(1)
أفزّ من نومي مُبكرًا، مع النور حين يبدأ يتسرب إلى صبيحة يومٍ حارّ في الجهراء، ساعتي البيولوجية تؤدي مهمتها على أكمل وجه، تضبط صحوتي تمامًا في الموعد الذي حددته لها سلفًا ليلة أمس، وبانضباط تُكرر ذلك كل يوم، حتى في الأيام التي أتأخر فيها بالسهر، فعندما أنام لـ 12 ساعة متواصلة، مثلما أنام لثلاث ساعات بالنسبة إليها. أقفز مُباشرةً من فراشي، ودون أن أغسل وجهي، أتسلل إلى غرفة أبي، جنّة الله في الأرض، منح نعيمه إلى غرفةٍ طولها ستة أمتار وعرضها أربعة، أبحث عن ملذتي الآنية، أغادرها كما غادرها آدم بعد أن نال ملذته؛ التفاحة، إلا أن أبي لا يطردني، كما أنني أعاود الولوج إليها كلما رغبت بذلك، بشرطٍ وحيدٍ فقط: ألا أُصدر صوتًا، ولو همسًا.
ما زلت أتذكر تمامًا ذلك اليوم الذي حصلت فيه قطر على حق استضافة كأس العالم 2022، وكأن ما حدث في عام 2010 حدث للتوّ، أتذكر تلك المرحلة بتفاصيلها، بعنفوان سن المراهقة، وتعلّقي حد الهوس بكافة أحداث كرة القدم، وإن خفتت للغاية وبشكل ملحوظ بعد ذلك في السنوات الأخيرة.
ماذا يعني إقامة كأس العالم في قطر بعد 12 عام بالنسبة إلى مراهق آنذاك؟ باختصار، إنه مثل سعي واحد من أحلامك خلفك، بدلًا من أن تقضي العمر خلف تحقيقه. أضفى كون الدوحة لصيقة إلى هذا الحد جغرافيًا بالكويت، استثنائية مضاعفة على اللهفة إلى هذا الحدث، باعتباره أهم بطولة لكرة القدم تُقام كل أربعة أعوام، واللحاق بمبارياته سيكون أقل تعقيدًا بلا شك، خاصة من ناحية التأشيرة إلى بلد خليجي في الظروف العادية، وهذه بالطبع فرصة تاريخية لن أدعها تفلت من بين يديّ.
بدأتُ أرسم طريق الأحلام نحو هذا المونديال، تصوّرت نفسي بعد 12 عامًا، وحسبتُ سنوات عمري، أُصبح في عام إقامته في السابعة والعشرين، ما يعني أنه سنّ أكون معه مستقلًا بذاتي من مختلف الجوانب، وقادرًا على تحديد خياراتي الشخصية كيفما أشاء، مثل حضور مباريات كأس العالم وخلافه؛ كما تصوّرت أنني أحمل شهادة من الجامعة، ولديّ وظيفة تدرّ عليّ دخلًا مناسبًا لشاب مثلي -ليس من بينها أن أعمل صحفيًا بالمناسبة-، وأمتلك وثيقة سفر.
كانت الأحلام وقتذاك بطبيعة الحال أكبر من عمري ومن تقديري للموقف كما ينبغي، وكان طريقها ممهدًا بغاية الوضوح في ذهني، حتى أنني لم أتخيّل وجود أي قوة في الكون قادرة على أن تقف عثرة على مسار هذا الحلم، وذلك من منطلق ساذج وبريء في ذات الوقت، هو أن الـ 12 عامًا القادمة، بوصفها مسافة زمنية بعيدة، لذا فمن البديهي أن الأوضاع المحيطة بي تتقدم معها، لا أن تراوح مكانها، فضلًا عن أنها تؤول إلى أسوأ مما كانت عليه.
كل ما تصوّرته حدث بالفعل، بل وبعضها فاق ما رسمته عنها، إلا من شيئين؛ تبدّل الحال، وهو ما لم يحدث؛ إذ استمر على ما هو عليه طوال هذه المدة، ولا أقول تدهور حتى أُخفف من وطأة الأمر، وبشكل رتيب وممل وسخيف، ولا أمتلك سوى وثيقة سفر لا تدلّ على شيء، بلا جدوى منها مع صلاحية منتهية منذ زمن سحيق وبتأشيرة يتيمة، ونور تجديدها لا يضيء في آخر النفق.
“بهذا الزمان الرديء،
يطأطئ للريح أغصانه الشجر العربيّ،
ويمتد حتى السماء النبات الوصولي واللولبي”
(2)
أخرج من الجنّة، بمحض إرادتي، أتأبط تفاحتي، ملذتي الآنية/اليومية، العدد الجديد الصادر من صحيفة “الرأي العام”. أفترش الأرض، يصبح حجم العالم كلّه بحجم مساحتها، الصحيفة/ التفاحة. أتحوّل مباشرةً إلى صفحاتها الأخيرة، حيث الصفحات المخصصة لقسم الرياضة، أقرأ عناوينها الرئيسية بشيءٍ من العجلة، ما إذا كان منها ما يستحق العودة له لاحقًا، قبل أن أُفتش بلهفةٍ عن الملحق الرياضي في جوف بطنها، أقلب على الفور إلى ظهر الملحق، وأول ما أشرع في قراءته، عمود الصحفي اللبناني “سهيل الحويك”، في إحدى الزوايا أعلى الصفحة الأخيرة منه؛ أين كان يقع مكان زاوية العمود بالضبط، في يمين الصفحة أم شمالها؟ أما هذا فما لا عدت أتذكره، هل كان يراوح بينهما؟ لا أعلم، لكن جائز؛ فنبش الذاكرة يستدعي الزوايتيْن معًا.
في طفولتي ولسوء حظي، كنت الوحيد ضمن عائلتي من الذكور والإناث، وأنا أصغرهم جميعهم المهتم بشؤون كرة القدم؛ سواء بالممارسة أو المتابعة، لأن ذلك كلّفني ثمن الحرمان المبكر، الحرمان في ذلك العمر من متعة مشاهدة كأس العالم، ومن سوء حظي كذلك أنه قد تقرر في أول مونديال محفور في ذاكرتي، أول مونديال أشاهده نسخة عام 2006 في ألمانيا، تشفير مباريات البطولة، من النسخة التي سبقتها عام 2002 في كوريا الجنوبية واليابان.
أول مونديال أشاهده؟ لعلها ليست الكلمة المناسبة في هذا السياق، سأختار عوضًا عنها، أول مونديال أتابعه، هكذا تستقيم العبارة أكثر؛ إذ إن المتابعة لا تعني بالضرورة مشاهدة العين، نعم لقد تابعت أدق تفاصيله، دون أن أشاهد منه سوى مباراة وحيدة، وعن طريق الصدفة، سآتي على ذكرها في قادم الأسطر.
اشتهرت في تلك السنوات عبارة قالها رجل الأعمال السعودي “صالح كامل”، الذي تُوفي قبل عامين، مالك شبكة راديو وتلفزيون العرب (ART)، مالكة الحقوق الحصرية لنقل مباريات كأس العالم آنذاك، بعدما أكّد على تشفير البطولة، إن “زمن المشاهدة المجانية انتهى”، و”مثل ما تأكل وتشرب بفلوس طالع بفلوس”.
من قال إن “كرة القدم للفقراء”؟ لقد بدأ منذ هذا العقد من مطلع القرن الجديد الذي نعيشه، التحولات الكبرى في صناعة كرة القدم، وانتقلت إلى طور جديد؛ من ملاعب الفقراء إلى ملاعب الرأسمالية، وتحوّلت هذه الرياضة إلى سوق ضخم مُلحق بالأسواق العالمية الاقتصادية الكبرى، ويُنفق داخلها سنويًا معدلات مجنونة وهستيرية من الأموال، فمن يصدق مثلًا أن “الطفل” نيمار يساوي 220 مليون دولار؟ فيما بنظري لا يساوي قيمة قميص رونالدينيو.
لقد تحوّل كل شيء في كرة القدم بشكلٍ دراماتيكي، منذ أن أطلق “ًصالح كامل” عبارته المشؤومة تلك، إلى واقع مختلف تمامًا، على الرغم من أنها جاءت في سياق هو ليس سوى مجرد لاعب صغير وهامشي فيه لا أكثر، ولكنّها دشّنت لمرحلة جديدة، عنوانها “كرة القدم ليست للفقراء”، مثل حال كل الأشياء التي تُقرّر الرأسمالية دسّ أنفها فيه.
“بهذا الزمان الرديء،
تصادر كل الحقول الجميلة،
تجتث كل الزهور النبيلة
وينمو على أرضها عوسج أجنبي”
(3)
يمرّ الوقت مثل رمشة عين، حين أُدشّن ماراثون قراءة الملحق الرياضي، أحس أن عقارب الساعة بطيئة وأنا في خضمّ المسير، بينما اكتشف عند وصولي إلى مشارف خط النهاية، خدعتها، إنه ديدن العقارب، أليس كذلك؟ الأمر يشبه أن يتوقف الزمن عندك وحدك، لكنّه يهرول في الطرف الآخر مضاعفًا من سرعته. يستغرق ابتلاع الملحق كاملًا، من صفحته الأولى وحتى الأخيرة، دون تفويت حرف واحد منه فترة من الزمن، لا تعرف الذاكرة قياسه الآن؛ فكل محاولات نبشها لم تُسفر عن رقم. على كل حال، بدا لي آنذاك، زمنًا قصيرًا، لكن عقارب الساعة كان لها رأي مغاير، إنه ديدنها، أليس كذلك؟
عثرتُ على اكتشاف عظيم في صيف عام 2008، غيّر مجرى مسار علاقتي بكرة القدم، وانتقلتُ من ملاحقتها عبر ورق الصحف، إلى مثولها حيّةً أمامي، حدث ذلك وأنا أتجوّل في سوق “القيصرية القديمة” في الجهراء، عند مروري صدفةً من أمام إحدى المقاهي الكئيبة، وكانت تنقل نهائي دوري أبطال أوروبا، بين نادي مانشستر يونايتد ونادي تشيلسي. أذني أول ما يلتقط نداء المباراة، التفتُّ إلى الشاشة داخل المقهى، ثم تسمّرت في مكاني مشدوهًا، وحدّقت إلى اللعبة الجارية بكافة حواسي الخمس، وأنا مستمرٌ بالتلصص من خارج المكان، فالولوج إلى داخله كان بمثابة مخاطرة توّغل مجهولة العواقب.
غادرتُ بعد برهة من الوقت حتى إلحاح صديق رافقني إلى السوق، وهو يحذرني من دنوّ الساعة نحو الموعد الذي لا ينبغي أن نتخطاه في الخارج، ونحن الذيْن ابتعدنا أكثر عن نطاق الحدود المسموحة لمن بمثل أعمارنا تجاوزها. تركتُ موقعي من مشاهدة المباراة بعدما رأيت كريستيانو رونالدو شاغل الدُنيا والناس بعينيّ، دون أن أقبض على النتيجة النهائية، والتي انتهت لصالح “الشياطين الحمر” بركلات الترجيح، غادرتُ وقد أشبعت جزءً ضئيلاً من نزوتي تجاه هذه اللعبة، ومحتفظًا بدهشة ما تبقى من هذا الاكتشاف العظيم في وجداني. في كأس العالم 2010 سأكون زبونًا وفيًّا ومُخلصًا للمقاهي.
تحت وطأة الملل والترقّب وأنا أجلس في البيت، في ليلة نهائي كأس العالم 2006 بين منتخب فرنسا ومنتخب إيطاليا، وقد اقتحمت عامي الـ11 قبل أيام من موعد المباراة، منتظرًا أن تُسفر نتيجتها عن تتويج النجم “زين الدين زيدان”، ذي الأصول العربية والمسلمة بالبطولة الأغلى، وهو الذي أخرج المنتخب الذي أشجعه، منتخب البرازيل بقيادة نجمي المفضل رونالدينيو، في مباراة تسيّد مجرياتها وتلاعب بسحرة السامبا، تعاطفًا مع أصوله وتكريمًا لمسيرته قبل أن يُودّع عالم كرة القدم، وتحت وطأة كل هذه المشاعر الجيّاشة، بدأت بشكل عبثي أبحث في التلفزيون، لعلّي أجد قناةً تنقل المباراة ولو عن طريق الخطأ، رغم معرفتي بعبثيّة ما أفعله، ولكن أملاً صغيرًا وعميقًا في داخلي لطالما تركني مُعلّقًا بأوهام شبيهة بذلك، ولكن هذه المرّة تحقق الوهم، فبعد بحث مضني وجدتُ ضالّتي، لم أُصدّق ما أراه أمامي، لقد عثرت على المُباراة منقولة بالفعل!
أمام ما جرى في تلك اللحظة، التي لم يكن في حضورها من يقبض عليها سواي، تركني إلى اليوم أتساءل؛ هل ما شاهدته هو وهم تفتق عن مخيّلتي؟ أم حقيقة؟ هل شاهدت نطحة زيدان الشهيرة إلى صدر ماتيرازي مباشرةً، أم أنها بواسطة صناعة من عقلي الباطن كما يقولون؟ لا أحد يمكنه تبديد تلك الشكوك، فلا غيري كان في حضرة تلك اللحظة البهيّة.
عرفت عقب أعوام من تلك اللحظة، حين كنت أتولى الإشراف على قسم الرياضة في أحد المنتديات على شبكة الإنترنت، أثناء إقامة كأس العالم 2010 في جنوب أفريقيا، إن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا FIFA) يُجبر القنوات الناقلة لمباريات كأس العالم على إتاحة عدد من المباريات بشكل مفتوح تتضمنها المباراة النهائية.
“بهذا الزمان الرديء،
يطأطئ للريح هامته الرجل الشامخ الرأس،
يغدو من الذل والانحناء الأبيّ:،
كسيرًا يضائله الهم شيئًا،
فشيئًا،
إلى أن يعود صبيّ”
(4)
الصيف في عموم الكويت حارّ، فيما الجهراء تأبى أن يتجاوزها أحد حتى في درجات الحرارة، حيث الشمس فيها ملاصقة للأرض، أكثر من أي مكان آخر في العالم، ما يصوّرها مثل مشهد حي من مشاهد الجحيم. لكن صيف عام 2006 تحوّل إلى أيام منعشة، ألم يُطلقوا على كرة القدم “الساحرة المستديرة”؟ إن هذا السحر يتخطى مساحة قُطرها، إلى ما هو أبعد بكثير من ذلك، لقد طاف سحر كأس العالم من ألمانيا إلى أزقة منطقة “القصر” الضيّقة، وغدت الساحة الترابية المقابلة لـ “روضة الرحيق” ملعبًا من ملاعب البطولة، ما عدنا نُفرّق -أنا وأصدقائي- جرّاء هذا السحر، ما بين أوقات الظهيرة وسواها، فكُلّها أضحت لدينا سواء.
الدافع إلى الكتابة ونبش الذاكرة عن هذه الشظايا المتناثرة منها مع كأس العالم، على خصوصيتها كونها تجربة شخصية، إنها باعتقادي تُعبّر عما هو أقصى من ذلك؛ حيث هي تجربة تمثّل انعكاسًا لطبقة اجتماعية/اقتصادية كاملة أنتمي إليها في الكويت، بل وعلى امتداد ساحل الخليج العربي المتخم بالبترول كُلّه، القابع فيه آلاف الحيوات من الناس على خط الفقر أو دونه، يا ترى من يتصوّر ذلك من خارج المكان، على الأقل قبل طفرة عولمة الإنترنت والعالم/القرية؟
ما دفعني أكثر إلى الكتابة، عندما بدأت أتبادل الحديث مع صديق قبل بداية هذه النسخة الأخيرة من كأس العالم 2022، عن ذكرياتي الشخصية مع المونديال، ودون أن أكشف له عن الفكرة التي تختمر في رأسي، الذي بدأ بدوره يسرد ذكرياته الخاصة، منطلقًا من نسخة كأس العالم 2006 حين تمكن شقيقه الذي يكبره بأعوام من ثمن قيمة الاشتراك في قنوات ART لمتابعة المباريات، وذلك من خلال جمعه المبلغ “قطيّة” بمعيّة أصدقائه، حيث أتاح لهم والدهم بالمتابعة في ديوانيتهم (ملحق متصل بالبيت يتجمع فيها الرجال)، بدلًا من ارتياد المقاهي. واستطرد صديقي في كيف أن كأس العالم بدأ به وبشقيقه وأصدقائه فقط، ثم قام بالتوافد إلى ديوانتيهم تدريجيًا أبناء جيرانهم، إلى أن عجّت ديوانيتهم تقريبًا بكافة أبناء الشارع القاطنين فيه بمنطقة تيماء (منطقة من بيوت الصفيح في الجهراء السواد الأعظم من سكّانها هم البدون)، وصولًا إلى مباراة النهائي، التي كان المشهد بها دراميًا والمكان يضيق بهم وقوفًا وجلوسًا.
اختلف الأمر وأنا أنهي عامي الأول في الجامعة باتساع دائرة الأصدقاء في كأس العالم 2014، وبدأ شغفي بكرة القدم ينحسر تدريجيًا من هذه النسخة، بسبب انشغالي أكثر بالدراسة والعمل الطلابي النقابي، وتغطية الشؤون الطلابية في الصحافة، والذي استدعى نبش الذاكرة في هذه الأسطر، إلى إن التغطيات الطلابية على كونها البداية الفعلية في الكتابة الصحفية، لكن أظن جذورها سبقت الجامعة في نشاطي بالمنتديات ما بين 2009 و2012. قضيت مشاهدة هذه النسخة من البطولة ما بين المقاهي ودواوين الأصدقاء.
في كأسي العالم 2018 و2022، وجدت طريقًا جديدًا لمتابعة مباريات كأس العالم، إلى جانب رفقة المقاهي والدواوين؛ فلهما نكهتهما وأجواؤهما الخاصة، وهنا أعترف أن هذا الطريق غير قانوني (غير أخلاقي؟)، حيث دفعت 15 دينارًا (49 دولارًا تقريبًا) في 2018، بينما دفعت 10 دنانير (33 دولار تقريبًا) هذا العام، ما لا يساوي شيئًا أمام قيمة الاشتراك في قنوات beIN، ومنحني ذلك الاستمتاع بمشاهدة مباريات كأس العالم، وأنا في وسط غرفتي وأمام شاشة تلفزيوني، بالإضافة إلى المئات من القنوات المشفرة الأخرى، ولمدة عام كامل تشمل الدوريات الأوروبية وغيرها، ولكن كالعادة لا شيء بلا ثمن، لكنّه ثمن بخس هنا لأن بث المباراة يصلني متأخرًا من عشرة ثواني في بعض الأحيان إلى دقيقة.
هل هذا الفعل يستقيم مع المبادئ التي أؤمن بها؟ أعترف كذلك أن ما قمت به خطأ من ناحية السلوك، على أني لا أشعر بتأنيب الضمير، واعتبره ضمنيًا شكلًا من أشكال المقاومة ضد الانصياع إلى زجّ الرأسمالية بنا للولوج دونما نشعر في علب السردين الخاصة بها، كما أن “الغلابى” الأذكياء الذين يكافحون من أجل أقرانهم المسحوقين باختراقهم القنوات المشفرة، يستحقون هذه المكافأة الممنوحة لهم على جهودهم المُباركة المبذولة.
“بهذا الزمان الرديء،
يطأطئ للريح قامته الشاعر الفذّ والفيلسوف،
ويدفن مثل النعامة هامته في الرمال (…)،
***
بهذا الزمان الرديء،
يطأطئ كل الرجال المجيدين هاماتهم،
ويشمخ فوق انحناء الجميع الغبيّ!!”*
*النص بين معقوفتين في نهاية كل فقرة يعود إلى قصيدة “الزمن الرديء” لآخر صعاليك الجزيرة العربية الشاعر الكبير سليمان الفليّح.
- الآراء الواردة في هذا المقال تُعبّر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة مواقف وآراء “مواطن”.