بالقرب من محكمة السيب التي كانت تعمل فيها كأمينة سر في محكمة استئنافها قبل أن تتقاعد، لم تكن أمل العبري على علمٍ بأنها ستواجه حتفها صباح الأربعاء على يد طليقها في الشارع وأمام المارة. قام طليق المحامية أمل العبري بتسديد عدة طعنات لها على خلفية خلاف أسري وفق توصيف الشرطة السلطانية التي أعلنت عن الخبر على حسابها في موقع تويتر.
نقلت العبري إلى المستشفى لتفارق الحياة، فيما أعلنت الشرطة العمانية قبضها على الجاني بعد فراره من موقع الجريمة، ولم تعلن حتى الآن ملابسات ودوافع ارتكاب الجريمة.
عملت العبري كأمينة سر لمحكمة استئناف منطقة السيب قبل أن تتقاعد وتعمل في مكتب محاماة محلي في ولاية السيب. مقتل امرأةٍ عملت في السلك القضائي العماني يلفت الأنظار من جديد حول العنف ضد المرأة، واستمراره بعد الزواج، ومستوى الحماية المقدمة من الجهات المختصة، قانونياً وخدمياً.
العنف ضد المرأة في عمان
36% من حالات العنف ضد المرأة في عمان تحدث بعد الزواج، في حين أن 74% منهن لم يبلغن عن تعرضهن للعنف أو يلجأن إلى الجهات الحكومية وفق دراسة لوزارة التنمية الاجتماعية العمانية العام 2018. في نبذة عن السياق العماني في مكافحة العنف ضد المرأة، تشير الـ “إسكوا” إلى أن مرتكب العنف في حالات العنف ضد المرأة في المقام الأول هم الأزواج، يليهم بعد ذلك الأخوة.
ويعد إلحاق الضرر بمثابة ثاني وجهٍ للعنف الممارس ضد الزوجة كبعدٍ من أبعاد العنف ضد الزوجة كما جاء في دراسة للباحثة العمانية “منال الفزارية” في جامعة السلطان قابوس تتناول العنف ضد الزوجة في المجتمع العماني من زاويةٍ اجتماعية نفسية. وتأتي الإساءة النفسية يليها إلحاق الضرر ثم الإهانة والامتهان وأخيراً السيطرة والتسلط كأشكال العنف المجملة تراتبياً وفق الدراسة.
الحماية من العنف القائم على النوع الجندري
بعد ستة سنوات من توقيعها على اتفاقية سيداو، أنشأت السلطات العمانية في سياق استجابتها لمكافحة العنف ضد المرأة دائرة الحماية الأسرية العام 2012، والتي خصصت مهامها بتلقي الشكاوى الخاصة بالعنف الجنساني ضد المرأة، كما أنشأت دور إيواء تتبع دائرة الحماية الاجتماعية لغرض تقديم الحماية للنساء والأطفال المعنفين.
في العام 2017، خصصت السلطات العمانية الرقم المجاني (1100) لتوفير خدمة الإرشاد والاستماع للشكاوى حول العنف الأسري والتحويل للجهات المعنية عند الحاجة لذلك. لكن في المقابل، لا يوجد قانون قائم بذاته يختص بالعنف ضد المرأة والعنف الأسري، كما لا يجرم القانون العماني الاغتصاب الزوجي، بالإضافة لغياب وجود خطة وطنية للتعامل مع العنف القائم على النوع الجندري في عمان حسب الـ”إنسكوا“، ولا تظهر الحاجة لمكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي في الاستراتيجيات والخطط الوطنية بشكل واضح.
العنف بعد الانفصال
في العام 2017، لقيت 30 ألف امرأةٍ حتفهن على يد أزواج حاليين أو سابقين، ففي الكثير من الحالات التي تتعرض فيها النساء للعنف الزوجي، لا ينتهي العنف عند الطلاق، بل يستمر ويتطور لحالةٍ انتقامية وفق دراسةٍ للمختصة في علم الإجرام البريطانية “جين ماكنتون سميث” تدرس سلوك جرائم الأزواج والشركاء السابقين بحق شريكاتهم مصنفةً إياها في ثماني مراحل قبل ارتكاب الجريمة.
معرفة هذه المراحل التي يمكنها تقييم الحالة النفسية للشريكيين بإمكانها الوقوف على الجريمة والحد من العنف ضد الزوجات ومنع الجريمة قبل وقوعها حسب الدكتورة سميث، والتي تنتهي في نتائج دراستها لتحليل المراحل النفسية للشركاء والشركاء السابقين في ارتكاب الجريمة بحق شريكاتهم، من حيث النزعة للسيطرة السلوكية وثم تكثيفها والتهديد بالإيذاء والانتحار وصولاً لتغيير التفكير واتخاذ قرار الانتقام.
الإيذاء قد لا يكون أيضاً منحصراً في الإيذاء المادي المباشر بالشريك، وقد يتعداه لإلحاق الضرر البدني أو النفسي به أو بطفله. أحد هذه المظاهر التي قد تهدد بحدوث العنف ضد المرأة بعد الانفصال هو وجود العنف في العلاقة قبل ذلك، ما يجعل العنف سلوكاً لا ينتهي بالانفصال، وإنما قد يتفاقم بعده ويتحول لسلوكٍ انتقامي بحق الضحية.
الحماية من العنف بعد الانفصال
لا يوجد في عمان قانونٌ خاص بالعنف الأسري والعنف ضد المرأة، فيما لا يحدد قانون الجزاء العنف ضد المرأة أو أشكاله، ولا يتيح المتابعة القضائية له إلا في حال الضرب. في حين تأتي هذه الإجراءات كإجراءات جزائية بعدية، لا تقدم الحماية للمرأة بقدر ما تشكل جزاءً للفعل الجنائي بحقها. كما أن السلطات لا تقدم خدماتٍ للوقاية من العنف ضد المرأة بعد الانفصال.
غياب هذه القوانين، وخصوصاً في حالة منع حدوث الجريمة وتقديم الحماية للمرأة وأطفالها، سواءً في حال العلاقة أو بعد الانفصال، يسهل من عملية حدوث هذه الجرائم ويحرم المرأة من حقها في الحماية اللازمة في حالات التعنيف التي تنتهي بالمصالحة أو التجاهل للوضع النفسي للعلاقة، أو حتى تلك في حالات الانفصال، إذ تسفر حالات العنف بعد الانفصال عن تطورٍ في الحالة العاطفية والسلوكية في تعامل الشريك مع المرأة تجعلها عرضةً لوقوعها ضحية سلوكٍ انتقامي في مرحلةٍ ما بعد الانفصال. الأمر الذي يستدعي وجود إجراءاتٍ وتشريعات خاصة تحقق لها الحماية وتمنع مطاردة الشريك أو الشريك السابق لها أو تكرار تعرضها للعنف.