احتلت المملكة العربية السعودية المركز الثاني بين دول مجلس التعاون الخليجي، في ارتفاع نسب الطلاق عام 2012، الذي سجلت فيها 30 ألف حالة انفصال زوجي، كما شهدت المملكة خلال العشر سنوات الأخيرة ارتفاعًا ملحوظًا في حالات الطلاق حسب ما جاء في تقرير الهيئة العامة السعودية للإحصاء؛ إذ بلغ عدد عقود الطلاق إلى ما يزيد عن 57,595 صكًا نهاية عام 2020، وتقدر بعض التقارير وقوع 7 حالات طلاق كل ساعة بالمملكة في عام 2022.
“يعد الزواج المبكر هو أحد أبرز الأسباب التي تساهم في انتشار حالات الطلاق بالسعودية، دون أن يعد الزوجان خطة لإنجاح علاقة زواجهما ومستقبل هذه الأسرة؛ ما يترتب على ذلك فشل العلاقة”، بحسب ما ذكرته المستشارة الأسرية فوزية الوقيت خلال لقاء تلفزيوني على قناة الإخبارية.
وتضيف الوقيت: “الزواج في سن العشرين وأقل من ذلك هو خطر يهدد استقرار الأسرة السعودية؛ حيث إن هذا السن لا يناسب مرحلة الوعي الفكري والاجتماعي التي يحتاجها الزواج”.
من بين حالات الطلاق في السعودية، حالة وقعت بسبب طلب الزوج من زوجته حذف حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن الزوجة رفضت وطلبت الطلاق.
تركي المشيخي، شاب سعودي تزوج مرتين، وكل زيجة انتهت بالطلاق، الزوجتان؛ إحداهما سعودية عاش معها عامين ثم انفصلا، والثانية يمنية تربت ونشأت داخل المجتمع السعودي، وانفصلا أيضًا بعد فترة زواج قصيرة، يحكي لمواطن، عن تأثير السوشيال ميديا على حياة الفتيات وأسلوب الحياة الرقمي الذي تود الكثير من الفتيات أن تعيش بنفس الطريقة في الواقع، ما يجعل الزيحة تفشل ويضيف: ” كل بنت تتمنى حياة بنت أخرى من مشاهير الإنترنت، وتعيش حياة تشوفها في السناب غير عن الواقع”.
أجرى برنامج “حياتنا” المذاع على قناة السعودية، استطلاع رأي يرصد فيه الأسباب التي أدت إلى ارتفاع حالات الطلاق، وتقول إحدى المشاركات إن الزوج يضع المشاكل كلها على عاتق الزوجة، وتضطر الزوجة للذهاب إلى بيت أهلها بسبب غضبه أو انفعاله عليها؛ مما يتسبب ذلك في توسع المشكلة والوصول إلى الطلاق في النهاية، كما تقول مشاركة أخرى إن حالة الرفاهية التي يعيش فيها المواطن السعودي تسبب في جعله شخصًَا غير مسؤول، كل شيء يريده يطلب من السائق فعله، والزوجة أيضًا تطلب من الخادمة فعل كل شيء في المنزل؛ ما جعلها هي الأخرى شخصية غير مسؤولة؛ ما سبب ذلك التهاون في قيمة مسؤولية الزواج.
“كان زوجي يضربني كثيرًا بسبب ومن دون سبب، لم أطق الحياة معه، وكان علي مغادرة البيت وطلبت الطلاق، لم أرغب في أن أصبح مطلقة، لكن الطلاق مثل الزواج نصيب”. حسبما علقت زينة، امرأة سعودية لمواطن. ولا يخفى على أحد حضور العنف الأسري في المملكة والذي يقف عائقًا أمام استمرار الكثير من الزيجات.
لا يوجد في العرف السعودي ونظامه الاجتماعي ما يسمى بفترة خطوبة محددة بمدة معينة، ولكن هذا قد يحدث في مدن الحجاز والمنطقة الغربية والمنطقة الشرقية بالذات، لأنها مناطق أكثر انفتاحا، وفي أماكن أكثر تمسكا بالعادات قدر لا يرى الخاطب زوجته إلا ليلة الدخلة، أو بعد عقد القران.
يؤكد محمد حسن، مواطن مصري خلال حديثه لمواطن: كنت عايش في السعودية وفكرت اتجوز من هناك لما رحت أخطب، أبوها قالي معنديش حاجة اسمها تخطبها وتتعرف عليها، جهز المهر وتعالى اتجوز”.
في دراسة بحثية بعنوان: “الطلاق في المملكة العربية السعودية أسبابه وآثاره” للدكتورة البندري عبدالله محمد الجليل، تشير إلى أسباب ارتفاع حالات الطلاق داخل المملكة، وذكرت من هذه الأسباب، حجز المرأة للزواج من الأقارب اللصيقين كأولاد العم والخال، ويحدث في المملكة عادة منذ الصغر، كما لفتت إلى الإكراه على الزواج، وإصرار الزوجة على إكمال تعليمها أو العمل، وهو ما سمح للمرأة بهامش أعلى من الاستقلالية وقدرة على تقبل الانفصال، بالإضافة إلى تسامح المجتمع عامة مع فكرة الطلاق، بعكس الماضي، كان المجتمع داعمًا للزواج ومناهضًا للطلاق، وكان الأهالي يمارسون ضغوطات كبيرة حتى يمنعوا الزوجين من الانفصال.
وتشير الدراسة إلى تأثير الطلاق على الزوجين في المجتمع السعودي؛ فتؤكد أن المطلقات في المجتمع السعودي يعانين من مشاكل اقتصادية بسبب الطلاق بنسبة 73%، ويواجهن مشاكل نفسية بنسبة 70%، ويواجهن مشاكل أسرية بنسبة 58%، كما لا يوجد إقبال من الرجال السعوديين على الزواج من امرأة مطلقة، بينما أثر انفصال الرجل السعودي عن زوجته غير مؤثر؛ خاصة أنه قد يكون متزوجًا من امرأة أخرى.
طرق للحد من انتشار ظاهرة الطلاق في السعودية
انطلقت جمعية زواج، لتأهيل الشباب السعوديين المقبلين على الزواج بالمملكة منذ 6 سنوات، وتقدم الجمعية دورات مستمرة طوال العام تستقبل فيها آلاف الشباب من الجنسين، ونظرًا الانزعاج الجهات المعنية وقلقها على تماسك المجتمع السعودي من الخلل الذي يحدثه انتشار الطلاق، تبنت وزارة العمل بالسعودية نشاط الجمعية الذي يغطي المملكة بالكامل، مستهدفة تدريس العديد من الجوانب المتعلقة بالزواج؛ منها الجانب الشرعي الذي يبين أحكام الزواج والجانب الاقتصادي، ونظام الأسرة المالي وفوائد الادخار والحقوق المالية بين الطرفين، وأهداف الزواج الاجتماعية والناحية النفسية، وضرورة تعريف الزوج بكل ما يرتبط به وبزوجته.
كما تركز الجمعية على وضع حلول للمشاكل التي يمر بها الزوجان، ويمكن للشباب حديثي الزواج أن يمروا بها، إضافة إلى الجانب الصحي والنظافة والعلاقة الجنسية بين الطرفين وآداب قيامها وفق منظور شرعي.
يشرح الدكتور خلف الزهراني، أحد المدربين بالجمعية،خلال حديثه لمواطن، مجموعة من الحلول التي تساهم في الحد من ارتفاع حالات الطلاق بالمملكة، وأكد على ضرورة أن يكون الشخص المقبل على الزواج لديه الاستعداد الكامل للزواج، متمثلًا في الاستعداد البدني والنفسي، والشخصي والاجتماعي، وكذلك ألا يقبل الشاب على الزواج وهو غير قادر على تحمل مسؤولية أسرة، سواء المسؤولية المادية أو المسؤولية الاجتماعية.
ويضيف الزهراني: “يحتاج الشاب التدرج على الحياة الزوجية ويكون هناك توازن بين حياته كزوج وحياته الأخرى مع الأصدقاء وغيره”، ويطالب وسائل الإعلام السعودية بضرورة بث خطاب يدعم الحفاظ على العلاقات الزوجية وعدم هدم الأسرة بالطلاق السريع، وتحذير الشباب من التعلق بحياة المشاهير وعدم الاقتداء بها.
إلغاء الطلاق الشفهي
حاولت المملكة العربية السعودية متمثلة في وزارة العدل، وضع شروط جديدة للطلاق وهي: “إلغاء الطلاق الشفهي والطلاق الغيابي”، مساهمة في الحد من انتشار ظاهرة الطلاق؛ حيث يحدث الطلاق بالاتفاق بين الزوجين في مركز المصالحة بالوزارة؛ إذ وضعت الوزارة مستشارين للصلح بين الزوجين قبل تنفيذ رغبتهما في تنفيذ الطلاق، وتقول المحامية نجلاء القحطاني، في حديث تلفزيوني، إن التعديل تم في لائحة المرافعات الشرعية في الأحوال الشخصية، كما قررت الوزارة تنظيم قرار الانفصال بين الزوجين في حالة وجود أبناء بهدف ضمان حقوق الأبناء والطرفين معًا.
كما تؤكد القحطاني أن القرارات الجديدة ساهمت في تحقيق العدالة بين الطرفين بعد الطلاق؛ خاصة فيما يخص الرؤية والنفقة والزيارة، وتضيف: “أحد الطرفين كان يماطل في هذه الحقوق إن تم الطلاق شفويًا، وكانت الأم تذهب للقضاء من أجل رفع دعوى قضائية لحضانة الأطفال”.
بعد إصدار وزارة العدل السعودية قرارًا بعدم تنفيذ الطلاق إلا بحضور الزوجين أمام القاضي، وتأكيد الوزارة على أنه لن يتم إصدار صك طلاق إلا بعد حسم النفقة، وحكم الزيارة وحضانة الأطفال، تحكي سيدة سعودية معاناتها، وتقول: “ذهبت لطلب الحصول على (صك طلاق) منذ تسعة أشهر، وفي كل مرة أذهب فيها للوزارة للحصول على العقد، يتم تأجيل طلبها، إضافة إلى محاولاتها في الحصول على النفقة خلال مدة تزيد عن العام ولم تحصل على حكم يرضيها، وتضيف: “خلاص كرهنا العيشة يبقى ما يغصبونا نقعد”. وتطالب بسرعة تنفيذ إجراءات الطلاق وعدم المماطلة في تنفيذها واستغراق وقت أطول من اللازم حتى يتم فسخ عقود النكاح.
ربما تكون قضية الخلع، هي الحل النهائي والمنفذ الوحيد أمام المرأة السعودية للتخلص من حياة زوجية صعبة، لكن مع هذا بعض الرجال قد لا يتصورون أن زوجاتهم يطلبن إنهاء الحياة الزوجية بهذه الطريقة، وبحسب تقارير صحفية؛ فإن هناك مواطنين سعوديين توفيا بسبب “دعوى الخلع”، تبدأ القصة الأولى من داخل محكمة مكة المكرمة؛ حيث حضر رجل قد رفعت زوجته قضية خلع ضده، وحينما طلبه القاضي لاستجوابه داخل الجلسة لم يرد، وتبين أنه فاقد الوعي، واكتشف بعد ذلك أنه توفي؛ مما أصاب الحاضرين بالصدمة، أما القصة الثانية فتعود إلى شاب في العقد الثالث من عمره، تم العثور عليه متوفى في مسكنه الواقع بمنطقة عسير، بسبب صدمته بعد أن وصله خطاب من المحكمة يفيد بأن زوجته خلعته، وكانت الزوجة قد طلبت منه الطلاق بسبب عدم قدرته على الإنجاب.
مع كل هذه النسب من حالات الطلاق والعلاقات المأزومة بين الجنسين، ربما ليس على الحكومة السعودية وحدها محاولة معالجة الظاهرة، بل يجب على المجتمع السعودي ككل مراجعة بعض العادات الخاصة به من أجل حياة زوجية مستقرة لأبنائه بشكل يتوافق مع طابع الحياة الحالي.