هؤلاء خياركم”.
والمعنى أن ضرب الزوجات كان شائعًا بين العرب لأتفه الأسباب ولمجرد الاستعراض الذكوري والتنمر على الضعفاء لا غير، ولما جاء الإسلام نهى الرسول عن ضرب الزوجات، ثم نزلت آية النساء، فهجر العرب الترتيب القرآني (عظة – هجر – ضرب) وأخذوا بالثالثة. فغضب الرسول وقال إن ضاربي زوجاتهم ليسوا خياركم، يعني من فعلوا ذلك ليسوا أفضل من زوجاتهم؛ وهو نفس منطق المسيح: (من منكم بلا خطيئة فليقذفها بحجر)، في نهي صريح عن العنف وتدريب المسلم بشكل عملي على التخلي تمامًا عن فكرة الضرب، والحكمة في دلالة الترتيب (عظة – هجر – ضرب) هي إعطاء فسحة لحل المشكلة عند العرب بدون ضرب، إذًا فالهدف كان حملهم على المعاملة الحسنة والرشد بالعِظة ثم بالهجران. وفي الواقع لا يحدث هذا الترتيب في يوم وليلة؛ فالإنسان عندما يغضب لا يدوم غضبه سوى دقائق وربما ساعات. هذا الترتيب يعني عدم إمكانية الضرب لزوال أسبابه وسكون كلا الطرفين عن الاستفزاز.
نفس قصة الأربع شهود في الزنا (تعجيز) عن الحد لانتفاء رؤيته، وأيضًا لأن الشائع وقتها عند العرب كان قتل أو جلد الزوجة وتعذيبها بمجرد الشك في سلوكها، وبعضهم كان يفعل حكم التوراة عُرفًا موروثًا من يهود المدينة بحرق الزناة، وبالتالي فمقاصد اللفظ تذهب على غير ظاهرها لا تُعرف سوى بالعقل والتأمل، بينما الشيوخ أحيوا سنة اليهود والجاهلية بتحريمهم للعقل، فتعاملوا بنفس منطق عرب قريش في الجاهلية، حين حملوا أمر الضرب (على الوجوب)، بينما في الآية هو أمر (بالجواز المشروط) وجواب شرطه بكظم الغيظ واتباع النسق المذكور وترتيبه.
مما يعني أن القرآن لو نزل في مجتمع آخر لا يضربون فيه زوجاتهم فلن يذكر لفظ الضرب، لأنه:
أولاً: مرسل لعرب قريش والجزيرة بتشريع اجتماعي إصلاحي تدريجي لا مقصد ديني
ثانيًا: لأن الضرب ليس أمر وجوب؛ بل جواز مشروط بعلة، وبالتالي فضرب الزوجات في الإسلام ممنوع، وغاية النص في آية النساء يقول ذلك بوضوح، ونفهم من ذلك أن قصة ضرب الزوجة بالسواك أو فرشاة الأسنان هذا كله خَطَل وتفنن وتنطع في تحريف القرآن، فمجرد رفع اليد هي إهانة ، وقول الشيوخ أن الضرب دون إدماء أو كسر عظم أو قطع لحم (مكرمة) هو أيضًا جنون، لأن ذلك يعني بأن الضرب المبرح والكدمات دون دماء مشروع، كيف ذلك والأصل بينهم هو المودة والرحمة؟! وهل في لحظات غضب الإنسان يمكنه التحكم في أفعاله والتقيد بما أملاه الشيوخ؟!
والسؤال الحاسم لغلق هذا الملف: هل سبق للنبي ضرب إحدى من زوجاته؟هل ذكر أن الصحابة الكبار وآل البيت المشهورين ضربوا زوجاتهم ؟
فإذا لم يحدث؛ فكيف تقولون إن الضرب سنة أو واجب؟ حتى القرآن حملتموه على غير مقاصده بجهل تاريخ العرب ومجتمعهم وغاية النصوص، وهو المؤكد بتعقيب الله: “وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما”..[النساء : 35]، أي أن قوام الأسرة وتماسكها هو الأصل. والخوف من الشقاق يحذر من أسبابه التي تتضمن كل أشكال الضرب والإهانة حتى لو كانت بالسواك كما يقولون، وأن تقرير الحَكَمين من أهله وأهلها يعني مساواه تامة في الحقوق؛ فلو كان القرآن (يُشرّع) حقًا زوجيًا بالضرب ما بعث حكمه من أهله، وقال من أهلها فقط كي تطيعه نزولاً للحق المزعوم.
- الآراء الواردة في هذا المقال تُعبّر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة مواقف وآراء “مواطن”.