ينتظر الطلاب اليمنيون بعد تخرجهم من الثانوية العامة فرص منح الابتعاث الدراسية كبارقة أملٍ وحيدة للأغلب منهم في تحقيق أحلامهم باستكمال الدراسة الجامعية في الخارج. المشاكل والصعوبات الاقتصادية جعلت الكثيرين يعزفون عن الدراسة بعد العجز عن توفير المصاريف الشخصية والرسوم الدراسية في الجامعات الحكومية والخاصة. لكن على ما يبدو بأن الفساد لا يترك هذه الفرصة أيضاً أمام أبناء المواطن العادي.
بعد خلافات بين مراكز القرار في وزارة التعليم العالي في الحكومة المعترف بها دولياً، تم تسريب كشوفات المبتعثين اليمنيين في الخارج الذين يقدر عددهم بسبعة آلاف مبتعث وفق المركز السعودي للتنمية وإعمار اليمن الذي يمول قطاع المنح الدراسية والابتعاث منذ العام 2021. في فضيحةٍ كشفت عن استحواذ المسؤولين الحكوميين على منح الابتعاث الدراسي في الخارج طوال سنين الحرب.
تراجع نسب الملتحقين بالجامعات
يواجه الكثير من الطلاب المتخرجين من الثانوية العامة والتعليم الجامعي عجزاً عن التكفل بمصاريف الحياة الجامعية والرسوم الدراسية. انقطاع الرواتب منذ بداية الحرب جعل أبناء الطبقة المتوسطة أقل حظاً في فرص استكمال الدراسة الجامعية.
آلاء عباس، طالبة حديثة التخرج من الثانوية العامة، حصلت على معدل 85%، تعجز عن استكمال دراستها الجامعية للعام الثاني على التوالي بعد تخرجها من الثانوية. تقدر رسوم التخصص الذي ترغب به –هندسة الحاسوب- في الجامعة الحكومية بمدينتها في حجة ما يعادل مائة دولار أميركي في الترم الواحد. تقول آلاء: “اعتذر والدي عن تسجيلي في الجامعة بسبب انقطاع راتبه..”.
جامعة حجة شمال اليمن، أحد الجامعات الحكومية التي تحتوي أربع كليات تقدم تخصصات دراسية مختلفة. مصدر في الجامعة يفيد لمواطن بأن متوسط الإقبال في أغلب أقسام كلية التربية والعلوم الإنسانية وكلية العلوم التطبيقية كان يبلغ مئات الطلاب، في حين أن إجمالي المتقدمين للكليتين العام الحالي لا يتجاوز الخمسين طالباً في مختلف الأقسام، بالإضافة لإغلاقها بعض الأقسام الدراسية.
عجز عن سداد مستحقات الطلاب ومساعدات سعودية
منذ العام 2018، تواجه الحكومة اليمنية عجزاً في سداد مستحقات الطلبة المبتعثين في الخارج، في حين انقطعت المساعدات لفترات وصلت لعامٍ كامل. على الرغم من ذلك، استمرت الحكومة في عمليات الابتعاث الدراسي على مدى الأعوام التالية دون إيجاد حلٍ للمشكلة.
بعد تزايد أعداد الطلاب وعجز الحكومة عن دفع التزاماتها من الرسوم الدراسية والمستحقات الشخصية للمبتعثين، لجأت وزارة التعليم العالي اليمنية للمركز السعودي للتنمية وإعمار اليمن بالتكفل بسداد التزامات الابتعاث. المركز السعودي للتنمية أعلن عن تمويله العام 2021 للبعثات الدراسية التي شملت 7000 آلاف مستفيد بمبلغٍ إجمالي يقدر بخمسين مليون دولار، ووعد باستمرار المشروع في الأعوام التالية وفق توافقٍ مع وزارة التعليم العالي اليمنية في الحكومة المعترف بها دولياً.
فساد وتجاوز لقانون الابتعاث
على ضوء مساعدات المركز السعودي، استمرت وزارة التعليم العالي اليمنية في ابتعاث الطلاب للدراسة في الخارج، لكن بمعايير مخالفة لقانون الابتعاث ومشوبةٍ بالفساد، كما هي البعثات السابقة. يحدد قانون الابتعاث وفق لائحته شروط الابتعاث بالخضوع لامتحانات مفاضلة تقيمها وزارة التعليم العالي اليمنية، مشترطاً بأن يكون الابتعاث الخارجي للتخصصات النادرة والتي يحتاجها السوق اليمني والقطاع التعليمي فيها.
“يتم الإيفاد في مجال التعليم العالي والدراسات العليا على نفقة الحكومة وفقاً لما يلي..:
- أن يكون الإيفاد في التخصصات النادرة المقرة من قبل المجلس الأعلى لتخطيط التعليم وفقاً لمتطلبات التنمية واحتياجات السوق.
- اعتماد الإعلان في باب القبول والنتائج.
- اعتماد الطرق الآلية في التسجيل والفرز.
- اعتماد الامتحانات التنافسية في الترشيح وفق معايير مفاضلة قابلة للقياس مقرة من اللجنة العليا ومعتمدة من الوزير ومعلنة.
مادة (8) اللائحة التنفيذية لقانون البعثات والمنح الدراسية 2003.
كشوفات الابتعاث أظهرت مئات المبتعثين في تخصصات مخالفة لمعايير قانون الابتعاث، ومئاتٌ آخرين حصلوا على منح الابتعاث عن طريق الفساد. رئيس مجلس القيادة الرئاسي وأعضاء الحكومة اليمنية ومجلس النواب وقيادات الأحزاب السياسية استحوذوا على معظم المنح لأقارب من الدرجة الأولى دون الخضوع لمعايير قانون الابتعاث.
رئيس مجلس القيادة الرئاسي المعترف به دولياً، والذي يتواجد أحد أبنائه وحفيدين له على كشوفات هذه المنح، أصدر توجيهاً لاحقاً بعد انتشار أسماء المبتعثين على وسائل الإعلام وتحديد هوياتهم وقرابتهم من المسؤولين اليمنيين بإعادة النظر في أحقية المبتعثين وسحب المنح الدراسية من أبناء المسؤولين الحكوميين والبعثات الدبلوماسية، دون أية إجراءات للتحقيق أو المحاسبة.
بعثات المنح شملت مسؤولين خارج السلطة أيضاً، ويشغلون إما قيادة مليشيات عسكرية في الحرب أو قيادات أولى ووسطية في حزب الإصلاح الذي ينتمي إليه وزير التعليم العالي اليمني. وزير التعليم العالي، خالد الوصابي، خرج في ردٍ له على فضيحة الابتعاث لقناة يمن شباب، قائلاً بأنه لا بأس إذا كان هناك مائة طالب من أبناء المسؤولين، متهماً جهاتٍ سياسية بقيادة حملة تشويه ضده. يذكر أيضاً أن الوزير قام بالاستحواذ على عشرات المنح لأقارب له أو بتوجيهات مباشرة منه كما تبينه كشوفات الابتعاث.
اختلاس المساعدات
في العام 2019 كان صالح محمد قد تم إبلاغه بإيقاف مخصصات منحته الدراسية في روسيا قبل انتهاء موعدها بسنتين. تواصل مع المسؤولين في السفارة مراراً دون نتيجةٍ تذكر سوى إبلاغه بأن مشكلته لدى وزارة التعليم العالي: “انقطعت رواتب المنحة لعام كامل، وبعض الطلاب تدينوا ودخلوا في مشاكل كثيرة.. هذه المشاكل جعلتني أنا وغيري كثير من الطلاب نلجأ للعمل وترك الدراسة لسداد الديون وتوفير احتياجاتنا المعيشية..”.
توقف محمد عن الدراسة، واضطر للانتقال لبلدٍ آخر أقل كلفةً معيشياً، يحكي محمد عن الكثير من المشاكل التي واجهها بداية مع توقف الحكومة عن دفع مستحقات الطلبة المبتعثين لمدة عام كامل، ثم مصادرة مستحقاته في السفارة اليمنية في روسيا. يقول صالح لمواطن: “بقيت سنة ونصف أعمل في وظيفة لمدة تسع ساعات يومياً لأجمع مبلغ الرسوم الدراسية للعام الأخير وأكمل الدراسة”.
الطالب نبراس عادل، طالب مبتعث في روسيا، قال على صفحته في فيسبوك بأنه تفاجئ بوجود اسمه على كشوفات مستحقات المنح الدراسية، حيث وأنه قد تم إبلاغه بأنها قد انقطعت منذ عام، في حين تظهر كشوفات المستحقات بأنها مستمرة حتى العام 2024، ويقوم المسؤولون في السفارة في موسكو باختلاسها. يقول نبراس، بأن هناك الكثير من الطلاب الذين وجدوا أسماؤهم على الكشوفات مع أنهم لا يستلمون مستحقاتٍ منذ سنوات.
وباستمرار الحرب وهروب المتورطين في فساد الابتعاث الدراسي من المساءلة، تبقى عملية الابتعاث بعيدةً عن الشفافية وغياب تطبيق القانون الذي يؤكد على نشر أسماء المبتعثين والإعلان عنهم. وعلى الجهة الأخرى مخاوف من تراجع المركز السعودي للتنمية عن تمديد اتفاق تمويل المنح الدراسية والابتعاث قد تلقي بآثارها على الطلاب الذين يواجهون ظروفاً قاسية في استكمال دراستهم في استمرار تأخر وانقطاع المستحقات الربعية.