في سنة 1980 ميلاديًا، حصل مشروع أبراج الكويت الثلاثة على جائزة الأغا خان للعمارة الإسلامية، وهي جائزة مرموقة لها ثقلها في المجال المعماري والعمراني، كانت الأسباب وراء اختيار هذا المشروع تحديدًا لتلك الجائزة؛ كونه مشروعًا استطاع أن يمزج بين التقنيات الحديثة والحاجة الوظيفية والقيم الجمالية في آن واحد، تتصدر أبراج الكويت المشهد دومًا، كونها رمزًا للكويت وعاصمتها، بتصميمها الأنيق والجذاب والتراثي كذلك، فهو قائم على شكل مبخرة ومرش ومكحل، تلك العناصر التي تعبر عن التراث العربي في منطقة الخليج العربي.
لقد بدأت فكرة المشروع بناء على طلب الشيخ جابر الأحمد الصباح في ستينيات القرن الماضي كحاجة وظيفية؛ حيث احتاجت الدولة بناء خزانات مياه ضخمة بدلًا من الخزانات الحديدية القديمة؛ فقام مكتب ليندستورم السويدي بتصميم الأبراج الثلاثة للكويت في تلك الفترة، لكن المشروع لم ينفذ، ثم عادت الفكرة مرة أخرى للظهور سنة 1975 بتنفيذ شركة إنيرجي بروجيكت اليوغوسلافية إلى أن تم بناؤه سنة 1979 ميلاديًا ليحصل بعدها بسنة على تلك الجائزة الهامة.
تاريخ تجاري
صحيح أن أبراج الكويت تسيطر على المجال العام لمدينة الكويت؛ إلا أنها ليست العلامة الوحيدة لتلك المدينة التاريخية والتجارية التي ازدهرت منذ القرن الثامن عشر الميلادي وامتلكت تاريخًا معماريًا وعمرانيًا مميزًا تفردت به، ومن ثم ننتقل للتعرف على هذا التاريخ المعماري والعمراني للدولة، وربما كان سور الكويت الذي بني حول المدينة سنة 1783، وهو أحد أقدم الأدلة على أهمية تلك المدينة تاريخيًا؛ حيث اشتغلت على التجارة وصنع السفن بشكل رئيسي وصيد اللؤلؤ بشكل هامشي قبل اكتشاف البترول سنة 1950 ميلاديًا، لذا كان السور الدفاعي الذي طوق المدينة ذا أهمية قصوى وحيوية للحفاظ عليها من أي عدوان خارجي من ناحية الصحراء.
احترف الكويتيون منذ أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر صنعة السفن بحرفة بالغة ميزتهم عن غيرهم في المنطقة العربية تاريخيًا وانفردوا بها، وتحديدًا صنع السفن الشراعية التي كانت تسمى “البغلة والتبيل”، والتي كانت قادرة بشكل مبهر على الوصول إلى موانئ تجارية بعيدة في الهند واليمن وتنزانيا، وصلت الصناعة الكويتية للسفن أعلى درجات إتقانها في أواخر القرن التاسع عشر عند تصميم وصناعة السفينة المسماة “بوم”، إلى أن تم اكتشاف البترول في خمسينيات القرن الماضي لتتجه الأنظار نحوه بشكل رئيسي.
انعكس هذا التاريخ التجاري على العمران في الكويت؛ كان أهمها بالتأكيد هذا السور الدفاعي الذي التف حول المدينة التاريخية، بالإضافة إلى المحلات التجارية والأحياء التي أقيمت إثر تلك الصناعة، وبطبيعة الحال كان ملازمًا لتلك الأحياء المساجد التي أقامها تجار وأمراء كذلك، راعوا فيها أحيانًا أنماطًا محلية عبرت عن الطبيعة الصحراوية المتكسبة من شبه الجزيرة العربية، وأنماطًا خارجية كذلك استقبلوها من البلدان التي سافروا إليها أثناء العمل التجاري والبحري.
مساجد الدولة
المتتبع لتاريخ الإمارة في الكويت، يرى أنها كانت ترعى مسجدًا معينًا ليمثل الدولة ذاتها، ربما كان أشهر تلك المسجد هو المسجد الكبير في الكويت الآن، صحيح أنه لم يكن هذا المسجد الكبير هو المسجد الأقدم في الدولة، لكنه كان الأبرز والأكبر، وهو مسجد أنيق بمساحة ضخمة وساحة يتخللها الهدوء دومًا، وقبة مركزية اشتملت على لوحات زخرفية لا مثيل لها، ثم في النهاية تفاصيل فنية تأثرت بالطراز الأندلسي.
بني هذا المسجد سنة 1987 ميلاديًا بتكلفة ضخمة برعاية الدولة وعدد كبير من العمال والمهندسين، بتصميم المعماري محمد مكية، ومع كون المسجد بني على نمط شبه مستورد، إلا أن طراز الكويت يكمن في بعض التفاصيل الصغيرة؛ فالمئذنة الدائرية والتي تتكون من طابقين ظهرت في عدد مختلف من المساجد التراثية في الكويت. بطبيعة الحال لم يكن هذا المسجد هو الوحيد الذي يعتبر مسجد الدولة؛ بل سبقه مسجد الخليفة الذي أنشأه أحد أفراد عائلة آل خليفة، ويدعى خليفة بن دعيج الخليفة سنة 1737 ملاديًا، وهو أحد أقدم المساجد كذلك في الكويت، ثم عمل على زيادة عمارته الشيخ مبارك الصباح في عصر السلطان عبد الحميد، وأطلق عليه اسم المسجد الحميدي سنة 1901 ميلاديًا وكان أحد المساجد الرسمية لدولة الكويت كذلك.
أما مسجد الدولة الرسمي فهو مسجد السوق الكبير، ورغم بساطة زخارفه الهندسية والكتابية؛ إلا أنها معبرة عن مفهوم التراث في الكويت، بني هذا المسجد سنة 1794 ميلاديًا على يد محمد بن حسين بن رزق الأسعد، وكان يحضر أمراء الكويت صلاة العيد فيه، لذا كان يعتبر مسجد الدولة الرسمي.
قصور الإمارة
على مقربة من مسجد الحميدي، يقع قصر السيف، وهو أحد أهم المباني التراثية في الكويت العاصمة؛ حيث بني سنة 1904 ميلاديًا ليكون مقرًا للحكم في عهد الشيخ مبارك الكبير، تدخل إلى هذا المبنى عبر بوابته الرئيسية التي كتب عليها الحكمة المشهورة: “لو دامت لغيرك ما اتصلت إليك”، والتي أمر بكتابتها الشيخ سالم مبارك الصباح. المميز أيضًا في المبنى هذا البرج الذي يقع على أحد أركانه؛ وهو بناء شبيه تمامًا للأبراج والمآذن الأندلسية تزينه من أعلى ساعة على الوجوه الأربعة له، وبطبيعة الحال بني هذا القصر بالمواد البيئية التي عرفت في الكويت، كحجر البحر والأخشاب والطين بطبيعة الحال، كان القصر رمزًا للسلطة والدولة في الكويت، لذا لم يكن من المستغرب أن يتم الإعلان منه على استقلال الدولة وإلغاء الحماية البريطانية. وبطبيعة الحال كان القصر هو المبنى الأساسي والرئيسي في الدولة، التفت من حوله المساجد العامرة التاريخية وكذلك بيوت العوام والنخبة.
لا يقف هذا القصر وحيدًا في دولة الكويت؛ بل يوجد كذلك القصر الأحمر الذي يقع في قرية الجهراء القديمة، ويعد أيضًا أحد أهم معالم الإمارة في الكويت، بني هذا القصر سنة 1897 ميلاديًا، حتى يكون القصر الصيفي للشيخ مبارك الصباح. مزج القصر كعادة العمارة في منطقة الجزيرة العربية بين الحالة الحربية والمدنية؛ فمع كونه قصرًا للأمير لم يمنعه من أن يتخذ شكلًا حربيًا كأنه قلعة من الخارج، وعرف بهذا الاسم نسبة إلى لون الطين الذي بني به، وهو اللون الأحمر، ضم هذا القصر المربع من الداخل غرفًا للسيدات والرجال، وكذلك أحواشًا وبساتين، ولا زال يقف القصر مزارًا رئيسيًا في الكويت حتى الآن، ليعكس طبيعة البناء والعمارة في تلك الفترة التاريخية التي مرت على الكويت.
مساجد متعددة
شهدت مدينة الكويت منذ نشأتها عددًا كبيرًا من المساجد، بناها تجار ومدنيون، ليضعوا بصمتهم المعمارية في المجتمع الذي دانوا له بحياتهم وتجارتهم، كان أقدم تلك المساجد المعروفة هو مسجد “ابن بحر”، الذي كثر ذكره في المراجع كونه أحد أقدم المساجد الكويتية، وقد شيده محمد بن عبد الرحمن محمد بن بحر سنة 1898 ميلاديًا، لكن هذا المسجد هدم وأعيد بناؤه مرة أخرى بنفس الاسم، ويظهر هذا المسجد بقبته الصفراء ومئذنته المضلعة، لكنه على نمط حديث عما كان عليه المسجد قبل ذلك.
أثرت حركة التجارة الدورية للكويتين والرحلات المستمرة في مختلف البلدان على نمط وطراز العمارة الدينية فيها؛ فنجد كثيرًا من المساجد تأثرت بشكل واضح وجلي بمساجد شرق آسيا، في مئذنة مسجد براك الدماج تظهر عليها التأثيرات الآسيوية التي جلبت من بلاد ما وراء النهر؛ مثل سمرقند وبخارى بشكل واضح، بلاطات القيشاني الدقيقة، وكذلك المبخرة البصلية في نهاية المئذنة، يظهر هذا أيضًا في مئذنة صالح الفضالة التي تأسست مع تاريخ المسجد سنة 1900 ميلاديًا؛ فالمبخرة المفصصة هي نموذج مشابه لما كانت عليه المساجد في آسيا.
وكان القرن الثامن عشر قرن نهضة عمرانية في الكويت حقيقة، شهدت بالفعل مباني تاريخية كثيرة؛ مثل مسجد محمد الجلاهمة المعروف باسم مسجد بن خميس، ومسجد بطي الجلاهمة المعروف باسم مسجد النصف ومسجد عبد الله بن علوان الذي عرف باسم مسجد سعود، وكذلك مسجد عبد الرازق ومسجد مبارك. كانت تلك المساجد التي أسست في أوقات مختلفة من القرن الثامن عشر معبرة عن المجتمع بشكل عميق، مجتمع تجاري وثائر دومًا ومتحرك، لا يركن إلى الاستسلام، لذلك كان من المتوقع رؤية نماذج معمارية متعددة داخل مدينة الكويت التاريخية.
في سنة 1834 ميلاديًا قامت ملكة بنت محمد الجبر الغانم بتأسيس مسجد القطامي بالقرب من منزلها، وكان الهدف منه أن يكون قريبًا من بيتها حتى يتمكن زوجها محمد بن صقر بن غانم بن جبر الغانم أن يصلي فيه بسبب زيادة وزنه، أعيد بناء المسجد مرة أخرى ولا زال قائمًا حتى الآن باسم مسجد مريم القطامي، وهو مسجد أنيق المظهر بمحراب ضخم وواسع على شكل نصف دائرة، أما المنبر فهو على النمط المغاربي؛حيث يدخل إليه إمام المسجد عن طريق باب بجانب المحراب، كان من ضمن المساجد الشهيرة التي أقيمت في الكويت في القرن التاسع عشر، كذلك هو مسجد المطران الذي أقامه محمد بن عبد الله بن يوسف العتيقي في حي المرقاب بالكويت، وما يميز هذا المسجد دون غيره أنه لا زال محتفظًا بمعظم معالمه الفنية حتى الآن، خاصة تلك المئذنة الأنيقة التي تنفصل تقريبًا عن بدن المسجد نفسه، ولا زالت أسقف المسجد قائمة حتى الآن من خشب الجندل والباسجيل والحصير، يظهر المسجد بلون يميل إلى اللون الأصفر مزخرف بالجص الأبيض.
خاتمة
حاضر الكويت غني كذلك ومتعدد؛ بين مساجد بنيت على نمط مبتكر كليًا عن الأنماط المعمارية التي انتشرت في العالم الإسلامي؛ مثل مسجد الشيخة فاطمة الذي يقع في ضاحية عبد الله السالم، بقبته المخروطية التي تسيطر على مساحة المسجد بشكل شبه كامل ومئذنته المنفصلة، ومسجد الشيخ ناصر الصباح الذي بني بشكل هرمي بصورة كاملة؛ حيث يظهر من الخارج كأنه هرم مدرج في نهايته تقوم قبة صغيرة، وينعكس هذا التدرج كذلك على المسجد من الداخل؛ فيظهر جليًا على المصلى الداخلي كله، وليس انتهاءً بالمساجد التي اقتبست من العمارة الآسيوية، وبعض العناصر من العمارة المملوكية والعثمانية؛ مثل مسجد بلال بن رباح ومسجد الإمام الحسين والإمام الباقر، عكست كل تلك المساجد حاضر الكويت المتعدد حتى لو كانت أنماطًا تبدو غريبة عن النمط المحلي، لكنها فرضت نفسها بقوة على العاصمة الكويتية.