كتب العديد من الأكاديميين والكتاب والنشطاء السياسيين والحقوقيين في دول مجلس التعاون الخليجي عن أزمة المواطنة في دول الخليج، نعم أُسميها أزمة، لأنها بالفعل أزمة خطيرة لايشعر بها مواطنو دول الخليج اليوم، ولكنها حتمًا ستشكل كارثة حقيقية على مُستقبلهم ومُستقبل أجيالهم القادمة.
من المعروف بأن دول الخليج تمتلك ثروات طائلة وهائلة، وشعوب قليلة لا يتجاوز مجموعها الأربعين مليون مواطن خليجي، ومع ذلك فهناك خلل كبير وخطير في ميزان التركيبة السكانية بمجملها، ولا تُستثني من دول الخليج أي دولة من هذا الخلل، والإحصائيات الرسمية تُشير بمجملها إلى هذا الخلل في التركيبة السكانية دون أن تلوح في الأفق أي بوادر لمعالجة هذا الخلل الخطير.
قد يقول أحدهم بأن دول الخليج بحاجة لعمالة وافدة لتنميتها ولدعم بنيتها التحتية، لتلحق بالركب التنموي مع بقية دول العالم؛ بينما يفتقر سوقها المحلي للعديد من مهارات مهندسي البنى التحتية؛ بالذات في قطاع الإنشاءات الكبيرة؛ كالطرق والجسور والأنفاق وغيرها من بنى تحتية تحتاجها كل المجتمعات الناهضة
نعم قد يكون ذلك صحيحًا، ولكن توطين تلك العمالة الوافدة أمر آخر، والأخطر من ذلك هو العبث بالتركيبة المجتمعية من خلال تجنيس من هم من غير المنتمين للبيئة الخليجية، مما شكل ولازال يشكل صدامًا مجتمعيًا بشكل مُخيف، ولا أريد أن أتحدث عن دولة خليجية بعينها، ولكن من الواضح بأن هناك خللاً اجتماعيًا يجب أن يتوقف، وإلا فأن عواقبه ستكون وخيمة؛ ليس على هذه الدولة الخليجية أو تلك؛ وإنما على المجتمع الخليجي برمته سيكون معرضًا لهزات لا أعتقد بأن حكومات الخليج قادرة على استيعابها، تلك الهزات التي ستحدث حتمًا يومًا ما.
المواطنة الخليجية في خطر، وعلى الأسر الحاكمة أن تعي خطورة الاستمرار في سياسات الباب المفتوح للهجرات الشرعية لغير مواطني دول مجلس التعاون الخليجي
إن المواطنة الخليجية في خطر، ولا أقول ذلك من باب التهويل أو المبالغة؛ لا بالعكس، إنها الحقيقة التي يجب على الأسر الحاكمة الخليجية أن تعي خطورة الاستمرار في سياسات الباب المفتوح للهجرات الشرعية لغير مواطني دول مجلس التعاون الخليجي، ناهيكم عن سياسة التجنيس الذي تستخدمه بعض دول الخليج للسيطرة على التركيبة المذهبية نتيجة لصراع سياسي، نراها سياسة قصيرة النظر ولا تشي بأن متبعيها ومتبنيها يدركون مدى خطورة العبث بالتركيبة المجتمعية.
هناك من يرى بأن دول أوربا وكندا وأمريكا واستراليا تستقبل وتوطن عشرات الألوف سنويًا بدولها، بينما أنتم في دول الخليج ترفضون ذلك؟
أي نعم صحيح، ولكن هناك بون شاسع ما بين أنظمة الخليج التي لازالت تقوم على الأنظمة الأبوية القبلية وبلا ديمقراطية ولا حُرية، وبين دول أوربا وأمريكا وكندا واستراليا القائمة على أنظمة ديمقراطية التي لا تقبل المتاجرة بالبشر وبيع فيزات العمل لهم، وأخذ إتاوة سنوية على تجديد تلك الفيزات القائمة على نظام الكفيل العبودي.
لا أريد حقيقة الاسترشاد بإحصائيات لتعزيز ما أراه من خطورة مستقبلية على أمن واستقرار المجتمعات الخليجية في ظل عالم يتطور بأسرع مما تستوعبه العقول التي تُدير المشهد الخليجي، والتي هي نفسها تعبث بالتركيبة السكانية الخليجية، حتى أصبح المواطن الخليجي لا يشكل في المجمل ما نسبته كمتوسط عام تقديري وفق بعض الإحصائيات التي تنشرها دول الخليج، أو حتى مراكز الدراسات أو المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون الخليجي GCC ما بين 20-25%؛ أي أن مواطني مجلس التعاون الخليجي بمجملهم لا يشكلون إلا مانسبته ربع التعداد العام، وهذا يشكل خطرًا مستقبليًا، وإن لم تع دول الخليج ذلك فإن الخطر لن يكون إلا مؤجلًا.
وما الأسباب؟
بتقديري هناك أمران دفعا دول الخليج للعبث بالتركيبة السكانية:
الأول: هو الصراعات السياسية الداخلية، وهنا لعلني أدخل بشيء من التفصيل، لما لهذا الأمر من أهمية بالغة؛ فشعوب الخليج كأي شعوب في المعمورة تطالب بحقها المشروع بالحُرية والديمقراطية، وهذا ما لا تُرِيده أنظمة الخليج، لذلك لجأت بعض دول الخليج للعبث بتركيبتها السكانية لكي تتجاوز تلك المطالب المستحقة في الحُرية والديمقراطية كما حدث في الكويت والبحرين.
الثاني: هي تجارة البشر؛ فهذه التجارة تدر مليارات على تجار البشر الذين يتاجرون ببيع تأشيرات العمل (الفيزات)، والذين غالبًا ما يكونون من المتنفذين وأصحاب سلطة، تتبادل معهم الحكومات المصالح على مختلف المستويات؛ إن كانت سياسية أم اجتماعية وحتى اقتصادية.
لذلك من حقنا، كمهتمين بالشأن الخليجي، أن نطرح هذا السؤال : المواطنة في دول الخليج إلى أين؟!
- الآراء الواردة في هذا المقال تُعبّر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة مواقف وآراء “مواطن”.