اتجهت أنظار الملايين من عشّاق كرة القدم؛ الرياضة الأكثر شعبيةً حول العالم، في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، إلى دولة قطر؛ حيث تجري بطولة كأس العالم على مدى 29 يومًا.
تُقام هذه النسخة من بطولة كأس العالم، التي ينظمها الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا FIFA)، لأول مرة في دولة عربية، وللمرة الثانية في القارة الآسيوية بعد كوريا الجنوبية واليابان في نسخة عام 2002، ومن المتوقع أن تجتذب الدوحة أكثر من 1.7 مليون زائر خلال البطولة.
تُعدّ إقامة بطولة كأس العالم في دولة قطر تحديدًا، فرصة ثمينة لاكتشاف شعوب العالم للمنطقة العربية، وخاصةً لدول مجلس التعاون الخليجي، التي تتشابه في الخلفيات الثقافية والتاريخية والدينية، وتتشارك مع الدوحة في الجغرافيا ذاتها؛ وإذا أخذنا في الحسبان اعتبار هذه المنطقة مجهولة إلى حد كبير بالنسبة إلى معظم الأجانب، وارتباط دولها في مخيّلاتهم بالصحراء والبترول فقط؛ فإن هذا الحدث يكتسب استثنائية مضاعفة لهذه الدول، لذلك قام عدد منها بمحاولة الاستثمار في هذا الزخم العالمي في منطقة الخليج، واستغلال ندرة وجوده مرة أخرى على نفس هذه المساحة من العالم في هذه المنطقة، من خلال استجذاب السيّاح إليها من الجماهير العريضة القادمة لحضور مباريات كأس العالم، ولدولة الإمارات العربية المتحدة نصيب الأسد منها.
يُذكر أن قطاعًا واسعًا من الوفود والجماهير القادمة من شتى بقاع الأرض، من أجل حضور مباريات كأس العالم، وفي ظل وجود نقص كبير في عدد الغرف الفندقية في الدوحة، مقارنة بأعداد الجماهير المتوقعة، فإنها ستتوجه إلى الإقامة في الدول الخليجية، وذلك لقرب المسافة، والاتجاه إلى الدوحة في مواعيد المباريات، والعودة إلى أماكن إقامتها في اليوم ذاته وبشكل متكرر.
تتمتع دولة الإمارات العربية المتحدة بمجموعة من العوامل التي تجعلها الأكثر استفادةً بين دول مجلس التعاون الخليجي من تنظيم كأس العالم في قطر، متمثلة بالإضافة إلى قربها من الدوحة في السماح بالكحول والاحتفالات مقارنة بجاراتها الخليجيات، وبنيتها التحتية المتطورة، وسمعتها في كونها وجهة سياحية جاذبة، ومراكز التسوق التجارية العديدة والضخمة، وتعدد خيارات الإقامة الفندقية فيها، وسمعة قوة شبكة الطيران التي تمتلكها عالميًا من خلال “فلاي دبي” و”طيران الإمارات” و”الاتحاد للطيران”، إلى جانب عنصر الأمن بالطبع.
كما سبق للإمارات أن نظّمت عددًا من البطولات الرسمية في شتى الألعاب الرياضية على مختلف المستويات القاريّة والعالمية، ما أكسبها الشهرة من بين الدول الخليجية في الأوساط المهتمة بالرياضة، ليس على مستوى المنطقة وحسب؛ بل على مستوى العالم، وأكسبها كذلك الخبرة في التعامل مع مختلف البطولات الرياضية، كما أن تنظيمها للعديد من المناسبات الكبرى على أصعدة مختلفة، والتي كان آخرها “إكسبو دبي 2020″، يؤهلها ذلك بجدارة إلى الاستفادة القصوى والأمثل من هذا الحدث العالمي الاستثنائي.
يرى الباحث الكويتي في إدارة الأعمال محمد الخليفي، في حديث مع “مواطن“، أن “معظم القادمين من أجل حضور كأس العالم، يزورون منطقة الخليج للمرة الأولى؛ فالاسم الرنان لديهم، والذي يسمعون عنه مُسبقًا في هذه المنطقة هو دبي، وصورة الخليجي المتخيّلة لدى الإنسان الأمريكي واللاتيني والآسيوي متجسدة فيها، ونلاحظ عند ملاقاة عدد منهم في السفر إلى أماكن مختلفة من العالم، أنهم يعتقدون بأن الخليجي قادم من دبي، ومعظمهم يظنونها دولة أصلًا، وهذا يعطينا انطباعًا لما تمثله من اسم له مركزية معينة على مستويات الاقتصاد والسياحة والترفيه لدى الآخر المختلف عنّا، كما أنها تُعتبر الأفضل والأشهر في المنطقة من ناحية التسوق والألعاب، والحياة الليلية مثل المطاعم والبارات”.
ولفت الخليفي، إلى أن “الشخص القادم من أجل حضور مباريات كأس العالم، وقد قطع مسافة طويلة من 12 ساعة طيران، أو من 8 أو 7 ساعات في الجو؛ فغالبًا لن يقيم مدة يوم أو يومين، وبعضهم ادّخروا أموالهم طوال أربعة أعوام من أجل حضور البطولة، فعندما يأتي لصرف أمواله فإنها ستكون لها قيمة كبيرة في المكان الذي سيُنفقها عليه، وكونه اختار الإقامة في الإمارات؛ فهذا بحد ذاته يُعتبر خيارًا ذكيًا وناجحًا بالنسبة له، ومردّه إلى سمعتها من ناحية السياحة”.
وأضاف أن “قطاع السياحة في الإمارات يُعتبر مصدر دخل ممتاز على اقتصادها، ومساندًا رئيسيًا للقطاع النفطي، وأعتقد أنها الدولة الخليجية الوحيدة التي تمتاز بذلك، غير السعودية التي تعتمد على السياحة الدينية في الحج والعمرة، فإن السياحة في الإمارات سياحة حقيقية، وتُقصد من مُختلف دول العالم بهدف الاستمتاع بالعُطلات، والراحة والاستجمام، وقضاء أوقات “شهر العسل” بعد الزواج، وترفيه للأطفال”.
أعلنت الإمارات في 30 أغسطس/آب الماضي، عن برنامج ترحيبي داعم لاستضافة حاملي بطاقة “هيّا” المخصصة لمشجعي بطولة كأس العالم، وذلك في “إطار دعم دولة الإمارات لدولة قطر الشقيقة، لاستضافة كأس العالم قطر 2022، من خلال استضافة زوّار الحدث والسماح لهم بدخول الإمارات”، بحسب وكالة الأنباء الإماراتية (وام).
وبطاقة “هيّا” هي عبارة عن تصريح دخول إلى قطر معتمد مسبقًا، وليس تأشيرة، وهو إلزامي لكل شخص يزور قطر، في الفترة ما بين الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي و23 يناير/كانون الثاني القادم.
ووفق وكالة الأنباء الإماراتية، فإن برنامج الإمارات يشمل على “منح تأشيرة للدخول والإقامة في دولة الإمارات، لمدة إجمالية تصل 90 يومًا من تاريخ إصدار التأشيرة، مع تخفيض رسومها لتكون 100 درهم إماراتي (27 دولار تقريبًا) للمدة الإجمالية، وتُدفع لمرة واحدة”، كما يسمح الحصول على التأشيرة “بالدخول إلى الإمارات والخروج منها عدة مرات خلال مدة صلاحيتها”، وذلك ابتداءً من الأول من نوفمبر/تشرين الأول الجاري.
كما يمكن للمستفيدين من التأشيرة، تمديد فترة الإقامة “إلى 90 يومًا إضافية، بعد دفع الرسوم المستحقة وفق الشروط والضوابط التي تضعها الهيئة الاتحادية للهوية والجنسية والجمارك وأمن المنافذ”، فيما “يُستثنى مواطنو الدول المعفية من تأشيرة الدخول إلى الإمارات، وفق الإجراءات المعمول بها حاليًا”.
بينما أعلنت إمارة دبي، عبر الإدارة العامة للإقامة وشؤون الأجانب بدبي، في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2022 عن إصدار أول تأشيرة سياحية لمونديال كأس العالم لحاملي بطاقة “هيّا”؛ حيث كانت من نصيب الأردني محمد جلال الزائر رقم (1) إلى الإمارات.
وحول ذلك، قال المدير العام للإدارة العامة للإقامة وشؤون الأجانب في إمارة دبي، الفريق محمد أحمد المري، إنه “بالتزامن مع اقتراب انطلاق بطولة كأس العالم لكرة القدم، فقد أنهت الإدارة العامة لشؤون الأجانب بدبي استعدادها لهذا الحدث الرياضي الضخم، عبر حزمة من الخدمات النوعية غير المسبوقة لزوّارها الراغبين في عيش تجربة سياحية نوعية وفريدة، تترافق مع رغبتهم في حضور منافسات البطولة العالمية الأكثر حضورًا، إلى جانب الاحتفالات بدخول العام الجديد 2023”.
وأوضح المري إن “إقامة دبي رفعت وتيرة العمل مع ضمان الجانب الأمني، إضافة إلى ضمان حصول نسبة 100% من القادمين إلى الدولة على أذونات دخول قبل وصولهم”، وإن “إقامة دبي تعمل على مدار الساعة لتعزيز تجربة السياح وتوفير أعلى معايير الخدمات العالمية، فضلًا عن توزيع “بروشورات” (كتيبات) حول أبرز المعالم التي يمكن زيارتها خلال تواجدهم في الإمارة”.
إلى ذلك، يشهد قطاع الفنادق في الإمارات انتعاشًا غير مسبوق بالتزامن مع كأس العالم؛ حيث بدأت مختلف فنادقها في استقبال طلبات الحجوزات بشكل مكثف وملحوظ منذ الصيف الماضي، وأعلن عدد منها عن توفير خدمات إضافية مثل التوصيل من وإلى المطار، والتوصيل من وإلى المرافق السياحية المختلفة، ومن المتوقع أن ترتفع نسب تشغيل الفنادق إلى أكثر من 90 في المائة مع بدء بطولة كأس العالم؛ خاصة أن دبي وحدها يوجد فيها أكثر من 140 ألف غرفة فندقية، ما جعلها واحدة من أفضل 10 وجهات في جميع أنحاء العالم بما يتعلق بالغرف الفندقية، فيما توفر قطر المستضيفة للبطولة بحدود 45 ألف غرفة فندقية فقط خلال المونديال.
وحول ذلك، قال الخليفي: “عدد الفنادق وأماكن الإقامة والمبيت في قطر محدودة جدًا، وتعادل تقريبًا ثلث تلك الموجودة في الإمارات، وهذا فتح عدة خيارات لدى الزائرين إلى المبيت في الإمارات، واستخدام الطيران الذي خصصته من أجل موسم كأس العالم، والذي يخرج منها ويعود باستمرار لأكثر من مرة في نفس اليوم، بحيث لا يحتاجون قطعًا إلى المبيت في قطر، وبالتالي يعود هذا إلى أن تُعتبر الإمارات الأعلى استفادةً بسبب ذلك”.
وأكد الخليفي على أن “الإمارات تمتلك خطوط طيران تغطي مناطق أوسع من أي طيران آخر، وتُعتبر إلى جانب “الخطوط الجوية القطرية” من المنافسين على تغطية أكثر الوجهات من أماكن الطيران، بالإضافة إلى كونهما يُعدّان محطة “ترانزيت” ضخمة، رغم أن طيران الكويت والسعودية وعمان يعملون على نقل الجماهير ويحاولون تغطية مناطق أكثر، إلا أننا هنا نتكلم عن الرحلات الطويلة من أمريكا الجنوبية، إلى أقصى مناطق أوروبا وآسيا، كما أن الإمارات وقطر متمرستان في الطيران وبروتوكولاته وأسلوب تغطية مناطق واسعة، وكون قطر تعمل على كأس العالم؛ فإن من مصلحتها كذلك أن تساعدها الإمارات، التي تغطي رحلات أكثر منها”.
وفي مايو/أيار الماضي، أعلن الرئيس التنفيذي لشركة “فلاي دبي” غيث الغيث، عبر مؤتمر صحفي عُقد في الدوحة، وأعلن من خلاله عن التعاون المشترك مع “الخطوط الجوية القطرية”، وذلك لإتاحة رحلات جوية على مدار 24 ساعة لحاملي تذاكر مباريات كأس العالم، وقال إن “الناقلة (فلاي دبي) ستشغل 60 رحلة يوميًا على مدار 24 ساعة، في الاتجاهين بين دبي والدوحة، بمعدل 30 رحلة في الاتجاه الواحد، بالتزامن مع مباريات كأس العالم، وبأسعار مشجعة”.
يؤكد الباحث القطري جوهر صفوان “اسم مستعار” لـ مواطن أن “تنافسية الإمارات عالية، خاصة أنها تمتلك بنية تحتية سياحية جاهزة، كما أن هناك مناخًا وأجواءً سياحية معروفة في دبي على مستوى عالمي، ومسوّقة لنفسها بشكل ممتاز للغاية، فضلًا عن سمعتها بكونها أكثر انفتاحًا، وسهولة القدوم إليها متاح على الدوام، وتوافر عدد كبير من الفنادق للإقامة فيها، لذا من الطبيعي أن يتوجّه زوّار كأس العالم إليها أثناء إقامة البطولة”.
وأشار صفوان إلى أن “قطر في البداية عقّدت من الإجراءات اللازمة باشتراطها الدخول إلى أراضيها ببطاقة “هيّا”، وحجز سكن مسبق في الدوحة، والإشاعات التي صاحبتها من ارتفاع تكاليف السكن وخلافه، وبعد ذلك وُضّح توافر أماكن للسكن بأسعار معقولة، ما سبب أزمة مثل تدخل سماسرة، الذين استغلوا ذلك وأفسدوا السكن على كثيرين، كما أن كثيرين غيرهم لم يعرفوا طريقة تأجير السكن”.
فيما بدا لافتًا اختيار 9 منتخبات تشارك في كأس العالم، مقر إقامة معسكراتها التدريبية قبل انطلاق البطولة، في الإمارات، ما بين أبو ظبي ودبي، في مقدمتهما منتخب الأرجنتين برفقة الأسطورة ليونيل ميسي ومنتخب ألمانيا المدجج بالنجوم، وكل من المنتخبات: السعودية واليابان وسويسرا وغانا والكاميرون وكندا والأورغواي، كما أقامت هذه المنتخبات عددًا من المباريات الودية في إطار استعداداتها للمونديال، ما شكّل عامل جذب إضافيًا إلى جماهير هذه المنتخبات للقدوم إلى الإمارات.
البنك المركزي الإماراتي، العام الماضي، توقع أن يشكّل إقامة كأس العالم في قطر، دعمًا قويًا للاقتصاد الإماراتي، ورافدًا رئيسيًا في مساعدته على التعافي من جائحة كورونا، بعد تداعياتها الحادة على اقتصاد الدولة، مثل انخفاض سعر برميل النفط إلى أدنى مستوياته أثناء الجائحة، وشلّ كافة القطاعات الحيوية في البلاد وعلى رأسها قطاع السياحة، ومغادرة الانكماش الذي سببته إلى تحقيق النمو في عام 2022.
أخيرًا، أكّد تقرير لوكالة “بلومبيرغ”، صدر في شهر أغسطس/آب الماضي، أن دبي ستكون الأكثر استفادةً من كأس العالم في قطر، من أي موقع سياحي آخر في المنطقة، وأشارت إلى كون من بين أكثر من 90 رحلة ستهبط يوميًا في الدوحة، سيكون نصيب الإمارات منها وحدها 40 رحلة.