في عام 2011، وبعد أشهر من اندلاع ثورات الربيع العربي، انشغل مجلس النواب الأردني بمناقشة تعديلات دستورية أوصت بها اللجنة الملكية، التي تشكلت في شهر إبريل/نيسان من العام ذاته على إثر احتجاجات طالبت بالإصلاح في حينه.
كانت إضافة كلمة “الجنس” للمادة السادسة من الدستور الأردني، كواحدٍ من الأسس التي يُمنع التمييز بين المواطنين في الحقوق والواجبات بناءً عليها، من بين التعديلات التي تمت مناقشتها. وقد أثار هذا التعديل المقترح جدلًا واسعًا انتهى برفض إضافة كلمة “الجنس”، الأمر الذي اعتبرته منظمات حقوقية وهيئات نسائية “تمييزًا مرفوضًا”، وبأنه قد “جاء لأسباب سياسية تتعلق بموضوع منح الجنسية لأبناء الأردنيات المتزوجات من أجانب”؛ فقانون الجنسية الأردني ما يزال يحرم المرأة الأردنية من الحق في توريث جنسيتها لأبنائها المولودين لأب غير أردني.
بعد مرور عشرة أعوام على رفض التعديل المقترح، عاد مجلس النواب مرة أخرى، ليشهد جولة جديدة من الجدل المتعلق بمناقشة تعديلات دستورية أوصت بها اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، والتي تنطوي على إضافة كلمة “الأردنيات” لعنوان الفصل الثاني من الدستور، ليُصبح العنوان “حقوق الأردنيين والأردنيات وواجباتهم”. رأى معارضون أن إضافة كلمة “الأردنيات” قد تخلق إشكاليات في المستقبل، والتي يُمكن تلخيصها بالتخوف من أن يؤدي هذا التعديل إلى منح المرأة حق توريث جنسيتها لأبنائها المولودين لأب غير أردني، والمطالبة بالمساواة في قوانين الأحوال الشخصية، وقد ذهب البعض أبعد من ذلك ليعتقد بأنها مقدمة لتشريع “حقوق المثليين“، وكلها برأي الفريق المعارض أمور تتعارض مع الهوية الوطنية والدينية للأردن.
على الرغم من احتدام الجدل في أروقة مجلس النواب، الذي وصل حد العراك بالأيدي، تمت الموافقة على إضافة كلمة “الأردنيات” في نهاية الأمر، واضطر بعض الوزراء إلى الإدلاء بتصريحات مطمئنة تؤكد على أن هذه الإضافة لا تؤثر على قوانين الجنسية والأحوال الشخصية، مثل وزير الدولة للشؤون السياسية والبرلمانية موسى المعايطة الذي أكد في تصريحاتٍ له على أن “موضوع منح الجنسية الأردنية قضية ينظمها قانون الجنسية الذي لا يمكن تعديله دون الرجوع إلى هذا المجلس (مجلس النواب)”.
كيف ينص قانون الجنسية الأردني على استمرار التمييز؟
حتى هذا اليوم، لا يزال ينص قانون الجنسية الأردني في المادة الثالثة منه على اعتبار أن “من ولد لأب متمتع بالجنسية الأردنية” و”من ولد في المملكة الأردنية الهاشمية من أم تحمل الجنسية الأردنية وأب مجهول الجنسية أو لا جنسية له أو لم تثبت نسبته إلى أبيه قانونًا” و”من ولد في المملكة الأردنية الهاشمية من والدين مجهولين..” أردني الجنسية. كما تنص المادة التاسعة منه على أن “أولاد الأردني أردنيون أينما وُلدوا”، وقد أشار القانون إلى إمكانية حصول زوجة الأردني الأجنبية على الجنسية الأردنية إن هي أبدت رغبتها في ذلك خطيًا.
بعبارة أخرى، لم يُعامل القانون الأردني المرأة التي تتزوج من رجل يحمل جنسية أخرى مثلما عامل الرجل الذي يتزوج من امرأة تحمل جنسية أخرى؛ فالأخير قادر على توريث جنسيته، ويحق لزوجته الحصول على الجنسية؛ بينما تُحرم المرأة من الحق ذاته إلا في حالات محددة تتعلق بكون الأب مجهولاً أو عديم الجنسية أو لم يثبت نسب الطفل إليه.
جهود المدافعين تُفضي إلى "حل منقوص"
بحسب ما كتبت المحامية والناشطة الأردنية هالة عاهد ذيب؛ فقد كان “قانون الجنسية أحد القوانين على أجندة الحركة النسوية الأردنية والمطالبات الحقوقية بضرورة تعديله؛ ففي مذكرة رفعتها المحامية الراحلة إملي بشارات رئيسة الاتحاد النسائي في الأردن (الاسم السابق لاتحاد المرأة الأردنية) لمجلس الوزراء بتاريخ 1/1/1976 مطالبةً بإجراء تعديلات على التشريعات التي تميز بأحكامها ضد النساء، كان قانون الجنسية واحدًا من 11 قانونًا استهدفتها المذكرة في حينه”.
ومع استمرار حرمان المرأة الأردنية من هذا الحق، أُطلقت العديد من الحملات التي تُطالب بتعديل قانون الجنسية ومعاملة المرأة الأردنية المتزوجة من أجنبي تمامًا مثلما يُعامل الرجل الأردني الذي يختار الزواج من أجنبية، ومنها حملة “أمي أردنية وجنسيتها حق لي”، و”ائتلاف “جنسيتي حق لعائلتي” الذي يضم نشطاء وممثلين عن مؤسسات مجتمع مدني يؤمنون بهذا الحق.
يقول المنسق الحالي لحملة “أمي أردنية وجنسيتها حق لي” رامي الوكيل، والذي التقيته عبر تقنية زووم بغرض كتابة هذا المقال، لـ “مواطن” بأن الحملة أطلقت على يد الناشطة الراحلة نعمة الحباشنة، والتي كانت متزوجة من غير أردني هي الأخرى، وذلك بسبب “التفاوت بين أبناء الأردنيات وأبناء الأردنيين، أصبح هناك تمييز كبير بينهم في العمل، والتعليم، والحصول على رخصة القيادة وجوانب كثيرة، أو بمعنى أصح؛ أصبح أبناء الأردنيات يُعاملون معاملة الوافد على البلاد”.
وفي الفترة ما بين 2008 و2014، نفَّذت الحملة حوالي 68 اعتصامًا أمام مجلس الوزراء ومجلس النواب ووزارة الداخلية، واستطاعت عقد لقاءات مع نواب ومسؤولين لإيصال صوت أبناء الأردنيات وتوضيح الصعوبات التي يواجهونها في حيواتهم اليومية.
على إثر الضغط الشعبي والتحركات النيابية بقيادة كتلة عُرفت باسم “المبادرة النيابية”، أصدرت الحكومة قرارًا في شهر تشرين الثاني من العام 2014 تمنح بموجبه أبناء الأردنيات بطاقات تعريفية تؤهلهم للتمتع بتسهيلات في مجالات التعليم والصحة والتملك والإقامة والعمل والاستثمار بشكلٍ رئيس، وقد أشارت التقديرات في حينه إلى وجود 85 ألف سيدة أردنية متزوجة من غير أردني.
على سبيل المثال، نص القرار على وجوب معاملة ابن الأردنية معاملة الأردني في التعليم في المرحلتين الأساسية والثانوية، ويُعامل معاملة الأردني حتى سن الثامنة عشرة، كما أعطي الأولوية في العمل في القطاعات المخصصة للأردنيين حصرًا بعد الأردنيين، وأعفي في بداية الأمر من رسوم تصريح العمل، ولكنه ظل بحاجة إلى استخراجه، إلى أن تم إلغاء تصريح العمل بالكامل بتعديل المادة 12 من قانون العمل الأردني عام 2019، لتنص على أن يُعفى “أبناء الأردنيات المتزوجات من غير الأردنيين المقيمون في المملكة من الحصول على تصاريح العمل المنصوص عليها في الفقرتين (أ) و(ب) من هذه المادة”.
يعتبر الوكيل بأن أكبر تغيير شهده أبناء الأردنيات كان في مجال العمل، وذلك لأن “القانون هو الذي نص على ذلك وليس القرار (قرار المزايا)”، بينما ظلت هناك ثغرات كثيرة في بقية المجالات لم يلتفت إليها القرار. على سبيل المثال؛ أعفي أبناء الأردنيات من رسوم تصاريح العمل في البداية، ولكنهم لم يعفوا ممّا يُسمى بـ”رسوم الطوابع”، ما جعل كثيرين يضطرون إلى دفع المال لاستخراج التصريح، إلى أن تم توجيه كتاب آخر من رئاسة الوزراء يُعفيهم منها أيضًا. كما نص القرار الأساسي على مساواة ابن الأردنية بالمواطن الأردني غير المؤمن عليه في القطاع الصحي حتى سن الثامنة عشرة، ولكنه ماذا عن هذا الحق بعد أن يتجاوز هذا الحد؟
وفي الوقت الذي يُفترض أن تكتفي دوائر حكومية، مثل دائرة الترخيص، ببطاقة أبناء الأردنيات كوثيقة إثبات شخصية، فإن العديد من أبناء الأردنيات اشتكوا من طلب الدائرة لجوازات سفرهم، وعدم الاكتفاء بالبطاقة التعريفية. واجه الوكيل هذه المشكلة شخصيًا، عندما أقدم على تسجيل ابنته في المدرسة في عام 2019؛ أي بعد سنوات من دخول قرار التسهيلات حيز التنفيذ، ويوضح بأنه “للأسف المدرسة طلبت مني أنا جواز السفر، لدي جواز سفر، ولكنني لا أريد أن أعطيكم إياه لأنه ليس من حقكم أن تطلبوه مني، بالنسبة لي، لدي بطاقة تعريفية لأبناء الأردنيات، وأريد منك أن تتعامل معي على أنني ابن أردنية، لا تعاملني على أنني غريب”.
يقول الوكيل بأنه قد يُخيّل لابن الأردنية بأن المزايا فعّالة، وبأنها بالفعل تساويه بالأردني، فلربما ساعدته البطاقة وتسهيلاتها في التعليم الجامعي، وسهّلت حياته اليومية إلى حدٍ ما؛ بيد أن هذا الاعتقاد سرعان ما يتبدّد عندما يصطدم بأمرٍ جديد، ليكتشف بعدها بأنه ليس أردنيًا، كأن يذهب للتملك فيكتشف أن شروط التملك التي تنطبق عليه تختلف عن شروط الأردنيين، وبأنه لا يستطيع الاستفادة من الإعفاء من رسوم التسجيل بخلاف المواطن الأردني، بل ويحتاج إلى موافقة أمنية من وزارة الداخلية.
تتفق زينب أبو طبيخ، وهي سيدة أردنية متزوجة من غير أردني وأم لخمسة أبناء، التقيتها عبر تقنية زووم بغرض كتابة هذا المقال، تتفق مع الوكيل؛ إذ تعتقد بأن قرار منح التسهيلات قد ذلّل بعض الصعوبات، في التعليم المدرسي مثلًا، ولكنه لم يحل المشكلة الكبرى، فمن الصعب على أبنائها أن يجدوا عملًا، حتى بعد إعفائهم من تصاريح العمل، بسبب تفضيل الجهات الموظفة للأردنيين.
تعبر زينب، عن قلقها من غياب المساواة في الرعاية الصحية بعد تجاوز سن معينة، إذ تقول: إن ابنها كان يحتاج إلى زيارة طبيب في مستشفى حكومية، وفوجئت بأنهم يطالبوننا بدفع مبلغ ثمانية دنانير ونصف، لتتساءل “لماذا؟ هذا من أبناء الأردنيات، قال وإن يكُن، وقال بأن سنه بلغت 18 عامًا في حينه”، وجادلته وأثبتت بأن هناك خطأ ما، فلم يكُن قد بلغ 17 عامًا بعد، وتقول “هل تصدقين بأنني دفعت دينارًا وربع الدينار بدلًا من ثمانية ونصف؟”
تعرف أبو طبيخ ما قد ينتظر أبناءها إذا ما احتاجوا كأجانب إلى الرعاية الصحية؛ فزوجها قد قضى أيامًا معدودة في العناية الحثيثة في مستشفى حكومي، وبلغت فاتورة المستشفى حوالي ألف دينار، وهو مبلغ يفوق قدرتها المادية. في بعض الأحيان؛ إن لم يكُن بمقدور المريض أن يدفع فاتورته، بإمكانه أن يلجأ إلى الديوان الملكي للحصول على إعفاء، ولكن هذا أمر لا يحصل عليه غير الأردني بالسهولة ذاتها، وإن كان ابن أو زوج أردنية. حاولت أبو طبيخ اللجوء إلى الديوان، فأخبرت بأن عليها التوجه إلى رئاسة الوزراء، كون المسألة تتعلق بشخص غير أردني، ولكنها لم تفلح بالحصول على إعفاء بعد.
كما يزال أحد أبناء أبو طبيخ مضطرًا لتسجيل سيارته باسم والدته الأردنية، لأن هناك شروطًا لتملك غير الأردني لا يستطيع أن يلبيها، إذ تشرح بأن السيارة من طراز عام 1996، بينما “لو أراد أن يتملك ويكتبها باسمه، يجب أن تكون سيارة حديثة”، ما يعني أنها مكلفة، وتتساءل إن كان من المتوقع منه أن “يقضي بقية عمره يسدد أقساط السيارة؟” باختصار، تعتبر أبو طبيخ بأن كل ذلك “كلام فارغ، منح الجنسية فقط هو الحل “.
بعد ثمانية أعوام من منح أبناء الأردنيات هذه التسهيلات، يقول الوكيل بأن موقفه منها لم يتغيّر، فهو لم يكُن من المتحمسين لها حتى في حينه، ولكنه يعتبر بأنهم قبلوا بها “كطريق للوصول إلى الجنسية”، ويضيف بأن هناك أشخاصًا “من شدة خوفهم على أبنائهم كانوا يقبلون بأي شيء؛ هناك سيدة أخبرتني بأنها ترضى بأي شيء لأن أبناءها لا يحملون أي إثبات ليسيروا في الشارع”، كما شعر من كان يُرفض في العمل لأنه غير أردني، ومن كان يضطر إلى استخراج تصريح عمل ودفع ما يصل إلى 500 دينار مقابله، بالارتياح عندما جاءت هذه التسهيلات، برأيه.
لكل تلك الأسباب، يقول الوكيل بأنها صنعت فرقًا لا يُمكن إنكاره، ولكنها لم تصل إلى ما يُمكن تسميته بـ “المساواة”، وكشفت عن تفاصيل كثيرة لم تكُن الحكومة واعية لها، وهي في “غنى عنها لأنها غير قادرة على السيطرة عليها، فالحل الأسلم أن تراجع موضوع الجنسية وتمنحنا الجنسية”؛ خصوصًا وأن “أبناء الأردنيات موجودون بطبيعة الحال؛ بمعنى أنك لن تستضيف أحدًا من الخارج ليقاسمك بالكهرباء والمياه، هم موجودون ويستهلكون المياه والكهرباء والخبز وكل شيء”.
تعليقًا على إصدار قرار منح التسهيلات؛ اعتبر وزير الداخلية الأسبق نايف القاضي في حوارٍ صحفي أن الحكومة قدمت حلًا كافيًا، لأن “هؤلاء الأبناء لهم آباء، والآباء لديهم جنسيات، ونحن لا نريد أن نحمل الآباء لأنهم متزوجون من أردنيات، يجب عليهم أن يتحملوا مسؤولية جنسية أبنائهم، والسؤال لماذا هؤلاء الآباء لا يعطون جنسياتهم لأبنائهم، سواء كانوا مصريين أو فلسطينيين أو غير ذلك؟”
تختلف تقارير متخصصة وشهادات كثيرين من أبناء الأردنيات مع القاضي، وتعتبر بأن ما قُدم لغاية اللحظة ليس سوى حلًا جزئيًا، والأنكى من ذلك أنه حل لا يُوّرث. يشير الوكيل إلى حالة يعرفها لابنة وُلدت لأب مصري من أم أردنية وأم من أبناء قطاع غزة، وهي أيضًا مولودة لأم أردنية، عاش كلاهما في الأردن طيلة حياتهما وتزوجا وأنجبا أطفالًا يُعاملون معاملة الأجانب بطبيعة الحال، ولا يفيدهم حتى الحل الجزئي في شيء؛ فالمشكلة تُوّرث والمزايا لا تُوّرث!
تنويه: لينا شنّك، كاتبة وصحفية أردنية مهتمة بقضايا العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان. أنتجت العديد من المواد المكتوبة والمسموعة على مدار السنوات الماضية حول حق المرأة في توريث جنسيتها قبل أن تُصبح هي، أيضاً، من المتأثرين بهذه القضية على المستوى الشخصي.