نشرت هذه المادة بالاتفاق مع ”رصيف 22“
تحلم العديد من الفتيات في الوطن العربي باختيار شريك حياتهن بمفردهن، واختيار أب أطفالهن بدون إجبار أو تدخّل بحرية اختيارهن لمن يردن مشاركته حياتهن وبناء أسرهن معه.
في الكويت بلدي على سبيل المثال، حتى الآن يوجد ولاية الزواج للمرأة، و لا يسمح لها بتزويج نفسها مهما كان عمرها ومكانتها العلمية والاجتماعية، حيث يبدأ عمر زواج الفتاة من سن الخامسة عشر فقط والفتى من عمر السابعة عشر، وقد يتمّ بعمر أصغر في الكويت، لكن لا يتم توثيق وتسجيل العقد إلا عندما يبلغ الفتى 17 عاماً و الفتاة 15 عاماً، ولا يوجد عقاب للولي الذي يبرم عقد زواج لابنته بعمر أصغر، فقد يبرم الأب عقد زواج لابنته بعمر التاسعة مثلاً، ويوثّقه لدى الدولة حين بلوغها الخامسة عشر، و هذه من الأمور التي لم يعالجها المشرّع ولا الدولة، وتعتبر انتهاكاً صريحاً لحقوق الطفل.
تخيّل عزيزي القارئ أن قانون الطفل الكويتي قرّر أن كل من لم يبلغ سن الثامنة عشر هو طفل بنظر القانون، أما قانون الأحوال الشخصية فأعطى الحق لولي الفتاة بتزويجها في سنّ الخامسة عشر، في حين أن قانون الجزاء الكويتي لا يعتدّ بموافقة من مارست الجنس من عمر 15 إلى سن 21 عاماً برضاها، فممارسة الفتاة للجنس بعمر 15 عاماً برضاها أمام قانون الجزاء يجعلها مجنياً عليها. هذا التضارب الصريح في القوانين يجعل الأمر معقداً جداً وغير مراع لحق الطفل والمرأة في دولة لديها العديد من التناقضات التشريعية.
من الحقوق المنقوصة بالكويت هي حق تزويج المرأة نفسها، فالمرأة بالكويت لا تستطيع تزويج نفسها أو توثيق عقد زواجها بالخارج أو بالسفارات الكويتية إذا لم يوافق وليها عليه.
وهذا ما ينشئ أزمة كبيرة جداً، إذ إن توابع هذه الأزمة كثيرة: أطفال بلا هويات وبلا تعليم ولا صحة، وهم لأب كويتي أو أم كويتية.
هناك فقط حل واحد عقيم تركه المشرّع الكويتي للمرأة لتزويج نفسها، وهو اللجوء للقضاء بقضية تسمى “العضل”، وهي قضية ترفعها الفتاة للمحكمة وتستغرق مدة قد تصل لأعوام وتستلزم إحضار شهود، وفيها تقاضي الفتاة “أهلها”، وإذا اقتنع القاضي بالزواج بين الفتاة والرجل الذي اختارته “هي” ليكون شريك حياتها، زوّجهما، وإذا لم يقتنع يرفض إتمام عقد الزواج نهائياً.
وأتذكر حادثة حصلت لإحدى الصديقات، وهي قبلية من الطائفة السنية، رفعت قضية عضل لتتزوج برجل لبناني أمه كويتية، ولأنه شيعي، رأى القاضي، من وجهة نظره، أنهما غير متكافئين اجتماعياً فرفض تزويجهما، وقد تسبب لها بألم وإحباط وحزن، حيث إن هذا الرجل هو الذي تراه شريك حياتها وهو المناسب ليكون أب أطفالها، ثم إن قضية العضل تستلزم أن تقاضي المرأة أهلها، أي سيكون هناك جلسات محاكمة مع أهلها تصل لسنوات، و هذا الأمر منبوذ اجتماعياً ويترك رضوضاً نفسية عديدة، ومن الذي سينتظر هذه المدة وهذا الوضع المشكوك في نتيجته؟
كما أن عدم إعطاء المرأة ولايتها بالزواج بالكويت يجعل الناس تلجأ للخارج، للدول التي تبيح للنساء الزواج بأي سن بدون موافقة ولي، كالبحرين، مصر أو تركيا، ولكن حتى بوجود عقد زواج إسلامي بين المرأة والرجل خارج الكويت، لا تستطيع المرأة توثيقه إلا بقضية، وهذه القضية تتطلب موافقة الولي، وإذا لم يوافق لا يوثّق عقد الزواج، وبالتالي يكونان غير متزوجين في الكويت، حتى وإن أثمر هذا الزواج عن أطفال، لا يتم الاعتراف بهم إلا إذا كان الزوج قد أثبت نسبهم له، أو يرفع قضية و يتزوجها امام المحاكم الكويتية.
وهناك حالة الآن تعاني بأروقة المحاكم الكويتية: امرأة كويتية عمرها 30 سنة، تزوجت بمصر وزوجها كويتي. لخلافات أسرية لم تستطع أن تطلب من وليّها تزويجها بالكويت، فتزوجت في مصر، وبعد الزواج أنجبت في الكويت طفلة، والزوج يماطل في استخراج أوراقها القانونية أو الاعتراف بالطفلة، وأيضاً أب الزوجة لا يريد التواصل معها أو الذهاب للمحكمة لقول جملة: “أنا موافق على الزواج”، فنتيجة هذا الظلم الواقع طفلة عمرها 3 سنوات، من أب و أم كويتيين، و بعقد زواج إسلامي بمصر، لا تحمل ثبوتيات ولا تستطيع أن تدخل المدرسة أو أن تعالج عند الطبيب بسبب وضعها القانوني الظالم.
المذهب السنّي بالكويت لا يتطلب سماع موافقة الفتاة على زواجها، فقط بطاقتها المدنية ووليها من يتكلم عنها.
بسبب هذه الأمور وغيرها نحن نطالب بإسقاط ولاية الزواج بالكويت، وترك المرأة لتزوج نفسها طالما بلغت السن القانونية، بدون اللجوء للقضاء أو الاذلال في المحكمة، فقط لتأخذ موافقة وليها على واحد من حقوقها الخالصة وهو اختيار شريك حياتها وأب أطفالها. المرأة الكويتية تعاني من ثغرات قانونية ظالمة لها، كما الخليجية والعربية.