ضجت وسائل التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة بخبر اعتناق أحد المشاهير للإسلام، ملاكم الكيك بوكسينغ السابق” أندرو تيت “، والذي صنع ثروته (باعترافه في أحد البرامج) من الدعارة الإلكترونية، تحول فجأة في عالمنا العربي إلى بطل مغوار يحارب قوى الشر، ويتطلع لإنقاذ البشرية من النخب الحاكمة، ويعتقد أن الله في صفه كما أوضح في تغريدة له على تويتر.
ليست أول مرة يعلن فيها أحد المشاهير في العالم اعتناقه للإسلام، كان من أشهرهم الملاكم الشهير محمد علي كلاي، كما اعتنق الإسلام الكثير من الشخصيات العامة؛ وخصوصًا المدافعون عن حقوق السود، والذين رأوا في تعاليم الدين ما يؤكد أفكارهم الرافضة للتمييز حسب اللون والعرق، وغيرهم من أصحاب التأثير الإيجابي والقدوة الحسنة.
لكل إنسان الحق في اعتناق الدين الذي يريد، (حرية المعتقد مكفولة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المادة 18)، إلا أن المؤلم في قصتنا أنك ما أن تكتب اسم “تيت” على محركات البحث، حتى تنهال عليك الألقاب التي لقب بها المدعو والتي تجمع كلها على كراهية النساء، والأكثر إيلامًا أن يعتقد الناس في العالم أن الرجل وجد في الإسلام ما يدعم أفكاره الكارهة للنساء، وهذا ما يجب نفيه من قِبل المسلمين أنفسهم بدلاً من التهليل والفرح بإسلامه.
والمحبط أيضا أن يحظى هذا الرجل بإعجاب ودعم الكثير من الشباب العربي بسبب كراهيته للمرأة، في بلاد تعاني فيها المرأة من انعدام المساواة بينها وبين الرجل، لدرجة أن التعليقات كانت تعتبر إسلامه ضربة موجعة للمرأة وللنضال النسوي.
أسئلة كثيرة تختلط في ذهن المطلع عند تصفح وسائل التواصل الاجتماعي، لماذا يكره رجل مثل أندرو تيت المرأة؟ علمًا بأنه جمع ثروته من الإتجار في البشر/ النساء؟ لماذا يكره بعض الرجال والشباب في عالمنا العربي المرأة؟ لماذا يكره بعض الرجال الغربيين، الذين يجدون في “تيت” قدوة لهم أيضًا، المرأة؟!
من يشوه صورة المرأة هو رجل غاضب منها ومن مقاومتها ومحاولاتها المستمرة لبلوغ مركز إنسان كامل الأهلية
تقدم فرجينيا وولف في كتابها “غرفة للمرء وحده” إجابة، فعندما ذهبت فرجينيا إلى إحدى المكتبات للبحث عن كتب عن المرأة، وجدت أن غالبية تلك الكتب ألّفها رجال، وفي الغالب محتواها يقلل من شأن المرأة ويعتبرها أقل من الرجل. أحد تلك الكتب كان بعنوان “المرتبة العقلية والفيزيائية المتدنية للمرأة “، كل هذه الكراهية للنساء كان دافعها الغضب كما قالت فرجينيا وولف.
عرفت فرجينيا أن من يشوه صورة المرأة هو رجل غاضب منها ومن مقاومتها ومحاولاتها المستمرة لبلوغ مركز إنسان كامل الأهلية، والذي يترتب عليه أن بعض الامتيازات التي حصل عليها هذا الرجل منذ ولادته باتت مهددة، امتيازات لم يتعب في امتلاكها؛ بل قدمت له على طبق من ذهب.
نجد من الرجال من يحصل على قيمته بجعل مكانة المرأة أدنى، عملية بسيطة لا تحتاج لعمل وإنجاز، من مكانه يستطيع الحديث عن عقله الكامل مقابل عقل المرأة الناقص، ويخترع قصصًا وهمية عن الفطرة ابتدعها وصدقها، ولم تستطع المرأة تكذيبها حتى لا تُطعن في أنوثتها، ويستطيع التحكم في النساء القريبات منه، وهكذا يصبح قائدًا بلا تعب أو مجهود. هكذا ضمن هذا الرجل الشعور بالعظمة أمام النساء المحيطات على الأقل، وهو ما أصبح مهددًا بخسارته إذا ما استطاعت المرأة أخذ مكانتها الحقيقية كإنسان كامل الأهلية.
المرأة كانت دائمًا هي المرآة التي يرى الرجل المهزوز نفسه فيها متضخما، يريدها ضعيفة ليشعر بقوته، يريدها فقيرة ليشعر بثرائه، جاهلة ليفتخر بعلمه، وحركات تحرر المرأة جعلت منها متعلمة وقوية ومستقلة، لم يتأثر الرجل الواثق بنفسه وبقدراته من موجات تحرر/تمكن المرأة، الرجل الذي وجد نفسه ضائعا مهزومًا أمام حرية المرأة، هو الضعيف منعدم الثقة، لذا نرى كراهية النساء تظهر وتتزايد في مجتمعات البطالة والفقر والجهل، وأشد المقاومة لحركات تحرر المرأة تجدها في البيئات التي يعتمد فيها الرجل على دونية المرأة للتضخيم الذاتي والشعور بالثقة المزيفة بالنفس، ولهذا يكره “تيت” الرجل الذي اعتاش على المرأة والتجارة بجسدها النسوية التي ترفض تشييء المرأة واستعبادها.
من الأشياء المضحكة المبكية التي رافقت الضجة حول أندرو تيت هو التساهل مع عمله وثروته التي جمعها من الدعارة، وجمل من قبيل؛ “هلا شققت عن قلبه!” و”الإسلام يجب ما قبله”، كانت من أكثر الجمل تداولاً في مجتمعات تقتل فيها المرأة لأنها ارتكبت ما يعرف بالخطأ مجتمعيًا، لا يسمح لها بالتوبة ولا تعطى فرصة، وهي التي لم تؤذ أحدًا وكل ما فعلته هو حقها في الاختيار والحياة.
من أسباب موجات التهليل والفرح لـ”تيت”، المظهر القوي الذي يبدو عليه وهو يستعرض عضلاته أمام المتابعين؛ خصوصًا وأننا في مرحلة انتشار ما يعرف بظاهرة “البلطجي” الذي أصبح قدوة الشباب في الحارات و المسلسلات والأفلام؛ حيث تراجع دور المفكر والمثقف الذي لا يتهاون معه نفس المجتمع لأنه تجرأ على طرح فكرة تخالف الأفكار المتوارثة؛ فالفعل السيئ وحتى الجرائم أصبحت مقبولة مجتمعيًا أكثر من الفكرة الجديدة، وكأن الفكر هو العدو وليس الإجرام الذي ينتهك الحقوق.
أما المرأة التي تبحث عن حقوقها فهي لا تجد من هذه الرحمة شيئًا، لا نسمع عندها مقولات مثل؛ “هلا شققت عن قلبها، فربما كانت عند الله أفضل مني ومنك “، ولعل المثال الذي يخطر ببالي عندما أفكر بحقوق المرأة هي الكاتبة والمفكرة نوال السعداوي، التي ساهمت بالتوعية ضد ختان البنات؛ بل وكان لها أثر في التقليل من جرائم قتل البنات بسبب العذرية، لم تشفع لها كل أعمالها ولم تكن محصنة من التكفير، هذه الرحمة التي يلقاها “تيت”، لا نجدها مع المسلمين والمسلمات المختلفين في الفكر، حتى وإن كان هدف الاختلاف واضحًا، وهو إقامة العدل في المجتمع والمساواة في الإنسانية.
- الآراء الواردة في هذا المقال تُعبّر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة مواقف وآراء “مواطن”.